القوة الكامنة خلف الأفكار «المُهملة»

المعرفة... ما قبلها وما بعدها

القوة الكامنة خلف الأفكار «المُهملة»
TT

القوة الكامنة خلف الأفكار «المُهملة»

القوة الكامنة خلف الأفكار «المُهملة»

يقول آينشتاين إن «الخيال أهم من المعرفة»، لأن الخيال يطوف الدنيا والمعرفة محدودة، كما علّل قوله.
أفكار كثيرة لا تكون منتجة، وتبدو عديمة الفائدة في لحظتها وغير مهمة ومسلّية، وقد يكون تجسيدها مُكلفاً! ولكن حين نعود إلى أغلب الاختراعات والأفكار المنتجة، سنجدها نتاج أكثر من شخص وأكثر من مرحلة. فآينشتاين لم يكن يعلم عندما وضع نظرية النسبية العامة، أننا سنستخدمها اليوم في نظام تحديد المواقع، GPS، ولكن الذي جاء بعده جعلها كذلك.
المعرفة مفهوم مائع ونسبي وغير نهائي. ماذا نعرف؟ ما قيمة ما نعرف؟ وهل معارفنا تناسب هذا الزمان أو المستقبل؟
نقضي معظم حياتنا في الانسياق وراء ما نعتقد أنه معرفة، فلكي تعرف شيئا عليك أولاً أن تبحث في احتمال صحته أو نقيضها. فالنقيض أيضاً يخلّف معرفة.
وأسئلة يطرحها الإنسان كل حين، والعلم يقدم آليات لتبرير الثقة في المعرفة التي يولدها - أي أنه ينتصر في النهاية دوماً!
ما أنا بصدد متابعته في هذا المقال، ليس المعرفة تحديداً ولكن ما هو قبلها وبعدها الـ«ما بَعْد» يعتمد على الإمكانات. ولكن ماذا عن الـ«ما قبل»؟ وماذا عن التعامل مع المألوف بطريقة غير مألوفة؟
الاتصالات اللاسلكية، مثلاً، وكل التقنيات التي صاحبتها، لم تكن في حقيقة الأمر من اختراع غولييلمو ماركوني. فهي تدين بالفضل في وجودها إلى ماكسويل وهيرتز، وهما العالمان اللذان توصلا إلى أساسيات الموجات الكهرومغناطيسية، من دون أن يشغل ذهنيهما أي هدف عملي منها، وأنه سيكون هناك هاتف فيما بعد.
ولك أن تتخيل أن مفهوم البطاقة الائتمانية موجود في طيّات رواية «النظر إلى الخلف» لإدوارد بيلامي في العام 1887، وسماعة الأذن ضمن رواية «فهرنهايت 451» لراي براندبوري العام 1953، والاتصال المرئي في كتاب لهوغو جيرنسباك العام 1936، والهبوط على سطح القمر في كتاب «من الأرض إلى القمر» لجول فيرن 1865، قبل نحو قرن من الصعود إلى القمر. وشبكات التواصل العالمية تكهن بها العالم الإنجليزي آرثر كلارك العام 1945.
والكثير من الأفكار التي كانت لا تعدو إلا أفكاراً، أصبح فيما بعد أهم الاختراعات التي تخدم البشرية. وهناك قصتان حدثتا في ذات الوقت:
- قصة ليسينكو الذي تسبب في موت ملايين البشر. استغل هذا العالم حالة العصبية والجهل بالنظرية الماركسية وأنتج أبحاثاً مزيفة في مجال الزراعة. وكانت ادعاءاته هي ما يريد سماعه القادة السوفيات آنذاك. وفي أواخر العشرينات وأوائل الثلاثينات من القرن العشرين، وضع جوزيف ستالين مخططاً كارثياً لتحديث الزراعة السوفياتية، مبنياً على نظريات ليسينكو، مجبراً ملايين الأشخاص على الانضمام إلى المزارع الجماعية التي تديرها الدولة. وأدى فشل المحاصيل على نطاق واسع في البلاد إلى المجاعة. ومع ذلك رفض ستالين تغيير المسار، وأمر ليسينكو بعلاج الكارثة بأساليب تستند إلى أفكاره الراديكالية. ولم تنتهِ قصة ليسينكو إلاّ بعد وفاة ستالين.
- وقصة أبراهام فليكسنر الذي كان مهتماً بالتعليم الطبي ثم صار يهتم بالتعليم في الجامعات. ذات يوم، جاءه شخص اسمه «فلد» مع أخته «لوي»، وقالا له: لدينا تجارة كبيرة وقد جنينا مالاً وفيراً ونريد أن نكافئ هذه الولاية، ولاية نيوجيرسي، بالتبرع بشيء من المال. ونعلم أنك مهتم جداً بالتعليم الطبي. فهل ترى أن نقدم مالاً لإنشاء مؤسسة لتعليم طب الأسنان؟
قال لهما: هذا ممكن. ولكن عندي فكرة إذا اقتنعتما بها نستغل هذا المال لإنشاء مؤسسة من نوع جديد على الأقل في أميركا. تركّز المؤسسة على إنتاج المعرفة الصرفة غير التطبيقية. فنأتي بعلماء ونقول لهم: ابحثوا فيما تشاءون، أي في الأفكار والنظريات من دون الاهتمام بتطبيقاتها. كما يمكنكم النظر في المواضيع التي لا نجد لها تطبيقات مهما كانت قديمة. وبعد خمسين سنة أو مائة سنة ستأتي لنا بالفوائد الفكرية والاقتصادية والتطبيقية. فلا يمكن حصر أنفسنا من البداية في المواضيع التطبيقية.
