«الخميس الأسود» في انتظار الفرنسيين

حركة إضرابات ومظاهرات واسعة تعم البلاد رفضاً لمشروع إصلاح قانون التقاعد

«الخميس الأسود» في انتظار الفرنسيين
TT

«الخميس الأسود» في انتظار الفرنسيين

«الخميس الأسود» في انتظار الفرنسيين

للعام الثاني على التوالي، يحمل شهر ديسمبر (كانون الأول) كثيراً من المخاطر للسلطات الفرنسية؛ ففي 2018، كاد يطيح بالرئيس إيمانويل ماكرون بسبب حراك «السترات الصفراء» والعنف الذي رافق المظاهرات والمسيرات، والذي حوّل جادة الشانزليزيه؛ الأشهر في باريس، وكثيراً من الجادات والشوارع والساحات في كثير من المدن الفرنسية، إلى ساحات كرّ وفرّ بين المتظاهرين وبينهم المشاغبون من أقصى اليمين واليسار من جهة؛ والقوات الأمنية من جهة أخرى.
وهذا العام، يؤرق هذا الشهر مضاجع أهل الحكم بما يحبل به من مخاطر وتهديدات ليست أقل خطراً مما عرفوه العام الماضي. أول الغيث هو الإضراب العام الذي ستعيشه فرنسا اليوم. وقبل أن ينطلق، أجمعت الوسائل الإعلامية على تسميته «الخميس الأسود». والسبب في ذلك أنه سيطال قطاعات أساسية ستصاب بالشلل وسيحول حياة المواطنين إلى جحيم لا يطاق، كما أنه سيعد للذاكرة ما عرفته فرنسا في عام 1995 من إضرابات متواصلة في شهر ديسمبر، الذي انتهى إلى حل المجلس النيابي وإجراء انتخابات جديدة خسرتها حكومة ألان جوبيه اليمينية، ما أفضى إلى رحيله ومجيء الاشتراكيين إلى السلطة.
هل تفضي الأسباب نفسها إلى النتائج عينها؟ السؤال مطروح. فالإضراب العام اليوم (وربما لأيام كثيرة لاحقة) مرده رفض شرائح اجتماعية واسعة مشروع إصلاح قوانين التقاعد التي تدرسها الحكومة وينتظر أن تقدم مشروع قانون بشأنها إلى الجمعية الوطنية الشهر المقبل. ومحركو الإضراب هم بالأساس المتضررون من المقترحات الحكومية التي تريد توحيد قانون التقاعد بين القطاعين العام والخاص ووضع حد لـ«الامتيازات» التي تتمتع بها مجموعة من المهن والتي تكلف خزينة الدولة كثيراً من الأموال. وبين استطلاع للرأي أجرته مؤسسة «هاريس» ونشرت نتائجه أمس أن 69 في المائة من الفرنسيين يدعمون الإضراب رغم الصعوبات الحياتية التي سيتسبب فيها. وترتفع هذه النسبة إلى نحو 80 في المائة لدى الجهات المعارضة للرئيس ماكرون وسياساته الاقتصادية والاجتماعية. كذلك يبين الاستطلاع أن 70 في المائة من العينة التي تم استفتاؤها عبرت عن «قلقها» من مشروع إصلاح قانون التقاعد؛ الأمر الذي يفسر شمول الإضراب قطاعات واسعة للغاية.
يحتل عمال السكك الحديدية الصدارة في الدعوة إلى الحراك والاحتجاج وهما موضع تفاهم من النقابات الفاعلة كافة في هذا القطاع الحيوي. وبالنظر لأهميته ولأنه يشمل القطارات السريعة؛ بما فيها الخطوط الدولية والنقل الداخلي ومترو الأنفاق في باريس والضواحي والقطارات الواصلة بين المدن والمناطق، فإن الأجهزة المعنية تتوقع صعوبات خانقة لجهة التنقل والسير. وبحسب إدارة النقل، فإن الإضراب سيصيب 90 في المائة من القطارات السريعة، و80 في المائة من النقل الداخلي. وفي باريس ستكون حركة النقل معدومة في 11 خط مترو (من أصل 14 خطاً) فيما حركة القطارات من الضواحي إلى العاصمة ستكون نادرة. وستطال الحركة الاحتجاجية النقل الجوي بنسب مختلفة. وبشكل عام، فإن شركة «إير فرنس» ألغت 30 في المائة من رحلاتها الداخلية، و15 في المائة من رحلاتها الخارجية المتوسطة، في حين أن شركة «إيزي جيت» منخفضة التكلفة ألغت 233 رحلة مقررة لها.
