«ذي تايمز بوك ريفيو»: أفضل 10 كتب لعام 2019

غلاف «قارب ليلي إلى طنجة»  -  غلاف «النادي»
غلاف «قارب ليلي إلى طنجة» - غلاف «النادي»
TT

«ذي تايمز بوك ريفيو»: أفضل 10 كتب لعام 2019

غلاف «قارب ليلي إلى طنجة»  -  غلاف «النادي»
غلاف «قارب ليلي إلى طنجة» - غلاف «النادي»

وقع اختيار محرري «ذي تايمز بوك ريفيو» على مجموعة من الكتب بوصفها أفضل الكتب الروائية وغير الروائية وغير الخيالية لهذا العام. وفي أعداد مقبلة، سنتابع خيارات الصحف والمجلات لأفضل الكتب الصادرة هذا العام. وهي بالتأكيد تختلف من قائمة إلى أخرى، تبعاً لتقييم كل مطبوعة، وتقديرات المحررين:
- الكتاب: «الأرض المختفية»
تأليف: جوليا فيليبس
خلال الفصل الأول من الرواية التي تعدّ العمل الروائي الأول للكاتبة، ويعكس قدراً واضحاً من الثقة، تختفي فتاتان صغيرتان فجأة، لتسود حالة من الصدمة أرجاء مدينة تقع على أطراف شبه جزيرة كامشاتكا النائية. وتلي هذا الحادث مجموعة من القصص القصيرة المتداخلة حول شخصيات نسائية متنوعة تأثرت حياتهم جراء ذلك الاختفاء. وتدفع كل قصة من هذه القصص القصيرة التي تتميز بثرائها السردي زمن الرواية بأكملها قدماً لشهر آخر، وتكشف كيف تحطمت حياة نساء كامشاتكا على الأصعدة الشخصية والثقافية والعاطفية بسبب هذه الجريمة.
- الكتاب: «مدرسة توبيكا»
تأليف: بن ليرنر
تعدّ هذه الرواية الثالثة لليرنر، بعد «الرحيل عن محطة أتوتشا» و«10:04»، وتتميز بثراء لافت، وهي تتنوع بين تصوير الأبوة والأمومة، والطفولة، ومن الذكورية القاتلة؛ حتى تفاصيل دقيقة تخص المرأة، ومن «عقدة أوديب» التي طرحها فرويد؛ حتى أغنية توباك «جميع العيون عليّ».
يعود «آدم جوردون» بصفته بطل الرواية، لكن هذه المرة نجماً في إحدى المدارس الثانوية، وفي معظم أجزاء الرواية يشار إليه بضمير الغائب. وتشغل مساحات متكافئة من الرواية أصوات والديه، وزميل سابق له يعاني أوجه قصور إدراكية تقف على الطرف المقابل للمزايا التي يتمتع بها آدم.
وتستمر في هذا العمل التساؤلات التي سبق طرحها في الروايتين السابقتين حول الفن والصدق، لكن جحود «آدم» يتسع في هذه الرواية ليتحول إلى عرض من أعراض أزمة إيمان وطنية. ومثلما عودنا من قبل، تبرز موهبة ليرنر دوماً كملحن قادر على تنظيم الآلات الموسيقية بعضها مع بعض في تناغم، وقد تألقت هذه الموهبة في هذا العمل على نحو غير مسبوق.
- الكتاب: «الزفير»
تأليف: تيد شيانغ
يكشف كثير من القصص التسع الرائعة في هذه المجموعة، التداعيات المادية للسفر عبر الزمن. وتبدو تجربة قراءة هذه المجموعة أشبه بتناول العشاء برفقة صديق ينهمك في شرح نظرية علمية لك. كل واحدة من القصص التسع المحبوكة بإتقان تطرح تساؤلاً فلسفياً، في إطار محادثة تبدو بمثابة دائرة كاملة.
- الكتاب: «أرشيف الأطفال المفقودين»
تأليف: فاليريا لويزلي
تعد هذه الرواية الثالثة للكاتبة المكسيكية، والأولى لها باللغة الإنجليزية، وتتكشف أحداث الرواية على خلفية أزمة: أطفال يجتازون الحدود ويواجهون الموت، ثم يتعرضون للاحتجاز ويجري ترحيلهم دون مرافقة ذويهم. الشخصيات الرئيسية هي زوجان وطفلاهما (لم تذكر المؤلفة أسماءهم)، ينطلقون في رحلة برية من مدينة نيويورك حتى الحدود المكسيكية، في وقت تكون فيه العلاقة الزوجية بين الأب والأم على شفا الانهيار.
وينجح أسلوب لويزلي المتميز في الكتابة في استثارة مشاعر الغضب والشفقة داخل القارئ، لكن ما الذي يمكن أن يفعله المرء بعد قراءة مثل هذه الرواية؟
نظراً لحساسيتها الشديدة تجاه مثل هذه المآسي، نجحت لويزلي في تقديم كتاب رائع الصياغة.
- الكتاب: «قارب ليلي إلى طنجة»
تأليف: كيفين باري
