مستقبل الموضة يتحدد في خياراتنا الثقافية والأخلاقية

مؤتمر «بي أو إف فويسز» لعام 2019 يطرح معادلة بيع المنتجات من دون بيع المبادئ الإنسانية

أليكسي لوبوميرسكي المصور الذي التقط صور خطوبة وزفاف الأمير هاري وميغان ماركل يتكلم عن تجربته ورفضه تصوير أي شيء يتعلق بالفرو أو الجلود الطبيعية
أليكسي لوبوميرسكي المصور الذي التقط صور خطوبة وزفاف الأمير هاري وميغان ماركل يتكلم عن تجربته ورفضه تصوير أي شيء يتعلق بالفرو أو الجلود الطبيعية
TT

مستقبل الموضة يتحدد في خياراتنا الثقافية والأخلاقية

أليكسي لوبوميرسكي المصور الذي التقط صور خطوبة وزفاف الأمير هاري وميغان ماركل يتكلم عن تجربته ورفضه تصوير أي شيء يتعلق بالفرو أو الجلود الطبيعية
أليكسي لوبوميرسكي المصور الذي التقط صور خطوبة وزفاف الأمير هاري وميغان ماركل يتكلم عن تجربته ورفضه تصوير أي شيء يتعلق بالفرو أو الجلود الطبيعية

لم يكن مؤتمر «بي أو إف فويسز» BofVoices لعام 2019 عادياً بقدر ما كان ثورة ثقافية على كل المستويات. فهو لم يركز على الموضة بقدر ما ركز على جانبها الإنساني والبيئي، من خلال تيمة تستهدف تسليط الضوء على ما يجري في العالم من تغيرات، ومدى تأثيرها على الحياة عموماً. تفسير عمران أميد، مؤسس موقع الموضة الإلكتروني الشهير والمؤتمر، أن العالم يعيش حالة من الغليان في الوقت الحالي بسبب العولمة والتكنولوجيا وتغير المناخ وثقافة الجيل الجديد؛ لهذا فإن الحل يكمن في إعادة التفكير في الحياة ككل وضرورة اتخاذ قرارات تضع صناع الموضة موضع تساؤل، وفي الوقت ذاته تساعدهم على إيجاد حلول إيجابية تضع لبنة جديدة نحو مستقبل أكثر إشراقاً مما هو عليه الآن.
أقيمت النسخة الرابعة من المؤتمر، في «سوهو هاوس» الواقعة بمنطقة أكسفوردشاير على بعد ساعة ونصف الساعة تقريباً من لندن. ولا شك أن جمال الريف الإنجليزي أضفى على الأجواء هدوءاً ساعد على النظر إلى الأمور من زاوية إنسانية بحتة. من اليوم الأول، كان السؤال الملح في المؤتمر، مدى انعكاس الفوضى، التي يعيشها العالم على المبدعين وصناعة الموضة كما على الإنسان العادي في حياته اليومية. فمن المظاهرات في هونغ كونغ وحركة «السترات الصفراء» في باريس وتأثيراتها على الاقتصاد، إلى الوضع السياسي في إيران، وتأثيره على المصممين الذين يعملون في ظروف صعبة للترويج لمنتجاتهم وابتكاراتهم. ولا شك أن حجب السلطات للإنترنت منذ انطلاق الاحتجاجات الأخيرة ستزيد من حجم تحدياتهم. فالموضة على ما يبدو لا تعيش في منأى عن الأحداث السياسية والثقافية والفنية، بل هي جزء لا يتجزأ منها. ما أكده المؤتمر أيضاً، أن صناعة الموضة في مفترق طريق، بطرحه أسئلة مهمة مثل: كيف يمكن لنا كمواطنين مسؤولين تحقيق المعادلة الصعبة بين الربح وبين الأخلاق؟ وكيف يمكن بيع المنتجات من دون بيع المبادئ الإنسانية؟
افتتحت المؤتمر كلير فاريل، وهي ناشطة في «إكستنكشن ريباليان فايت»، وهي جمعية تنادي بحماية البيئة، وتندد بكل ما يعمل على تغيير المناخ، مطالبة صناع الموضة بأخذ البيئة ومستقبل كوكب الأرض بعين الاعتبار. تلتها المحامية الأميركية كيلسي جوليانا، التي رفعت دعوى قضائية على الحكومية الأميركية بتهمة، أن سياساتها المتعلقة بالوقود الأحفوري يؤدي إلى تغيرات مناخية كارثية تنتهك الحق الدستوري الأساسي للإنسان، ولا سيما الجيل الصاعد. من المشاركين أيضاً كانت هناك الصحافية كارول كادوالدر، التي عملت في صحافيتي «غارديان» و«أوبزرفر»، والتي سلطت الأضواء على التداعيات السياسية المقلقة للمعلومات والأخبار الخاطئة التي يمكن لوسائل التواصل الاجتماعي أن تتداولها، بينما تحدثت الناشطة الهندية تريشا شيتي، عن حقوق الإنسان بالهند وما تتعرض له المرأة تحديداً من مشاكل جمة. ربما تكون المدونة والمصورة الفوتوغرافية الفرنسية غارونس دوريه أكثر من تحدثت عن الموضة بمعناها التقليدي. تركزت مداخلتها على تجربتها الشخصية من بداية متواضعة وأحلام كبيرة إلى أن أصبحت نجمة في مجالها. لكنها بعد سنوات من تدليل بيوت الأزياء لها، قررت فجأة أن تقاطع أسابيع الموضة العالمية ولا تحضرها إطلاقاً. شعرت بأنها كسبت أشياء كثيرة، مثل الهدايا الغالية والاهتمام الكبير في كل المحافل، إلا أنها فقدت ما هو أكثر، حسب قولها. فقدت تلك الرؤية أو الشعلة التي كانت في داخلها عندما بدأت، وكانت تتلخص في أن تكون مدونة لها رأيها الخاص من دون تأثير بيوت الأزياء الكبيرة، على كتاباتها وآرائها.
هذا الجانب الإنساني والرغبة في احترام الذات والآخر لم يغب في كل النقاشات والمداخلات. وكان هناك إجماع على أن الكثير من المشاكل التي نعاني منها ربما سببها العولمة واقتحام التكنولوجيا أدق تفاصيل حياتنا، لكن يبقى الحل في الخيارات الإنسانية التي يتخذها كل واحد منا. فعندما تعيد الموضة النظر في إحساسها بالمسؤولية تجاه الآخر، سواء باحتضان الاختلاف أو ببناء وسائل للتفاعل والتواصل من دون إلغاء ثقافة كل واحد منا، أو البحث عن استراتيجيات استدامة جديدة، حينها فقط يمكن أن تصبح مؤثرة بشكل إيجابي.