وما يصح على قطاع النقل يصح كذلك على قطاع التعليم والمدارس والجامعات والأساتذة وعلى المحامين وعمال النظافة والممرضين وعدد من نقابات رجال الشرطة وعمال النظافة وشركات الكهرباء. ويدعم الحركة الاحتجاجية التي سينضم إليها «السترات الصفراء» أحزاب المعارضة من اليسار واليمين المتطرف. ومن بين الأحزاب اليسارية؛ الحزبان الاشتراكي والشيوعي، وحزب «فرنسا المتمردة» الذي يقوده النائب الحالي والمرشح الرئاسي السابق جان لوك ميلونشون. أما في الجانب المقابل، فإن حزب «التجمع الوطني» اليميني المتطرف الذي ترأسه مارين لوبن هو الوحيد الذي أعرب عن دعمه للإضراب ودعا للمشاركة في المظاهرات. ووفق وزارة الداخلية، فإن 245 مسيرة ومظاهرة وتجمعاً ستحصل على الأراضي الفرنسية كافة اليوم.
إزاء هذه التعبئة الشعبية، عمدت السلطات الأمنية إلى اتخاذ تدابير احترازية شبيهة بتلك التي كانت تتخذ بمناسبة مظاهرات «السترات الصفراء». ففي العاصمة التي ستشهد المظاهرة الكبرى، منع التجمع في المناطق الحساسة التي تشمل قصر الإليزيه ومقري مجلس النواب والحكومة، والمناطق اللصيقة بها، كما منع التظاهر في الشانزليزيه. وأمرت مديرية شرطة العاصمة بإغلاق المتاجر كافة على طول الطريق التي ستسلكها المظاهرة التي ستنطلق من «محطة الشمال» إلى «ساحة لا ناسيون». وعبر وزير الداخلية كريستوف كاستانير عن «مخاوفه» من اندساس «آلاف عدة» من المنتسبين إلى مجموعة الـ«بلاك بلوكس» اليسارية المتطرفة ومن المتشددين من «السترات الصفراء» بين آلاف المتظاهرين في العاصمة والمدن الأخرى؛ مما يعني احتمال قيام مواجهات بينهم وبين رجال الأمن.
حتى الآن، أكدت رئاسة الحكومة أن السير بمشروع إصلاح قانون التقاعد لن يتوقف رغم اتساع الحركة الاحتجاجية. وقال ماكرون هذا الأسبوع إنه «لن يتخلى عن المشروع»، فيما أعلن رئيس الحكومة إدوار فيليب أنه «أكثر عزماً من أي وقت مضى» على إكمال ما بدأ العمل به. ورغم «الثقة بالنفس» التي تنضح بها تصريحات أكبر مسؤولين في السلطة التنفيذية، فإن الأمور ليست بهذه السهولة؛ فالرئاسة والحكومة تتخوفان من أن تندمج المطالب الشعبية بعضها ببعض وأن تستمر الحركة الإضرابية لكثير من الأيام؛ مما سيشكل عامل ضغط على الحكومة التي لم تستطع إطفاء حركة «السترات الصفراء» إلا بعد شهور. والطريف في هذه المسألة أن رئيس الحكومة الحالي هو - إلى حد كبير - «تلميذ» رئيس الوزراء الأسبق ألان جوبيه الذي تراجع قبل 24 عاماً عن مشروع إصلاح قانون التقاعد بسبب الضغوط الشعبية. فهل يعيد التاريخ نفسه؟



