هل ينقذ مايكل بلومبرغ الحزب الديمقراطي في انتخابات 2020؟

همّه الأول إلحاق الهزيمة بـ«صديقه القديم» دونالد ترمب في المعركة الرئاسية المقبلة

هل ينقذ مايكل بلومبرغ الحزب الديمقراطي في انتخابات 2020؟
TT

هل ينقذ مايكل بلومبرغ الحزب الديمقراطي في انتخابات 2020؟

هل ينقذ مايكل بلومبرغ الحزب الديمقراطي في انتخابات 2020؟

تمر الساحة السياسية الأميركية منذ عام 2016 بحالة من الأعاصير والتقلبات التي تعصف بها. فمرة تصطدم بموجة عالية ترغم المجتمع الأميركي أجمع على المشاركة والدخول في تلك الموجة. ومرة أخرى تجدها هادئة تقتات على الأخبار والأنباء القديمة لتجمع قواها وتستعد لقدوم موجة جديدة تهب معها كل المؤسسات المدنية والحكومية. هذ الحالة الملازمة للولايات المتحدة الأميركية مستمرة طوال السنوات القليلة الماضية، والسبب الرئيسي خلفها هو فوز الرئيس دونالد ترمب بالمكتب البيضاوي في البيت الأبيض عام 2016، متغلباً على منافسته الديمقراطية هيلاري كلينتون.
ربما تكون هذه الحالة السياسية المليئة بالأعاصير والتقلبات أمراً طبيعياً في بلد يحتكم إلى الديمقراطية، إلا أن الديمقراطية الأميركية لها طابعها الخاص، ولذا تختلف عن غيرها من البلدان. وفي العادة، فإن السياسة الأميركية محجوزة للسياسيين ودخول عالم واشنطن السياسي لا يصح إلا بعد أخذ الإذن من أصحابها. لكن هذا العُرف أصبح جزءاً من الماضي بعدما كسر القاعدة السائدة الرئيس الحالي دونالد ترمب، الذي أتى من عالم الأعمال والاقتصاد، من مانهاتن أي قلب مدينة نيويورك إلى البيت الأبيض، ليسجل اسمه في سجل الرؤساء الأميركيين على خطى جورج واشنطن وأبراهام لنكولن وفرانكلين روزفلت... وأخيراً، باراك أوباما.
خلّف فوز الرئيس دونالد ترمب في الانتخابات الرئاسية الأميركية الأخيرة جرحاً نازفاً في جسد الحزب الديمقراطي. وحقاً، لا يزال الحزب يعاني من مرارة هزيمته حتى الآن، وخاصة أن قلة من الأميركيين كانوا يتوقعون أصلاً ترشيحه باسم الحزب الجمهوري، ثم فوزه الحاسم في انتخابات نوفمبر (تشرين الثاني) 2016 على منافسته الديمقراطية هيلاري كلينتون.
ذلك الفوز المذهل أثبت فشل مؤسسات الاستطلاع ووسائل الإعلام الأميركية في رصد اتجاهات الناخبين ذلك الوقت. ومن هذا المنطلق يتردد السؤال في الأوساط السياسية بواشنطن حول ما إذا كان الحزب الديمقراطي الأداة نفسها فيختار مرشحاً غير تقليدي في الانتخابات المقبلة مع الحزب الجمهوري... فيهزم ترمب عن طريق رجل الأعمال الملياردير مايكل بلومبرغ.
قد تكون الإجابة عن هذا السؤال مبكرة، إلا أنها واردة خلال الأيام المقبلة.