مرفأ مهجور للقوارب على أحد السواحل الإسبانية ليس المكان الذي يتوقع فيه المرء أن يلتقي قطعة أدبية ساحرة أو عمل فلسفي حزين، لكن بفضل الشخصيتين الآيرلنديتين المحوريتين في رواية باري، نجد وفرة من الأمرين، بجانب أسلوب سرد ممتع واستدعاء كثيف لذكريات مؤلمة. وتتسم حياة الرجلين بقدر هائل من التداخل لدرجة أن السيدة التي ينتظران وصولها يمكن وصفها بأنها قريبة لكل واحد منهما... لكن هل ستحضر السيدة؟ وهل يهتمان بهذا الأمر حقاً؟ في الواقع، يطرح أسلوبهما المرح وتبادلهما النكات تناولاً جديداً وذكياً لمسرحية «في انتظار غودو»، لصموئيل بيكيت.
- الكتاب: «لا تقل شيئاً»
تأليف: باتريك رادين
في عام 1972، أقدم أشخاص ملثمون على اقتحام منزل جان مكونفيل، وجروا الأرملة، البالغة 38 عاماً والأم لـ10 أطفال، إلى خارج منزلها في بلفاست. في إطار هذا العمل الذي يتميز بدقة بالغة في السرد ووتيرة أقرب إلى الروايات، يستخدم المؤلف قضية قتل مكونفيل منظوراً يطرح من خلاله تاريخ الاضطرابات في آيرلندا الشمالية عبر عقد مقابلات مع أشخاص من كلا طرفي الصراع. وبذلك نجح في كتابه في تحويل الأضرار المأساوية التي شهدتها هذه الحقبة إلى ملحمة أخاذة ومثيرة.
- الكتاب: «النادي»
تأليف: ليو دامروش
لم يرغب الرسام الإنجليزي جوشوا رينولدز سوى في إدخال البهجة على نفس صديقه صامويل جونسون الذي غلبت عليه حالة مزاجية سوداوية. لكن جلسات الثرثرة التي اقترح عقدها ليلة الجمعة في «تركس هيد تافرن» ستنتهي بها الحال إلى اجتذاب جميع الشخصيات اللامعة في بريطانيا أواخر القرن الـ18. ونجح دامروش في جمع هذه الشخصيات الرفيعة معاً داخل النادي، وإعادتها إلى الحياة. لقد صور المؤلف جونسون ورينولدز وإدموند بيرك وآدم سميث والممثل ديفيد غاريك والمؤرخ إدوارد غيبون، وبطبيعة الحال المؤرخ المناصر لجونسون، جيمس بوسويل، بشكل رائع. وباختصار، جمع الكاتب «كوكبة من المواهب التي نادراً ما أنجب العالم مثيلاً لها».
- الكتاب: «المنزل الأصفر»
تأليف: سارة إ. بروم
في بداية استثنائية لها في الكتابة الأدبية، تجاوزت بروم التوقعات الأساسية المرتبطة بكتابة السير الذاتية لتخلق عملاً يجمع في ثناياه مجموعة مبتكرة من الأساليب الأدبية، فالكتاب في جزء منه يطرح تاريخاً شفهياً، وفي جزء آخر تاريخاً حضرياً، وفي جزء آخر يبدو احتفاءً بأسلوب حياة ولّى ومضى. بصورة عامة، يعج «المنزل الأصفر» بإدانة كاملة لرذائل الجشع والتمييز واللامبالاة والتخطيط الرديء للمدن الذي أسفر في نهاية الأمر عن محو منزل أسرتها من على الخريطة. وعبر ثنايا الكتاب، تقتفي الكاتبة آثار منزل واحد في منطقة نيو أورليانز إيست (منطقة تبلغ مساحتها 50 ضعف فرنش كورتر، ومع هذا لا وجود لها في أغلبية الخرائط السياحية)، من ستينات القرن الماضي حتى إعصار كاترينا. وفي جوهره، يتفحص هذا الكتاب الممتع الماضي والحاضر والمستقبل المحتمل لمدينة نيو أورليانز.
- الكتاب: «الكدمات»
تأليف: راشيل لويز سنايدر
في ثنايا هذا الكتاب الشيق الشامل، تستعرض سنايدر ما وصفتها منظمة الصحة العالمية بأنها «مشكلة صحية عالمية بحجم الوباء». في أميركا وحدها، أكثر من نصف جميع النساء المقتولات تعرضن للقتل على يد الشريك الحالي أو السابق. واللافت أن العنف الأسري مستشر عبر مختلف الطبقات والأديان والأعراق... لقد تناولت المؤلفة على نحو مؤثر حياة (وموت) نساء تعرضن للظلم، وهي لا تطرح في كتابها حلولاً سهلة، وإنما تقدم ثروة من المعلومات.
- الكتاب: «منتصف الليل في تشرنوبل»
تأليف: آدم هيغينبوثام
يطرح هيغينبوثام سرداً رائعاً لكارثة انفجار مفاعل تشرنوبل في أبريل (نيسان) 1986، في واحد من الكتب العلمية النادرة الذي يبدو أسلوبه أقرب إلى رواية تعج بالإثارة. ويأتي الكتاب مكدساً بتفاصيل دقيقة وشخصيات مثيرة للاهتمام، ينقلنا من خلالها إلى معرفة الأسباب الكامنة وراء هذه الكارثة، والحسابات الخاطئة التي قادت في النهاية إلى الكارثة المحتومة التي بدّلت وجه التاريخ.