الملك تشارلز الثالث يُدخل الموضة قصر «سانت جيمس»

ريكاردو ستيفانيللي يستعرض النتائج الأولى المتعلقة بمفهوم «الاستدامة البشرية» (برونيللو كوتشينللي)
ريكاردو ستيفانيللي يستعرض النتائج الأولى المتعلقة بمفهوم «الاستدامة البشرية» (برونيللو كوتشينللي)
TT

الملك تشارلز الثالث يُدخل الموضة قصر «سانت جيمس»

ريكاردو ستيفانيللي يستعرض النتائج الأولى المتعلقة بمفهوم «الاستدامة البشرية» (برونيللو كوتشينللي)
ريكاردو ستيفانيللي يستعرض النتائج الأولى المتعلقة بمفهوم «الاستدامة البشرية» (برونيللو كوتشينللي)

اهتمام الملك تشارلز الثالث بالموضة، وبكل ما يتعلق بالبيئة، أمر يعرفه الجميع منذ أن كان ولياً للعهد. لهذا لم يكن غريباً أن يستقبل في قصر سانت جيمس حديثاً مؤتمراً نظّمه «تحالف الاقتصاد الحيوي الدائري (CBA)»، ليؤكد أنه لا يزال متمسكاً بمبادئه. فالمشروع الذي نُظّم المؤتمر من أجله يستهدف تسريع التحوّل نحو اقتصاد مستدام، وتعزيز التقدّم في المشروع الإنساني.

وتُعدّ هذه دورته الثانية، التي جاءت تحت عنوان «مختبر الأزياء المتجددة في جبال الهيمالايا»، علماً بأن من يقف وراءه أسماء مهمة في عالم المال والأعمال ومجال الإبداع على حد سواء، نذكر منها جيورجيو أرماني وبرونيللو كوتشينللي.

ريكاردو ستيفانيللي مع الملك تشارلز الثالث في المؤتمر (برونيللو كوتشينللي)

المشروع ثمرة تعاون بين فرق معنيّة بالموضة، في إطار «مبادرة الأسواق المستدامة»، التي أطلقها الملك تشارلز الثالث -عندما كان ولياً للعهد- وشركة «برونيللو كوتشينللي (S.p.A)» و«تحالف الاقتصاد الحيوي الدائري». وتأسس لدعم القضايا المرتبطة بالمناخ العالمي وغيرها من المسائل الحيوية التي تُؤثّر على البشرية. وهي قضايا يشدد الملك تشارلز الثالث على أنها تحتاج إلى تكاثف كل القوى لإنجاحها.

حضر المؤتمر باحثون وعلماء وروّاد أعمال وقادة مجتمعات محلية (برونيللو كوتشينللي)

حضر المؤتمر، إلى جانب الملك البريطاني، نحو 100 مشارك، من بينهم باحثون وعلماء وروّاد أعمال، ومستثمرون، وقادة مجتمعات محلية.

كان للموضة نصيب الأسد في هذا المؤتمر، إذ شارك فيه فيديريكو ماركيتي، رئيس فرقة العمل المعنيّة بالموضة، وجوزيبي مارسوتشي، ممثل عن دار «جورجيو أرماني»، وبرونيللو كوتشينللي، الرئيس التنفيذي لشركة «برونيللو كوتشينللي». وتحدَّث هذا الأخير عن التقدّم الذي أحرزته الشركة الإيطالية حتى الآن في إطار دعم قيم الاقتصاد الدائري، وحماية البيئة، فضلاً عن تعزيز مفاهيم الأزياء والسياحة المستدامة، مستشهداً بدفعات أولية من «باشمينا»، استخدمت فيها مواد خام من مناطق واقعة في جبال الهيمالايا.

ويُعدّ مشروع الهيمالايا، الذي وُلد من رؤية مشتركة بين «برونيللو كوتشينللي» و«فيديريكو ماركيتي»، من المشروعات التي تحرص على ضمان إنتاج يُعنى برفاهية الإنسان، من دون أي تأثيرات سلبية على الطبيعة والبيئة. وحتى الآن يُحقق المشروع نتائج إيجابية مهمة، لكن دعم الملك تشارلز الثالث له يُضفي عليه زخماً لا يستهان به.