خلال افتتاح أعمال السنة الرابعة من الدورة السابعة لمجلس الشورى، أكد خادم الحرمين الملك سلمان بن عبد العزيز أن الاعتداءات على السعودية لم تؤثر على التنمية وحياة المواطنين والمقيمين بفضل منتسبي القوات العسكرية والأمنية.
وفي تفاصيل الهجوم، أشار العاهل السعودي إلى أن المملكة تعرضت لـ286 صاروخاً باليستياً، و289 طائرة مسيرة، ولم يؤثر ذلك على مسيرتها التنموية، ولا على حياة المواطنين والمقيمين فيها.
الشاهد أن الصواريخ أداة معروفة منذ القدم في إطار الحروب والمواجهات العسكرية، لكن الطائرات المسيرة أو «الدرونز» تبقى هي الأداة المستحدثة الأكثر هلعاً ورعباً، لا سيما أن تكلفتها زهيدة جداً، وإمكانيات تصنيعها متوافرة، الأمر الذي يلقى بنوع من أنواع انعدام التوازن الاستراتيجي العسكري في ميادين القتال حول العالم، ناهيك من تهديد الآمنين على الأرض وفي الجو بالقدر نفسه... من أين للمرء توصيف هذه الإشكالية المحدثة المقلقة إلى أبعد حد ومدى؟
الدرونز في المائة عام الماضية
يمكن القطع بأن فكرة الطائرات «الدرونز» ليست فكرة جديدة، أو وليدة الأمس القريب، إذ تشير الدراسات المختلفة إلى أنها ولدت بداية في زمن الحرب العالمية الأولى، وفي إنجلترا تحديداً، في محاولة لتوفير الدم والحفاظ على أرواح الطيارين الإنجليز، وبدأت التجارب عليها ضمن سلاح «فرسان الجو». وفي أثناء الحرب العالمية الثانية، طور الأميركيون هذه الطائرات التي كانت بدائية لكي تضحي وسيلة لمراقبة القطع البحرية للأعداء بنوع خاص. وبرز في هذا السياق الأدميرال الأميركي «ويليام ستانلي» الذي قاد المشروع الأميركي.
وكانت حرب فيتنام ميداناً جديداً لتطوير «الدرونز»، لا سيما أن القوات الأميركية استخدمتها كسلاح مفاجئ، في ظل خسائرها البشرية. ومن الطبيعي أن يصل إلى إسرائيل هذا الاختراع، في وقت كانت تعيش فيه حروباً مع العالم العربي، عطفاً على حاجتها إلى مراقبة الأراضي المحتلة.
والثابت أنه منذ سبعينات القرن المنصرم حتى اليوم، أضحت «الدرونز» الهاجس الذي يقض مضاجع العالم، لا سيما بعد أن تمكنت الجماعات الإرهابية من حيازة تلك التكنولوجيا التي جعلت الرياح مسمومة حاملة لخطر الموت في الحل والترحال.
وشهد شهر أغسطس (آب) الماضي تحذيراً شديد اللهجة من المفوضية الأوروبية من مخاطر التطور التقني السريع لتكنولوجيا الطائرات المسيرة، وذلك في ظل التجارب المرصودة من جماعات إرهابية استخدمت فيها طائرات مسيرة في عمليات إرهابية.
وفي هذا السياق، كان مفوض الاتحاد الأوروبي للشؤون الأمنية جوليان كينغ يؤكد أن طائرات الدرونز «أصبحت أكثر ذكاء وكفاءة، مما يجعلها أكثر جاذبية للاستخدامات المشروعة، وكذلك للأفعال الإرهابية».
والثابت أن التحذير السابق لم يتأتَ من فراغ، وإنما من خلال عملية رصد ومتابعة للتهديدات التي تخلفها «الدرونز» على مسارين: الوضع الحالي والمستقبلي.
من هنا، بدا واضحاً أن الاتحاد الأوروبي يعمد إلى إقامة شبكة لتبادل المعلومات وتعزيز الاهتمام بهذه القضية على المستوى الدولي، وتوفير المخصصات المالية للمشروعات التي تخدم درء خطر «الدرونز».
ولم يكن البريطانيون وحدهم في حقيقة الحال من تنبه وبقوة لهذا الخطر القائم المقبل، بل إن الفرنسيين بدورهم أدركوا الهول الحالي، ولهذا فقد حذرت وحدة التنسيق الفرنسية لمكافحة الإرهاب في تقريرها الأخير من مخاطر التعرض لهجوم إرهابي محتمل على ملعب لكرة القدم بواسطة طائرة مسيرة مزودة بـ«مواد بيولوجية».