مقالات ذات صلة

«شجرة الصفصاف»... مقاربة لعلاقة الشرق والغرب

ثقافة وفنون «شجرة الصفصاف»... مقاربة لعلاقة الشرق والغرب

«شجرة الصفصاف»... مقاربة لعلاقة الشرق والغرب

عن دار «بيت الياسمين» للنشر بالقاهرة، صدرتْ المجموعة القصصية «شجرة الصفصاف» للكاتب محمد المليجي، التي تتناول عدداً من الموضوعات المتنوعة مثل علاقة الأب بأبنائه

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
يوميات الشرق المعرض يتضمّن برنامجاً ثقافياً متنوعاً يهدف إلى تشجيع القراءة والإبداع (واس)

انطلاق «معرض جازان للكتاب» فبراير المقبل

يسعى «معرض جازان للكتاب» خلال الفترة بين 11 و17 فبراير 2025 إلى إبراز الإرث الثقافي الغني للمنطقة.

«الشرق الأوسط» (جيزان)
يوميات الشرق الأمير فيصل بن سلمان يستقبل الأمير خالد بن طلال والدكتور يزيد الحميدان بحضور أعضاء مجلس الأمناء (واس)

الحميدان أميناً لمكتبة الملك فهد الوطنية

قرَّر مجلس أمناء مكتبة الملك فهد الوطنية تعيين الدكتور يزيد الحميدان أميناً لمكتبة الملك فهد الوطنية خلفاً للأمير خالد بن طلال بن بدر الذي انتهى تكليفه.

«الشرق الأوسط» (الرياض)
ثقافة وفنون قراءات المثقفين المصريين في عام 2024

قراءات المثقفين المصريين في عام 2024

مرَّت الثقافة العربية بعام قاسٍ وكابوسي، تسارعت فيه وتيرة التحولات بشكل دراماتيكي مباغت، على شتى الصعد، وبلغت ذروتها في حرب الإبادة التي تشنّها إسرائيل على غزة

رشا أحمد (القاهرة)
كتب كُتب المؤثرين بين الرواج وغياب الشرعية الأدبية

كُتب المؤثرين بين الرواج وغياب الشرعية الأدبية

صانع محتوى شاب يحتل بروايته الجديدة قائمة الكتب الأكثر مبيعاً في فرنسا، الخبر شغل مساحات واسعة من وسائل الإعلام