منذ إعلان مايكل بلومبرغ عن رغبته في الدخول إلى السباق الرئاسي، تسابقت وسائل الإعلام الأميركية على تغطية هذا الحدث، وما عاد الرئيس ترمب الصانع الوحيد للأخبار العاجلة، وما بقي الشخص الوحيد الذي يحظى بالاهتمام الكامل..... ذلك أنه ظهر في الميدان شخصٌ آخر منافس، آت من مدينته نفسها، ويحترف صنعته نفسها وهي التجارة والأعمال، بل، ويمتلك أموالاً أكثر من أموال ترمب بنحو 17 مرة، وفق مجلة «فوربس» المرموقة للمال والأعمال. إذ تقدّر ثروة بلومبرغ بـ56 مليار دولار أميركي، وبذا يحتل المرتبة الـ14 بين أغنى أغنياء العالم، في حين تقدّر ثروة دونالد ترمب بـ3.1 مليار دولار.
سبعينيان... وجهاً لوجه
من القواسم المشتركة التي تجمع الرئيس ترمب مع مايكل بلومبرغ أنهما تجاوزا حاجز السبعين من أعمارهما، فالأول عمره 73 سنة إذ ولد في عام 1946 والثاني عمره 77 سنة إذ ولد في عام 1942. أيضاً، الرجلان كبرا وصنعا شخصيتيهما في مدينة واحدة هي نيويورك، مع أن ترمب ولد وترعرع في حي كوينز بنيويورك، في حين ولد بلومبرغ في مدينة بوسطن عاصمة ولاية ماساتشوستس، قبل أن يأتي ليعيش ويستقر في نيويورك التي أصبح فيما بعد عمدة لها طوال 12 سنة. وأيضاً، دخل الرجلان الساحة السياسية من بوابة المال والأعمال آتيين من خارج مجتمع واشنطن السياسي، على غير العادة التي اتصف بها مرشحو الانتخابات الرئاسية وسادة البيت الأبيض السابقين.
هذه المشتركات التي يتصف بها الرجلان جعلت منهما صديقين مقرّبين أثناء إقامتهما في نيويورك. وبحسب كثير من التقارير الصحافية ووسائل الإعلام فإن دونالد ترمب كان يدعم بلومبرغ أثناء مسيرته في إدارة مدينة نيويورك، بينما كان بلومبرغ على علاقة وثيقة بترمب فيلتقيان في العديد من المناسبات الاجتماعية والاقتصادية بالمدينة، جنباً إلى جنب، مع عدد من العائلات الغنية الأخرى، إلا أن تلك العلاقة تبدلت فيما بعد، واتجهت أكثر فأكثر نحو الجفاء، وصولاً إلى شيء من العداوة.
من ناحية أخرى، من المثير في سياق المقارنة بين الرجلين أن دونالد ترمب ظل طوال تاريخه داعماً للحزب الديمقراطي حتى محطة فوز الرئيس باراك أوباما في انتخابات 2007. وبعدها اتخذ توجهاً آخر بعيداً عن تأييد الحزب. أما بلومبرغ فيُعرف بدعمه وتأييده للحزب الجمهوري لسنوات طويلة، لكنه، بدوره، انقلب على ولائه السابق وغدا من أنصار الحزب الديمقراطي. وللعلم، كان بلومبرغ قد لمح في عام 2016 إلى احتمال ترشحه للانتخابات الرئاسية كمرشح مستقل، لكنه تخلى عن تلك الفكرة، وعاد إلى الحزب الديمقراطي مناصرا وداعماً بقوة لهيلاري كلينتون.

