مخيم «برد رشّ» استوعب الهاربين من معارك رأس العين... والعودة بعيدة

11 ألف نازح هربوا من شمال سوريا إلى كردستان العراق

سكان مخيم «برد رشّ» في العراق هربوا من معارك رأس العين شمال سوريا (الشرق الأوسط)
سكان مخيم «برد رشّ» في العراق هربوا من معارك رأس العين شمال سوريا (الشرق الأوسط)
TT

مخيم «برد رشّ» استوعب الهاربين من معارك رأس العين... والعودة بعيدة

سكان مخيم «برد رشّ» في العراق هربوا من معارك رأس العين شمال سوريا (الشرق الأوسط)
سكان مخيم «برد رشّ» في العراق هربوا من معارك رأس العين شمال سوريا (الشرق الأوسط)

جلست ميرفانا ذات العقود الأربعة أمام خيمتها التي رُسم عليها شعار المفوضية السامية لشؤون اللاجئين والكائنة في مخيم «برد رشّ» التابعة لمحافظة دهوك، وبجانبها ولداها البالغان من العمر 15 عاماً، واللذان يعانيان من مرض التوحد. السيدة المتحدرة من مدينة رأس العين (أو سري كانيه بحسب تسميتها للمدينة الواقعة أقصى شمال سوريا)، فرّت بعد سيطرة الجيش التركي وفصائل سورية موالية منتصف أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، على المنطقة، وأجبرت على اللجوء إلى إقليم كردستان العراق، وانتهى بها المطاف للعيش مع أفراد عائلتها في المخيم.
لم تستطع هذه السيدة أن تحبس دموعها عندما بدأت تروي قصة خروجها من مدينتها، وتذكرت العمليات القتالية الدائرة في محيط المنطقة، وقالت: «لم يهمني أنا وزوجي النجاة بأرواحنا بقدر خلاص ألان وسيبان، فهما لا يدركان ماذا يحدث حولهما، هربنا بداية إلى تل تمر المجاورة، ومنها قصدنا الحدود ووصلنا للمخيم قبل شهر»، تخشى هذه السيدة وغيرها من الأمهات اللواتي لديهنّ أطفال معاقون، ويقدر عددهم بنحو واحد في المائة من إجمالي عدد قاطني المخيم، بحسب إدارته، من العيش تحت خيمة لا تحميهم برودة فصل الشتاء الذي بدأ ينخر عظامهم، وتضيف: «طرقت باب جميع المنظمات العاملة هنا بالمخيم، شرحت حالة أبنائي، وطلبت من الإدارة نقلنا إلى مخيم توجد فيه مراكز متخصصة لمعالجة حالات مماثلة».
ويقع مخيم «برد رشّ» في قضاء برد رش، نحو 70 كيلومتراً شمال أربيل عاصمة إقليم كردستان، ويتبع إدارياً محافظة دهوك؛ حيث يحتضن نحو 2500 أسرة. قُسم المخيم إلى 6 قطاعات، ويزيد عدد قاطنيه على 11 ألف لاجئ، معظمهم من أكراد سوريا الذين يتحدرون من مدينة رأس العين السورية.
هيفين البالغة من العمر 36 سنة هربت هي الأخرى رفقة زوجها وأطفالها الثلاثة، وهي تمتلك محلاً لبيع الخبز والمواد الأساسية والمشروبات الغازية يدر عليها مبلغاً مقبولاً من المال لتأمين متطلبات الحياة داخل المخيم. تقول إن أحوال اسرتها كانت ميسورة في مدينتها قبل خروجهم هرباً من نيران الحرب، «كان لدينا سوبر ماركت ومنزل كبير، أما اليوم فنعيش تحت رحمة خيمة، ونمتلك هذا المكان الصغير لنكسب رزقنا».
كانت تحمل في كفّها هاتفاً محمولاً تشاهد فيه بعض المقاطع والصور الحديثة عن الشارع الذي كانت تسكنه والمحال التجارية التي بدت أنها تعرضت للسرقة. «لقد سرقوا كل ما نملك، المحل والبيت، وحالنا كحال كثير من أهالي سري كانيه الذين سرقت ممتلكاتهم، حقيقة لقد سرقوا أحلامنا وأموالنا». تصمت برهة. تبلع ريقها بصعوبة لتمنع نفسها عن البكاء، قبل أن تتابع: «لم تعد هناك قيمة للحياة، فمن يدفع فاتورة الحروب هم المدنيون. لا حول لنا ولا قوة».
أمام إدارة المخيم كان يقف سردار (23 سنة)، ينتظر الحصول على إقامة اللاجئين التي تمنحه حق التنقل والسفر داخل حدود إقليم كردستان. سردار حصل على شهادة التخدير العام من جامعة الفرات صيف 2017. وكان ينتظر الحصول على وظيفة مناسبة ليتزوج ويبني أسرة صغيرة، إلا أن مجرى حياته تغير في أكتوبر الفائت، التاريخ الذي شنّ فيه الجيش التركي وفصائل موالية هجوماً واسعاً، فاضطر للهروب واللجوء مع عائلته إلى مخيم «برد رشّ». يقول: «ينظر إلى اللاجئ عموماً الذي هرب من الحرب، أنه هرب من الفقر والعوز، وهذا التصور خاطئ». غير أن هذا الشاب يريد الخروج من المخيم والبحث عن فرصة عمل تساعده في نقل والديه وإخوته إلى مكان مناسب. «تحوّلت مدينتي إلى ساحة تصفية حسابات بين دول كبرى، فتركيا هدفها إفراغ المنطقة الكردية، أما روسيا فتريد ضمها لمناطق النظام الحاكم، ولا وجود لمؤشرات أو علامات على قرب انتهاء الأزمة».
في موقع آخر من المخيم، نلتقي ميران (42 سنة) حصة عائلته من وقود الشتاء ومدفئة صغيرة تعمل على الكاز، قالها بمرارة وهو ينظر إلى جهة الغرب حيث بلده ومسقط رأسه: «يبدو أننا سننتظر هنا كثيراً حتى تنتهي تلك الحروب المستعرة، ربما لعدة أشهر أو سنوات»، رفع كلتا يديه إلى السماء مناجياً، وقال: «يا رب هون علينا عيشتنا هنا وارحمنا من مقبل الأيام».
يذكر أن قرار واشنطن سحب قواتها من شمال شرقي سوريا فتح الطريق أمام الهجوم التركي ضد «قوات سوريا الديمقراطية»، لكنه أعاد رسم خريطة شمال سوريا مرة أخرى، وأفرزت المعارك حدوداً ساخنة، في مؤشر على إخفاق هذا البلد من التعافي بعد سنوات الصراع ومرور أكثر من 8 سنوات على نشوب الحرب.



