تصاعد الجدل الفلسطيني حول المستشفى الأميركي في غزة

اتهامات لـ«حماس» بالتنسيق مع إدارة ترمب... والحركة تؤكد أنها ستراقب الموقف

TT

تصاعد الجدل الفلسطيني حول المستشفى الأميركي في غزة

أصبح المستشفى الميداني الأميركي، الذي تجري أعمال تشييده في شمال قطاع غزة، قضية خلاف سياسي بين القوى السياسية الفلسطينية المختلفة، إذ وصفته حركة «فتح» بأنه قاعدة أميركية أمنية متقدمة في قطاع غزة، فيما دافعت حماس عن المستشفى قائلة إنه ضمن رزمة شملها اتفاق التهدئة الأخير، وإنها ستطلب من المستشفى المغادرة إذا تبين وجود أي خلل أمني متعلق به. ونشرت وسائل إعلام تابعة لحماس عن خليل الحية عضو المكتب السياسي للحركة، قوله إن المستشفى لم يفرض عليهم وهو يخضع للاختبار حالياً، مؤكداً أن «أي إخلال أمني تراقبه الأجهزة الأمنية والمقاومة بغزة. إما أن يكون رافعة إنسانية لشعبنا لتلبية احتياجاته الطبية، أو سنطلب مغادرته فوراً، ولن نتردد لحظة في هذا القرار».
وبدأت مؤسسة أميركية بالعمل على إقامة المستشفى قرب معبر بيت حانون «إيرز» شمال قطاع غزة. ونشرت مؤسسة «فرندشيبس» الأميركية صوراً ومقاطع فيديو ظهر فيها عمال بملامح أميركية أثناء قيامهم بتركيب معدات المستشفى الأميركي قرب معبر «إيرز» شمال القطاع. ولاقت صور ومقاطع الفيديو جدلاً كبيراً على مواقع التواصل الاجتماعي وتشكيكاً أكبر حول المستشفى وتوقيت إقامته والجهة التي تشرف عليه وطبيعة عمله. وتواصل الهجوم على المستشفى أمس من قبل حركة فتح وانضمت إليها فصائل فلسطينية أخرى.
وقال عضو اللجنة المركزية لحركة فتح، جمال محيسن، إن المستشفى الميداني الأميركي في قطاع غزة يأتي ضمن تحالف الإخوان المسلمين والولايات المتحدة الأميركية بهدف فصل قطاع غزة عن الضفة الغربية. وأشار محيسن في تصريحات لإذاعة «صوت فلسطين» إلى أن الولايات المتحدة قطعت المساعدات عن المستشفيات الفلسطينية وحاصرت قطاع غزة وتحاول إنهاء وكالة الأونروا، وتدعي أنها تساعد الشعب الفلسطيني. وأضاف محيسن أن منظمة التحرير هي الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني وأن شعبنا سيتصدى لهذه المؤامرة التي تحيكها الإدارة الأميركية.
وقال أيضاً المتحدث باسم حركة «فتح» أسامة القواسمي إن المستشفى الميداني مشروع أميركي إسرائيلي ينفذ بالتعاون الكامل مع حركة حماس لإنشاء قاعدة أميركية قرب المعبر، وإن هناك ثمناً سياسياً وراءه. وهاجم القواسمي مؤسسة «فرندشيب» الأميركية قائلاً إنها «مملوكة لشخص يؤمن ببناء الهيكل المزعوم وبأرض الميعاد لإسرائيل». وأضاف أن تعامل حركة حماس مع هذا المشروع بشكل سري يشير إلى أنه «تنفيذ لصفقة العار الصهيوأميركية من بوابة المشاريع الإنسانية»، مؤكدا أن على حماس أن تجيب عن ماهية هذا المشروع وكيف تتعاون مع إسرائيل والولايات المتحدة من أجل تنفيذه.
واستنكرت حركة فتح في بيان وزعته أمس موافقة حماس على إنشاء قاعدة عسكرية أميركية شمال قطاع غزة تحت اسم مستشفى ميداني، مؤكدة رفضها ورفض الشعب الفلسطيني لوجود هذه القاعدة. وأضافت أن «حماس ترتكب جريمة بحق القضية الفلسطينية والشعب الفلسطيني بهذه الموافقة والتي ثمنها أن تقوم إدارة ترمب بالتعامل مع حماس واعتمادها بديلاً عن منظمة التحرير الفلسطينية التي ترفض التعامل قطعياً مع إدارة ترمب». وقالت فتح إن هذه المواقف دليل على مستوى التنسيق بين حماس وحكومة نتنياهو، مشيرة إلى مواقف حماس عندما أحجمت عن المشاركة بالرد على العدوان الإسرائيلي الأخير على قطاع غزة، مؤكدة أن حماس على استعداد أن تقوم بأي شيء مقابل أن يتم اعتمادها من قبل تل أبيب وواشنطن بوصفها شريكا.
وحذرت فتح من مخاطر ما تقوم به حماس على القضية الفلسطينية. وهاجم أمين سر هيئة العمل الوطني في قطاع غزة محمود الزق، المستشفى، قائلاً إن جميع القوى السياسية، ترفض إقامة المستشفى الميداني الأميركي في القطاع.
وأضاف الزق أن «المستشفى يأتي في سياق مؤامرة واضحة على شعبنا هدفت للتعامل مع قضيتنا وكأنها قضية إنسانية واقتصادية يمكن حلها من خلال مشاريع تنفذ هنا وهناك». كما هاجم عضو المكتب السياسي لحزب «فدا» جمال نصر، المستشفى، وقال: «توجد مدعاة للشك حول أهدافه التي لا يمكن أن تكون إنسانية»، معتبرا أنه بمثابة جهاز استخباراتي لجمع المعلومات حول ما يجري في القطاع. وقال عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير صالح رأفت، إن المستشفى الميداني الأميركي في قطاع غزة، يأتي ضمن خطة اقتصادية لصفقة القرن بتوافق بين إسرائيل وحماس والولايات المتحدة الأميركية. وأكدت عضو المكتب السياسي للجبهة الشعبية، مريم أبو دقة، رفض الجبهة المطلق لإقامة المستشفى الأميركي في قطاع غزة، قائلة إن «هذا المشروع لا يمكن أن يكون فيه خير لشعبنا». وحذرت من أن يكون هذا المشروع منفذاً أمنياً جديداً تحت الغطاء الإنساني، مجددة التأكيد على أن قضيتنا ليست إنسانية بل سياسية بامتياز.



