الجملي يدرس ملفات المرشحين للحكومة في تونس

مواجهات ليلية بين محتجين وقوات الأمن في مدينة جلمة

TT

الجملي يدرس ملفات المرشحين للحكومة في تونس

شرع الحبيب الجملي رئيس الحكومة التونسية المكلف، أمس، في دراسة ملفات الشخصيات السياسية المؤهلة لتولي حقائب وزارية في التشكيلة الحكومية المقبلة، مؤكداً أنه سيكرس جهده لرسم أولويات البرنامج الاقتصادي والاجتماعي للحكومة، في ظل تنامي التململ بين الفئات المهمشة المطالبة بالتنمية وخلق فرص التشغيل.
وقال الجملي في تصريح إعلامي، على هامش لقاءاته مع الأحزاب السياسية، إنه لن يقترح شخصيات ملاحقة في قضايا فساد في تشكيلة حكومته، وهو ما يعني ضمنياً إقصاء حزب «قلب تونس» الذي يتزعمه نبيل القروي المرشح الرئاسي السابق، من المشاركة في الائتلاف الحاكم.
ومن المرجح أن يعلن رئيس الحكومة المكلف عن أعضاء حكومته، قبل الثامن من ديسمبر (كانون الأول) الحالي.
في السياق ذاته، تعمل حركة «النهضة» التي تتزعم، دستورياً، المشهد السياسي، على حسم خياراتها حول الأسماء المرشحة للحقائب الوزارية في اجتماع مجلس الشورى، وأشارت إلى أنها ستقدم ثلاثة مرشحين لكل حقيبة وزارية مقترحة. وكان عبد اللطيف المكي القيادي في «النهضة» قد أكد ضرورة حصول حزبه على إحدى وزارات السيادة الأربع (الداخلية والعدل والدفاع والخارجية)، وهو ما قد يجعل الحسم صعباً نتيجة طموح أكثر من طرف سياسي لتولي الحقائب الوزارية نفسها.
ورجَّحت مصادر على اطلاع بما يدور داخل مجلس شورى حركة «النهضة»، أن يناقش المجلس ملف استقالة زياد العذاري الأمين العام من كل المناصب القيادية للحركة، علاوة على احتمال بروز خلافات حادة حول الشخصية التي ستتولى منصب الأمين العام الجديد.
في غضون ذلك، شهدت مدينة جملة من ولاية (محافظة) سيدي بوزيد (وسط) موجة من الاحتجاجات الاجتماعية الليلية، إثر إضرام شاب تونسي النار في نفسه احتجاجاً على تردي وضعه الاجتماعي، في استعادة للمشاهد نفسها التي عرفتها المنطقة ذاتها قبل نحو تسع سنوات، عندما لجأ الشاب التونسي محمد البوعزيزي إلى الوسيلة نفسها للاحتجاج على ظروفه الاجتماعية الصعبة.
وأكدت قيادات نقابية تونسية، أن هذه الأحداث قد تكون مقدمة لاحتجاجات اجتماعية أكثر حدة خلال شهر يناير (كانون الثاني) المقبل، المعروف في تونس بارتفاع منسوب الاحتجاجات المرتبطة بالخيارات الاقتصادية والاجتماعية التي تترجمها ميزانية الدولة.
وأسفرت المواجهات عن إصابة عنصر أمني بجراح واختناق عدد من المتساكنين، إثر استنشاقهم الغاز المسيل للدموع، وتم إيقاف عدد من المحتجين، غير أن أجهزة الأمن أطلقت سراحهم نظراً لصغر سنهم.
وأكد شهود عيان من مدينة جلمة، أن احتجاجات ومواجهات بين الوحدات الأمنية وعدد من المحتجين اندلعت على خلفية حادثة انتحار الشاب التونسي عبد الوهاب الحبلاني، الذي لا يزيد عمره عن 25 سنة. وأفادوا بأن عدداً من المحتجين عمدوا الليلة قبل الماضية إلى غلق الطريق الرابطة بين جلمة وقفصة باستعمال الحجارة والإطارات المطاطية المشتعلة. وتطورت المواجهات إلى حد استعمال أعوان الأمن قنابل الغاز المسيل للدموع لتفريق المحتجين.
ودعا أكثر من طرف سياسي إلى التعجيل بتأليف الحكومة، والابتعاد عن التناحر على المناصب والحقائب الوزارية. وفي هذا السياق أشار عادل العلمي رئيس «حزب الزيتونة» (إسلامي) إلى أن الوضع الاجتماعي في تونس ينذر بالانفلات، وعلى الطبقة السياسية بأسرها أن تنتبه إلى هذا الأمر، على حد تعبيره.
في السياق ذاته، طالبت «حركة الشعب» (حزب قومي) بضرورة التعاطي الإيجابي مع الحالات الاجتماعية التي تستحق المساعدة والتأطير، للتمتع بالعيش الكريم، ومن ثم اجتناب حالات الانتحار التي ما انفكت تتنامى. ونددت قيادات الحركة المرشحة للمشاركة في الائتلاف الحكومي المقبل، بـ«أسلوب التعاطي الأمني مع الشباب الغاضب»، ودعت الجميع إلى النأي عن كل مكروه، ونبهت المحتجين إلى عدم التصعيد مع أعوان الأمن.



القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
TT

القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)

تراهن الحكومة المصرية على القطن المشهور بجودته، لاستنهاض صناعة الغزل والنسيج وتصدير منتجاتها إلى الخارج، لكن رهانها يواجه تحديات عدة في ظل تراجع المساحات المزروعة من «الذهب الأبيض»، وانخفاض مؤشرات زيادتها قريباً.

ويمتاز القطن المصري بأنه طويل التيلة، وتزرعه دول محدودة حول العالم، حيث يُستخدم في صناعة الأقمشة الفاخرة. وقد ذاع صيته عالمياً منذ القرن التاسع عشر، حتى أن بعض دور الأزياء السويسرية كانت تعتمد عليه بشكل أساسي، حسب كتاب «سبع خواجات - سير رواد الصناعة الأجانب في مصر»، للكاتب مصطفى عبيد.

ولم يكن القطن بالنسبة لمصر مجرد محصول، بل «وقود» لصناعة الغزل والنسيج، «التي مثلت 40 في المائة من قوة الاقتصاد المصري في مرحلة ما، قبل أن تتهاوى وتصل إلى ما بين 2.5 و3 في المائة حالياً»، حسب رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي، الذي أكد عناية الدولة باستنهاض هذه الصناعة مجدداً، خلال مؤتمر صحافي من داخل مصنع غزل «1» في مدينة المحلة 28 ديسمبر (كانون الأول) الماضي.

أشار مدبولي، حسب ما نقله بيان مجلس الوزراء، إلى أن مشروع «إحياء الأصول» في الغزل والنسيج يتكلف 56 مليار جنيه (الدولار يعادل 50.7 جنيها مصري)، ويبدأ من حلج القطن، ثم تحويله غزلاً فنسيجاً أو قماشاً، ثم صبغه وتطويره حتى يصل إلى مُنتج سواء ملابس أو منسوجات، متطلعاً إلى أن ينتهي المشروع نهاية 2025 أو بداية 2026 على الأكثر.

وتكمن أهمية المشروع لمصر باعتباره مصدراً للدولار الذي تعاني الدولة من نقصه منذ سنوات؛ ما تسبب في أزمة اقتصادية دفعت الحكومة إلى الاقتراض من صندوق النقد الدولي؛ مرتين أولاهما عام 2016 ثم في 2023.

وبينما دعا مدبولي المزارعين إلى زيادة المساحة المزروعة من القطن، أراد أن يطمئن الذين خسروا من زراعته، أو هجروه لزراعة الذرة والموالح، قائلاً: «مع انتهاء تطوير هذه القلعة الصناعية العام المقبل، فسوف نحتاج إلى كل ما تتم زراعته في مصر لتشغيل تلك المصانع».

وتراجعت زراعة القطن في مصر خلال الفترة من 2000 إلى عام 2021 بنسبة 54 في المائة، من 518 ألفاً و33 فداناً، إلى 237 ألفاً و72 فداناً، حسب دراسة صادرة عن مركز البحوث الزراعية في أبريل (نيسان) الماضي.

وأرجعت الدراسة انكماش مساحته إلى مشكلات خاصة بمدخلات الإنتاج من بذور وتقاوٍ وأسمدة، بالإضافة إلى أزمات مرتبطة بالتسويق.

أزمات الفلاحين

سمع المزارع الستيني محمد سعد، وعود رئيس الوزراء من شاشة تليفزيون منزله في محافظة الغربية (دلتا النيل)، لكنه ما زال قلقاً من زراعة القطن الموسم المقبل، الذي يبدأ في غضون 3 أشهر، تحديداً مارس (آذار) كل عام.

