نصر «الهلال» ونصر الوطن

نصر «الهلال» ونصر الوطن
TT

نصر «الهلال» ونصر الوطن

نصر «الهلال» ونصر الوطن

فوز فريق الهلال السعودي بدوري أبطال آسيا 2019، أحدث دويّاً تجاوز حجم الإنجاز الكروي... فرحة الفوز لفّت قلوب ملايين السعوديين والخليجيين والعرب. لأول مرة منذ سنوات، تشعر ملايين الجماهير في منطقتنا أنهم شركاء في النصر، ويتقاسمون الفرح، وأن بينهم رابطة قوية تتعدى الحدود والمسافات والفواصل، ولكنها، خصوصاً بالنسبة للسعوديين، أيقظت، وبحماس كبير، شعورهم بالهوية الوطنية.
احتفالية الفوز لم تكن حدثاً كروياً ورياضياً محضاً..! كانت تعبيراً عن شعور بالهوية الوطنية الجامعة التي حققت الإنجاز للجميع.
أصبح الهلال خلال مباراته مع فريق أوراوا الياباني في نهائي دوري أبطال آسيا على ملعب «سايتاما»، معقل الفريق الياباني، رمزاً ملهماً للجماهير السعودية خصوصاً، ولملايين الجماهير العربية، رغم أن قوى العولمة صنعت أسطورة الفرق الأوروبية العابرة للحدود أمثال: برشلونة، وريال مدريد، وآرسنال، وتشيلسي، وغيرها... لكن المنازلة الكبرى التي شاهدها الملايين، جعلت هذا الفريق السعودي يشق طريقه نحو الجماهير التي وجدت فيه تعبيراً عن حاجتها للانتماء.
يجادل الكاتب الفرنسي باسكال بونيفاس، مؤسس ومدير مركز الأبحاث الدولية والاستراتيجية في باريس، في كتابه «كرة القدم والعولمة»، بأن كرة القدم على عكس ما يتخيّل للبعض أنها وسيلة لتحقيق العولمة على حساب الهويات الوطنية، فإنها قادرة على تكريس الهوية القومية للشعوب. يقول باسكال: «على الرغم من كونية كرة القدم، إلا أنها تبقى من الظواهر الحامية والمدافعة عن الهوية الوطنية مقارنة بالظواهر الأخرى المرتبطة بالعولمة، التي تذوب فيها الوطنية»، ويشرح: «إذا كانت العولمة الليبرالية السائدة ترمي إلى حل الهويات الوطنية والقومية، فإن كرة القدم هي على العكس، عامل (لحمة) و(إسمنت) لهذه الهويات... ذلك أن مواطني كل بلد من بلدان العالم يلتفون كصوت واحد حول فريقهم الوطني باعتباره يحمل (علم) البلاد إلى مختلف أرجاء المعمورة».
يضيف أن «كرة القدم هي الاستثناء الأجمل في ظاهرة العولمة، وأنها الوسيلة التي تبقت لتحقيق التقارب بين الشعوب، والمحافظة على الهوية الوطنية، (في الوقت نفسه)».
باسكال بونيفاس، الذي ألفّ ما يزيد على أربعين كتاباً، قدّم ثلاثة كتب في فلسفة كرة القدم، هي: «جيوستراتيجية كرة القدم» و«العالم مستدير مثل كرة القدم»، و«كرة القدم والعولمة». وبرأي باسكال، فإن كرة القدم يمكنها أنها تصنع هوية وطنية لازمة لقيام الدولة، فإذا كانت الدولة تقوم على ثلاثة أركان أساسية: هي الأرض والسكان والحكومة... فإن باسكال يضيف لها ركناً رابعاً هو «امتلاك فريق وطني لكرة القدم»، حيث تمثل كرة القدم دليلاً أكيداً على الهوية الوطنية. طالما كانت الرياضة، رغم ما تثيره من عصبيات وحميات، أهم الوسائل الفعالة لتقريب الناس، وتذويب فوارقهم، وطي المسافات بين الأمم والثقافات والشعوب، وإضفاء التعايش، وتجاوز ثقافات التقسيم، ونشر قيم التعاون والتآخي بين الناس، ولكنها أيضاً قادرة على منح الشعوب شعوراً قوياً بالانتماء للجماعة الوطنية، وقوة لتوطيد الروابط وتعزيز التضامن بين الأفراد، في نموذج الهلال، وجد شباب سعوديون من أقصى البلاد إلى أقصاها أنفسهم في بحر متدفق من الفرح والبهجة، والشعور العميق بالانتماء الوطني.



