اتساع «الهوة» بين الحراك والحكومة العراقية

متظاهرو ساحة التحرير يدعون إلى «مليونية جديدة» ورفع الأعلام على المنازل

عراقيون يضعون الزهور والأعلام ترحماً على قتلى الاحتجاجات وسط شارع في بغداد أمس (أ.ف.ب)
عراقيون يضعون الزهور والأعلام ترحماً على قتلى الاحتجاجات وسط شارع في بغداد أمس (أ.ف.ب)
TT

اتساع «الهوة» بين الحراك والحكومة العراقية

عراقيون يضعون الزهور والأعلام ترحماً على قتلى الاحتجاجات وسط شارع في بغداد أمس (أ.ف.ب)
عراقيون يضعون الزهور والأعلام ترحماً على قتلى الاحتجاجات وسط شارع في بغداد أمس (أ.ف.ب)

لا يبدو أن العلاقة بين جموع المحتجين العراقيين وتنسيقيات الحراك من جهة، وبين حكومة رئيس الوزراء عادل عبد المهدي والكتل والأحزاب السياسية، من جهة أخرى، قابلة للإصلاح في المدى القريب. وتبدو خلافا لذلك، أن «الهوة» بين الجانبين تتسع مع مرور الوقت مع إصرار كل طرف بمواقفه.
جماعات الحراك الاحتجاجي في غالبية المحافظات ترفض تقريبا كل الإجراءات والمبادرات التي تطرحها الحكومة والأحزاب ويصرون على التمسك بالسياق التصعيدي وإدامة زخم المظاهرات اليومية لإرغام حكومة عبد المهدي التي يصفونها بـ«حكومة القناصين» على الاستقالة كمطلب أساسي ثم محاسبتها على مئات الأرواح التي أزهقت وآلاف الجرحى والمعاقين نتيجة القوة المفرطة التي استخدمتها القوات الأمنية ضد المتظاهرين. وتنظر غالبية الاتجاهات الاحتجاجية إلى قضية إطاحة الحكومة بوصفها «الخطوة الأولى ضمن لائحة طويلة من المطالب».
أما رئيس الوزراء ومن خلفه القوى السياسية، فما زالوا متمسكين بمقولة أن إقالة الحكومة ستفضي إلى «الفراغ الدستوري» الذي سيؤدي بالضرورة إلى الفوضى والاضطراب في بلاد تفتقر للاستقرار أصلا. وعلى مسار حجة «الفراغ»، تقوم الحكومة وأحزابها بخطوات متلاحقة لإقناع شريحة واسعة من العراقيين بجدية الإصلاحات التي تقوم بها، ومن بين تلك الخطوات حملة تعيينات للعاطلين في مؤسسات الدولة، وإقرار حزمة من القوانين تتعلق بمكافحة الفساد وإلغاء امتيازات المسؤولين الكبار، إلى جانب أوامر قبض واستقدام قضائية بحق مسؤولين كبار في الدولة بتهم فساد.
بيد أن كل ذلك، لم ينجح حتى الآن في تدشين مساحة مشتركة للثقة بين السلطات وقواها السياسية وجماعات الحراك، بل العكس هو الصحيح وظهر جليا في الأيام الأخيرة أن كل خطوة تصدر عن الحكومة أو الأحزاب تقابل بحملة تصعيد ورفض من المتظاهرين. وفي هذا السياق يمكن الإشارة إلى قيام المتظاهرين بحرق «وثيقة الشرف» علنا بساحة التحرير وبقية الساحات، تلك الوثيقة التي أصدرتها الأحزاب السياسية الأسبوع الماضي، وتضمنت بنودا يعتقد أنها تلبي مطالب المتظاهرين، بجانب تأكيدها على إمهال الحكومة 45 يوما لتنفيذ وعودها». وذات الأمر تعلق بحملة التشهير التي طالت قيام الحكومة باستقبال بعض شيوخ العشائر.
ويبدو التناقض جليا بين الجانبين (المتظاهرون والسلطات) حتى على مستوى المعلومات المتعلقة بأعداد المتظاهرين، فيما تشهد غالبية المحافظات خروج آلاف المتظاهرين، تحدث الناطق باسم وزارة الداخلية، أول من أمس، عن نحو 14 ألف متظاهر في عموم البلاد، ضمنهم 125 متظاهرا في محافظة البصرة، الأمر الذي عرضه إلى حملة انتقادات وسخرية واسعة. كذلك يبدو جليا أيضا، أن الجانبين يعملون في سياق المراهنة على الوقت واختبار أحدهما لصبر الآخر في المطاولة والاستمرار.
