«الثورة الرابعة» تتسبب في «النوموفوبيا» وتنذر بـ«السيبورغ»

وسائل التواصل ملوثة للبيئة و«جي ميل» أكثرها نظافة

«الثورة الرابعة» تتسبب في «النوموفوبيا» وتنذر بـ«السيبورغ»
TT

«الثورة الرابعة» تتسبب في «النوموفوبيا» وتنذر بـ«السيبورغ»

«الثورة الرابعة» تتسبب في «النوموفوبيا» وتنذر بـ«السيبورغ»

«ماذا تفعل بنا التقنيات؟ وماذا نفعل بها؟» بهذا السؤال يفتتح الدكتور غسان مراد كتابه الجديد «دهاء شبكات التواصل الاجتماعي وخبايا الذكاء الاصطناعي»، الذي يتابع من خلاله أبحاثه حول التأثيرات المختلفة للتكنولوجيا أو ما بات يعرف بـ«الثورة الرابعة» على مختلف المجالات الحياتية، بعد كتابه «المعلوماتية في اللغة والأدب والحضارة». وهو إذ يعدد المجالات التي يتطرق إليها في الكتاب، يحاول أن يأخذنا إلى أحدث الدراسات عارضاً نتائجها وأبعادها، محللاً ومستنتجاً. ورغم تفرع العناوين فإنها في النهاية تضيء مجتمعة على التحولات الكبيرة بعد أن أصبح الجوال رفيقنا، والأيقونات مما لا بد منه، والشبكة الإلكترونية هي الامتداد الطبيعي لأدمغتنا، وأساليب تفكيرنا.
وإذا كانت أميركا هي التي قادت وأدارت الحركة الإلكترونية عبر الإنترنت لغاية الآن، فإن الصين، تبعاً للإشارات القادمة من هناك، هي الجهة التي ستصبح المنتج رقم واحد للأجهزة الذكية بأنواعها. كما أن الهند قد تتصدر صناعة برمجيات الكومبيوتر عالمياً.
وحتى وإن بدا أن الأميركيين هم الأقدم والأقدر على استخدام الشبكة الإلكترونية بمهارة. فإن ذلك قد يكون مراوغاً. إذا أن دراسة أجرتها جامعة ستانفورد على طلاب لمدة عام، أظهرت أن الذين أجريت عليهم الدراسة ينظرون إلى ما يقرأونه على الويب على أنه حقائق، أكثر مما يدققون في صحته. واعتبرت هذه النتيجة كارثية، لا بل وصادمة تحمل تهديداً حقيقياً للديمقراطية في بلد يفترض أنه الأمهر في التعامل مع المستجدات. فكيف يمكن أن تكون الأحوال في بلداننا المشرقية؟ وكيف يقرأ شباننا؟ خاصة أننا أمام إدمان غير مسبوق، وسيل لا يقاوم من الأخبار المضللة التي يختلط فيها الصحيح بالخاطئ. والأدهى كيف يمكن لصغار المستخدمين أن يقاوموا سلطة من يملكون قوة التحكم بالشبكة، ويحموا أنفسهم منهم ومن تلاعبهم.
فأنت محكوم باستخدام الإنترنت وفي الوقت نفسه خاضع لسلطة القادرين على إدارة وتوجيه جزء كبير من المعلومات. وإضافة إلى الاستخدام الواعي، ثمة ما بات يسمى «النوموفوبيا» وهي متأتية من «نو موبايل فون» والإحساس بالفقد الذي يستشعره الإنسان حين لا يكون هاتفه في يده. وهنا يقول صاحب الكتاب إن ثمة فرقا بين الحاجة لاستخدام الجوال، والإدمان على ذلك. ويوجد فرق أيضاً بين الإدمان على وسائل التواصل والإدمان على الألعاب الإلكترونية، فالظاهرة ليست واحدة وكذلك الدوافع والنتائج.
وبالتالي وأمام سيل العناوين التي يبحثها الكتاب من «رقمنة البنوك» إلى «الإعلام» و«الإرهاب»، وكذلك «السمعة الرقمية» و«الذكاء الاصطناعي»، وكيف أن للتكنولوجيا تأثيرها الكبير على عالم «الرياضة»، وتشكيل «صورتنا عن أنفسنا»، تعرف كم أن الموضوع بات باتساع نشاطاتنا الإنسانية. ويكاد كل تفصيل نعيشه يكون مرتبطاً بما يحدث على الشبكة، من مفهوم «المواطنة» الذي يبدأ به الكتاب إلى «التلوث المناخي» الذي ينتهي به. فمنذ عام 2009 تخطت انبعاثات ثاني أكسيد الكربون جراء الاستخدامات الإلكترونية الكميات التي تنبعث من حركة الطيران العالمية بمجملها. فكل تغريدة، ومشاهدة لفيديو، وأي رسالة تنتقل هي عبارة عن استهلاك، وانبعاثات وتلويث أيضاً، خاصة حين نضيف إليها كمية الأجهزة الإلكترونية التي ترمى، ولا سبيل في غالبية البلدان إلى معالجتها، فإن كمّ التلوث يتصاعد