أنيسة مخالدي (باريس)

«حياتي كما عشتها»... محمود ياسين يروي ذكرياته مع الأدباء

الفنان المصري الراحل محمود ياسين (فيسبوك)
الفنان المصري الراحل محمود ياسين (فيسبوك)
TT

«حياتي كما عشتها»... محمود ياسين يروي ذكرياته مع الأدباء

الفنان المصري الراحل محمود ياسين (فيسبوك)
الفنان المصري الراحل محمود ياسين (فيسبوك)

في كتاب «حياتي كما عشتها» الصادر عن دار «بيت الحكمة» بالقاهرة، يروي الفنان المصري محمود ياسين قبل رحيله طرفاً من مذكراته وتجربته في الفن والحياة من خلال حديث مطول أدلى به لمحرر المذكرات ومؤلف الكتاب الصحافي سيد محمود سلام. ورغم أن حديث الذكريات هنا يشمل محطات مختلفة، فإن الكتاب يركز بشكل خاص على مرحلة النشأة والطفولة وما اكتنفها من اكتشاف الفنان في سنوات التكوين الأولى لعالم الأدب وخصوصية مدينته بورسعيد، مسقط رأسه.

ويشير محمود ياسين إلى أن الطفولة مفتاح كل بوابات العمر، وقد عاش طفولته في أسرة محافظة مثقفة محبة للفن ولتراب الوطن حيث أثرت كثرة الحروب التي خاضتها المدينة على تعميق الحس الوطني لأبنائها. ويرى أنه كان طفلاً محظوظاً لأنه نشأ في أسرة تعد الثقافة جزءاً مهماً من تكوين أبنائها، وكان ترتيبه السادس بين أشقائه العشرة، وقد تأثر في طفولته بشقيقه الأكبر فاروق: «إذ فتح عيني على شيء اسمه الكتاب بمعناه الواسع. كان يتسلم الكتب ويذهب إلى المدرسة، لكن فاروق كانت له في البيت مكتبة خاصة عبارة عن خزانة كبيرة في الحائط صُممت على الطراز الفرنسي تضع فيها الوالدة الفخار وقطع الخزف الصيني وكؤوس الزجاج وأشياءها الخاصة، فصنع منها مكتبة بعرض الحائط بعد أن أقنعها بذلك حيث كانوا يقطنون في فيلا من دورين تابعة لشركة قناة السويس التي كان يعمل بها والده، وعاشوا فيها ما يزيد على 25 عاماً».

ظل فاروق يشتري الكتب باستمرار مثل سلسلة «اقرأ» التي كانت تصدر ملخصات لعيون الأدب العربي والعالمي والسير الذاتية مثل السيرة الذاتية لطه حسين ودوستويفسكي ومكسيم غوركي وأنطون تشيخوف، فضلاً عن عيون الأدب الفرنسي مثل مؤلفات غي دي موباسان. كانت السلسلة تصدر كتيبات لكل كتّاب ومفكّري العالم، فالتراث الإنساني كله أنتجته سلسلة «اقرأ»، وقد جمعه فاروق في مكتبته وأيضاً سلسلة أخرى بعنوان «كتابي» جمعها أيضاً في المكتبة.

قرأ محمود ياسين في صغره معظم دواوين الشعراء العرب وعبقريات العقاد في مكتبة شقيقه، فضلاً عن كتب سلسلة «الكتاب الذهبي» التي تعرّف فيها على محمد عبد الحليم عبد الله ونجيب محفوظ ويوسف إدريس ويوسف السباعي. كما كان الشقيق الأكبر فاروق شغوفاً باقتناء الكتب والمطبوعات الثقافية مثل مجلة «الهلال» حتى إنه يشتري الكتب بمصروفه الشخصي المحدود. ولم يكن الطفل محمود يشغل نفسه بشراء الكتب، لكن يده بدأت تمتد إلى مكتبة شقيقه، فغضب بشدة من استعارته كتبه؛ وذلك خوفاً من ألا تلقى الاحترام ذاته الذي تلقاه عنده تلك المكتبة التي كوّنها واشتراها من مصروفه. لكن عندما اطمأن لشقيقه، بدأ يشجعه مع بعض النصائح خوفاً على هذه الكتب. وبدأ الشقيق الأصغر في متابعة المسرحيات المترجمة بشكل خاص، لا سيما أعمال وليام شكسبير وهو ما أثار دهشة وإعجاب فاروق حين رأى شقيقه لا يفوّت نصاً للكاتب العالمي، سواء في سلسلة «كتابي» أو نظيرتها «اقرأ».