ويسلط البيان الذي أصدره متظاهرو التحرير، أمس، الضوء على السجال العدائي وفقدان الثقة القائمة بين السلطات وجزء مهم من المتظاهرين الذي يمثله جماعات ساحة التحرير.
وقال البيان في معرض الحديث عن اجتماع القوى السياسية، الأسبوع الماضي: «اجتمعت قوى الظلم في قصور الظلام، واتفقت على إصلاحات وتوقيتات لترقيع ثوب الحكومة الممزق بدماء الشهداء وأنين الجرحى من المتظاهرين». وأشار إلى أنه «رغم أن إجماع التظاهرات الشعبية على ضرورة إقالة حكومة القنّاصين أولاً قبل أي إصلاح وتفاوض، إلا أن الكتل السياسية الفاسدة تصر على تمسكها بالحكومة، وبذلك تصر السلطة على قتل المتظاهرين وقمعهم وترويعهم بالخطف والاعتقال والتهديد». وأضاف: «كما اجتمع الفاسدون على باطلهم، اجتمع المعتصمون على حقهم، ووحدوا كلمتهم بوجه الفساد وأهله، وعاهدوا بعضهم على المضي بالاعتصام حتى يعود الوطن الذي أراده الشهداء». كما انتقد البيان «لقاء عددٍ من الشيوخ برئيس الحكومة المسؤولة عن قتل إخواننا يُعد فعلاً قبيحاً، واستهانة فاضحة بتضحيات أبطال هذهِ الانتفاضة، لكن هذه السقطة لا تُحسب على جميع عشائرنا الأصيلة».
وجدد متظاهرو ساحة التحرير دعواتهم للشعب في جميع المحافظات لـ«وقفة مليونية تَسحب هذهِ الشرعية «الباطلة» من كل أحزاب السلطة، في يوم الجمعة المقبل، رافعين شعار (نازل اسحب شرعيتكم)». كما دعوا المواطنين إلى «رفع الأعلام العراقية في ساحات الاعتصام، وفي الشوارع والمناطق والمنازل، في الأسواق والحدائق العامة، وعلى السيّارات والتكاتك، ليتوشح عراقنا العظيم بعلمهِ، كسراً لشرعية الفاسدين، وإعلاناً لرفض الحكومة وإصلاحاتها ومن يقف خلفها».
ومع بدء الدوام اليوم في المؤسسات والجامعات العراقية بعد عطلة نهاية الأسبوع، يتوقع أن تخرج مسيرة طلابية كبرى لطلبة جامعات وكليات العاصمة بغداد. وقالت ممثلية طلبة الجامعات في بيان أمس، أن «المسيرة ستنطلق عند الساعة العاشرة صباحاً من مقر وزارة التعليم العالي نحو ساحة التحرير، وستُختتم المسيرة ببيان صادرٌ من طلبة بغداد سيلقى أمام نصب الحرية».



اعتقالات الحوثيين وتسليح الاقتصاد يهيمنان على إحاطة غروندبرغ

المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)
المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)
TT

اعتقالات الحوثيين وتسليح الاقتصاد يهيمنان على إحاطة غروندبرغ

المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)
المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)

تصدرت اعتقالات الحوثيين للموظفين الأمميين والإغاثيين، وتسليح الاقتصاد في اليمن، الإحاطة الشهرية للمبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ، أمام مجلس الأمن، الأربعاء، مع تأكيد المبعوث أن الحلّ السلمي وتنفيذ خريطة طريق تحقق السلام أمر ليس مستحيلاً، على الرغم من التصعيد الحوثي البحري والبري والردود العسكرية الغربية.