الخلفية والنشأة
يتميز مايكل بلومبرغ عن ترمب - ابن رجل الأعمال الثري - بأنه نشأ في أسرة يهودية متوسطة الدخل وكان أبوه يعمل محاسباً، بينما كانت والدته تعمل في متجر للكتب في ولاية ماساتشوستس بمدينة بوسطن. وعلى الصعيد الاجتماعي فإن بلومبرغ أب لابنتين هما جورجينا وإيما ورزق بهما من زوجته الأولى سوزان براون التي تزوجها من عام 1975 إلى عام 1993. وهو حالياً على علاقة مع ديانا تايلور المصرفية منذ عام 2000.
علمياً، تميز بلومبرغ منذ نعومة أظفاره بالذكاء والجدية، وتخرج بدرجة البكالوريوس في جامعة جونز هوبكنز المرموقة، ثم حصل على الماجستير في علم الإدارة والأعمال من جامعة هارفارد العريقة عام 1966. ثم، بدأ العمل في شارع وول ستريت بنيويورك المعروف بتداولات البورصة والعملات والأموال وذلك مع شركة سالومون بروذرز عام 1968، وأصبح بعد 4 سنوات فقط شريكا في الشركة عام 1972.

انطلاقته الجبارة
عام 1981 بيعت شركة سالومون بروذرز، فاتجه مايكل بلومبرغ في العام ذاته إلى تأسيس شركته الخاصة في مجال الكومبيوتر والمعلومات المالية، التي أحدثت ثورة في طريقة تخزين بيانات الأوراق المالية واستهلاكها. وحققت الشركة نجاحاً هائلاً، وسرعان ما توسّعت إلى الدخول في قطاع الإعلام مع أكثر من 100 مكتب حول العالم. واليوم، تعد شركته واحدة من أقوى الشركات في العالم في مجال الإدارة المالية والإعلام الاقتصادي، وبسببها أصبح اسم بلومبرغ ماركة عالمية، وصار هو أغنى الرجال في العالم.
دخل بلومبرغ، الذي كان يعتبر نفسه ليبرالياً جمهورياً، إلى الساحة السياسية عام 2001 عندما فاز في الانتخابات البلدية لمدينة نيويورك. وحقاً، ساهم في إنهاض اقتصاد المدينة بعد اعتداءات 11 سبتمبر (أيلول) 2001. وللعلم، كان قد انتخب رئيسا لبلدية المدينة في يناير (كانون الثاني) 2002 خلفا لرودي جولياني ليصبح العمدة رقم 108 للمدينة العريقة.

مسيرته السياسية... من نيويورك
يعتبر البعض بلومبرغ سياسياً مثيراً للجدل؛ إذ كان من أوائل المؤيدين لتشريع زواج المثليين، ومن ضمن أحد برامجه شيوعاً كعمدة إنشاء خط هاتف برقم موحّد 311 يربط سكان نيويورك مباشرة بخدمات المدينة، ما يسمح لهم بالإبلاغ عن الجرائم أو مشاكل النفايات أو أي شيء آخر. وبفضل النجاحات التي حققها خلال فترته الأولى كعمدة لنيويورك كان من السهل إعادة انتخابه مرة أخرى في نوفمبر 2005.
بعكس المرة الثانية، ما كان فوز بلومبرغ بانتخابات نيويورك مرة أخرى للمرة الثالثة عام 2009 سهلاً على الإطلاق؛ إذ اضطر لإنفاق مبلغ غير مسبوق من أمواله الخاصة بلغ نحو 90 مليون دولار على حملته الانتخابية. وفي النهاية أعيد انتخابه ولكن كمرشح مستقل لا يتبع أياً من الحزبين الكبيرين، وبقي في منصبه هذا حتى عام 2012 عندما خلفه العمدة الديمقراطي بيل دي بلاسيو... الذي رشّح بدوره نفسه للانتخابات الرئاسية عن الحزب الديمقراطي هذا العام، إلا أنه سرعان ما انسحب من السباق.
في يناير 2014 استقال بلومبرغ من مهامه السياسية، وأمضى تلك السنة مركّزاً على الأعمال الخيرية في مجالات التعليم والبحث الطبي والفنون، وكذلك التغيير البيئي والمناخي، قبل أن يعود رئيسا تنفيذيا لشركته العملاقة بلومبرغ إل. بي... وهنا، تجدر الإشارة إلى أن بلومبرغ ألّف كتابين، ونشر الأول قبل أن يصبح عمدة لنيويورك وهو مذكرات بعنوان: «بلومبرغ عن بلومبرغ» عام 1997، وبعد عشرين سنة شارك في تأليف كتاب «مناخ الأمل: كيف يمكن للمدن والأعمال التجارية والمواطنين إنقاذ الكوكب» مع كارل بوب. فضلاً عن ذلك، خلال عام 2019. كان مايكل بلومبرغ موضوعاً في كتاب من تأليف إليانور راندولف، تناول كثيرا من حياة رجل الأعمال الثري وقصة صعوده من أصول متواضعة إلى قمة عالم البنوك الاستثمارية ونجاحه السياسي غير المتوقع.