«هدنة غزة» تقترب وسط جولات مكوكية وحديث عن «تنازلات»

دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
TT

«هدنة غزة» تقترب وسط جولات مكوكية وحديث عن «تنازلات»

دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)

وسط حديث عن «تنازلات» وجولات مكوكية للمسؤولين، يبدو أن إسرائيل وحركة «حماس» قد اقتربتا من إنجاز «هدنة مؤقتة» في قطاع غزة، يتم بموجبها إطلاق سراح عدد من المحتجزين في الجانبين، لا سيما مع تداول إعلام أميركي أنباء عن مواقفة حركة «حماس» على بقاء إسرائيل في غزة «بصورة مؤقتة»، في المراحل الأولى من تنفيذ الاتفاق.

وتباينت آراء خبراء تحدثت إليهم «الشرق الأوسط»، بين من أبدى «تفاؤلاً بإمكانية إنجاز الاتفاق في وقت قريب»، ومن رأى أن هناك عقبات قد تعيد المفاوضات إلى المربع صفر.

ونقلت صحيفة «وول ستريت جورنال» الأميركية، عن وسطاء عرب، قولهم إن «حركة (حماس) رضخت لشرط رئيسي لإسرائيل، وأبلغت الوسطاء لأول مرة أنها ستوافق على اتفاق يسمح للقوات الإسرائيلية بالبقاء في غزة مؤقتاً عندما يتوقف القتال».

وسلمت «حماس» أخيراً قائمة بأسماء المحتجزين، ومن بينهم مواطنون أميركيون، الذين ستفرج عنهم بموجب الصفقة.

وتأتي هذه الأنباء في وقت يجري فيه جيك سوليفان، مستشار الأمن القومي للرئيس الأميركي، محادثات في تل أبيب مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الخميس، قبل أن يتوجه إلى مصر وقطر.