وقال المبعوث الأممي إنه من الضروري أن تقتنص الأطراف المعنية، والمنطقة، والمجتمع الدولي «اللحظات المحورية»، وألا تفوّت الفرصة لتحويلها إلى خطوات واضحة نحو تحقيق السلام المنشود في اليمن.

آثار مسيرة حوثية انفجرت في مبنى سكني في تل أبيب (أ.ف.ب)

ومع انهيار الاقتصاد وتدهور مستويات المعيشة، رأى غروندبرغ أنه لا يوجد أي مبرر لهذه المعاناة، وأن إنهاء الحرب في اليمن هو خيار حقيقي ومتاح، ويبقى ضمن متناول الأطراف، داعياً جميع الأطراف للانخراط بجدية مع الجهود التي يقودها لتنفيذ خريطة الطريق، والتي تهدف إلى تحقيق وقف إطلاق النار، وتنفيذ تدابير اقتصادية، تشمل دفع الرواتب بشكل مستدام، والتمهيد لعملية سياسية شاملة.

وحضّ غروندبرغ على اتخاذ الإجراءات اللازمة، وتقديم التنازلات، والتركيز الصادق على اليمن، باعتبار ذلك أمراً ضرورياً «إذا كانت الأطراف تسعى لتخفيف معاناة اليمنيين وإعادة الأمل في مستقبل يسوده السلام».

اعتقالات تعسفية

أشار المبعوث الأممي إلى اليمن في إحاطته إلى مرور 6 أشهر على بدء الحوثيين اعتقالات تعسفية استهدفت موظفين من المنظمات الدولية والوطنية، والبعثات الدبلوماسية، ومنظمات المجتمع المدني، وقطاعات الأعمال الخاصة.

وقال، رغم الإفراج عن 3 محتجزين، إن عشرات آخرين، بمن فيهم أحد أعضاء مكتبه لا يزالون رهن الاحتجاز التعسفي، «بل إن البعض يُحرم من أبسط الحقوق الإنسانية، مثل إجراء مكالمة هاتفية مع عائلاتهم». وفق تعبيره.

الحوثيون انخرطوا في ما يمسى محور المقاومة بقيادة إيران (إ.ب.أ)

ووصف المبعوث الأممي هذه الاعتقالات التعسفية بأنها «تشكل انتهاكاً صارخاً للحقوق الإنسانية الأساسية، وتسبب معاناة عميقة لأسرهم التي تعيش في حالة مستمرة من القلق والخوف على سلامة أحبائهم»، وشدّد على الإفراج الفوري وغير المشروط عن جميع المعتقلين، مع تعويله على دعم مجلس الأمن لتوصيل هذه الرسالة.

وأوضح غروندبرغ أن مكتبه ملتزم بشكل كبير بإطلاق سراح جميع المحتجزين على خلفية النزاع في اليمن، وقال إن هناك من قضى 10 سنوات رهن الاعتقال، داعياً الجميع إلى الوفاء بالتزاماتهم بموجب اتفاق استوكهولم، ومواصلة العمل بروح من التعاون الصادق للوفاء بهذا الملف الإنساني البالغ الأهمية، وأن تسترشد المفاوضات بالمبدأ المتفق عليه، وهو «الكل مقابل الكل».

عواقب وخيمة

وفي ما يخص الوضع الاقتصادي في اليمن، قال المبعوث الأممي إن الأزمة تتفاقم مجدداً، مع التنبيه إلى «العواقب الوخيمة» التي تترتب على الانكماش الاقتصادي، وتجزئته، واستخدامه كأداة في الصراع.