هدفه كسر ترمب
على صعيد آخر، يشترك مايكل بلومبرغ، الذي يصف نفسه بـ«المرشح المعتدل»، مع بقية أعضاء مرشحي الحزب الديمقراطي بهدف إلحاق الهزيمة بدونالد ترمب. إذ أعلن عمدة نيويورك الملياردير السابق خلال الأسبوع الماضي أنه دخل السباق الرئاسي متأخراً لهدف واحد هو هزيمة دونالد ترمب. وأوضح: «أنا أخوض السباق الرئاسي لأهزم دونالد ترمب وأعيد بناء أميركا... لا يمكننا تحمّل أربع سنوات أخرى من تصرفات ترمب اللاأخلاقية». وأردف في موقعه على الإنترنت، مع انطلاق حملته الدعائية البالغة كلفتها 30 مليون دولار، أن «المخاطر كبيرة جداً... وعلينا أن نفوز بهذه الانتخابات وإعادة بناء أميركا».
غير أن بلومبرغ سيواجه مصاعب كبيرة داخل الحزب الديمقراطي في كسب تأييد ناخبي الحزب، واللحاق بسلسلة التجمّعات التي يجريها المرشحون الـ16 في الولايات الـ50 لكسب تأييد هؤلاء الناخبين. ولا سيما، أن يساريي الحزب الذين يؤيدون المرشحين إليزابيث وارين وبيرني ساندرز يرون في بلومبرغ مليارديراً يجب إخضاع ثروته لضرائب باهظة من أجل تقليص اللامساواة بين المرشحين.
كذلك يختلف بلومبرغ في توجهاته السياسية مع أقرانه الديمقراطيين، في أنه منفتح على الصين بل هو أكثر المرشحين ودية لبكين. وسبق له أن جادل كثيراً ضد الحرب التجارية بين الولايات المتحدة والصين، كما حافظ على استثماراته مع الصين. بل قال في أحد لقاءاته الصحافية إن «الرئيس الصيني ليس ديكتاتورياً»، ومن المحتمل جداً استخدام هذه النقطة ضده خلال الفترة المقبلة. وعليه، فإن السؤال المعلق في انتظار الإجابة: هل يستطيع بلومبرغ كسب تأييد الديمقراطيين فيؤهلوه لمواجهة ترمب في العام المقبل؟



الحدود العراقية ــ السورية... وذكريات صيف 2014

شاحنات ومعدّات عسكرية عراقية تتحرك عند الحدود مع سوريا (آ ف ب)
شاحنات ومعدّات عسكرية عراقية تتحرك عند الحدود مع سوريا (آ ف ب)
TT

الحدود العراقية ــ السورية... وذكريات صيف 2014

شاحنات ومعدّات عسكرية عراقية تتحرك عند الحدود مع سوريا (آ ف ب)
شاحنات ومعدّات عسكرية عراقية تتحرك عند الحدود مع سوريا (آ ف ب)

شأن معظم دول المنطقة والإقليم، تسببت الأزمة السورية المتصاعدة في تراجع الاهتمام الرسمي والشعبي العراقي بالحرب التي تشنّها إسرائيل على غزة ولبنان، بعد أن كانت تحظى بأولوية قصوى، خصوصاً بعد التهديدات الإسرائيلية بتوجيه ضربات عسكرية ضد الفصائل المسلحة العراقية التي استهدفتها بأكثر من 200 هجمة صاروخية خلال الأشهر الماضية. وأظهر رئيس الوزراء محمد شيّاع السوداني، موقفاً داعماً للحكومة السورية في ظروفها الحالية منذ اليوم الأول للهجوم الذي شنَّته الفصائل السورية المسلحة وتمكّنت من السيطرة على محافظة حلب ومدن أخرى، إذ أجرى اتصالاً بالرئيس السوري بشار الأسد وكذلك الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان، وأكد دعمه لدمشق.

أعلن رئيس الحكومة العراقي محمد شيّاع السوداني، يوم الثلاثاء الماضي، موقفاً أكثر وضوحاً بالنسبة لدعم نظام دمشق، وذلك خلال اتصال - مماثل لاتصاليه مع القيادتين السورية والإيرانية - أجراه مع الرئيس التركي رجب طيب إردوغان.