بقوة. وللحد من المخاطر هناك دعوات لاستخدام الأجهزة التي بحوزتنا أطول فترة ممكنة بدل تغييرها بسرعة رغبة في الوصول إلى الأحدث، وإطفائها كلياً كلما كان ممكناً. فالثمن البيئي لكل ثانية بات باهظاً على الصحة والمناخ. فالإسراف في التواصل مكلف على الصحة. ففي كل ثانية يتم تبادل 7447 تغريدة، وتحميل 757 صورة على إنستغرام وحده، وتجرى 2389 مكالمة على سكايب فقط، وتجري أكثر من 57 ألف عملية بحث على غوغل، ويشاهد أكثر من 67 ألف شريط فيديو، وترسل أكثر من مليوني رسالة إلكترونية. وهي ليست استخدامات نظيفة كما يظن البعض. صحيح أنها لا تبعث دخاناً، لكنها تحتاج استهلاكاً للكهرباء، وشحناً للبطاريات بكميات كبيرة، والنفايات الإلكترونية تحتوي على كميات مركزة من المعادن المختلفة التي لا تستطيع البيئة التخلص منها. وإذا كانت المخاطر باتت معروفة للبعض فإن التوصيات بالاقتصاد في الاستخدام لا تزال غير ناجعة. ففي لحظة واحدة من عام 2016 كان عدد مستخدمي الإنترنت نحو 3.5 مليار مستخدم.
لكن الجديد والظريف أن تعرف أن بعض التطبيقات أقل تلويثاً من غيرها، إذ أظهرت بعض الدراسات أن بريد «جي ميل» أقل استهلاكاً للكهرباء من غيره، بفضل كفاءة استخدام الطاقة في مراكز المعلومات التي تدير هذا البريد في شركة غوغل. ويستهلك من الكهرباء، أقل بـ80 ضعفاً من نظرائه. لكن في المقابل بقى كم الطاقة التي يستهلكها إرسال البريد نفسه في كل بلد هي نفسها، ولا تختلف عن أي بريد آخر. ويكفي القول: إن حواسيب المستخدمين تبعث 407 ميغاطن من غاز ثاني أكسيد الكربون سنوياً، بسبب رسائل البريد الإلكترونية، ويتوقع أن يتضاعف الرقم بحلول العام 2030.
ويتحدث الكتاب عن وسائل التواصل الاجتماعي وخاصة «فيسبوك» الذي يخسر المشتركين الشبان بسبب هجرتهم إلى منصات أخرى، تتناسب أكثر واحتياجاتهم، ويشرح كيف تذهب الشركة إلى تغيير في الخوارزميات، لتعدل في المواد التي تظهر على الصفحة الشخصية للمشترك في محاولة لجعل الموقع قادراً على تأدية دور إعلامي أفضل، خاصة أن الشكوى منه هي بسبب اكتظاظ المحتوى وعدم تلبيته الكافية لحاجة المستخدم. ويعرج على العلاقات المتداخلة بين الإعلام المرئي والمكتوب وكذلك وسائل التواصل، بحيث بقدر ما تبدو المنافسة قوية، تعود لتصبح تكاملية في أحيان كثيرة. وفي دراسة صدرت عن موقع «تويتر» أن ما يزيد على نصف جمهور هذا التطبيق يميلون إلى التغريد وهم يشاهدون البرامج التلفزيونية. ما يؤكد الاستخدام المتعدد والمتزامن للشاشات، عند المستخدم، وهو ما يتم اتخاذه بالاعتبار بشكل واسع من قبل وسائل الإعلام، والقيمين على وسائل التواصل في وقت واحد.
وإذا كانت بعض الاستخدامات التكنولوجية أصبحت شعبية ومعروفة فإن البعض الآخر لا يزال محدود الاستخدام، وسنرى مفاعيله في السنوات المقبلة. فبعد عالم «الروبوت» هناك عالم «السيبورغ»، أي الإنسان السيبراني، المدعّم بأعضاء يسندها الذكاء الاصطناعي، لتحسين السمع أو استعادة البصر. وثمة تجارب تمت بالفعل منذ عام 2014 بدأت بوضع شريحة في رأس مصاب بعمى الألوان، لتصحيح الخلل لديه، وهو مسار متواصل ويتطور بشكل مشجع. لكن المخاوف، متأتية من استغلال هذه التقنيات في المستقبل وبعد شيوعها بتعزيز قدرات عقلية أو إمكانات ذهنية، لأشخاص يمتلكون ثمنها ويحرم منها آخرون، ليصبح الذكاء الفائق حكراً على من يدفع. ولكن ماذا عن الأخلاقيات العلمية؟ وهل يبقى الإنسان إنساناً بعد أن يخضع لإضافات تؤدي به لأن يتحول إلى إنسان - آلة (سيبورغ)؟
وفي حقيقة الأمر، هل يجري تقريب الآلة لتحاكي الإنسان؟ كما هو الانطباع السائد. أم أن ما يحدث هو العكس، بحيث يتم العمل على تحويل الإنسان إلى آلة ذكية؟