وهذا الأمر مطبق في كثير من المؤسسات الأوروبية في ألمانيا، وبريطانيا في أكسفورد، وفي فرنسا في كولاّج دو فرانس، وفي بعض الكليات الخاصة، ونريد أن يكون لنا هذا في أميركا. فوافق المموّلان على ذلك.
ثم قال لهما: سآتي بعلماء كبار من مستوى آينشتاين، وأعطيهم رواتب. وأقول لهم: ابحثوا فيما تشاءون. بالطريقة التي تريدون ولا تكترثوا لشيء آخر. وكان عندما يتصل فليكسنر بأحد العلماء ليدعوه إلى الانضمام لـ«معهد الدراسات العليا». يسأله العالم: ما هي واجباتي؟ فيجيبه: ما عليك أي واجبات، فقط تأتي إلى مكتبك أو لا تأتي، وتتحاور مع زملائك.
وكان من تصريحات آينشتاين حول هذه المؤسسة التي بقي فيها حتى مماته، أنه أمضى أفضل أوقاته وأكثرها إنتاجاً علمياً وفكرياً، وبخاصة تلك النزهات على الأقدام برفقة كوت كودال، عالم رياضيات المنطق الشهير، وعلماء كبار آخرين التحقوا بالمؤسسة، مثل فلنويمن «أبو الحواسيب»، ويويجن فكنر، وإدور تلر «أبو القنبلة الهيدروجينية»، وأيولزراد «أبو القنبلة النووية الانشطارية»، وأوبنهايمر، وأولينتلك... وغيرهم من علماء القرن العشرين الذين التحقوا بالمعهد.
ما أهمية تلك الخطوة؟
يقول فليكسنر: «أريد أن أعطي فرصة للعلماء أن يسبحوا ضد التيار، تيار الاعتبارات التطبيقية». أي أنه كان يريد أن يعطي فرصة لفضولهم العلمي من دون أي عوائق وعقبات. أي الفضول الحرّ في كل ما تريد.
وكتب روبرت ديكراف الذي جاء بعد أكثر من 60 أو 70 سنة من فليكسنر، وهو حالياً أحد مديري هذا المعهد، أن أبراهام فليكسنر بفعلته هذه، نقل مركز الثقل للأبحاث العلمية والمعارف العليا من أوروبا إلى أميركا. وعندما توفي فليكسنر كتبت جريدة «نيويورك تايمز» في صفحتها الأولى تأبيناً له، قالت فيه: «لم يسهم أميركي من عصره أكثر مما ساهم هو في الحياة وفي الثراء وفي المعيشة بالنسبة إلى بلده، وبالنسبة إلى البشرية جمعاء».
ويقول ديكراف: هل تعرفون أن 30 في المائة من الناتج الوطني العام لأميركا أو الناتج الاقتصادي، أي كل الإلكترونيات والتطبيقات الطبية والاقتصادية الأخيرة تعود بطريقة وأخرى إلى نظريات ميكانيك الكم؟ ويضيف أن هذه النسبة ستتزايد في المستقبل. بمعنى أن أبحاث ميكانيك الكم، حينما بدأت لم يتصور أحدٌ أنه سيكون لها تطبيقات أو استخدامات، ومع ذلك فإنها بعد 50 أو 100 سنة صار لها تطبيقات عظيمة جداً.
عندما قدم روبرت ولسن، وهو مؤسس وأول مدير لمسارع فيرميلب (FermilabTevatron)، في أميركا العام 1969 أحد أكبر المسارعات، إلى الكونغرس لكي يسمعوا منه لماذا يجب أن يمولوا هذا المشروع في زمن الحرب الباردة، سأله أحد النواب: هل سيساهم مشروعكم في الدفاع عن بلدنا؟ حيث إنهم كانوا يعيشون هوس الدفاع وضرب السوفيات، فرد عليه ولسن قائلا: «هذا المشروع مرتبط بشكل قوي جداً بالشرف والوطن، ولكن ليس له أي علاقة مباشرة بالدفاع عن وطننا، إلا أنه سيجعل وطننا جديراً بالدفاع عنه».
كيف يمكننا بلوغ حالة تمكّننا من إنتاج الأفكار والإضافة على ما سبق؟
أود الإشارة إلى أن مكتبات براءات الاختراع تعج بوثائق مهملة مرميّة، وهناك برامج بحثية وتجارب إكلينيكية كثيرة لم تُكلَّل بالنجاح. ويمكن لتحليل هذا الفشل أن يساعد الآخرين على النجاح. وقد يساهم في المساعدة على فَهْم ما الذي يحث على الابتكار وتطوير الأفكار بطرق مختلفة وجديدة. فالابتكار في الحقيقة هو الربط بين الأفكار التي تبدو في ظاهرها غير مترابطة. وقد أصبحنا اليوم محاطين بكَمّ هائل من الاكتشافات، كلّ منها في مجال منفصل عن الآخر، كما يقول الواقع. ولكننا لا نستطيع أن نحكم من خلال تحليلنا على فائدتها في المستقبل.
وكل ما علينا هو المساعدة على إيجاد ميدان للأفكار من خلال النقاش والحوار، والاختلاف واحترام الغرابة، لأن الابتكار لا يحدث إلا بوجود التنوع. ومحاولة تجريب الأفكار وصقلها من خلال المزج بين الطريقة العلمية والمقاربة الفنية. وأن ندرك أن «كل ما يستطيع العقل البشري تخيله هو حقيقة تنتظر التطبيق».