ومما قاله السوداني إن «العراق لن يقف متفرجاً على التداعيات الخطيرة الحاصلة في سوريا، خصوصاً عمليات التطهير العرقي للمكوّنات والمذاهب هناك»، طبقاً لبيان حكومي.

كذلك شدّد الزعيم العراقي على أنه سبق لبلاده أن «تضرّرت من الإرهاب ونتائج سيطرة التنظيمات المتطرّفة على مناطق في سوريا، ولن يُسمَح بتكرار ذلك»، مؤكداً «أهمية احترام وحدة سوريا وسيادتها، وأن العراق سيبذل كل الجهود من أجل الحفاظ على أمنه وأمن سوريا».

محمد شياع السوداني (آ ف ب)

السوداني كان قد انهمك بسلسلة اتصالات خلال الأيام القليلة الماضية مع عدد من قادة الدول، بخصوص الوضع في سوريا؛ من «أجل دعم الاستقرار في المنطقة، وعدم حصول أي تداعيات فيها، خصوصاً مع ما تشهده من حرب إجرامية صهيونية مستمرة منذ أكثر من عام» بحسب بيان حكومي.

وأظهرت قوى «الإطار التنسيقي» الشيعية موقفاً مماثلاً وداعماً لحكومة السوداني في مواقفها حيال سوريا، لكنها أعربت خلال اجتماع، الثلاثاء الماضي أيضاً، عن قلقها جراء الأوضاع في سوريا بعد «احتلال الإرهابيين مناطق مهمة» طبقاً لبيان صدر عن الاجتماع. وعدّت «أمن سوريا امتداداً للأمن القومي العراقي للجوار الجغرافي بين البلدين، والامتدادات المختلفة لذلك الجوار».

الحدود المشتركة مؤمّنة

للعلم، مع الشرارة الأولى لاندلاع الأزمة السورية، اتخذت السلطات العراقية على المستوى الأمني إجراءات عديدة «لتأمين» حدودها الممتدة لأكثر من 600 كيلومتر مع سوريا. وصدرت بيانات كثيرة حول جاهزية القوات العراقية وقدرتها على التصدّي لأي محاولة توغّل داخل الأراضي العراقية من قبل الفصائل المسلحة من الجانب السوري، مثلما حدث صيف عام 2014، حين تمكَّنت تلك الجماعات من كسر الحدود المشتركة والسيطرة على مساحات واسعة من العراق.

اللواء يحيى رسول، الناطق باسم القائد العام للقوات المسلحة العراقية، أوضح (الثلاثاء) أبرز الإجراءات المُتَّخذة لتحصين الحدود مع سوريا. وقال في تصريحات صحافية إن «الحدود مؤمَنة ومُحكمة بشكل كبير من تحكيمات وتحصينات، وهناك وجود لقوات الحدود على خط الصفر الذي يربطنا مع الجارة سوريا مدعومة بالأسلحة الساندة والجهد الفني، المتمثل بالكاميرات الحرارية وأبراج المراقبة المحصّنة». وأضاف رسول: «لا خوف على الحدود العراقية، فهي مؤمّنة ومحكمة ومحصّنة، وأبطالنا منتشرون على طولها»، مشيراً إلى أنه «تم تعزيز الحدود بقطاعات من الألوية المدرعة وهي موجودة أيضاً عند الحدود».

أيضاً، وصل وفد أمني برئاسة الفريق أول قوات خاصة الركن عبد الأمير رشيد يارالله، رئيس أركان الجيش، يوم الأربعاء، إلى الشريط الحدودي العراقي - السوري. وذكر بيان عسكري أن «هدف الزيارة جاء لمتابعة انتشار القطعات الأمنية وانفتاح خطوط الصد».

غموض في الموقف

إلا أنه حتى مع المواقف الحكومية الداعمة لدمشق في أزمتها الراهنة، يبدو جلياً «الالتباس» بالنسبة لكثرة من المراقبين، وبالأخص لجهة شكل ذلك الدعم وطبيعته، وما إذا كانت السلطات الحكومية العراقية ستنخرط بقوة لمساعدة نظام الأسد عسكرياً، أم أنها ستبقى عند منطقة الدعم السياسي والدبلوماسي، تاركة أمر الانخراط والمساعدة الميدانية للفصائل المسلحة.

