كشفت مصادر محلية يمنية عن شنّ الميليشيات الحوثية، في الآونة الأخيرة، حملات لمصادرة مئات الأطنان من المواد الغذائية نكاية في التجار الذين لم يظهروا الولاء المطلق لها ودعم المجهود الحربي ورعاية الفعاليات الطائفية التي تقيمها.
وتقوم الميليشيات الحوثية، وفق المصادر التي تحدثت لـ«الشرق الأوسط»، بإتلاف جزء من الكميات أمام عدسات الكاميرات وبعض القيادات والأشخاص المتحوّثين التابعين لها، فيما تصادر البقية وتوزعها على الجبهات أو تبيعها في مناطق أخرى وتحول المبالغ إلى ما يسمونه المجهود الحربي.
وتحت مبرر صحة وسلامة المستهلك، صادرت هيئة المواصفات والمقاييس الخاضعة لسيطرة الحوثي 842 ألفاً و725 كيساً من السلع خلال الفترة من يناير (كانون الثاني) إلى سبتمبر (أيلول) 2019 بحجة أنها غير مطابقة للمواصفات والمقاييس وأغلبها من المواد الغذائية الأساسية.
وشكا كثير من التجار من أن هذه الإجراءات تثقل كاهلهم. وقال تاجر في صنعاء فضل عدم ذكر اسمه: «كل ذنبنا أننا مسالمون لا ندعم الجبهات ولا نرعى الطائفية التي يتبناها الحوثي، لهذا تجارتنا مهددة بالنهب والمصادرة والإفلاس تحت حجج مختلقة». وأردف قائلاً: «لا تأبه الميليشيات الحوثية أكان التاجر أو المستورد مسدداً للضرائب أم ملتزماً بالقوانين في تجارته ما لم يدعم ويرعَ المجهود الحربي وبسخاء، أو يكون من المقربين أو من السلالة الحوثية». وأضاف: «في أغلب الأحيان يتعمد قيادات الحوثي إتلاف البضائع والمواد الغذائية جزءاً من العقاب لعدم تبني قوافل لجبهات القتال أو عدم دفع رشى لهذه القيادات».
وفي حين تستحدث ميليشيات الحوثي كثيراً من النقاط بغرض الجباية والنهب تحت أسماء كثيرة، يسرد أبو صالح سائق شاحنة نقل ما يحدث بقوله: «يتم دفع مبالغ مالية في كل نقطة بالنسبة للشاحنات المحملة بالبضائع المحلية، أما الشاحنات المحملة بمواد وسلع تجارية والبضائع المستوردة فتتم جمركتها في المنفذ ثم يتم فرض رسوم جمركية جديدة في كل النقاط التي تمر عبرها ودفع رسوم فحص إلى أن تصل لمستقرها».
وأوضح كثير من التجار في صنعاء لـ«الشرق الأوسط» أن الميليشيات الحوثية لا تعتمد مواصفات ومعايير قانونية، وإنما تخضع للمزاجية بغرض النهب والابتزاز ومصادرة البضائع بهدف جني مزيد من الأموال التي تستخدمها في تمويل حربها.
وفي تكريس نهبها الممنهج، اختلقت الهيئة اليمنية للمواصفات والمقاييس الخاضعة لسيطرة الميليشيات الانقلابية خلال العام الحالي 7 مراكز رقابية لدى المراكز الجمركية المستحدثة وهي مراكز: عفار بالبيضاء والراهدة وسقم في تعز والزاهر بالجوف وذمار وميتم في إب وجبل رأس بالحديدة، بالإضافة إلى مراكزها العشوائية في صنعاء وغرف العمليات في أمانة العاصمة والمحافظات التي يقوم عليها قيادات موالون للجماعة.
وتقوم هذه المراكز - بحسب المصادر - بابتزاز التجار أو نهب الناقلات التابعة لهم في حال عدم انصياعهم للإتاوات بعد دفعهم الجمارك والضرائب التي يفرضها المشرفون التابعون للميليشيات ومن دون أي مسوغ قانوني.