هل سقط «يوم الثقافة» المصري في فخ «التكريمات غير المستحقة»؟

لقطة جماعية لبعض المكرمين (وزارة الثقافة المصرية)
لقطة جماعية لبعض المكرمين (وزارة الثقافة المصرية)
TT

هل سقط «يوم الثقافة» المصري في فخ «التكريمات غير المستحقة»؟

لقطة جماعية لبعض المكرمين (وزارة الثقافة المصرية)
لقطة جماعية لبعض المكرمين (وزارة الثقافة المصرية)

تحمس وزير الثقافة المصري الدكتور أحمد فؤاد هنو الذي تولى حقيبة الثقافة قبل 6 أشهر، لعقد «يوم الثقافة» بُغية تكريم المبدعين في مختلف مجالات الإبداع، من منطلق أن «التكريم يعكس إحساساً بالتقدير وشعوراً بالامتنان»، لكن كثرة عدد المكرمين وبعض الأسماء أثارت تساؤلات حول مدى أحقية البعض في التكريم، وسقوط الاحتفالية الجديدة في فخ «التكريمات غير المستحقة».

وأقيم الاحتفال الأربعاء برعاية الرئيس عبد الفتاح السيسي، وقدمه الفنان فتحي عبد الوهاب، وكان الوزير قد عهد إلى جهات ثقافية ونقابات فنية باختيار من يستحق التكريم من الأحياء، كما كرم أيضاً الفنانين الذين رحلوا عن عالمنا العام الماضي، وقد ازدحم بهم وبذويهم المسرح الكبير في دار الأوبرا.

ورأى فنانون من بينهم يحيى الفخراني أن «الاحتفالية تمثل عودة للاهتمام بالرموز الثقافية»، وأضاف الفخراني خلال تكريمه بدار الأوبرا المصرية: «سعادتي غير عادية اليوم».

الفنان يحيى الفخراني يلقي كلمة عقب تكريمه في يوم الثقافة المصري (وزارة الثقافة المصرية)

وشهد الاحتفال تكريم عدد كبير من الفنانين والأدباء والمثقفين على غرار يحيى الفخراني، والروائي إبراهيم عبد المجيد، والمايسترو ناير ناجي، والشاعر سامح محجوب، والدكتور أحمد درويش، والمخرجين هاني خليفة، ومروان حامد، والسينارست عبد الرحيم كمال، والفنان محمد منير الذي تغيب عن الحضور لظروف صحية، وتوجه الوزير لزيارته في منزله عقب انتهاء الحفل قائلاً له إن «مصر كلها تشكرك على فنك وإبداعك».

كما تم تكريم المبدعين الذين رحلوا عن عالمنا، وقد بلغ عددهم 35 فناناً ومثقفاً، من بينهم مصطفى فهمي، وحسن يوسف، ونبيل الحلفاوي، والملحن حلمي بكر، وشيرين سيف النصر، وصلاح السعدني، وعاطف بشاي، والفنان التشكيلي حلمي التوني، والملحن محمد رحيم، والمطرب أحمد عدوية.

