محميات تاريخية وطبيعية «منسية» في موسكو

التركيز على المعالم المشهورة يُبقي أخرى مجهولة لبُعد مسافاتها

جانب من المباني التاريخية في عزبة إزمائيلوفو
جانب من المباني التاريخية في عزبة إزمائيلوفو
TT

محميات تاريخية وطبيعية «منسية» في موسكو

جانب من المباني التاريخية في عزبة إزمائيلوفو
جانب من المباني التاريخية في عزبة إزمائيلوفو

لا يختلف اثنان على أن مدينة موسكو وجهة روسية عالمية، لهذا يركز عليها الغالبية عندما يفكرون في السياحة؛ لكنهم يبقون ضمن معالم تاريخية وثقافية محددة، مثل الساحة الحمراء، والكرملين، ومسرح البولشوي، وغيرها. بيد أن «الثروة السياحية» في العاصمة الروسية أكبر من تلك المواقع السياحية بكثير، فهناك معالم أخرى في المدينة لا تقل أهمية، ولا تأخذ حقها، إما بسبب ضيق الوقت وإما لبُعد المسافات في المدينة العملاقة. فقد يمضي السائح نصف نهاره في الطريق ذهاباً وإياباً إليها، علماً بأن التعرف على المعالم التاريخية في تلك المحميات وملامسة جمال طبيعتها، قد يتطلب نهاراً بأكمله أو أكثر، تتيح لزوارها فرصة التعرف عن كثب على صفحات مثيرة من تاريخ روسيا، فضلاً عن أنها توفر فرصة لمشاهدة كثير من الحيوانات البرية، مثل الغزلان والسناجب وغيرها، تعيش في غابات تحتضن منشآت تائهة منذ بدايات تاريخ الدولة الروسية الحديثة.
فعلى مساحات خضراء شجرية شاسعة مجاورة لـ«غابات الأبنية البيتونية» في موسكو، مثلاً، تنتشر مجموعة غابات، تحمل صفة «محميات طبيعية تاريخية»، تطل بين أشجارها الكثيفة، مساحات خضراء أقيمت عليها قصور ومقرات إقامة لقياصرة وأباطرة في السابق، منها «مجمع محمية تساريتسينو التاريخي». وهو معروف أيضاً باسم «مجمع قصور وحدائق تساريتسينو»، يمتد على مساحة 405 هكتارات، وبدأ العمل على بنائه في عام 1775، حين وصلت الإمبراطورة يكاتيرينا الثانية إلى موسكو للاحتفال بنهاية الحرب الروسية - التركية، وأصدرت أمراً ببناء قصر يكون مقر إقامة لها في المدينة، عوضاً عن قصر آخر كانت قد أمرت ببنائه في ريفها. وكلفت المهندس المعماري فلاديمير باجينوف بهذا المشروع، وكانت الفكرة حينها بناء مجمع قصور «شخصية» للإمبراطورة والمقربين منها فقط. وخلال عشر سنوات من العمل تم بناء مجموعة من القصور، مع حدائق ونوافير ماء، وأنهر صغيرة فوقها جسور، ومباني خاصة للخيالة والخدم، وما إلى ذلك. وهكذا نجح باجينوف في بناء تحفة فنية تعكس أسس الفن القوطي الذي كان سائداً في الغرب.