وهنا يلاحظ إياد العنبر، أستاذ العلوم السياسية في جامعة بغداد، وجود «التباس واضح حيال الموقف من الحدث السوري، وهذا الالتباس نختبره منذ سنوات، وليس هناك تمييز واضح بين العراق الرسمي وغير الرسمي». وتابع العنبر لـ«الشرق الأوسط» أن «مستويات تفعيل المساهمة العراقية في الحرب غير واضحة، وإذا ما قررت الحكومة البقاء على المستوى الدبلوماسي بالنسبة لقضة دعم سوريا، أم أن هناك مشاركة عسكرية».

غير أن إحسان الشمري، أستاذ الدراسات الاستراتيجية والدولية في جامعة بغداد، يعتقد بأن «العراق الرسمي عبَر عتبة التردّد، وبات منخرطاً في الأزمة السورية». وفي لقاء مع «الشرق الأوسط» بنى الشمري فرضيته على مجمل المواقف الرسمية التي صدرت عن رئيس الوزراء، والناطق الرسمي، وزعماء «الإطار التنسيقي»، وشرح قائلاً إن «هذه المواقف بمجملها كسرت مبدأ الحياد وعدم التدخل في شؤون الدول الأخرى الذي يتمسّك به العراق، إلى جانب كونها انخراطاً رسمياً عراقياً بالأزمة السورية».

نتنياهو غير مضمون

ولكن، بعيداً عن الانشغال الراهن بالأزمة السورية، ما زالت التهديدات الإسرائيلية بين أهم القضايا التي تشغل الرأي العام ببعدَيه السياسي والشعبي. وحتى مع الترحيب العراقي بقرار وقف إطلاق النار بين إسرائيل و«حزب الله»، ما زالت مخاوف البلاد من ضربة إسرائيلية محتملة قائمةً.

ولقد قال الناطق باسم الحكومة باسم العوادي، الأربعاء قبل الماضي، في تصريحات صحافية، إنه «مع عملية وقف إطلاق النار في لبنان، نحن أنهينا الجزء الأسهل، فالمعركة انتهت والحرب لم تنتهِ، فالأصعب أنك ستدخل بالمخططات غير المعلومة. ونحن (العراق) واقعون في المنطقة الحرام، لكن السياسة العقلانية المتوازنة استطاعت أن تجنبنا الضرر».

وأجاب، من ثم، عن طبيعة الرد العراقي إذا ما هاجمت إسرائيل أراضيه، بالقول: «إلى حد أيام قليلة كانت تأتي نتائج جيدة من المعادلات التي اشتغل عليها رئيس الوزراء، لكن رغم ذلك فلا أحد يضمن ما الذي يدور في بال حكومة نتنياهو، وما هو القادم مع الإدارة الأميركية الجديدة، وكيف سيتصرف نتنياهو».

وتابع العوادي، أن «الإسرائيليين عملوا على تفكيك الساحات، وتوجيه ضربات إلى اليمن وسوريا، لكن الطرف العراقي هو الوحيد الذي لم يستطيعوا الوصول إليه بفضل المعادلة... وقد يكونون وضعونا للحظات الأخيرة أو الأيام الأخيرة بنوع ما، وهذا وارد جداً، وتتعامل الحكومة العراقية مع ذلك».

شبح هجوم إسرائيلي

وحقاً، لا يزال شبح هجوم إسرائيلي واسع يخيم على بغداد، إذ تناقلت أوساط حزبية تحذيرات جدية من شنِّ ضربات جوية على العراق. وفي وقت سابق، قال مصدر مقرّب من قوى «الإطار التنسيقي» الشيعية، لـ«الشرق الأوسط»، إنَّ «مخاوف الأحزاب الشيعية من جدية التهديد دفعتها إلى مطالبة رئيس الحكومة للقيام بما يلزم لمنع الهجمات». وأكَّد المصدر أنَّ «فصائل عراقية مسلّحة لجأت أخيراً إلى التحرك في أجواء من التكتم والسرية، وقد جرى بشكل مؤكد إبدال معظم المواقع العسكرية التابعة لها».

وفي سياق متصل، تتحدَّث مصادر صحافية عمَّا وصفتها بـ«التقديرات الحكومية» التي تشير إلى إمكانية تعرّض البلاد لـ«300 هجوم إسرائيلي». وفي مطلع الأسبوع الماضي، شدَّدت وزارة الخارجية العراقية، في رسالة إلى مجلس الأمن، على أهمية «تدخل المجتمع الدولي لوقف هذه السلوكيات العدوانية لإسرائيل».

كما أنَّه حيال التهديدات الجدية والخشية الحقيقية من عمل عسكري إسرائيل ضد البلاد، اهتدت بعض الشخصيات والأجواء المقرّبة من الحكومة والفصائل إلى «رمي الكرة» في الملعب الأميركي، مستندين بذلك إلى اتفاقية «الإطار الاستراتيجي» المُوقَّعة منذ عام 2011، بين بغداد وواشنطن، وهو العام الذي خرجت فيه القوات الأميركية من العراق.

التهديدات الإسرائيلية من أهم القضايا التي تشغل الرأي العام العراقي

هادي العامري (رووداو)

العامري يلوم واشنطن

أيضاً، وجد هادي العامري، زعيم منظمة «بدر»، بنهاية أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، الفرصة ليحمّل واشنطن مسؤولية حماية الأجواء العراقية، بعدما شنَّت إسرائيل هجوماً عسكرياً ضد إيران، مستخدمةً الأجواء العراقية في هجماتها. ويومذاك، حمّل العامري الجانب الأميركي «المسؤولية الكاملة» على انتهاك إسرائيل سيادة الأجواء العراقية في طريقها لضرب إيران. وقال، إن «الجانب الأميركي أثبت مجدّداً إصراره على الهيمنة على الأجواء العراقية، وعمله بالضد من مصالح العراق وشعبه وسيادته، بل سعيه لخدمة الكيان الصهيوني وإمداده بكل ما يحتاج إليه لممارسة أساليبه العدوانية، وتهديده للسلام والاستقرار في المنطقة».

وأضاف العامري: «لهذا باتت الحاجة ماسة أكثر من أي وقت مضى لإنهاء الوجود العسكري الأميركي في العراق بأشكاله كافة». وللعلم، فإن منظمة «بدر» - التي يقودها العامري - وردت ضمن لائحة المنظمات التي اتهمتها إسرائيل بشنِّ هجمات ضدها خلال الشكوى التي قدمتها إلى مجلس الأمن في 18 نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي.

وبناءً على تصريحات العامري السالفة، وتصريحات أخرى لشخصيات مقرّبة من الفصائل المسلحة وقوى «الإطار التنسيقي» الشيعية، تبلورت خلال الأسبوع الأخير، قناعة داخل أوساط هذه القوى مفادها، بأن واشنطن «ملزمة وبشكل مباشر بحماية الأجواء العراقية» من أي هجوم محتمل من إسرائيل أو غيرها، أخذاً في الاعتبار الاتفاقية الاستراتيجية الموقعة و«سيطرتها على الأجواء العراقية».

وبالتوازي، سبق أن حمّل فادي الشمري، المستشار السياسي لرئيس الوزراء، الولايات المتحدة، أيضاً وفقاً لـ«اتفاقية الإطار الاستراتيجي والاتفاقية الأمنية»، مسؤولية «الردع، والرد على أي هجمات خارجية تمسّ الأمن الداخلي العراقي».