وزير الثقافة يرحب بحفيد وابنة السينارست الراحل بشير الديك (وزارة الثقافة المصرية)

وانتقد الكاتب والناقد المصري طارق الشناوي تكريم نقيب الموسيقيين مصطفى كامل، قائلاً في تصريحات لـ«الشرق الأوسط»: «حتى لو اختاره مجلس النقابة كان عليه أن ينأى بنفسه عن ذلك»، مشيراً إلى أن الاختيارات جاءت على عُجالة، ولم يتم وضع خطوط عريضة لمواصفات المكرمين، كما أنه لا يجوز أن يُرشح نقيب الموسيقيين ورئيس اتحاد الكتّاب نفسيهما للتكريم، وأنه كان على الوزير أن يتدخل «ما دام أن هناك خطأ». لكن الشناوي، أحد أعضاء لجنة الاختيار، يلفت إلى أهمية هذا الاحتفال الذي عدّه «عودة حميدة للاهتمام بالإبداع والمبدعين»، مشدداً على أهمية «إتاحة الوقت للترتيب له، وتحديد من يحصل على الجوائز، واختيار تاريخ له دلالة لهذا الاحتفال السنوي، كذكرى ميلاد فنان أو مثقف كبير، أو حدث ثقافي مهم»، ضارباً المثل بـ«اختيار الرئيس السادات 8 أكتوبر (تشرين الأول) لإقامة عيد الفن ليعكس أهمية دور الفن في نصر أكتوبر».

الوزير ذهب ليكرم محمد منير في بيته (وزارة الثقافة المصرية)

ووفق الكاتبة الصحافية أنس الوجود رضوان، عضو لجنة الإعلام بالمجلس الأعلى للثقافة، فإن «الاحتفال حقق حالة جميلة تنطوي على بهجة وحراك ثقافي؛ ما يمثل عيداً شاملاً للثقافة بفروعها المتعددة»، متطلعة لإضافة «تكريم مبدعي الأقاليم في العام المقبل».

وتؤكد رضوان في تصريحات لـ«الشرق الأوسط» أن «تكريم نقيب الموسيقيين لا تُحاسب عليه وزارة الثقافة؛ لأنه اختيار مجلس نقابته، وهي مسؤولة عن اختياراتها».

ورداً على اعتراض البعض على تكريم اسم أحمد عدوية، تؤكد أن «عدوية يُعد حالة فنية في الغناء الشعبي المصري وله جمهور، فلماذا نقلل من عطائه؟!».

ولفتت الناقدة ماجدة موريس إلى أهمية وجود لجنة تختص بالترتيب الجيد لهذا اليوم المهم للثقافة المصرية، مؤكدة لـ«الشرق الأوسط» أنه من الطبيعي أن تكون هناك لجنة مختصة لمراجعة الأسماء والتأكد من جدارتها بالتكريم، ووضع معايير محددة لتلك الاختيارات، قائلة: «لقد اعتاد البعض على المجاملة في اختياراته، وهذا لا يجوز في احتفال الثقافة المصرية، كما أن العدد الكبير للمكرمين يفقد التكريم قدراً من أهميته، ومن المهم أن يتم التنسيق له بشكل مختلف في دورته المقبلة بتشكيل لجنة تعمل على مدى العام وترصد الأسماء المستحقة التي لعبت دوراً أصيلاً في تأكيد الهوية المصرية».

المخرج مروان حامد يتسلم تكريمه من وزير الثقافة (وزارة الثقافة المصرية)

وتعليقاً على ما أثير بشأن انتقاد تكريم المطرب الشعبي أحمد عدوية، قال الدكتور سعيد المصري، أستاذ علم الاجتماع والأمين العام الأسبق للمجلس الأعلى للثقافة، على «فيسبوك»، إن «أحمد عدوية ظاهرة غنائية غيرت في نمط الأغنية الذي ظل سائداً في مصر منذ الخمسينات حتى بداية السبعينات»، معتبراً تكريم وزير الثقافة له «اعترافاً بالفنون الجماهيرية التي يطرب لها الناس حتى ولو كانت فاقدة للمعايير الموسيقية السائدة».