دعوات حكومية ودولية لتكثيف الاستجابة الإنسانية في اليمن

زيادة كبيرة في حجم احتياجات الاستجابة الإنسانية في اليمن يقابلها نقص في التمويل (الأمم المتحدة)
زيادة كبيرة في حجم احتياجات الاستجابة الإنسانية في اليمن يقابلها نقص في التمويل (الأمم المتحدة)
TT

دعوات حكومية ودولية لتكثيف الاستجابة الإنسانية في اليمن

زيادة كبيرة في حجم احتياجات الاستجابة الإنسانية في اليمن يقابلها نقص في التمويل (الأمم المتحدة)
زيادة كبيرة في حجم احتياجات الاستجابة الإنسانية في اليمن يقابلها نقص في التمويل (الأمم المتحدة)

مع توجّه الحكومة اليمنية بطلب إلى الأمم المتحدة لعقد مؤتمر للمانحين لجهة دعم خطة الاستجابة الإنسانية في البلاد، بعد تزايد الاحتياجات الإنسانية الملحَّة، جددت منظمات دولية وأممية الدعوة إلى زيادة التمويل والتعاون الأكبر بين الجهات الفاعلة الوطنية والدولية لتقديم المساعدات الأساسية.

وفي حين تواصل الجماعة الحوثية إعاقة جهود الإغاثة في البلاد، ذكر الإعلام الرسمي أن سفير اليمن لدى الأمم المتحدة، عبد الله السعدي، أكد على ضرورة أن تظل الأزمة الإنسانية في اليمن على رأس أولويات الأمم المتحدة والمجتمع الدولي للحد من المعاناة المتزايدة، داعياً إلى تكثيف الجهود للإفراج الفوري وغير المشروط عن جميع المختطَفين والمعتقَلين، ومحاسبة المسؤولين عن مختلف الانتهاكات، في إشارة إلى الجماعة الحوثية.

وفي بيان اليمن أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، خلال الجلسة الخاصة بتعزيز تنسيق المساعدات الإنسانية والإغاثية، حذَّر السعدي المجتمع الدولي من خطورة تجاهل الانتهاكات التي ترتكبها الجماعة الحوثية لخدمة أجندتها السياسية، بما في ذلك استخدام المساعدات الإنسانية لخدمة أهدافها العسكرية وتحويل المناطق الخاضعة لسيطرتها إلى سجون لمن يعارضونها.

أكثر من 19 مليون يمني بحاجة إلى المساعدات خلال العام المقبل حسب تقديرات أممية (الأمم المتحدة)

وأعاد البيان اليمني التذكير بأهمية نقل مقرات الوكالات الأممية والمنظمات الدولية إلى العاصمة المؤقتة عدن لضمان سلامة العاملين في المجال الإنساني، وتوفير بيئة آمنة للعمل بعيداً عن التدخلات؛ ما يساهم في تحسين القدرة على إيصال المساعدات إلى الفئات المحتاجة في مختلف المناطق. وتتهم الحكومة اليمنية وأوساط إغاثية وحقوقية محلية وأممية ودولية الجماعة الحوثية بالاستمرار في اختطاف العاملين بالمجال الإغاثي، وتبني حملات إعلامية مسيئة للعمل الإنساني، ورفض الاستجابة لطلبات عائلات المختطفين بالسماح بزيارتهم والاطمئنان على صحتهم الجسدية والنفسية، وتقديم الرعاية لهم.

سوء التنظيم والتخطيط

وجدَّدت الحكومة اليمنية التذكير بالأضرار الكبيرة التي تسببت بها الفيضانات والسيول التي ضربت عدة مناطق يمنية هذا العام، إلى جانب مختلف التطرفات المناخية التي ضاعفت من الآثار الناجمة عن الحرب في مفاقمة الأوضاع الإنسانية والاقتصادية؛ ما زاد من أهمية وضرورة تكثيف دعم المجتمع الدولي لليمن في مواجهة هذه التحديات.

جهات دولية تتهم الجماعة الحوثية بإعاقة أعمال الإغاثة بعد اختطاف موظفي المنظمات (رويترز)

ولا يتوقع جمال بلفقيه رئيس اللجنة العليا للإغاثة في الحكومة اليمنية أن يكون الدعم كبيراً أو كافياً لمواجهة مختلف المتطلبات والاحتياجات، مشيراً إلى أن عملية حشد الأموال لا بد أن تقترن بكيفية تنظيم إدارة العمل الإنساني والإغاثي، وخلق شراكة حقيقية بين الحكومة اليمنية والقطاع الخاص، والمنظمات المحلية والجهات الإغاثية الحالية، لإيصال المساعدات.

وفي حديثه لـ«الشرق الأوسط»، يصف بلفقيه الأزمة الإنسانية في بلاده بالأشد قسوة؛ ما يجعل من غير الممكن على اليمنيين الصمود أمام متطلبات معيشتهم، في ظل استمرارها وتصاعدها، منوهاً بأن حجم الأموال التي يمكن الحصول عليها ليس مهماً إذا لم يتم تنظيم عمليات الإغاثة للوصول بكفاءة إلى كل المستحقين.

وانتقد بلفقيه، وهو أيضاً مستشار وزير الإدارة المحلية، التوجهات الأممية الموسمية لزيادة التمويل، عند نهاية عام وبداية عام جديد، مع غياب التخطيط والتنظيم الفاعلين، وعدم مراعاة الاحتياجات المحلية للمتضررين من الأزمة الإنسانية في كل محافظة.