مقالات ذات صلة

انطلاق «معرض جازان للكتاب» فبراير المقبل

يوميات الشرق المعرض يتضمّن برنامجاً ثقافياً متنوعاً يهدف إلى تشجيع القراءة والإبداع (واس)

انطلاق «معرض جازان للكتاب» فبراير المقبل

يسعى «معرض جازان للكتاب» خلال الفترة بين 11 و17 فبراير 2025 إلى إبراز الإرث الثقافي الغني للمنطقة.

«الشرق الأوسط» (جيزان)
يوميات الشرق الأمير فيصل بن سلمان يستقبل الأمير خالد بن طلال والدكتور يزيد الحميدان بحضور أعضاء مجلس الأمناء (واس)

الحميدان أميناً لمكتبة الملك فهد الوطنية

قرَّر مجلس أمناء مكتبة الملك فهد الوطنية تعيين الدكتور يزيد الحميدان أميناً لمكتبة الملك فهد الوطنية خلفاً للأمير خالد بن طلال بن بدر الذي انتهى تكليفه.

«الشرق الأوسط» (الرياض)
ثقافة وفنون قراءات المثقفين المصريين في عام 2024

قراءات المثقفين المصريين في عام 2024

مرَّت الثقافة العربية بعام قاسٍ وكابوسي، تسارعت فيه وتيرة التحولات بشكل دراماتيكي مباغت، على شتى الصعد، وبلغت ذروتها في حرب الإبادة التي تشنّها إسرائيل على غزة

رشا أحمد (القاهرة)
كتب كُتب المؤثرين بين الرواج وغياب الشرعية الأدبية

كُتب المؤثرين بين الرواج وغياب الشرعية الأدبية

صانع محتوى شاب يحتل بروايته الجديدة قائمة الكتب الأكثر مبيعاً في فرنسا، الخبر شغل مساحات واسعة من وسائل الإعلام

أنيسة مخالدي (باريس)
كتب «حكايات من العراق القديم» و«ملوك الوركاء الثلاثة»

«حكايات من العراق القديم» و«ملوك الوركاء الثلاثة»

صدر عن دار «السرد» ببغداد كتابان مترجمان عن الإنجليزية للباحثة والحكواتية الإنجليزية فران هزلتون.

«الشرق الأوسط» (بغداد)

مجلة «الأديب الثقافية»: الاغتيال الثقافي

مجلة «الأديب الثقافية»: الاغتيال الثقافي
TT

مجلة «الأديب الثقافية»: الاغتيال الثقافي

مجلة «الأديب الثقافية»: الاغتيال الثقافي

صدر العدد الجديد (الحادي عشر من مجلة «الأديب الثقافية» - شتاء 2025)، وهي مجلة ثقافية تُعنى بقضايا الحداثة والحداثة البعدية يرأس تحريرها الكاتب العراقي عباس عبد جاسم.

تناولت افتتاحية العدد التي كتبها رئيس التحرير «مدن المستقبل: يوتوبية أم سوسيوتكنولوجية؟».

كما تبنى العدد محور «نحو يسار عربي جديد»، وقد تضمّن مقدمة كتاب «نحو نهضة جديدة لليسار في العالم العربي» للمفكر اللبناني الراحل الدكتور كريم مروة، وفيها دعوة جديدة لنهوض اليسار العربي بعد هزائم وانكسارات ونكبات كبرى أعقبت تفكّك الاتحاد السوفياتي وانهيار الاشتراكية في العالم، وقد عدَّت مجلة «الأديب الثقافية» - المقدمة نواة لمشروع نهضوي جديد لمستقبل اليسار العربي، بعد أن تجمّد عند حدود معينة من موته شبه السريري.