وأكد غروندبرغ أن الفشل في دفع رواتب ومعاشات القطاع العام أدّى إلى زيادة الفقر بشكل واسع، بينما أسهم التضخم المتزايد في جعل كثير من الأسر عاجزة عن تلبية احتياجاتها الأساسية، بما في ذلك الغذاء.

تدهور الاقتصاد وانقطاع الرواتب في اليمن تسببا في جوع ملايين السكان (أ.ف.ب)

وفي شأن مساعيه، أفاد المبعوث الأممي بأن مكتبه من خلال زيارات صنعاء وعدن أوضح مفترق الطرق الحاسم الذي تواجهه الأطراف، وهو إما الاستمرار في «المسار الكارثي من النزاع غير المحسوم وتسليح الاقتصاد الذي سيؤدي بلا شك إلى خسارة الجميع، أو التعاون لحلّ القضايا الاقتصادية لتمهيد الطريق نحو النمو وتحقيق مكاسب السلام الممكنة».

وأشار إلى أن العمل جارٍ على استكشاف حلول عملية وملموسة تهدف إلى استعادة الاستقرار وتعزيز الحوار بشأن الاقتصاد اليمني، بما يشمل دفع الرواتب واستئناف صادرات النفط والغاز، بما يخدم مصلحة الشعب اليمني وترجمة الالتزامات التي تعهدت بها الأطراف في يوليو (تموز) الماضي إلى خطوات ملموسة تعود بالفائدة على جميع اليمنيين.

التصعيد العسكري

في شأن التصعيد العسكري، قال غروندبرغ إن انعدام الأمن في البحر الأحمر لا يزال يتفاقم نتيجة أعمال الحوثيين، إلى جانب الهجمات على إسرائيل، والغارات الجوية التي شنّتها الولايات المتحدة والمملكة المتحدة رداً على تلك التطورات.

وأشار إلى أن هذه الأحداث التي استمرت طوال العام، قلّصت الحيز المتاح لجهود الوساطة التي يقودها. وحضّ جميع الأطراف المعنية على اتخاذ خطوات جادة لتهيئة بيئة مناسبة، تمهد الطريق لحل النزاع في اليمن، وحذّر من أن الفشل في تحقيق ذلك لن يؤدي إلا إلى تعزيز دعوات العودة إلى الحرب.

طائرة حوثية من دون طيار في معرض أقامه الحوثيون في صنعاء بمناسبة الأسبوع السنوي لذكرى قتلاهم (رويترز)

وأوضح أن الأوضاع الهشّة في اليمن لا تزال مستمرة على عدة جبهات، مع تصاعد الاشتباكات بشكل متكرر في مناطق، مثل الضالع، الحديدة، لحج، مأرب، صعدة، شبوة، تعز. ما يؤدي مراراً إلى خسائر مأساوية في الأرواح.

وتصاعدت الأعمال العدائية في المناطق الشرقية من تعز - وفق المبعوث الأممي - مع ورود تقارير عن وقوع انفجارات وقصف بالقرب من الأحياء السكنية.

وفي الأسبوع الماضي فقط، أورد المبعوث في إحاطته أن طائرة من دون طيار استهدفت سوقاً مزدحمة في مقبنة بمحافظة تعز، ما أسفر عن مقتل 6 أشخاص على الأقل، وإصابة آخرين بجروح خطرة.

ودعا غروندبرغ أطراف النزاع اليمني إلى التقيد الجاد بالتزاماتهم، بموجب القانون الإنساني الدولي، لضمان حماية المدنيين والبنية التحتية المدنية. وقال إن هذه الحوادث تسلط الضوء على الحاجة الملحة للتوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار.

ولدعم جهود التهدئة، أفاد المبعوث بأن مكتبه يتواصل مع المسؤولين العسكريين والأمنيين من الطرفين، لتسهيل الحوار حول الديناميكيات الحالية، واستكشاف سبل تعزيز بناء الثقة.