العراقيون يسقطون محرمات حول إيران في الشارع

حرقوا قنصلياتها في النجف وكربلاء والبصرة... وأزالوا صور قادة طهران والمرشد من الشوارع

TT

العراقيون يسقطون محرمات حول إيران في الشارع

هاجم العراقيون المتظاهرون منذ شهرين ضد السلطة السياسية قنصليات إيرانية، وأزالوا صور زعماء إيرانيين في الساحات العامة، وحرقوا علمها، مسقطين في الشارع محرمات كثيرة، فيما يرى خبراء أن إيران عززت نفوذها داخل الحكم في العراق.
وفي النجف التي تستضيف سنويا ملايين الزوار الشيعة معظمهم من الإيرانيين، أضرم متظاهرون النار في قنصلية الجمهورية الإسلامية وهتف مئات الشبان «إيران برا» من داخل المجمع الدبلوماسي. وقال علي حسين أحد المتظاهرين في النجف «إن تدخل إيران الذي لا تحاول حتى إخفاءه أثار استياء العديد من العراقيين»، معتبرا أن الهجوم على القنصلية «رسالة واضحة إلى إيران لحملها على مراجعة دورها في العراق».
وسبق أن حاول متظاهرون مطلع نوفمبر (تشرين الثاني)، إحراق قنصليّة إيران في كربلاء، ورفعوا الأعلام العراقية على الجدار المحيط بالمبنى وكتبوا عليه «كربلاء حرة حرة... إيران برا برا». كما فعل محتجو البصرة الشيء نفسه في ديسمبر (كانون الأول) 2018.
وبعدما كانت هذه المعارضة لإيران تقتصر على مناطق السنة الذين يشكلون ثلث سكان العراق مقابل ثلثين من الشيعة كما في إيران، أحرق المحتجون مقار فصائل مسلحة مؤيدة لإيران تشكل ثاني أكبر كتلة في البرلمان في بغداد. وما أجج غضب المتظاهرين الزيارات المتكررة لقائد فيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني اللواء قاسم سليماني للعراق، هو الذي نجح في رص صفوف الأحزاب الحاكمة حول رئيس الوزراء عادل عبد المهدي الذي كان موقعه مهددا.
ويتهم المتظاهرون إيران أيضا بالقضاء على الصناعة العراقية بإغراقها السوق بمجموعة واسعة من المنتجات والسلع تتراوح من السيارات إلى الطماطم، بقيمة إجمالية تصل إلى نحو ستة مليارات يورو في السنة. وقال الباحث فنار حداد لوكالة الصحافة الفرنسية، إن «الشعور المعادي لإيران ليس جديدا، لكن طريقة التعبير عنه جديدة». وأوضح الباحث المتخصص في شؤون العراق أن «الغضب يتركز على النظام السياسي العراقي، وبطبيعة الحال ينصبّ أيضا على إيران لأنه من المستحيل الفصل بينهما».
وعملت إيران على مدى سنوات في عهد الرئيس الراحل صدام حسين على بسط شبكة قوية بين معارضي نظامه، سواء من أنصار القضية الشيعية أو الأكراد، أو حتى من العشائر السنية. والعناصر الذين عولت عليهم إيران منذ سنوات باتوا اليوم في السلطة. كما حرصت إيران على أداء دور لا يمكن للعراق الاستغناء عنه، فأمدت الدولة المجاورة لها بالتيار الكهربائي والغاز الطبيعي لقاء مليارات اليوروات.
وعند اندلاع الحركة الاحتجاجية في الأول من أكتوبر (تشرين الأول)، نزل المتظاهرون إلى الشارع للمطالبة بخدمات عامة وبتموين كهربائي ثابت ووظائف في بلد لا يزال العديد من مصانعه مغلقا منذ الاجتياح الأميركي عام 2003. لكن إيران كانت في أذهان الجميع. وأوضحت ماريا فانتابيي من مجموعة الأزمات الدولية لوكالة الصحافة الفرنسية، أن وعود الازدهار بعد إلحاق الهزيمة بتنظيم داعش، لم تتحقق.
والأهم أن الطبقة السياسية لم تتجدد في بلد مصنف في المرتبة الثانية عشرة للدول الأكثر فسادا في العالم. وقالت الباحثة إن «الانتفاضة نزعت الغطاء عن طبق كان يغلي بالأساس» والشعور المعادي لإيران «طفا على السطح». ولفتت إلى أن الانتفاضة كشفت النقاب عن الشقاقات، سواء بين الشعب والطبقة الحاكمة، أو بين المرجعيتين الشيعيتين في العراق وإيران.
ورأى المرجع الشيعي العراقي آية الله علي السيستاني أن الحراك بدل وجه العراق بشكل نهائي، في حين يعتبر المرشد الأعلى الإيراني آية الله علي خامنئي أن الحركة الاحتجاجية «مؤامرة». لكن الخبراء يحذرون بأن الانتقادات المتصاعدة لإيران في العراق قد تقابل بمزيد من العنف. وقال حداد «إن إحراق القنصلية (في النجف) هو بالتأكيد ضربة شديدة لإيران، لكنه قد يستخدم كذلك ذريعة لتشديد الرد الأمني». ولفتت فانتابيي إلى أن ذلك أدى إلى «تقويض سمعة إيران ومصداقيتها لدى الرأي العام» لكن «رد فعلها الطبيعي كان توطيد سلطتها على الصعيدين السياسي والأمني».



