صدر حديثاً للكاتبة والإعلامية اللبنانية ثناء عطوي، كتاب جديد بعنوان «وسواس»، عن منشورات المتوسط – إيطاليا، ضمن سلسلة «يوميات عربية». وهو عبارة عن سيرة روائية، بل سيرة الآخر الذي نحملُه في داخلنا، يُشاكسنا ويُلاحقنا؛ هو هويتنا السيكولوجية، نصفنا الآخر الذي نخشاه ونتشاطر معه ذاتاً واحدة، في بناءَين ذهنيين مختلفين.
ثم أن تكون الوساوس على هيئة حرب، وأن تكون صحافياً على خطوط النار، يعني أن ترى أشياء لا يراها آخرون، أن ترافق الموت إلى مثواه الأخير، وتختبر مدينة فقدت عقلها وامتلأت رئتاها بالفراغ، أن ترى بلداً مفتوناً بالخرائط والملاجئ ومُعادلات الانخفاض، بالحقائب المنذورة للتجاوز والرحيل.
«وسواس» ثناء عطوي، ينطلق من تجربة خاصة جداً، ومؤلِمة في آن، لكنها وإنْ بدت كذلك، فإنها تلتقطُ ما نعجز دائماً عن الإمساك به، وما ينفلتُ منا في منعطفات الحياة الخاطفة، فكل ما يتغير ببطء نستطيع شرحه وتفسيره، لكن ما يتغير بسرعة نعجزُ عن إيجاد إيضاحات له. الكتاب في 120 صفحة، من القطع الوسط، ولوحة الغلاف للفنان التشكيلي زيد الشوّا.
وقد عملت ثناء عطوي سابقاً في صحيفة «السفير» لسنوات، وغطت أحداثاً ساخنة في العالم العربي، وخصوصاً الحروب الإسرائيلية المتكررة على لبنان، ولها كتاب بعنوان «تحولات المثقفين اللبنانيين منذ ستينيات القرن العشرين».
من أجواء الكتاب
احتفظتُ بعكّاز أمّي لزمن، فلكل واحدٍ منا عكّاز يدور حوله باقي العمر. وها هو وسواسي المسكين يجلس مستنداً إلى عكّازه، ضئيل وبصره ضعيف، يقبض على مسبحته الطويلة التي تشبه خطاً منحدراً نحو الأسفل، تماماً مثل خطّ سيرنا نحن البشر، مدقّقاً النظر في الأشياء حوله، باحثاً عن الضوء، وعني بين الأدراج. تتقادم الوساوس مثل الكائنات الأخرى، تُصاب بالشيخوخة، وتبدو على ملامحها التجاعيد، خطوطٌ رقيقة كالدخان، كلّما كانت أعمق، كان الوسواس حكيماً متأمّلاً العالم.
أفهم قلقك أيها الوسواس، وأشفق على وحدتك، أفهم حاجاتك، وأعرف أننا أسأنا فهم بعضنا بعضاً مرات عدة. تمنيّت أحياناً أن تغادرني ولا تعود، أن تختفي ولا أقتفي لك أثراً، لكني كنت أدعو في سرّي كي تنجو؛ لأن في نجاتك نجاتي. أرغب في الحفاظ عليك مُعافى، في بقائك هنا، لأنك خارجٌ من ضلعي، من يومياتي، راغباً بالعودة دائماً إلى ذاتك... بل ذاتي.