ونقلت «رويترز» عن دبلوماسي غربي قوله إن «الاتفاق يتشكل، لكنه على الأرجح سيكون محدود النطاق، ويشمل إطلاق سراح عدد قليل من الرهائن ووقف قصير للأعمال القتالية».

فلسطينيون بين أنقاض المباني المنهارة في مدينة غزة (أ.ف.ب)

في حين أشار القيادي في «حماس» باسم نعيم إلى أن «أي حراك لأي مسؤول أميركي يجب أن يكون هدفه وقف العدوان والوصول إلى صفقة لوقف دائم لإطلاق النار، وهذا يفترض ممارسة ضغط حقيقي على نتنياهو وحكومته للموافقة على ما تم الاتفاق عليه برعاية الوسطاء وبوساطة أميركية».

ومساء الأربعاء، التقى رئيس جهاز المخابرات الإسرائيلي، ديفيد برنياع، مع رئيس الوزراء القطري، الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، في الدوحة؛ لبحث الاتفاق. بينما قال مكتب وزير الدفاع الإسرائيلي، يسرائيل كاتس، في بيان، إنه «أبلغ وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن في اتصال هاتفي، الأربعاء، بأن هناك فرصة للتوصل إلى اتفاق جديد يسمح بعودة جميع الرهائن، بمن فيهم المواطنون الأميركيون».

وحال تم إنجاز الاتفاق ستكون هذه هي المرة الثانية التي تتم فيها هدنة في قطاع غزة منذ بداية الحرب في 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023. وتلعب مصر وقطر والولايات المتحدة دور الوساطة في مفاوضات ماراثونية مستمرة منذ نحو العام، لم تسفر عن اتفاق حتى الآن.

وأبدى خبير الشؤون الإسرائيلية بـ«مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية» الدكتور سعيد عكاشة «تفاؤلاً حذراً» بشأن الأنباء المتداولة عن قرب عقد الاتفاق. وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «التقارير تشير إلى تنازلات قدمتها حركة (حماس) بشأن الاتفاق، لكنها لا توضح نطاق وجود إسرائيل في غزة خلال المراحل الأولى من تنفيذه، حال إقراره».

وأضاف: «هناك الكثير من العقبات التي قد تعترض أي اتفاق، وتعيد المفاوضات إلى المربع صفر».

على الجانب الآخر، بدا أستاذ العلوم السياسية بجامعة القدس السياسي الفلسطيني، الدكتور أيمن الرقب، «متفائلاً بقرب إنجاز الاتفاق». وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «هناك حراكاً أميركياً لإتمام الصفقة، كما أن التقارير الإسرائيلية تتحدث عن أن الاتفاق ينتظر الضوء الأخضر من جانب تل أبيب و(حماس) لتنفيذه».

وأضاف: «تم إنضاج الاتفاق، ومن المتوقع إقرار هدنة لمدة 60 يوماً يتم خلالها الإفراج عن 30 محتجزاً لدى (حماس)»، مشيراً إلى أنه «رغم ذلك لا تزال هناك نقطة خلاف رئيسية بشأن إصرار إسرائيل على البقاء في محور فيلادلفيا، الأمر الذي ترفضه مصر».

وأشار الرقب إلى أن «النسخة التي يجري التفاوض بشأنها حالياً تعتمد على المقترح المصري، حيث لعبت القاهرة دوراً كبيراً في صياغة مقترح يبدو أنه لاقى قبولاً لدى (حماس) وإسرائيل»، وقال: «عملت مصر على مدار شهور لصياغة رؤية بشأن وقف إطلاق النار مؤقتاً في غزة، والمصالحة الفلسطينية وسيناريوهات اليوم التالي».

ويدفع الرئيس الأميركي جو بايدن والرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب، من أجل «هدنة في غزة»، وكان ترمب طالب حركة «حماس»، في وقت سابق، بإطلاق سراح المحتجزين في غزة قبل توليه منصبه خلفاً لبايدن في 20 يناير (كانون الثاني) المقبل، وإلا فـ«الثمن سيكون باهظاً».