ويحذر الاقتصاديون من هذه الممارسات للميليشيات الحوثية التي تؤدي إلى انعدام المخزون الغذائي من المواد الأساسية في الأسواق وخلق حالة احتكار لتجار موالين للجماعة الميليشياوية، حيث بلغت فرق الحملة 15 فريقاً ميدانياً بأمانة العاصمة، إلى جانب فرق مكاتب الصناعة بالمحافظات والمديريات، واللجان الإشرافية والرئيسية للحملة.
وحسب تصريح لأحد المسؤولين في أمانة العاصمة التي تخضع لسيطرة الميليشيات الحوثية، فإن الحملة ارتكبت 8600 انتهاك ضد التجار في أمانة العاصمة ومختلف المحافظات. وقال المسؤول المحلي، الذي طلب عدم ذكر اسمه، لـ«الشرق الأوسط» إن «إجمالي قيمة الإتاوات التي نهبتها الجماعة خلال الحملة بلغت 190 مليون ريال وتم توريدها إلى حسابات خاصة بالجماعة (الدولار يساوي نحو 580 ريالاً)».
وبحسب تقديرات الخبراء الاقتصاديين، تجاوزت خسائر القطاع التجاري جراء القمع الحوثي والابتزاز والحملات، مليارات الريالات اليمنية، حيث تتصدر أمانة العاصمة المدن الأكثر انتهاكاً من قبل الميليشيات الانقلابية، ثم محافظة ذمار، تليها محافظة إب، ثم محافظة صنعاء، فصعدة، تليها عمران.
ويبين أحد تجار الجملة في منطقة باب اليمن بصنعاء أن ميليشيات الحوثي تقوم بتلفيق التهم للتجار والمستوردين أو المصنعين، وكذلك لبائعي الجملة والتجزئة، حيث يتهمون التجار برفع الأسعار، «وهم السبب الحقيقي خلف ارتفاع الأسعار من خلال رفع الضرائب والجمارك والجبايات والإتاوات والنهب بكل أشكاله».
وعلى المنوال نفسه يستغرب تاجر آخر في سوق شميلة جنوب العاصمة صنعاء من تلفيق الميليشيات تهم «عدم إشهار أو عدم مطابقة المواصفات والمقاييس أو البيع من دون فواتير أو نقص العبوات، وهذه التهم وغيرها تمارس من أجل الابتزاز ليس إلا».
ويقول أحد التجار: «يدّعي الحوثيون حماية المستهلك من السلع المقلدة، وهم من يمنحون التراخيص لسلع مقلدة مقابل مبالغ مالية تدفع للمشرفين والقيادات الحوثية». ويضيف: «يتم حجز السلع من قبل فرق للحوثيين مدعمة بمسلحين، وتتم المساومة لابتزاز التاجر، ولا يتم الإفراج عنها إلا بعد دفع الإتاوات التي تقصم ظهر التاجر، أو يتم احتجازها إلى أن تنتهي الصلاحية أو تفسد نتيجة سوء التخزين، وفي حالات يتم إصدار قرارات تحريز من قبل المشرفين، ومن ثم قرار المصادرة».
ويوضح التجار أن الإتاوات التي تفرض عليهم زادت بنسبة 300 في المائة على العام الماضي 2018، «مما يعكس مدى جشع أفراد هذه الجماعة التي لا تعرف إلا السطو على ممتلكات المواطنين».
وبلغ عدد الشحنات التي خضعت لانتهاكات وابتزاز الميليشيات الحوثية عبر الهيئة التي يديرها أحد القيادات الميليشياوية ويدعى إبراهيم المؤيد، خلال العام الحالي نحو 80 ألف شحنة، منها 4 آلاف شحنة تمت مصادرتها تماماً، فيما زاد عدد المنشآت المحلية التي تم نهبها وابتزازها على 200 منشأة. ويحذر اقتصاديون يمنيون من مغبة الممارسات التي تنتهجها ميليشيات الحوثي الطائفية، والتي تجهض الاقتصاد الوطني وخطط التنمية الاقتصادية وتعمل على إفلاس الصناعات الوطنية والمنتجين المحليين.
رفع الإتاوات الحوثية 300 % يثقل كاهل التجار
الميليشيات تنتقم من المتعاملين غير الموالين لها تحت مزاعم حماية المستهلك
رفع الإتاوات الحوثية 300 % يثقل كاهل التجار
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة