مهند حيال: «شارع حيفا» يذكر المشاهدين بقسوة العنف الطائفي في العراق

أكد أنه تعمد عدم تجميل الواقع المؤلم الذي عاشته بغداد

المخرج العراقي مهند حيال  -  لقطة من فيلم «شارع حيفا»
المخرج العراقي مهند حيال - لقطة من فيلم «شارع حيفا»
TT

مهند حيال: «شارع حيفا» يذكر المشاهدين بقسوة العنف الطائفي في العراق

المخرج العراقي مهند حيال  -  لقطة من فيلم «شارع حيفا»
المخرج العراقي مهند حيال - لقطة من فيلم «شارع حيفا»

قال المخرج العراقي مهند حيال، بأن سبب اختياره قضية العنف الطائفي في العراق لتكون قصة أول أفلامه الروائية الطويلة «شارع حيفا»، يرجع لأهميتها القصوى بالنسبة للعراقيين، وأكد في حواره مع «الشرق الأوسط» أن الفيلم يروي لحظات المواجهة المسلحة الأولى بعد الاحتلال الأميركي لبلاده، ورغم أن أحداث العنف انتهت عام 2008. فإنه أراد إعادة قراءة هذه اللحظة الحاسمة في تاريخ العراقيين وتوثيقها بصرياً.
وأوضح أن «العراق بلد ذاكرتها أدبية أكثر من كونها بصرية والتسجيل السينمائي للأحداث قليل، فكان مهماً بالنسبة لي توثيق ما حدث سينمائياً لأن الشيء الذي نراه يكون أكثر تأثيراً»، وفق تعبيره.
في البداية قال حيال إنه بدأ العمل على سيناريو هذا الفيلم منذ عام 2014 وحتى 2019 رغم أن الفكرة جاءته عام 2009. وتم التصوير في الأماكن الحقيقية التي وقعت فيها أحداث العنف، ويعد العمل إنتاجاً مشتركاً بين عدة منتجين عراقيين، أما باقي الميزانية فكانت من خلال جوائز حصل عليها الفيلم في مرحلة التطوير أو مرحلة ما بعد الإنتاج.
وحدد حيال أبرز الصعوبات التي واجهته في تقديم الفيلم، قائلاً: «أولى هذه المصاعب كانت تتمثل في الأمور الفنية المتعلقة بكيفية صنع فيلم ينتمي لجيل شبابي جديد من ناحية الصورة والحكي والشكل المعاصر مع مراعاة خصوصية المجتمع العراقي، أما ثاني الصعوبات فكانت متعلقة بالإنتاج نفسه لأني واجهت تحدياً كبيراً في إقناع مؤسسات الإنتاج بالفيلم وكيفية زرع الثقة تجاهي خصوصاً أنه الفيلم الروائي الأول لي، وكانت عملية الحصول على الدعم شبه مستحيلة تقريبا، وبسبب الميزانية القليلة استعنت بأصدقائي أثناء التصوير وكان أكبرهم لا يتجاوز 24 عاماً وأغلبهم يشاركون لأول مرة في عمل روائي طويل، وكان هذا نوعاً آخر من التحدي، ولكنه كان ممتعاً لي».
وعن كتابته لسيناريو الفيلم بنفسه، قال: «كان مهماً بالنسبة لي أن أكتب فيلمي الأول بنفسي، لأنه يمثل وجهة نظري الخاصة للأحداث وعلي أن أتحمل مسؤولية أرائي بالكامل التي تمثل جيلاً عراقياً جديداً، عاش مراهقته بعد عام 2003. وعاصر الاحتلال الأميركي، وهنا يجب أن أذكر دور صديقتي المنتجة هلا السلمان التي شاركتني في جزء من الكتابة».
وبرر المخرج العراقي مشاهد العنف التي انتقدها البعض بفيلمه قائلاً: «هدفي من هذا الفيلم ليس تقديم ما يحبه أو يكرهه الجمهور ولكن أن أجعله يعايش ما حدث فعلاً من واقع أليم وقاس، فإذا كان ما عرض على الشاشة عنيفاً فهو لا يعتبر شيئا مقارنة بما حدث على أرض الواقع، فما شغلني وقت عمل الفيلم أن يترك لدى المتلقي معنى يساعده في فهم ما يحدث في العراق خصوصاً في قضية العنف الطائفي، فأنا لن أجمل أو أكذب على المشاهد والصدق ضروري للغاية في السينما، وكنت في هذا الفيلم ضد المتعة، ولكني مع معايشة الواقع بصدق مهماً كانت درجة القسوة». وعلق حيال على حصول فيلمه على 6 جوائز عالمية، أبرزها جائزة «أفضل فيلم» في مهرجان بوسان السينمائي الدولي في كوريا الجنوبية: «جائزتي الحقيقية هي حب الجمهور وتفاعلهم مع الفيلم سواء بالسلب أو الإيجاب، ومن المهم إحداث حالة من الجدل مع الجمهور، وإذا كان هناك شيء أنا راض عنه، فهو صبري ومثابرتي لإخراج هذا العمل للنور وسط ظروف إنتاجية قد بدت مستحيلة في أوقات معينة».
ووصف عرض الفيلم في مهرجان القاهرة السينمائي الدولي بقوله «القاهرة هي أخت بغداد الكبيرة وأنا أحبها بعمقها الثقافي والأدبي والسياسي، وسعيد بعرض الفيلم في قاهرة داود عبد السيد ونجيب محفوظ».
في السياق ذاته، تحدث مهند حيال عن السينما العراقية وسبب قلة الإنتاج السينمائي فيها قائلاً: «مع الأسف كل الأعمال الجيدة كانت مجرد محاولات فردية قليلة من جانب صناعها، أما السبب في قلة الإنتاج السينمائي العراقي فكان لسيطرة السلطات عليها بالكامل، وكانت كثير من الأفلام في السابق منفصلة عن الواقع العراقي وترغب في عمل دعاية فقط، ولم يتمتع السينمائيون العراقيون بالجرأة الكافية للتعبير عن الواقع وطرح قضايا متعلقة به، وكنت أشعر بشكل شخصي أن أغلبها سينما دعائية ولهذا السبب لم تحقق أي نجاح أو تلفت انتباه الجمهور».


مقالات ذات صلة

بطلة «سنو وايت»: الفيلم يُنصف قِصار القامة ويواجه التنمر

يوميات الشرق مريم شريف في لقطة من فيلم «سنو وايت» (الشركة المنتجة)

بطلة «سنو وايت»: الفيلم يُنصف قِصار القامة ويواجه التنمر

رغم وقوفها أمام عدسات السينما ممثلة للمرة الأولى؛ فإن المصرية مريم شريف تفوّقت على ممثلات محترفات شاركن في مسابقة الأفلام الطويلة بـ«مهرجان البحر الأحمر».

انتصار دردير (القاهرة )
يوميات الشرق وجوه من فيلم «السادسة صباحاً» (غيتي)

من طهران إلى كابل... حكايات نساء يتحدّيْن الظلم في «البحر الأحمر»

«السادسة صباحاً» و«أغنية سيما» أكثر من مجرّد فيلمين تنافسيَّيْن؛ هما دعوة إلى التأمُّل في الكفاح المستمرّ للنساء من أجل الحرّية والمساواة.

أسماء الغابري (جدة)
يوميات الشرق جوني ديب لفت الأنظار بحضوره في المهرجان (تصوير: بشير صالح)

اختتام «البحر الأحمر السينمائي» بحفل استثنائي

بحفل استثنائي في قلب جدة التاريخية ، اختم مهرجان «البحر الأحمر السينمائي الدولي» فعاليات دورته الرابعة، حيث أُعلن عن الفائزين بجوائز «اليُسر». وشهد الحفل تكريمَ

أسماء الغابري (جدة)
يوميات الشرق ياسمين عبد العزيز في كواليس أحدث أفلامها «زوجة رجل مش مهم» (إنستغرام)

«زوجة رجل مش مهم» يُعيد ياسمين عبد العزيز إلى السينما

تعود الفنانة المصرية ياسمين عبد العزيز للسينما بعد غياب 6 سنوات عبر الفيلم الكوميدي «زوجة رجل مش مهم».

داليا ماهر (القاهرة )
يوميات الشرق رئيسة «مؤسّسة البحر الأحمر السينمائي» جمانا الراشد فخورة بما يتحقّق (غيتي)

ختام استثنائي لـ«البحر الأحمر»... وفيولا ديفيس وبريانكا شوبرا مُكرَّمتان

يتطلّع مهرجان «البحر الأحمر السينمائي» لمواصلة رحلته في دعم الأصوات الإبداعية وإبراز المملكة وجهةً سينمائيةً عالميةً. بهذا الإصرار، ختم فعالياته.

أسماء الغابري (جدة)

ميشال رميح: أغنية «عم يوجعني بلدي» ترجمت فيها أحاسيسي الحقيقية

يعد رميح الأغنية الوطنية وجهة ضرورية للفنان (ميشال رميح)
يعد رميح الأغنية الوطنية وجهة ضرورية للفنان (ميشال رميح)
TT

ميشال رميح: أغنية «عم يوجعني بلدي» ترجمت فيها أحاسيسي الحقيقية

يعد رميح الأغنية الوطنية وجهة ضرورية للفنان (ميشال رميح)
يعد رميح الأغنية الوطنية وجهة ضرورية للفنان (ميشال رميح)

قبل أسابيع قليلة، شارك المغني ميشال رميح في المهرجان الفني اللبناني في ولاية أريزونا في أميركا. تردد رميح قبل الموافقة على هذه المشاركة. وجد نفسه محرجاً في الغناء على مسرح عالمي فيما لبنان كان يتألّم، ولكنه حزم أمره وقرر المضي بالأمر كونه سيمثّل وجه لبنان المضيء. كما أن جزءاً من ريع الحفل يعود إلى مساعدة النازحين. ويعلّق لـ«الشرق الأوسط»: «كانت الحفلة الأولى لي التي أقيمها خلال هذه الحرب. وترددي جاء على خلفية مشاعري بالحزن على وطني».

خلال الحرب أصدر ميشال رميح أغنيته الوطنية «عم يوجعني بلدي». وقدّمها بصورة بسيطة مع عزف على البيانو، فلامست قلوب سامعيها بدفء كلماتها ولحنها النابع من حبّ الوطن. فهو كما ذكر لـ«الشرق الأوسط» كتبها ولحنها وسجّلها وصوّرها في ظرف يوم واحد. ويروي قصة ولادتها: «كنا نتناول طعام الغداء مع عائلتي وأهلي، ولم أتنبه لانفصالي التام عن الواقع. شردت في ألم لبنان ومعاناة شعبه. كنت أشعر بالتعب من الحرب كما كثيرين غيري في بلادي. والأسوأ هو أننا نتفرّج ولا قدرة لنا على فعل شيء».

ألّف رميح أغنيته "عم يوجعني بلدي" ولحّنها بلحظات قليلة (ميشال رميح)

وجعه هذا حضّه على الإمساك بقلمه، فكتب أحاسيسه في تلك اللحظة. «كل ما كتبته كان حقيقياً، وينبع من صميم قلبي. عشت هذا الوجع بحذافيره فخرجت الكلمات تحمل الحزن والأمل معاً».

يقول إنه لا يحب التخلّي عن مشاعر التفاؤل، ولذلك آثر تمرير ومضات رجاء تلونها. وجعه الحقيقي الذي كان يعيشه لم يمنعه من التحلي بالصبر والأمل. ويوضح لـ«الشرق الأوسط»: «في النهاية سنقوم من جديد؛ كوننا شعباً صلباً لا تشّلنا الأزمات. والفنان صاحب الأحاسيس المرهفة لا يمكنه أن يفرّق بين وجهة سياسية وأخرى، ولا بين طائفة وأخرى ينتمي إليها هذا الشخص أو ذاك. فما أعرفه جيداً هو أننا جميعنا لبنانيون، ولذلك علينا التوحّد ومساعدة بعضنا البعض. رؤية أبناء بلدي يهجرون منازلهم وقراهم المدمّرة، لامستني عن قرب، فولدت أغنيتي (عم يوجعني بلدي)؛ لأني بالفعل عشت ألماً حقيقياً مع نفسي».

حفرت في ذاكرة ميشال رميح مشاهد عدة مؤثّرة عن لبنان المهجّر والمدمّر، كما يقول. «لن أنسى ذلك المسنّ الذي بكى خسارته لزوجته وبيته معاً. اليوم لا يجد مكاناً يؤويه، كما يفتقد شريكة حياته. وكذلك تعاطفت مع الأطفال والأولاد الذين لا ذنب لهم بحروب الكبار. فهؤلاء جميعاً أعتبرهم أهلي وإخوتي وأبنائي. كان لا بد أن تخرج مني كلمات أغنية، أصف فيها حالتي الحقيقية».

ميشال ابن زحلة، يقيم اليوم في أميركا. يقول: «هاجرت إلى هناك منذ زمن طويل. وفي كل مرة أعود بها إلى لبنان أشعر بعدم قدرتي على مغادرته. ولكن بسبب أطفالي اضطررت للسفر. وعندما أغادر مطار بيروت تمتلكني مشاعر الأسى والحزن. لم أرغب في ترك بلدي وهو يمرّ في محنة صعبة جداً. ولكن الظروف مرات تدفعنا للقيام بعكس رغباتنا، وهو ما حصل معي أخيراً».

يقول بأنه لا يحب التخلّي عن مشاعر التفاؤل (ميشال رميح)

صوّر ميشال أغنيته، وسجلها في الاستوديو، في الوقت نفسه. لم يرغب في أن تكون مصطنعة بمشهديتها بل أن تمثّل واقعاً يعيشه. «الأغنية ليست تجارية، كتبت كلماتها على قصاصة ورق صغيرة. وأنا أتوجّه إلى استوديو التسجيل قمت بتلحينها».

سبق وتعاون رميح في عدة أغنيات مع مجموعة شعراء وملحنين، ومن بينهم هيثم زيات وسليم عساف. ولكن في أغنية «عم يوجعني بلدي» ترك العنان لأحاسيسه، فلحّن وكتب وغنّى من هذا المنطلق. صديقه ريكاردو عازار تسلّم مهمة عزف اللحن على آلة البيانو. «لم أشأ أن ترافقها آلات وإيقاعات كثيرة لأنها أغنية دافئة ووطنية».

يعدّ رميح الأغنية الوطنية وجهة يجب أن يتحوّل إليها كل فنان تتملّكه أحاسيس حقيقية تجاه وطنه. ويستطرد: «هكذا أنا مغنٍ أستطيع أن أقاوم عندما بلدي يشهد مرحلة صعبة. لا أستطيع أن ألتزم الصمت تجاه ما يجري من اعتداءات على أرضه. ولأن كلمات الأغنية تنبع من رحم الواقع والمشاعر، لاقت انتشاراً كبيراً».

حتى أثناء مرور لبنان بأزمات سابقة لم يوفّر ميشال رميح الفرصة ليغني له. «أثناء ثورة أكتوبر (تشرين الأول) وانفجار المرفأ غنيّت لبنان بأسلوبي وعلى طريقتي. وتركت مساحة مضيئة بأمل في الغد تبرز في أعمالي. غنيت (شعب لبنان) يومها من ألحان هيثم زيات».

تركت مساحة مضيئة بأمل في الغد تبرز في أعمالي (ميشال رميح)

ينقل ميشال رميح حقيقة أحاسيس كل لبناني اضطر إلى هجرة وطنه. «قد يعتقد البعض أن من يعيش خارج لبنان وهو في أزمة، يتمتع بالراحة. هذا أمر خاطئ تماماً. فقد عصرني الألم وأنا أغادر وطني، وكلما حلّقت الطائرة وصغرت صورة لبنان من الأعلى، شعرت بحزن أكبر. جميع أبناء لبنان ممن أعرفهم هنا في أميركا يحزّ في قلبهم ابتعادهم عن وطنهم المجروح. ولكنهم جميعهم يأملون مثلي بالعودة القريبة إليه. وهو ما يزيد من صبرهم، لا سيما وأن أعمالهم وعائلاتهم تعيش في أميركا».

أغانٍ وطنية عديدة لفتت ميشال رميح أخيراً: «أرفع القبعة لكل فنان يغني لبنان المتألم. استمعت إلى أغانٍ عدة بينها لجوزف عطية (صلّوا لبيروت)، ولماجد موصللي (بيروت ست الدنيا)، وأخرى لهشام الحاج بعنوان (بيروت ما بتموت)، وكذلك واحدة أداها الوليد الحلاني (بعين السما محروس يا لبنان)». ويعلّق لـ«الشرق الأوسط»: «أعتبر هذه الأغاني بمثابة غذاء الروح لوطني لبنان. لا شك أن ما أعنيه يأتي مجازياً؛ لأن لا شيء يعوّض خسارات بلدي. ولكن من ناحيتي أجد صوتي وأغنيتي هما سلاحي الذي أدافع فيه عن بلدي».

عندما غادر رميح لبنان منذ نحو الشهر كان في زيارته الثانية له بعد غياب. فحب الوطن زرعه في قلبه، ونما بداخله لا شعورياً. «لن أستسلم أبداً، وسأثابر على زيارة لبنان باستمرار، على أمل الإقامة فيه نهائياً وقريباً. فوالداي علّماني حب الوطن، وكانا دائماً يرويان لي أجمل الذكريات عنه. وأتمنى أن أشهد مثل هذه الذكريات كي أرويها بدوري لأولادي».