الدرونز الإيراني... مسيرة إرهابية
منذ أربعة عقود، هي عمر الثورة الإيرانية غير المحمودة، أضحت إيران حجر عثرة في الإقليم، وحول العالم، لا هم لها إلا زعزعة الاستقرار، ودعم الجماعات الإرهابية، ولهذا يضحي من الطبيعي أن تكون الدولة الأولى الداعمة للإرهاب حول العالم. ولأنها بهذا الوصف، لم يكن ليغيب عنها الاهتمام الكبير بحيازة مثل هذا السلاح الخطير، وهي التي درجت على مواجهة القاصي والداني، والتخطيط للمعارك اليوم وفي الغد.
بدأت إيران مبكراً رحلتها مع الشر الطائر -أي «الدرونز»- والمؤكد أنها لم تبدأ من الصفر، وإنما من خلال نماذج أولية تحصلت عليها من بعض شركائها في آسيا الشرقية، لا سيما كوريا الشمالية التي ترتبط معها بروابط عسكرية قوية وثيقة.
طورت إيران في أوائل الثمانينات، وفي ظل الحرب مع العراق، نماذج بسيطة غير مركبة من طائرات مسيرة عرفت باسم «مهاجر». وخلال العقود الثلاثة التالية، أنتجت طهران أنواعاً مختلفة منها، وبشكل خاص الطراز الذي أطلقوا عليه «أبابيل»، وهي التي زودت بها وكلاءها من الميليشيات، كما هو الحال مع الحوثيين في اليمن. كذلك زودت بها أطرافها الميليشياوية في لبنان، حيث «حزب الله» في الجنوب، ومن وراءها زودت بها جماعة «حماس» في الداخل الفلسطيني، لتصل إلى كتائب عز الدين القسام التي هاجمت بها القوات الإسرائيلية صيف عام 2014 خلال حرب غزة الثالثة.
الحوثي وطائرات إيران المسيرة
تركت إيران بصماتها الإرهابية المسيرة على اليمن بنوع خاص، وقد كانت نجاحات قوات الدفاع الجوي الملكي السعودي واضحة جلية، كما فعلت في أبها وجازان طوال العامين الماضيين، وقد شنت بالفعل عدداً من الغارات على البنية التحتية النفطية السعودية؛ كانت البدايات من خلال الهجوم على خط أنابيب النفط الخام بين الشرق والغرب ذي الأهمية القصوى، وأخرى على مرفق حيوي في عمق الربع الخالي في شبه الجزيرة العربية، وذلك قبل الهجوم الأشرس والأخطر على مصافي «أرامكو».
وتبين مسيرة إيران مع «الدرونز» أبعاد الإشكالية التي نحن بصددها. فرغم أن «الدرونز» مصممة في الأساس لتنفيذ أغراض مدنية، من بينها التصوير، فإن دولاً مثل إيران لا تتورع عن تطوير هذا النوع من الطائرات كي يستخدم في المعارك، ومنحه للإرهابيين في اليمن.
والمعروف أن إيران تستغل السوق السوداء للتحايل على العقوبات الاقتصادية المفروضة عليها، من أجل الحصول على «الدرونز»، التي تزود بها في نهاية المطاف أذرعها الإرهابية ووكلاءها من أجل استخدامهم كأطراف شد تخفف الضغوط على طهران كمركز، في طريق مواجهتها لجيرانها، وللمجتمع الدولي برمته.
إرهاب إيران من سوريا إلى ليبيا
لم تتوقف الأيادي الخبيثة الإيرانية عند حدود اليمن فقط. فقد استغل الإيرانيون وجودهم في سوريا لفتح طريق برية لإيصال الطائرات المسيرة من إيران إلى الداخل السوري. وغني عن القول أنها باتت شبه مسيطرة على كثير من المناطق السورية المهمة خلال الأعوام الماضية، ولهذا كان من الطبيعي أن تشهد الساحة السورية اتساعاً في سياق حركة الطائرات «الدرونز»، لا سيما بعد أن بات الوجود الإيراني في سوريا أمراً مألوفاً، وفي غالبية مناحي الحياة المدنية من جهة، وعلى صعيد الوضع العسكري بنوع خاص.
