أزمة دبلوماسية جديدة تَلوح بين روسيا والغرب

قبل عام تقريباً تسببت روسيا في غضب أوروبي ودولي كبير ضدها ووجدت نفسها وسط أزمة دبلوماسية امتدت من أوروبا إلى أميركا، بعد أن أقدم عملاؤها في لندن على محاولة اغتيال العميل المزدوج سيرغي سكريبال، على الأراضي البريطانية. مرت الأشهر وهدأت «عاصفة سكريبال»، ويبدو أن روسيا عادت لتنفذ عملية اغتيال جديدة ناجحة هذه المرة على الأراضي الألمانية. فقد ذكر موقع «شبيغل» أن المدعي العام الألماني بيتر فرانك، يستعد في الأيام المقبلة لتولي التحقيقات في مقتل مواطن يحمل الجنسية الجورجية، قُتل قبل 3 أشهر في وضح النهار في حديقة «تيرغارتن» العامة، بعد أن أطلق رجل يركب دراجة هوائية 3 رصاصات على رأسه وظهره. لم يتأخر المحققون في إلقاء القبض على مشتبه به بالقرب من موقع الجريمة بعد اتصال من شاهدين، تبيّن أنه روسي اسمه فلاديمير سوكولوف (49 عاماً). وفور إلقاء القبض عليه، طلب من الشرطة الاتصال بالسفارة الروسية لا بمحامٍ، وهو ما كان التنبيه الأول للشرطة بأن العملية قد تكون أكبر من مجرد جريمة عادية. واتُّهم سوكولوف بقتل زاليمكان كانغوشفيلي الذي كان مقاتلاً شيشانياً وعمل لسنوات بعد ذلك في جورجيا وأوكرانيا ضد المصالح الروسية، ووصل إلى ألمانيا مؤخراً طالباً اللجوء. وكانت تحوم شبهات حوله كذلك بأنه كان يتعامل مع الاستخبارات الأميركية «سي آي إيه». وأشارت صحف أخرى إلى أن ما نبّه المحققين إلى إمكانية تورط روسيا في القتل، أمور عدة من بينها أن رقم الهاتف الذي ذُكر على طلب تأشيرة شينغن، كان رقم فاكس لشركة غاز مرتبطة بوزارة الدفاع الروسية.
شكوك المحققين بأن دافع القتل قد يكون سياسياً وبأنه قد يكون «إرهاب دولة»، تحولت إلى واقع بعد التوصل إلى أدلة كافية، حسب «شبيغل»، لتسليم ملف التحقيق للمدعي العام الذي يحقق عادةً في جرائم تتعلق بالأمن القومي. وحسبما نقلت صحف ألمانية، فإن المشتبه به زوّر هويته والمعلومات الخاصة به. واسمه الحقيقي هو فلاديمير كراسيكوف (54 عاماً)، دخل الاتحاد الأوروبي عبر فرنسا في نهاية أغسطس (آب)، أي قبل أيام قليلة من قتله كانغوشفيلي في 23 أغسطس. وكان مطلوباً دولياً من روسيا في جريمة قتل رجل أعمال روسي عام 2013، إلا أن التهم ضده أُسقطت عام 2014. وبعد فترة قصيرة مُنح كراسيكوف أوراقاً جديدة باسم سولوكوف. وحسب «شبيغل»، يرى الادعاء أن هذا الدليل الأقوى على تورط موسكو في عملية تصفية المقاتل الشيشاني، رغم أن متحدثاً باسم الكرملين نفى الأمر.
وذكرت صحيفة «مورغن بوست» أن المقاتل الشيشاني سُئل من قِبل مكتب الهجرة عند وصوله إلى ألمانيا عام 2017 طالباً اللجوء، ما الذي يخشاه في حال عاد إلى روسيا، فكان رده: «أن تدبر السلطات الروسية عملية لقتلي». وبعد اغتياله، منحت السلطات الألمانية حق اللجوء لزوجته وأولاده الأربعة.
وفي حال وجّه الادعاء العام تهماً إلى موسكو بالوقوف خلف الجريمة، فسيكون لذلك عواقب دبلوماسية كبيرة على العلاقات الروسية – الألمانية، والروسية - الأوروبية. فبعد عملية اغتيال سكريبال الفاشلة في بريطانيا، طردت 16 دولة أوروبية دبلوماسيين روسيين من أراضيها، وكذلك فعلت الولايات المتحدة التي فرضت أيضاً عقوبات على موسكو لهذا السبب. ورغم أن الرد الألماني على قتل سكريبال كان «رمزياً» بطردها 4 دبلوماسيين روسيين فقط، فإنها هذه المرة قد تضطر إلى الرد بشكل أكثر حزماً.
وتتمتع ألمانيا عامةً بعلاقات طيبة مع روسيا، هي عادةً ما تكون ليّنة في التعاطي مع موسكو بسبب ما يقول كثيرون إنه اعتماد برلين بشكل كبير على الغاز الروسي. فهي تعد من أكبر المستوردين له، وهي بصدد بناء أنبوب غاز ثانٍ يسمح باستيراد الغاز مباشرةً من روسيا.
ورغم الانتقادات الأوروبية والأميركية الكبيرة لهذا المشروع، فإن حكومة ميركل مصرّة على السير به على اعتبار أنه مشروع اقتصادي بحت. وكان الرئيس الأميركي دونالد ترمب، قد اتهم ألمانيا في تصريحات الصيف الماضي، بأنها باتت «معتمدة بشكل كامل» على روسيا، منتقداً خط أنبوب الغاز الجديد، ولكنه لم يلقَ حينها أي رد فعل من برلين.