- كاتب سعودي، مختص في شؤون الملكية الفكرية والصناعية



«جائزة الملتقى» للقصة القصيرة تُعلن قائمتها القصيرة

تقام فعالية جائزة «الملتقى» هذا العام بالتعاون مع المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب بمناسبة اختيار الكويت عاصمة الثقافة العربية والإعلام العربي لعام 2025
تقام فعالية جائزة «الملتقى» هذا العام بالتعاون مع المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب بمناسبة اختيار الكويت عاصمة الثقافة العربية والإعلام العربي لعام 2025
TT

«جائزة الملتقى» للقصة القصيرة تُعلن قائمتها القصيرة

تقام فعالية جائزة «الملتقى» هذا العام بالتعاون مع المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب بمناسبة اختيار الكويت عاصمة الثقافة العربية والإعلام العربي لعام 2025
تقام فعالية جائزة «الملتقى» هذا العام بالتعاون مع المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب بمناسبة اختيار الكويت عاصمة الثقافة العربية والإعلام العربي لعام 2025

أعلنت جائزة «الملتقى» للقصة القصيرة في الكويت، الأربعاء، عن قائمتها القصيرة للدورة السابعة، وضمت كويتية وسعودياً ومصرياً وفلسطينياً وسورياً/ألمانياً.