ويدرك المراقب العسكري للوضع الداخلي السوري أن هناك صراعاً عميقاً تجري به الأقدار بين الإيرانيين والروس على الأراضي السورية، وقد بلغ الأمر حد تبادل إطلاق النيران بين الجانبين، عطفاً على شن هجمات بالطائرات المسيرة الإيرانية في غالبية الأمر على مواقع عسكرية مسيطر عليها من قبل القوات الروسية في سوريا. فعلى سبيل المثال، خلال شهر واحد، تعرضت قاعدة حميم إلى نحو 12 هجمة استخدمت فيها «الدرونز»، مما دفع تعليقات روسية للإشارة إلى أن الحرب التي تدور رحاها في سوريا يمكن تصنيفها كـ«حرب الدرونز».
ولم تكن اليمن وسوريا فقط هما ميدان إيران لإطلاق حرب الدرونز، إذ تبقى ليبيا بدورها ساحة خلفية لتعاون غير بناء أو خلاق بين ثلاثي الشر في المنطقة (إيران وتركيا وقطر) فيما بينهم.
وأصبحت الساحة الليبية، حيث لا حسيب أو رقيب، ميداناً لتجربة أفتك الأسلحة وأحدثها، ومنها الطائرات «الدرونز»، الأمر الذي تكشفه إعلانات الجيش الوطني الليبي يوماً تلو الآخر. وكثيراً ما يتم ضبط أو إسقاط أنواع من تلك الطائرات، التي هي غالباً تركية أو إيرانية الصنع، تقوم قطر في غالب الأمر بدفع أكلافها، في إطار يتسق ودورها الهدام في عموم المنطقة.
هل من تعاون تركي ـ إيراني
في هذا الإطار؟
ربما هذا ما يؤكده بالفعل تقرير صادر مؤخراً عن معهد استوكهولم لأبحاث السلام. ففيه، يشار إلى مثل ذلك التعاون، ويؤكد أيضاً أن اهتمام تركيا بإنتاج الطائرات القتالية من دون طيار يعود إلى عام 1996، حين تعاقدت أنقرة مع شركة «جنرال أتوميكس» الأميركية على شراء طائرات من نوع «جنات» دون طيار، التي استخدمتها بشكل مكثف لمراقبة المناطق التي ينشط فيها «حزب العمال الكردستاني» في المناطق الحدودية مع العراق.
وتلا ذلك صفقة مماثلة، لكن هذه المرة مع إسرائيل، حيث تعاقد سلاح الجو التركي على شراء طائرات «الدرونز» من نوع «هيرون». ويبدو جلياً أن تركيا تريد أن تصبح بالتعاون مع إيران تقنياً، ومن خلال التمويل القطري، دولة كبرى فيما يتعلق بتقنيات الطائرات من دون طيار. لكن في الوقت نفسه يرى خبراء حروب الدرونز أن الغرض الحقيقي من إرسال الأتراك طائراتهم من دون طيار إلى ليبيا دعائي نفسي، أكثر منه ميداني تكتيكي، لا سيما أنه من الواضح أن تأثير تلك الطائرات محدود جداً في أرض المعركة، وقد تلاشى مؤخراً، بعد أن تمكنت القوات الجوية الليبية من تدمير غرفة التحكم الخاصة بها، وأصبحت السيطرة في السماوات الليبية في يد قوات الجيش الوطني الليبي. وأحد الأسئلة التي تتقاطع معنا في هذا المقال: ماذا عن الجماعات الإرهابية التي امتلكت أنواعاً مختلفة من الطائرات المسيرة؟
يمكن القطع بأن هناك أربع مجموعات فعلت ذلك: «حزب الله»، و«حماس»، و«جبهة فتح الشام»، وتنظيم داعش... ما الذي يجمع هذه الحواضن الإرهابية الأربع؟
وبشيء من التحليل، يمكن القطع بأن «حزب الله» استفاد من المساعدات الإيرانية المباشرة، بينما استغلت «حماس» الفرصة التي وفرتها لها التكنولوجيا الإيرانية والتركية المسربة. أما «الدواعش»، ففي صيف عام 2014 نشروا مقطع فيديو دعائي يظهر مدى تمدد رقعة سيطرة التنظيم في العراق، حيث استخدمت في مقدمة الفيديو مشاهد التقطت بطائرات الدرونز لإضفاء لمحة سينمائية على دعايته.