أعلن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، أمس (الخميس) أنه مستعد لمراجعة «كافة الخيارات الاستراتيجية» لفرنسا في إطار الحرب التي يخوض جنودها ضد الإرهاب في منطقة الساحل الأفريقي، وذلك بعد مقتل 13 جندياً فرنسياً حادث تصادم مروحيتين عسكريتين أثناء ملاحقة إرهابيين في دولة مالي.
وقال ماكرون في تصريح صحافي عقب لقاء جمعه مع الأمين العام لحلف شمال الأطلسي ينس ستولتنبرغ، إنه طلب من الحلفاء «مشاركة أكبر للتصدي للإرهاب»، قبل أن يضيف: «فرنسا تقوم بعمليات باسم الجميع (في منطقة الساحل الأفريقي)، مهمتنا هناك في غاية الأهمية. لكن الوضع الذي نشهده في منطقة الساحل يدفعنا اليوم إلى النظر في كافة الخيارات الاستراتيجية».
وتساءل ماكرون قبل أسبوع من قمة سيعقدها حلف شمال الأطلسي في لندن: «في الأسابيع المقبلة سيطلب من حكومتنا وجيشنا عملا معمقا لدرس سبل تدخلاتنا. جميع الخيارات مفتوحة».
وفي سياق متصل، بعث خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز، والأمير محمد بن سلمان ولي العهد السعودي، برقيتي عزاء للرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، تضمنتا المواساة في ضحايا حادث تصادم المروحيتين اللتين تحطمتا في جمهورية مالي.
وكانت وزيرة الجيوش الفرنسية فلورنس بارلي، قد شيعت بمدينة غاو المالية، جثامين 13 جندياً فرنسياً قتلوا خلال تصادم مروحيتين عسكريتين أثناء عملية ملاحقة عناصر إرهابية في دولة مالي غير بعيد من الحدود مع بوركينافاسو.
الحادث الذي وقع مطلع الأسبوع الجاري كان أكبر خسارة تتكبدها القوات الفرنسية الموجودة في منطقة الساحل الأفريقي منذ نحو سبع سنوات، وفي كنيسة بمدينة غاو، كبرى مدن شمال مالي، وقفت الوزيرة الفرنسية لتنحني أمام النعوش الـ13 الملفوفة بألوان العلم الفرنسي. ومنع الصحافيون من دخول الكنيسة، ولكن وزارة الدفاع الفرنسية أصدرت بياناً أعلنت فيه أن وزيرة الجيوش الفرنسية كان برفقتها كل من رئيس أركان القوات المسلحة، الجنرال فرنسوا لوكوانتر، ورئيس أركان سلاح البر الجنرال تييري بوركار، بالإضافة إلى بعض أفراد عائلات الضحايا.
وأضافت الوزارة أن بارلي خلال حضورها بمدينة غاو «نقلت للجنود (الفرنسيين) الذين يحاربون الإرهاب في منطقة الساحل تعاطف الأمة وعرفانها وتصميمها»، ويبلغ تعداد هؤلاء الجنود 4500 جندي منتشرين في دول الساحل الخمس (مالي، النيجر، بوركينا فاسو، تشاد وموريتانيا).
وقال الناطق باسم هيئة الأركان الكولونيل فريديريك باربري، في تصريح صحافي، إن «كل الجثامين تم انتشالها وهي بأمان وبأيد فرنسية»، نافياً بشكل ضمني أن يكون الإرهابيون قد نجحوا في اختطاف أي جندي فرنسي أو جثمانه، خلال العملية العسكرية التي جرت في مناطق وعرة على الحدود مع بوركينا فاسو.
وأكد الكولونيل الفرنسي: «كل العمليات جارية لنتمكن من إعادة رفاقنا في أفضل الشروط وفي أقرب وقت ممكن»، مشيراً إلى أن مراسم تكريم وطنية ستجري برئاسة الرئيس إيمانويل ماكرون في مبنى الانفاليد في باريس يوم الاثنين المقبل.
حادث تصادم المروحيتين وقع خلال مساندتهما لقوة خاصة من المظليين على الأرض سيطروا على سيارات رباعية الدفع مشبوهة في جنوب مالي، غير بعيد من الحدود مع بوركينا فاسو، ولكن أسئلة كثيرة بدأ يطرحها الفرنسيون حول ما جرى، وحول مستقبل عملياتهم العسكرية في منطقة الساحل الأفريقي.