«كايسيد»: نستثمر في مستقبل أكثر سلاماً

الدكتور زهير الحارثي أمين عام المركز خلال الحفل (كايسيد)
الدكتور زهير الحارثي أمين عام المركز خلال الحفل (كايسيد)
TT

«كايسيد»: نستثمر في مستقبل أكثر سلاماً

الدكتور زهير الحارثي أمين عام المركز خلال الحفل (كايسيد)
الدكتور زهير الحارثي أمين عام المركز خلال الحفل (كايسيد)

أكد الدكتور زهير الحارثي، أمين عام مركز الملك عبد الله العالمي للحوار «كايسيد»، أن برامجهم النوعية تستثمر في مستقبل أكثر سلاماً بجمعها شخصيات دينية وثقافية لتعزيز الحوار والتفاهم وسط عالم يعاني من الانقسامات.

واحتفى المركز بتخريج دفعة جديدة من برنامج «الزمالة» من مختلف المجموعات الدولية والعربية والأفريقية في مدينة لشبونة البرتغالية، بحضور جمع من السفراء والممثلين الدبلوماسيين المعتمدين لدى جمهورية البرتغال.

وعدّ الحارثي، البرنامج، «منصة فريدة تجمع قادة من خلفيات دينية وثقافية متنوعة لتعزيز الحوار والتفاهم، وهو ليس مجرد رحلة تدريبية، بل هو استثمار في مستقبل أكثر سلاماً»، مبيناً أن منسوبيه «يمثلون الأمل في عالم يعاني من الانقسامات، ويثبتون أن الحوار يمكن أن يكون الوسيلة الأقوى لتجاوز التحديات، وتعزيز التفاهم بين المجتمعات».

جانب من حفل تخريج دفعة 2024 من برنامج «الزمالة الدولية» في لشبونة (كايسيد)

وجدَّد التزام «كايسيد» بدعم خريجيه لضمان استدامة تأثيرهم الإيجابي، مشيراً إلى أن «البرنامج يُزوّد القادة الشباب من مختلف دول العالم بالمعارف والمهارات التي يحتاجونها لبناء مجتمعات أكثر شموليةً وتسامحاً».

وأضاف الحارثي: «تخريج دفعة 2024 ليس نهاية الرحلة، بل بداية جديدة لخريجين عازمين على إحداث تغيير ملموس في مجتمعاتهم والعالم»، منوهاً بأن «الحوار ليس مجرد وسيلة للتواصل، بل هو أساس لبناء مستقبل أكثر وحدة وسلاماً، وخريجونا هم سفراء التغيير، وسنواصل دعمهم لتحقيق رؤيتهم».

بدورها، قالت ويندي فيليبس، إحدى خريجات البرنامج من كندا، «(كايسيد) لم يمنحني فقط منصة للتعلم، بل فتح أمامي آفاقاً جديدة للعمل من أجل بناء عالم أكثر عدلاً وسلاماً»، مضيفة: «لقد أصبحت مستعدة لمواجهة التحديات بدعم من شبكة متميزة من القادة».

الدكتور زهير الحارثي يتوسط خريجي «برنامج الزمالة الدولية» (كايسيد)

وحظي البرنامج، الذي يُمثل رؤية «كايسيد» لبناء جسور الحوار بين أتباع الأديان والثقافات، وتعزيز التفاهم بين الشعوب؛ إشادة من الحضور الدولي للحفل، الذين أكدوا أن الحوار هو الوسيلة المُثلى لتحقيق مستقبل أفضل للمجتمعات وأكثر شمولية.

يشار إلى أن تدريب خريجي «برنامج الزمالة الدولية» امتد عاماً كاملاً على ثلاث مراحل، شملت سان خوسيه الكوستاريكية، التي ركزت على تعزيز مبادئ الحوار عبر زيارات ميدانية لأماكن دينية متعددة، ثم ساو باولو البرازيلية وبانكوك التايلاندية، إذ تدربوا على «كيفية تصميم برامج حوار مستدامة وتطبيقها»، فيما اختُتمت بلشبونة، إذ طوّروا فيها استراتيجيات لضمان استدامة مشاريعهم وتأثيرها الإيجابي.