وأسهم في هذا المحور السياسي والطبيب المغترب الدكتور ماجد الياسري، بدراسة هي مزيج من التحليل والتجربة السياسية والانطباع الشخصي بعنوان «اليسار العربي - ما له وما عليه»، وقدّم الناقد علي حسن الفوّاز مراجعة نقدية بعنوان «اليسار العربي: سيرة الجمر والرماد»، تناول فيها علاقة اليسار العربي بالتاريخ، وطبيعة السياسات التي ارتبطت بهذا التاريخ، وبالمفاهيم التي صاغت ما هو آيديولوجي وما هو ثوري.

أما الكاتب والناقد عباس عبد جاسم، فقد كتب دراسة بعنوان «إشكاليات اليسار العربي ما بعد الكولونيالية»، قدم فيها رؤية نقدية وانتقادية لأخطاء اليسار العربي وانحراف الأحزاب الشيوعية باتجاه عبادة ماركس، وكيف صار المنهج الماركسي الشيوعي لفهم الطبقة والرأسمالية في القرن الحادي والعشرين بلا اتجاه ديالكتيكي، كما وضع اليسار في مساءلة جديدة: هل لا تزال الماركسية صالحة لتفسير العالم وتغييره؟ وما أسباب انهيار الفكر الشيوعي (أو الماركسي) بعد عام 1989؟ وهل نحن نعيش «في وهم اللاجماهير» بعصر ما بعد الجماهير؟ وفي حقل «بحوث»، قدّمت الناقدة والأكاديمية هيام عريعر موضوعة إشكالية مثيرة لجدل جندري متعدّد المستويات بعنوان «العبور الجنسي وحيازة النموذج»، وتضمَّن «قراءة في التزاحم الجمالي بين الجنسين».

ثم ناقشت الناقدة قضايا الهوية المنغلقة والأحادية، وقامت بتشخيص وتحليل الأعطاب الجسدية للأنوثة أولاً، وعملت على تفكيك الهيمنة الذكورية برؤية علمية صادمة للذائقة السائدة، وذلك من خلال تفويض سلطة الخطاب الذكوري.

وقدّم الدكتور سلمان كاصد مقاربة بصيغة المداخلة بين كاوباتا الياباني وماركيز الكولومبي، من خلال روايتين: «الجميلات النائمات»، و«ذكريات غانياتي الحزينات» برؤية نقدية معمّقة.

واشتغل الدكتور رشيد هارون موضوعة جديدة بعنوان «الاغتيال الثقافي»، في ضوء «رسالة التربيع والتدوير للجاحظ مثالاً»، وذلك من منطلق أن «الاغتيال الثقافي هو عملية تقييد أديب ما عن أداء دوره الثقافي وإقعاده عن المضي في ذلك الدور، عن طريق وسائل غير ثقافية»، وقد بحث فيها «الأسباب التي دفعت الجاحظ المتصدي إلى أحمد عبد الوهاب الذي أطاح به في عصره والعصور التالية كضرب من الاغتيال الثقافي». وهناك بحوث أخرى، منها: «فن العمارة بتافيلالت: دراسة سيمائية - تاريخية»، للباحث المغربي الدكتور إبراهيم البوعبدلاوي، و«مستقبل الحركة النسوية الغربية»، للباحث الدكتور إسماعيل عمر حميد. أما الدكتورة رغد محمد جمال؛ فقد أسهمت في بحث بعنوان «الأنساق الإيكولوجية وسؤال الأخلاق»، وقدمت فيه «قراءة في رواية - السيد والحشرة».

وفي حقل «ثقافة عالمية» قدّم الشاعر والناقد والمترجم عبد الكريم كاصد ترجمة لثماني قصائد للفنان كاندنسكي بعنوان «أصوات». وفي حقل «قراءات» شارك الدكتور فاضل عبود التميمي بقراءة ثقافية لرواية «وجوه حجر النرد» للروائي حسن كريم عاتي. وفي حقل «نصوص» قدَّم الشاعر الفلسطيني سعد الدين شاهين قصيدة بعنوان: «السجدة الأخيرة».

وفي نقطة «ابتداء» كتبت الناقدة والأكاديمية، وسن عبد المنعم مقاربة بعنوان «ثقافة الاوهام - نقد مركب النقص الثقافي».

تصدر المجلة بصيغتين: الطبعة الورقية الملوَّنة، والطبعة الإلكترونية.