فيضانات الصيف الماضي في اليمن فاقمت من الأزمة الإنسانية وزادت من احتياجات الإغاثة (الأمم المتحدة)

من جهتها، أكدت منظمة «هيومن رايتس ووتش» أن اليمن أصبح يعيش «واحدة من أكبر الأزمات الإنسانية في العالم»، وفقاً لبيانات الأمم المتحدة؛ ما يزيد من احتياجات التمويل والتعاون الأكبر بين الجهات الفاعلة الوطنية والدولية لتقديم المساعدات الأساسية، بما فيها الغذاء والمياه والإمدادات الطبية.

واتهمت المنظمة، في بيان حديث لها، الجماعة الحوثية، باحتجاز وإخفاء 17 شخصاً على الأقل من موظفي الأمم المتحدة، بالإضافة إلى عشرات الموظفين من المنظمات غير الحكومية ومنظمات المجتمع المدني والشركات الخاصة، ومواصلة احتجازهم دون تهم.

إيقاف التمويل

نقلت «هيومن رايتس ووتش» عن الأمم المتحدة، أن 24.1 مليون يمني، أي ما يساوي 80 في المائة من السكان، بحاجة إلى المساعدات الإنسانية والحماية».

ونبهت المنظمة الدولية إلى أن الحكومة السويدية أقرَّت، أواخر الشهر الماضي، «الإنهاء التدريجي» لمساعداتها الإنمائية لليمن، على خلفية الإجراءات التدميرية المتزايدة للجماعة الحوثية في الأجزاء الشمالية من اليمن، ومنها اختطاف موظفي الأمم المتحدة.

كما دعت الأمم المتحدة والمجتمع الدولي تصعيد مطالبة الحوثيين بالإفراج عن المعتقلين، وتنسيق جهودهما بشكل أفضل في هذا الهدف المشترك. وقالت: «يجب أن تضاعف وكالات الأمم المتحدة الجهود لحماية ودعم موظفيها المتبقين في اليمن».

رغم تراجع تمويل الإغاثة في اليمن لا تزال وكالات أممية تقدم مساعدات للنازحين والمحتاجين (الأمم المتحدة)

ويتفق الباحث الاقتصادي، عادل السامعي، مع مسؤول الإغاثة اليمني، بلفقيه، حول سوء إدارة أموال الإغاثة في اليمن، وتسبب ذلك في حلول جزئية ومؤقتة للأزمة الإنسانية في البلاد. ويوضح السامعي لـ«الشرق الأوسط» أن هناك تراجعاً ملحوظاً في تمويل خطة الاستجابة الإنسانية في اليمن بسبب «الفساد» الذي أضر بالعملية الإغاثية وتجيير كثير من أوجه الدعم والمساعدات لصالح الجماعة الحوثية.

ويلفت إلى أن هناك تراكماً للفجوات بين الاحتياجات التي تفرضها الأزمة الإنسانية في اليمن والتمويل الموجَّه لها؛ فبعد أن كانت متطلبات الاستجابة الإنسانية خلال الـ12 عاماً الماضية تزيد على 33 مليار دولار، جرى تحصيل أقل من 20 مليار دولار فقط.

وخلال الأسبوع الماضي، كشفت الأمم المتحدة عن حاجتها إلى 2.5 مليار دولار لدعم خطة الاستجابة الإنسانية في اليمن خلال العام المقبل (2025).

بسبب اختطاف الجماعة الحوثية موظفي الإغاثة في اليمن تراجعت عدد من الدول عن تمويل الاستجابة الإنسانية (أ.ف.ب)

وحذَّر «مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (أوتشا)»، في بيان له، من أن الظروف المعيشية لمعظم اليمنيين ستظل مزرية في عام 2025. ومن المتوقَّع أن تؤدي فرص كسب العيش المحدودة وانخفاض القدرة الشرائية إلى تعميق عدم الاستقرار الاجتماعي والاقتصادي.

ووفقاً للمكتب الأممي، فإن 19.54 مليون شخص في اليمن بحاجة إلى المساعدة خلال العام المقبل، من بينهم 17 مليون شخص (49 في المائة من السكان) سيواجهون انعدام الأمن الغذائي الشديد، مع معاناة 5 ملايين شخص من ظروف «الطوارئ». بينما يؤثر سوء التغذية الحاد على نحو 3.5 مليون شخص، بمن في ذلك أكثر من 500 ألف شخص يعانون من سوء التغذية الحاد الشديد.