الرد الأميركي قاطع

في المقابل، تخلي واشنطن مسؤوليتها حيال هذا الأمر. ورداً على المزاعم العراقية المتعلقة بـ«الحماية الأميركية»، قالت ألينا رومانوسكي، السفيرة الأميركية في بغداد، صراحةً إن بلادها غير معنية بذلك. وأردفت رومانوسكي، خلال مقابلة تلفزيونية سابقة، أن التحالف الدولي دُعي إلى العراق لـ«محاربة (داعش) قبل 10 سنوات، وقد حققنا إنجازات على مستوى هزيمة هذا التنظيم، لكنه ما زال يمثل بعض التهديد، ودعوة الحكومة العراقية لنا تتعلق بهذا الجانب حصراً. أما اتفاقية الإطار الاستراتيجي فتلزمنا ببناء القدرات العسكرية العراقية، لكنها لا تتطرق لمسألة حماية الأجواء والدفاع بالنيابة». ونفت السفيرة أن تكون بلادها قد «فرضت سيطرتها على سماء العراق».

والاثنين قبل الماضي، قالت رومانوسكي، خلال لقاء «طاولة مستديرة» لعدد من وسائل الإعلام: «أود أن أكون واضحة جداً، ومنذ البداية، بأن الإسرائيليين وجّهوا تحذيرات ردع للميليشيات المدعومة إيرانياً والموجودة هنا في العراق، التي تعتدي على إسرائيل». وأضافت: «هذه الميليشيات هي التي بدأت الاعتداء على إسرائيل. ولأكون واضحة جداً في هذه النقطة، فإن الإسرائيليين حذّروا حكومة العراق بأن يوقف هذه الميليشيات عن اعتداءاتها المتكررة والمستمرة على إسرائيل... إن رسالتنا إلى حكومة العراق هي أن تسيطر على هذه الميليشيات المنفلتة، والتي لا تعتد بأوامر الحكومة وأوامر القائد العام للقوات المسلحة رئيس الوزراء. إن إسرائيل دولة لها سيادتها، وهي سترد على أي اعتداء من أي مكان ضدها».

جدعون ساعر (آ ف ب)

 

حقائق

قلق عراقي جدّي من التهديدات الإسرائيلية مع مطالبة واشنطن بالتدخّل

خلال الأسبوع قبل الماضي، بعث وزير الخارجية الإسرائيلي جدعون ساعر رسالةً إلى مجلس الأمن تكلّم فيها عمّا أسماه بـ«حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها»، وحمّل فيها الحكومة العراقية المسؤولية عن الهجمات التي تشنها الفصائل العراقية عليها، داعياً مجلس الأمن للتحرك والتأكد من أن الحكومة العراقية تفي بالتزاماتها. ساعر اتّهم بالتحديد «عصائب أهل الحق» و«كتائب حزب الله» و«ألوية بدر» وحركة «النُّجباء» و«أنصار الله الأوفياء» و«كتائب سيد الشهداء»، بمهاجمة إسرائيل، ومعظم هذه الفصائل مشاركة في الحكومة العراقية الحالية ولها نفوذ كبير داخلها. هنا، تجدر الإشارة إلى أنه سبق لرئاسة الوزراء العراقية توجيه وزارة الخارجية لمتابعة ملف التهديدات الإسرائيلية في المحافل الأممية والدولية وأمام هيئات منظمة الأمم المتحدة، واتخاذ كل الخطوات اللازمة، وفق مبادئ القانون الدولي، لحفظ حقوق العراق وردع تهديدات إسرائيل العدوانية. كذلك طالبت رئاسة الوزراء بـ«دعوة جامعة الدول العربية إلى اتخاذ موقف حازم وموحّد ضد تهديدات سلطات الكيان المحتل، يتضمن إجراءات عملية تستند إلى وحدة المصير والدفاع المشترك». وهذا بجانب «مطالبة مجلس الأمن الدولي بالنظر في الشكاوى المقدمة من جمهورية العراق ضد سلطات الكيان المحتل، واتخاذ إجراءات رادعة تكفل تحقيق الاستقرار والسِّلم الإقليمي والدولي»، وباتخاذ الولايات المتحدة مع العراق، من خلال الحوارات الأمنية والعسكرية ضمن إطار القسم الثالث من «اتفاقية الإطار الاستراتيجي»، خطوات فعالة «لردع سلطات الكيان المحتل» مع دعوة «التحالف الدولي والدول الأعضاء فيه إلى كبح هذه التهديدات والحدّ من اتساع رقعة الحرب».