«هدنة غزة» تقترب وسط جولات مكوكية وحديث عن «تنازلات»

دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
TT

«هدنة غزة» تقترب وسط جولات مكوكية وحديث عن «تنازلات»

دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)

وسط حديث عن «تنازلات» وجولات مكوكية للمسؤولين، يبدو أن إسرائيل وحركة «حماس» قد اقتربتا من إنجاز «هدنة مؤقتة» في قطاع غزة، يتم بموجبها إطلاق سراح عدد من المحتجزين في الجانبين، لا سيما مع تداول إعلام أميركي أنباء عن مواقفة حركة «حماس» على بقاء إسرائيل في غزة «بصورة مؤقتة»، في المراحل الأولى من تنفيذ الاتفاق.

وتباينت آراء خبراء تحدثت إليهم «الشرق الأوسط»، بين من أبدى «تفاؤلاً بإمكانية إنجاز الاتفاق في وقت قريب»، ومن رأى أن هناك عقبات قد تعيد المفاوضات إلى المربع صفر.

ونقلت صحيفة «وول ستريت جورنال» الأميركية، عن وسطاء عرب، قولهم إن «حركة (حماس) رضخت لشرط رئيسي لإسرائيل، وأبلغت الوسطاء لأول مرة أنها ستوافق على اتفاق يسمح للقوات الإسرائيلية بالبقاء في غزة مؤقتاً عندما يتوقف القتال».

وسلمت «حماس» أخيراً قائمة بأسماء المحتجزين، ومن بينهم مواطنون أميركيون، الذين ستفرج عنهم بموجب الصفقة.

وتأتي هذه الأنباء في وقت يجري فيه جيك سوليفان، مستشار الأمن القومي للرئيس الأميركي، محادثات في تل أبيب مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الخميس، قبل أن يتوجه إلى مصر وقطر.

ونقلت «رويترز» عن دبلوماسي غربي قوله إن «الاتفاق يتشكل، لكنه على الأرجح سيكون محدود النطاق، ويشمل إطلاق سراح عدد قليل من الرهائن ووقف قصير للأعمال القتالية».

فلسطينيون بين أنقاض المباني المنهارة في مدينة غزة (أ.ف.ب)

في حين أشار القيادي في «حماس» باسم نعيم إلى أن «أي حراك لأي مسؤول أميركي يجب أن يكون هدفه وقف العدوان والوصول إلى صفقة لوقف دائم لإطلاق النار، وهذا يفترض ممارسة ضغط حقيقي على نتنياهو وحكومته للموافقة على ما تم الاتفاق عليه برعاية الوسطاء وبوساطة أميركية».

ومساء الأربعاء، التقى رئيس جهاز المخابرات الإسرائيلي، ديفيد برنياع، مع رئيس الوزراء القطري، الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، في الدوحة؛ لبحث الاتفاق. بينما قال مكتب وزير الدفاع الإسرائيلي، يسرائيل كاتس، في بيان، إنه «أبلغ وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن في اتصال هاتفي، الأربعاء، بأن هناك فرصة للتوصل إلى اتفاق جديد يسمح بعودة جميع الرهائن، بمن فيهم المواطنون الأميركيون».

وحال تم إنجاز الاتفاق ستكون هذه هي المرة الثانية التي تتم فيها هدنة في قطاع غزة منذ بداية الحرب في 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023. وتلعب مصر وقطر والولايات المتحدة دور الوساطة في مفاوضات ماراثونية مستمرة منذ نحو العام، لم تسفر عن اتفاق حتى الآن.

وأبدى خبير الشؤون الإسرائيلية بـ«مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية» الدكتور سعيد عكاشة «تفاؤلاً حذراً» بشأن الأنباء المتداولة عن قرب عقد الاتفاق. وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «التقارير تشير إلى تنازلات قدمتها حركة (حماس) بشأن الاتفاق، لكنها لا توضح نطاق وجود إسرائيل في غزة خلال المراحل الأولى من تنفيذه، حال إقراره».

وأضاف: «هناك الكثير من العقبات التي قد تعترض أي اتفاق، وتعيد المفاوضات إلى المربع صفر».

على الجانب الآخر، بدا أستاذ العلوم السياسية بجامعة القدس السياسي الفلسطيني، الدكتور أيمن الرقب، «متفائلاً بقرب إنجاز الاتفاق». وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «هناك حراكاً أميركياً لإتمام الصفقة، كما أن التقارير الإسرائيلية تتحدث عن أن الاتفاق ينتظر الضوء الأخضر من جانب تل أبيب و(حماس) لتنفيذه».

وأضاف: «تم إنضاج الاتفاق، ومن المتوقع إقرار هدنة لمدة 60 يوماً يتم خلالها الإفراج عن 30 محتجزاً لدى (حماس)»، مشيراً إلى أنه «رغم ذلك لا تزال هناك نقطة خلاف رئيسية بشأن إصرار إسرائيل على البقاء في محور فيلادلفيا، الأمر الذي ترفضه مصر».

وأشار الرقب إلى أن «النسخة التي يجري التفاوض بشأنها حالياً تعتمد على المقترح المصري، حيث لعبت القاهرة دوراً كبيراً في صياغة مقترح يبدو أنه لاقى قبولاً لدى (حماس) وإسرائيل»، وقال: «عملت مصر على مدار شهور لصياغة رؤية بشأن وقف إطلاق النار مؤقتاً في غزة، والمصالحة الفلسطينية وسيناريوهات اليوم التالي».

ويدفع الرئيس الأميركي جو بايدن والرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب، من أجل «هدنة في غزة»، وكان ترمب طالب حركة «حماس»، في وقت سابق، بإطلاق سراح المحتجزين في غزة قبل توليه منصبه خلفاً لبايدن في 20 يناير (كانون الثاني) المقبل، وإلا فـ«الثمن سيكون باهظاً».