وفي مرحلة كانت فيها جميع القصور والمرافق جاهزة عملياً، قامت يكاتيرينا بزيارة المجمع، ولم ينل التصميم رضاها، لتُكلف مهندساً معمارياً آخر، هو ميخائيل كازاكوف، بالمشروع، وطلبت منه أن يعيد بناء القصور لتكون أوسع وأكثر «رسمية». بعد وفاة يكاتيرينا توقفت أعمال البناء، وبحلول نهاية القرن التاسع عشر عانى المجمع من الخراب، إلى أن بدأت أعمال ترميمه في العهد السوفياتي؛ حيث استعادت جميع مباني المجمع ألقها التاريخي.
ويتضمن مجمع تساريتسينو عدة قصور، أهمها:
«القصر الكبير»، الذي صُمم بأسلوب يعبر عن قوة الدولة وعظمة الإمبراطورة. «القصر الصغير» الذي يبدو أكثر تواضعاً في تصميمه الداخلي، وكان مخصصاً لاستراحتها، وبمثابة مقر إقامة «شخصي» لها. أقيم على قمة هضبة صغيرة تقف على حافة ساقية هناك. وأحيطت تلك القصور بحدائق أهمها «حديقة تساريتسينو»، التي تُعتبر حالياً من أجمل حدائق موسكو. فقد اختير موقعها بعناية لتشكل فضاء جميلاً يطل عليه «سكان» القصور القيصرية في المحمية. وتنتشر في الحديقة أنواع مختلفة من الأشجار والزهور، ونوافير يتدفق منها الماء، مثل لحن موسيقي يستكمل جمال اللوحة.
أما «عزبة إزمائيلوفو» القيصرية، فهي محمية طبيعية - تاريخية أخرى تستحق الزيارة. فيها تتلاقى سيرة نبلاء روسيا، مع جمال الطبيعة وسحرها، وبينهما بعض الإثارة و«الهيبة» حتى، ذلك أن واحدة من الروايات التاريخية حول عزبة – قرية إزمائيلوفو، تقول إنها حصلت على هذا الاسم نسبة إلى سلالة النبلاء من عائلة إزمائيلوف، وإن إيفان الرهيب أول قياصرة عموم روسيا قدم الجزيرة التي أُقيمت عليها العزبة شرق موسكو، هدية لتلك العائلة في القرن الرابع عشر. وفي عهد أليكسي ميخائيلوفيتش، ثاني قياصرة عموم روسيا، من سلالة رومانوف، تم تشييد معظم المباني في مجمع إزمائيلوفو، وتوسعت حينها وأصبحت عبارة عن مجموعة من القرى والأحياء ضمن «الملكية القيصرية»، انتشرت فيها ورشات حرف وصناعات متنوعة، فضلاً عن الزراعة والغابات والأبنية التاريخية. وشكلت رمزاً للازدهار، لذلك كان القيصر أليكسي ميخائيلوفيتش يصطحب ضيوف الدولة الأجانب إليها، ليُظهر لهم حجم الإنجازات في عهده. وتقول بعض المراجع التاريخية إن القيصر بطرس الأول الذي يُعد باني الدولة الروسية، وُلد في إزمائيلوفو، وليس في أملاك القيصرية في موسكو.
إلى جانب جمال طبيعته المتوحشة إلى حد ما، تنتشر في مجمع إزمائيلوفو مجموعة كبيرة من القصور القيصرية القديمة، من ضمنها مجمع «كرملين» ضخم، وجسور وبوابات رئيسية وغيرها من منشآت، يعكس تنوع تصاميمها أسلوب أكثر من مدرسة فنية هندسية منذ القرن الرابع عشر وحتى التاسع عشر. هذا كله قائم وسط مساحات خضراء موزعة على مجموعات حدائق كبيرة، ما يجعل مجمع إزمائيلوفو يبدو مثل لوحة فنية تختبئ على ضفاف أنهر صغيرة وسط غابات وارفة.