ويشير محمود ياسين إلى أن أبناء بورسعيد يتشابهون في ملامحهم وتكوينهم؛ لأن هذه المدينة تترك بصماتها على أبنائها، فهي بلد مفتوح على الدنيا ويُطل على أوروبا، فهناك شاطئ بحر وفي الأفق عالم آخر يجب أن تحلم به. إنها مدينة وسط جزر من المياه، فتأثر بهذه الخصوصية الجغرافية وما أكسبته لسكانها من حس حضاري لافت.

يقول محمود ياسين في مذكراته إن الطفولة مفتاح كل بوابات العمر وقد عاش طفولته في أسرة محافظة مثقفة محبة للفن ولتراب الوطن حيث أثرت كثرة الحروب التي خاضتها المدينة على تعميق الحس الوطني لأبنائها.

امتزجت شخصية محمود ياسين بالبحر المتوسط الذي تطل عليه مدينته، فهو مثله تراه شديد الهدوء تارة، شديد الصخب تارة أخرى. يقول: «إن أخلاقي كأخلاق البحر وطبيعتي تشبهه، فأنا في شهري سبتمبر وأكتوبر أكون هادئاً هدوءاً غريباً وعندما تنظر إليّ تشاهد ما في أعماقي، وإذا تحدثت إليّ يمكنك أن تكتشف كل شيء. أما الشخص الصاخب العصبي فهو أيضاً أنا ولكن في شهر يناير، وكذلك البحر بـ(نواته) وأمواجه المتلاطمة. لا أحب شهر يناير، قد يكون لأنه بداية عام لا أعلم ما يخبئه، وحين راقبت نفسي وجدت أنني في مواسم أكون هادئاً وأخرى أكون صاخباً وهذا هو حال البحر».

كانت حياة الصبي محمود ياسين قبل التمثيل غير مستقرة، كأنه يبحث عن شيء يسعده. كان يراقب شقيقه فاروق، الممثل العظيم بقصور الثقافة، وتعلم منه كيف يحب الريحاني. يشاهده فيشعر بأنه يمتلك عالم التمثيل بين عينيه، نظراته، تأمله، صوته حتى وهو يغني بصوتٍ أجش تستسيغ غناءه من هذه الحالة التي لاحظها وتأثر بها. أحبَّ التمثيل وشعر بأنه الشيء الذي يبحث عنه، إنه عالمه المفقود، به ستكتمل حياته.

اللافت أن التمثيل منذ البدايات الأولى بالنسبة لمحمود ياسين «حالة»، إنه بمثابة «عفريت» يتجسد في الشخص المحب له، فكان يسعد بالمشاهد التي يمثلها في نادٍ يسمى «نادي المريخ» ببورسعيد وهو طفل. وكوّن هو وزملاؤه فرقة مسرحية، مع عباس أحمد الذي عُرف بأشهر مخرجي الثقافة الجماهيرية، وله باع طويل وأثر في حياته كصديق ورفيق رحلة كفاح، هو والسيد طليب، وكانا أقرب صديقين له، سواء على مستوى هواية التمثيل أو الحياة.

ويروي كيف كان يقدم مسرحية على خشبة مسرح صنعوه بأنفسهم من مناضد وكراسي متراصة، وفي قاعة تسع 100 شخص، فلمح والده، وكانت المرة الأولى التي يمثل فيها ويشاهده أبوه، وإذا به يبتسم له ابتسامة هادئة، اعتبرها أول تصريح رسمي منه بموافقته على دخوله هذا المجال. ويذكر أيضاً أن من بين العمال الذين تأثر بهم محمود عزمي، مهندس الديكور العبقري، الذي لم يحصل على أي شهادات دراسية ولم يلتحق بالتعليم، لكنه كان يهوى الرسم ويصمّم ديكورات أي نصوص سواء عربية أو عالمية ببراعة مدهشة.