يقول لـ«الشرق الأوسط»: «زرعت قطناً الموسم الماضي، لكن التقاوي لم تثمر كما ينبغي... لو كنت أجَّرت الأرض لكسبت أكثر دون عناء». وأشار إلى أنه قرر الموسم المقبل زراعة ذرة أو موالح بدلاً منه.

نقيب الفلاحين المصري حسين أبو صدام (صفحته بفيسبوك)

على بعد مئات الكيلومترات، في محافظة المنيا (جنوب مصر)، زرع نقيب الفلاحين حسين أبو صدام، القطن وكان أفضل حظاً من سعد، فأزهر محصوله، وحصده مع غيره من المزارعين بقريته في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، لكن أزمة أخرى خيَّبت أملهم، متوقعاً أن تتراجع زراعة القطن الموسم المقبل مقارنة بالماضي (2024)، الذي بلغت المساحة المزروعة فيه 311 ألف فدان.

تتلخص الأزمة التي شرحها أبو صدام لـ«الشرق الأوسط» في التسويق، قائلاً إن «المحصول تراكم لدى الفلاحين شهوراً عدة؛ لرفض التجار شراءه وفق سعر الضمان الذي سبق وحدَّدته الحكومة لتشجيع الفلاح على زراعة القطن وزيادة المحصول».

ويوضح أن سعر الضمان هو سعر متغير تحدده الحكومة للفلاح قبل أو خلال الموسم الزراعي، وتضمن به ألا يبيع القنطار (وحدة قياس تساوي 100 كيلوغرام) بأقل منه، ويمكن أن يزيد السعر حسب المزايدات التي تقيمها الحكومة لعرض القطن على التجار.

وكان سعر الضمان الموسم الماضي 10 آلاف جنيه، لمحصول القطن من الوجه القبلي، و12 ألف جنيه للمحصول من الوجه البحري «الأعلى جودة». لكن رياح القطن لم تجرِ كما تشتهي سفن الحكومة، حيث انخفضت قيمة القطن المصري عالمياً في السوق، وأرجع نقيب الفلاحين ذلك إلى «الأزمات الإقليمية وتراجع الطلب عليه».

ويحدّد رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن التابع لوزارة الزراعة، الدكتور مصطفى عمارة، فارق سعر الضمان عن سعر السوق بنحو ألفي جنيه؛ ما نتج منه عزوف من التجار عن الشراء.

وأكد عمارة أن الدولة تدخلت واشترت جزءاً من المحصول، وحاولت التيسير على التجار لشراء الجزء المتبقي، مقابل أن تعوض هي الفلاح عن الفارق، لكن التجار تراجعوا؛ ما عمق الأزمة في السوق.

يتفق معه نقيب الفلاحين، مؤكداً أن مزارعي القطن يتعرضون لخسارة مستمرة «سواء في المحصول نفسه أو في عدم حصول الفلاح على أمواله؛ ما جعل كثيرين يسخطون وينون عدم تكرار التجربة».

د. مصطفى عمارة رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية (مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار المصري)

فرصة ثانية

يتفق المزارع ونقيب الفلاحين والمسؤول في مركز أبحاث القطن، على أن الحكومة أمامها تحدٍ صعب، لكنه ليس مستحيلاً كي تحافظ على مساحة القطن المزروعة وزيادتها.

أول مفاتيح الحل سرعة استيعاب أزمة الموسم الماضي وشراء المحصول من الفلاحين، ثم إعلان سعر ضمان مجزٍ قبل موسم الزراعة بفترة كافية، وتوفير التقاوي والأسمدة، والأهم الذي أكد عليه المزارع من الغربية محمد سعد، هو عودة نظام الإشراف والمراقبة والعناية بمنظومة زراعة القطن.

ويحذر رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن من هجران الفلاحين لزراعة القطن، قائلاً: «لو فلاح القطن هجره فـلن نعوضه».

أنواع جديدة

يشير رئيس غرفة الصناعات النسيجية في اتحاد الصناعات محمد المرشدي، إلى حاجة مصر ليس فقط إلى إقناع الفلاحين بزراعة القطن، لكن أيضاً إلى تعدد أنواعه، موضحاً لـ«الشرق الأوسط» أن القطن طويل التيلة رغم تميزه الشديد، لكن نسبة دخوله في المنسوجات عالمياً قليلة ولا تقارن بالقطن قصير التيلة.

ويؤكد المسؤول في معهد بحوث القطن أنهم استنبطوا بالفعل الكثير من الأنواع الجديدة، وأن خطة الدولة للنهوض بصناعة القطن تبدأ من الزراعة، متمنياً أن يقتنع الفلاح ويساعدهم فيها.