مساعٍ سعودية لتحويل 8 مدن واعدة إلى وجهات عالمية

التعاون يستهدف تحسين جودة الحياة عبر تجديد الحدائق والمرافق البلدية بشكل مبتكر (واس)
التعاون يستهدف تحسين جودة الحياة عبر تجديد الحدائق والمرافق البلدية بشكل مبتكر (واس)
TT

مساعٍ سعودية لتحويل 8 مدن واعدة إلى وجهات عالمية

التعاون يستهدف تحسين جودة الحياة عبر تجديد الحدائق والمرافق البلدية بشكل مبتكر (واس)
التعاون يستهدف تحسين جودة الحياة عبر تجديد الحدائق والمرافق البلدية بشكل مبتكر (واس)

وسط مسعى السعودية لتنمية مدنها والارتقاء بمعايير جودة الحياة العصرية وتوسيع نطاق العروض السياحية، أبرم عدد من الجهات في القطاعين الخاص والحكومي اتفاقيات بارزة مؤخّراً في هذا الإطار، وشهد معرض «سيتي سكيب» العالمي في الرياض توقيع عدد من هذه الاتفاقيات.

وبهدف تحسين جودة الحياة في عدد من المدن الواعدة في السعودية، أعلنت «أسفار»، الشركة السعودية للاستثمار السياحي، إحدى شركات صندوق الاستثمارات العامة السعودي، عن توقيع مذكرة تفاهم مع «وزارة البلديات والإسكان»، ووفقاً للمسؤولين، سيوفّر هذا التعاون الاستراتيجي فرصاً ترفيهية وثقافية ورياضية جديدة في الأماكن العامة غير المستغلة، ما يسهم في نمو قطاع السياحة في البلاد.

تعزيز الثقافة المحلية والجمال الطبيعي للمناطق

وفي حديث خاص لـ«الشرق الأوسط»، قال الدكتور فهد بن مشيط، الرئيس التنفيذي لشركة أسفار: «نسعى إلى تحويل المدن الواعدة في السعودية إلى وجهات عالمية من خلال استثمارات استراتيجية تعزز الثقافة المحلية، وتبرز الجمال الطبيعي الفريد لكل منطقة». وأضاف أن هذه المبادرات «تمثِّل خطوة مهمة في رحلتنا المستمرة نحو بناء شراكات قوية وتوحيد الجهود بين القطاعين العام والخاص لدفع عجلة السياحة في السعودية».

جانب من التوقيع بين «وزارة البلديات والإسكان» و«أسفار» إحدى شركات صندوق الاستثمارات العامة السعودي. (الشرق الأوسط)

وبحسب ابن مشيط، تتطلّع «أسفار» إلى تعزيز علاقتها مع البلديات وهيئات تطوير المناطق التي تستثمر فيها لتحقيق مهمتها، كاشفاً عن التزام بـ«ترسيخ مكانة السعودية على خريطة السياحة العالمية، وأن نكون جسراً نحو نمو مستدام يحقق قيمة طويلة الأمد للمجتمعات السعودية عبر كافة مناطق السعودية وإثراء تجارب الزوار».

تحويل المساحات إلى وجهات حيوية

وعلمت «الشرق الأوسط» أن التعاون الاستراتيجي يستهدف أيضاً تحويل المساحات غير المستغلة إلى وجهات مجتمعية حيوية، ما يساعد في تحسين جودة الحياة في عدد من المدن الواعدة في السعودية عبر تجديد الحدائق والمرافق البلدية بشكل مبتكر، وذلك تماشياً مع مشروع «بهجة» المبادرة الوطنية للوزارة، بهدف تنمية المدن وتعزيز رفاهية سكانها وتجربة زوارها نحو تحقيق مفهوم جودة الحياة، كما يتناغم مع ما تلتزم به «أسفار» من تحويل المدن الواعدة إلى وجهات سياحية بارزة، تحقيقاً لمستهدفات «رؤية السعودية 2030».

التعاون يستهدف تحسين جودة الحياة عبر تجديد الحدائق والمرافق البلدية بشكل مبتكر (واس)

8 مدن واعدة

ووفقاً لمصادر «الشرق الأوسط»، جاءت الـ8 مدن الواعدة، التي ستعمل «أسفار» على تحويلها إلى وجهات سياحية بارزة كالتالي: الأحساء، الباحة، الجوف، حائل، الخبر، ينبع، الطائف، الدمام.

وفي الإطار ذاته، أُبرمت الاثنين اتفاقية ثلاثية، جمعت أمانة المنطقة الشرقية، وهيئة تطوير المنطقة الشرقية، وشركة «أسفار»، بحضور خالد البكر الرئيس التنفيذي لبرنامج جودة الحياة في السعودية، وهدفت الاتفاقية إلى تعزيز الاستثمار السياحي في مدينة الخبر، ودعم أهداف برنامج جودة الحياة في السعودية، وتضمّنت الاتفاقية إلى جانب تعزيز الوجهات السياحية والترفيهية في المنطقة الشرقية، وتحديداً مدينة الخُبر، تطوير موقع «الكورنيش الجنوبي» ليصبح وجهة سياحية متكاملة ورائدة في القطاع السياحي للمواطنين، المقيمين والزوار على حد سواء.