وتقام فعالية جائزة «الملتقى» هذا العام في تعاون مشترك مع المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، وذلك بمناسبة اختيار الكويت عاصمة للثقافة العربية والإعلام العربي لعام 2025؛ حيث سيحتضن المجلس الوطني احتفالية الجائزة في الكويت خلال الفترة من 18-21 فبراير (شباط) 2025.

وستجتمع لجنة تحكيم الجائزة لاختيار الفائز لهذه الدورة، واللجنة برئاسة الدكتور: أمير تاج السر، وعضوية كل من: الدكتور محمد اليحيائي، والدكتورة نورة القحطاني، والدكتور شريف الجيّار، والدكتور فهد الهندال.

وتقدّم للدورة السابعة من جائزة «الملتقى»، وهي الجائزة الأعلى حضوراً للقصة القصيرة العربية، 133 مجموعة قصصية، من 18 دولة عربية وأجنبية.

وقالت الجائزة في بيان، إن لجنة التحكيم عمِلت وفق معايير خاصّة لهذه الدورة، تمثّلت في التركيز على جدّة بناء النص، ومناسبته لفنّ القص، وتمتع النصّ بالإبداع والقوّة الملهمة الحاضرة، وكذلك ابتكار صيغ لغوية وتراكيب جديدة، وقدرة الرؤية الفنيّة للنص على طرح القيم الإنسانيّة، وحضور تقنيّات القص الحديث، ومحاكاة النصوص للواقع.

ولقد عقدت اللجنة اجتماعات ونقاشات مستفيضة ومداولات متعددة، امتدت طوال الأشهر الماضية، للوصول إلى أهم المجاميع القصصيّة في هذه الدورة.

وكانت إدارة الجائزة قد أعلنت عن القائمة الطويلة المكوّنة من 10 مجاميع قصصية في منتصف الشهر الماضي. وخلال الفترة المنقضية انكبت اللجنة على تمحيص المجاميع القصصية للوصول إلى القائمة القصيرة التي تستحق بجدارة أن تُقدّم مشهداً إبداعياً قصصياً عربياً دالّاً على أهمية فن القصة القصيرة العربية، ومعالجته أهم القضايا التي تهم المواطن العربي، ضمن فضاء إبداعي أدبي عالمي.

المجموعات التي تأهلت للقائمة القصيرة لجائزة «الملتقى» للقصة القصيرة في الكويت.4

ولقد توصّلت لجنة التحكيم لاختيار القائمة القصيرة للدورة السابعة 2024-2025 ممثلة بـ5 دول عربية وأجنبية، وبوجود كاتبة عربية بين 4 كتّاب، وضمت القائمة القصيرة: أحمد الخميسي (مصر)، عن مجموعة «حفيف صندل»، الصادرة عن «كيان للنشر». وزياد خدّاش (فلسطين)، عن مجموعة «الجراح تدلّ علينا»، الصادرة عن «منشورات المتوسط». وعبد الرحمن عفيف (ألمانيا/سوريا) عن مجموعة «روزنامة الأغبرة أيام الأمل»، الصادرة عن «منشورات رامينا»، ومحمد الراشدي (السعودية)، عن مجموعة «الإشارة الرابعة»، الصادرة عن «e-Kutub Ltd»، ونجمة إدريس (الكويت)، عن مجموعة «كنفاه»، الصادرة عن «دار صوفيا للنشر والتوزيع».

وأوضحت الجائزة أن لجنة التحكيم ستلتقي في الكويت، تحت مظلة المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، منتصف شهر فبراير 2025 لاختيار وإعلان الفائز.

وسيُقيم المجلس الوطني احتفالية الجائزة ضمن فعاليات اختيار الكويت عاصمة للثقافة والإعلام العربي لعام 2025.

كما ستُقام ندوة قصصية للجائزة بعنوان «القصة القصيرة الكويتية والحضور العربي»، بنشاط ثقافي يمتد ليومين وبمشاركة كوكبة من كتّاب القصّة القصيرة العربيّة، ونقّادها، وعدد من الناشرين والمترجمين العالميّين.