وتم نقل الصندوقين الأسودين للمروحيتين لتحليلهما من قبل المحققين في العاصمة الفرنسية باريس، فيما قال الجنرال لوكوانتر للإعلام الفرنسي إن إعلاناً لتفاصيل ما جرى سيتم خلال الأيام القليلة المقبلة.
وأضاف الجنرال الفرنسي: «لا أعرف ما الذي حدث بدقة (...) لكن أي عملية عسكرية في (منطقة) الساحل تنطوي دائماً على مخاطر، وتتطلب تنسيقا دقيقا في ظروف ما زالت صعبة ومضطربة»، من جهة أخرى قال الكولونيل باربري في تصريح صحافي إن «المروحيتين وهما (تيغر) قتالية و(كوغار) تستخدمان لنقل الجند، تدخلتا على ارتفاع منخفض في ليلة من دون قمر (يسميها العسكريون {الليلة 5} وهي الأكثر ظلمة)، عبر العمل بمناظير للرؤية الليلية».
ورغم المعلومات القليلة التي صدرت عن المسؤولين العسكريين الفرنسيين حول تفاصيل الحادث، فإن ذلك لم يمنع الصحافة الفرنسية من طرح تساؤلات كثيرة حول مستقبل العمليات العسكرية الفرنسية في منطقة الساحل الأفريقي، خاصة في ظل ارتفاع خسائر الجنود الفرنسيين، والميزانية الضخمة التي تنفقها فرنسا على محاربة الإرهاب في الساحل. وكتبت صحيفة «نيس ماتان» في عددها الصادر أمس (الخميس) أنه «بعد انتهاء التكريم والحداد لا يمكننا الإفلات من سؤال جماعي حول مستقبل وأساليب التدخل الفرنسي. إلى أين تتجه (عملية) برخان؟»، وهي العملية العسكرية التي ينخرط فيها 4500 جندي فرنسي، وتتم بالتنسيق مع جيوش دول الساحل لمحاربة الجماعات الإرهابية.
وسلطت الصحف الفرنسية الضوء على حصيلة الحرب على الإرهاب في منطقة الساحل، وقالت إن أعمال العنف الإرهابية متواصلة في شمال مالي، وامتدت إلى وسط البلاد وبوركينا فاسو والنيجر المجاورتين ويتضاعف عدد الهجمات التي تسبب خسائر تزداد للجيوش المحلية التي تجاوز الوضع قدرتها، بينما خسرت فرنسا 41 عسكريا في منطقة الساحل منذ 2013.
ولكن مسؤولا عسكرياً فرنسيا قال: «لن نحقق نصرا نهائيا أبدا (...) لن تمر الجيوش الفرنسية مزهوة بانتصارها تحت قوس النصر»، قبل أن يضيف أن معركة الجيش الفرنسي «مفيدة وضرورية (...) لدينا نتائج لكن يجب أن نتحلى بالصبر والثبات»، وكثيراً ما أكد المسؤولون الفرنسيون أن حربهم على الإرهاب في الساحل هي حرب طويلة الأمد.
ويسود شبه توافق في الطبقة السياسية الفرنسية على ضرورة مواصلة المهمة، باستثناء بعض الدعوات التي تصدر عن حزب «فرنسا المتمردة»، وقال رئيس الحركة الديمقراطية (وسط) فرنسوا بايرو رئيس بلدية (بو) حيث يتمركز أحد الفوجين اللذين تكبدا خسائر إن «انسحاب فرنسا سيكون غير مسؤول»، قبل أن يضيف: «هذا سيعني أن الغرب الذي نمثله هناك وأن فرنسا وبعض قيم الحضارة منيت بهزيمة وتنسحب. سيحدث ذلك انفجارا».
أما وزير الخارجية الفرنسي جان إيف لو دريان فقد أكد «عزم فرنسا التام» على مواصلة عملها ضد «التهديد الإرهابي»، وقال أمام لجنة الشؤون الخارجية في البرلمان إن الصعود الإرهابي «يضع أمن دول الساحل على المحك، ولكن أيضاً وجودنا نحن وأمننا، ووجود الأوروبيين وأمنهم»، مؤكداً أن الأمن في منطقة الساحل جزء من أمن أوروبا.
ماكرون مستعد لمراجعة استراتيجية محاربة الإرهاب في منطقة الساحل
السعودية تعزي في مقتل 13 جندياً فرنسياً بدولة مالي
ماكرون مستعد لمراجعة استراتيجية محاربة الإرهاب في منطقة الساحل
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة