بن فليس لـ«الشرق الأوسط»: الجزائر ستنتخب لأول مرة رئيساً شرعياً

مرشح الرئاسيات المقبلة أكد أن الانتخابات «هي الحل الأكثر واقعية لإيصال البلد إلى بر الأمان»

علي فليس (الشرق الأوسط)
علي فليس (الشرق الأوسط)
TT

بن فليس لـ«الشرق الأوسط»: الجزائر ستنتخب لأول مرة رئيساً شرعياً

علي فليس (الشرق الأوسط)
علي فليس (الشرق الأوسط)

قال علي بن فليس، المترشح لانتخابات الرئاسة في الجزائر، المقررة في 12 من الشهر المقبل، والتي دخلت أسبوعها الثاني، إن قرار دخوله المعترك للمرة الثالثة في مساره السياسي كان «نتاج قراءة متأنية ودراسة دقيقة لحقيقة هذه الأوضاع... والتدقيق في كل الحلول الممكن التعويل عليها لإخراج البلد من الأزمة الراهنة».
وذكر بن فليس لـ«الشرق الأوسط» أن الانتخابات «هي من بين كل الحلول النظرية المتداولة، التي تبين أنها الأكثر عقلانية وواقعية وحكمة، وقابلية للتطبيق لإيصال البلد إلى بر الأمان بسرعة، وبصفة نهائية».
وبعكس ما يراه كثير من المراقبين، لا يعتقد رئيس الوزراء السابق (2001 - 2003)، أن الانتخابات تعد «مغامرة» في ظل حالة الرفض الشعبي لها وللمترشحين الخمسة. وقال بهذا الخصوص: «المغامرة الحقيقية تكمن في ترك البلد يتخبط ويغرق في الأزمة ذات الخطورة الاستثنائية، التي ألمت به؛ والمغامرة الحقيقية بعد تسعة أشهر من عمر هذه الأزمة، تكمن أيضا في تركها عرضة للتصاعد والتفاقم، مع كل ما يمكن أن يترتب عن ذلك من مضاعفات غير محمودة العواقب».
وأضاف بن فليس موضحا: «منذ بداية هذه الأزمة وظهور انسداد أعاق سبيل حلها، رافعت لصالح انتخابات رئاسية، وقلت إنها الطريق الأقل طولا ومخاطرة، والأقل مشقة ومعاناة بالنسبة للبلد؛ وإيماني الراسخ بهذا شكّل دافعا لترشحي لهذه الرئاسيات. ومن هذا المنطلق لا يمكن لترشحي أن يكون مغامرة».
وبخصوص ما يشاع بأن السلطة لا تغامر بتنظيم انتخابات إن لم تضمن حسمها لمرشح تختاره، وإن كان ذلك ينسحب على «الرئاسية» المقبلة، أجاب بن فليس: «شاركت في استحقاقين رئاسيين (2004 و2014)؛ ويمكنني بحكم هذه التجربة أن أجزم بأن لدي معرفة بما يحصل عندما يختار النظام السياسي القائم مرشحه. لقد كانت السلطة فيما مضى تعد العدة مسبقا لفرض خيارها، وتحرص على أن يكون الجميع على دراية وعلم بذلك؛ فكانت تأمر الإدارة المركزية والمحلية بوضع إمكانياتها تحت تصرف مرشحها؛ وتحث الأحزاب التي تدور في فلكها على التعبير الصريح عن مساندتها لمرشحها والالتفاف حوله؛ كما كانت توجه المنظمات الجماهيرية (جمعيات ونقابات تسير في فلكها) بالإفصاح عن ذات الدعم وبوضع شبكاتها في خدمة مرشحها؛ وتضغط بقوة على وسائل الإعلام لحملها على منح مرشحها امتيازات دعائية؛ وفي جملة واحدة كانت السلطة تحضر وتنظم وتراقب سائر الاستحقاق الرئاسي بطريقة تضمن لمرشحها فوزا ساحقا. لكن الظاهر هذه المرة، وإلى حد الساعة، أن السلطة لم تقم بأي خطوة من هذه الخطوات لصالح مترشح من المترشحين».
في هذا السياق، يعتقد بن فليس أن الإدارة، وما تمثله من ثقل في العملية الانتخابية، «أبعدت بشكل كلي عن تحضير وتنظيم ومراقبة الانتخابات، وأوكلت هذه المهام كلها حصريا لسلطة انتخابية مستقلة، تم استحداثها خصيصا لضمان نزاهة وشفافية المسار الانتخابي الرئاسي. والظاهر أن هذه السلطة تؤدي مهامها بطريقة لا يمكنني الطعن فيها... ومجريات العملية إلى حد الساعة تدفعني إلى الاعتقاد بأن الجزائر أمام موعد فاصل لانتخاب أول رئيس شرعي للبلاد، بطريقة ديمقراطية واعدة».
وبخصوص موقفه من رئيس الوزراء السابق المترشح عبد المجيد تبون، الذي يرى مراقبون أنه سيكون أكبر منافس له في الرئاسيات المقبلة، قال بن فليس: «أحد دوافع ترشحي للرئاسيات سد الطريق وغلق الأبواب أمامه؛ وكذا المساهمة في إجهاض نيته في فرض عهدة خامسة مكررة، بعدما أفشل الشعب الجزائري طبعتها الأولى». مشددا على أن الشعب «يريد القطيعة والتغيير، وهذا يقتضي أن يودع النظام السياسي البائد للتاريخ، كي يحكم عليه بدوره بعد أن حكم عليه الجزائريات والجزائريون بالزوال والاندثار. فالرهان الأكبر للانتخابات بالنسبة لي يتمثل في القضاء نهائيا على هذا النظام، واستبداله بجمهورية المواطنة، ودولة الحق والقانون التي طال انتظارها، والتي بات من غير المقبول إرجاء إحقاقها في بلدنا».
وحول مصير عشرات المعتقلين، الذين سجنتهم السلطات بسبب نشاطهم في الحراك الشعبي، قال بن فليس: «في حال انتخابي رئيسا للجمهورية سأعالج ملف معتقلي الثورة السلمية، طبقا لما تمليه قوانين البلاد. أنا شخص جعل من الحقوق والحريات قضية عمر ومشوار حياة؛ ولا يمكن لي أن أقبل بهضمها أو السطو عليها... لكنني متمسكٌ باستقلال القضاء أشد التمسك، ولن أسمح لنفسي أبدا أن أفرض عليه الأوامر والإملاءات؛ فهذان هما القاعدتان الذهبيتان اللتان سأتقيد بهما، دون إخلال أو انحراف لدى معالجتي لهذا الملف في حال طرحه علي».
وعما إذا كان يعتبر هؤلاء المعتقلين «سجناء سياسيين»، قال بن فليس: «يبدو لي أن استعمال مفهوم حساس كمفهوم المساجين السياسيين، يقتضي الكثير من التأني والتمعن والحذر. فالجزم بأن في الجزائر معتقلين سياسيين اليوم موضوع قابل للنقاش لأن الأمور ليست بهذا الوضوح والبساطة؛ ونفس الملاحظة تنطبق على مصداقية العدالة من عدمها في الجزائر». وعن الإجراءات التي سيتخذها لإنقاذ الاقتصاد من الانهيار، إذا أصبح رئيسا، قال بن فليس: «وصل الاقتصاد الجزائري إلى ما هو عليه بسبب حوكمة سياسية فاسدة ومفسدة؛ وهذه الحوكمة هي المسؤولة عن إبقاء الاقتصاد الوطني أسير طابعه الريعي؛ وعن الأفضلية الاقتصادية التي منحتها لزبنائها على حساب المتعاملين الاقتصاديين المنتجين للخيرات والثروات؛ وهي المسؤولة عن إقامة تحالف استراتيجي حقيقي بين الإجرام السياسي والإجرام الاقتصادي والمالي؛ وهي المسؤولة أيضا عن سياسات أدت إلى هدر أكثر من 1200 مليار دولار دون أن يكون لهذه الأموال الطائلة أثر على الإقلاع الاقتصادي والرقي الاجتماعي للبلد. وخلاصة هذه المعاينات أن هناك سياسة عاثت في الاقتصاد الوطني فسادا، وأنه يتوجب الشروع باستبدالها بمنظومة سياسية أخرى، وبحوكمة سياسية مغايرة تماما، حتى يتسنى لنا إعادة توجيه اقتصاد البلد نحو الطريق السليم».
وأضاف بن فليس موضحا: «أقترح في برنامج الاستعجال الوطني، الذي أعرضه على الشعب الجزائري، تزويد البلد بالنموذج الاقتصادي الذي يفتقد إليه، في إطار الحوكمة السياسية الجديدة، وأقترح أن يكون اقتصاد السوق الاجتماعي خيارنا لأن من سيمات هذا النموذج أنه يزاوج بين تطلعين راسخين في المجتمع الجزائري، وهما تحرير المبادرات والنشاط من جهة، والتوزيع العادل للثروات من جهة أخرى».



الاقتصاد اليمني في مواجهة انهيارات كارثية وشيكة

طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)
طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)
TT

الاقتصاد اليمني في مواجهة انهيارات كارثية وشيكة

طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)
طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)

يتضاعف خطر انعدام الأمن الغذائي في اليمن بعد تفاقم الأزمة الاقتصادية، وانهيار سعر العملة المحلية أمام العملات الأجنبية، بفعل الحرب الحوثية على الموارد الرئيسية للبلاد، وتوسيع دائرة الصراع إلى خارج الحدود، في حين تتزايد الدعوات إلى اللجوء للتنمية المستدامة، والبحث عن حلول من الداخل.

وبينما تتوالي التحذيرات من تعاظم احتياجات السكان إلى المساعدات الإنسانية خلال الأشهر المقبلة، تواجه الحكومة اليمنية تحديات صعبة في إدارة الأمن الغذائي، وتوفير الخدمات للسكان في مناطق سيطرتها، خصوصاً بعد تراجع المساعدات الإغاثية الدولية والأممية خلال الأشهر الماضية، ما زاد من التعقيدات التي تعاني منها بفعل توقف عدد من الموارد التي كانت تعتمد عليها في سد الكثير من الفجوات الغذائية والخدمية.

ورجحت شبكة الإنذار المبكر بالمجاعة حدوث ارتفاع في عدد المحتاجين إلى المساعدات الإنسانية في اليمن في ظل استمرار التدهور الاقتصادي في البلاد، حيث لا تزال العائلات تعاني من التأثيرات طويلة الأجل للصراع المطول، بما في ذلك الظروف الاقتصادية الكلية السيئة للغاية، بينما تستمر بيئة الأعمال في التآكل بسبب نقص العملة في مناطق سيطرة الجماعة الحوثية، وانخفاض قيمة العملة والتضخم في المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة.

وبحسب توقعات الأمن الغذائي خلال الستة أشهر المقبلة، فإنه وبفعل الظروف الاقتصادية السيئة، وانخفاض فرص كسب الدخل المحدودة، ستواجه ملايين العائلات، فجوات مستمرة في استهلاك الغذاء وحالة انعدام الأمن الغذائي الحاد واسعة النطاق على مستوى الأزمة (المرحلة الثالثة من التصنيف المرحلي) أو حالة الطوارئ (المرحلة الرابعة) في مناطق نفوذ الحكومة الشرعية.

انهيار العملة المحلية أسهم مع تراجع المساعدات الإغاثية في تراجع الأمن الغذائي باليمن (البنك الدولي)

يشدد الأكاديمي محمد قحطان، أستاذ الاقتصاد في جامعة تعز، على ضرورة وجود إرادة سياسية حازمة لمواجهة أسباب الانهيار الاقتصادي وتهاوي العملة المحلية أمام العملات الأجنبية، منوهاً إلى أن عائدات صادرات النفط والغاز كانت تغطي 70 في المائة من الإنفاق العام في الموازنة العامة، وهو ما يؤكد أهميتها في تشغيل مؤسسات الدولة.

ويضيف قحطان في حديث خص به «الشرق الأوسط» أن وقف هذه الصادرات يضع الحكومة في حالة عجز عن الوفاء بالتزاماتها، بالتضافر مع أسباب أخرى منها الفساد والتسيب الوظيفي في أهم المؤسسات الحكومية، وعدم وصول إيرادات مؤسسات الدولة إلى البنك المركزي، والمضاربة بالعملات الأجنبية وتسريبها إلى الخارج، واستيراد مشتقات الوقود بدلاً من تكرير النفط داخلياً.

أدوات الإصلاح

طبقاً لخبراء اقتصاديين، تنذر الإخفاقات في إدارة الموارد السيادية ورفد خزينة الدولة بها، والفشل في إدارة أسعار صرف العملات الأجنبية، بآثار كارثية على سعر العملة المحلية، والتوجه إلى تمويل النفقات الحكومية من مصادر تضخمية مثل الإصدار النقدي.

توقف تصدير النفط يتسبب في عجز الحكومة اليمنية عن تلبية احتياجات السكان (البنك الدولي)

ويلفت الأكاديمي قحطان إلى أن استيراد مشتقات الوقود من الخارج لتغطية حاجة السوق اليمنية من دون مادة الأسفلت يكلف الدولة أكثر من 3.5 مليار دولار في السنة، بينما في حالة تكرير النفط المنتج محلياً سيتم توفير هذا المبلغ لدعم ميزان المدفوعات، وتوفير احتياجات البلاد من الأسفلت لتعبيد الطرقات عوض استيرادها، وأيضاً تحصيل إيرادات مقابل بيع الوقود داخلياً.

وسيتبع ذلك إمكانية إدارة البنك المركزي لتلك المبالغ لدعم العرض النقدي من العملات الأجنبية، ومواجهة الطلب بأريحية تامة دون ضغوط للطلب عليها، ولن يكون بحاجة إلى بيع دولارات لتغطية الرواتب، كما يحدث حالياً، وسيتمكن من سحب فائض السيولة النقدية، ما سيعيد للاقتصاد توازنه، وتتعافى العملة الوطنية مقابل العملات الأجنبية، وهو ما سيسهم في استعادة جزء من القدرة الشرائية المفقودة للسكان.

ودعا الحكومة إلى خفض نفقاتها الداخلية والخارجية ومواجهة الفساد في الأوعية الإيرادية لإحداث تحول سريع من حالة الركود التضخمي إلى حالة الانتعاش الاقتصادي، ومواجهة البيئة الطاردة للاستثمارات ورجال الأعمال اليمنيين، مع الأهمية القصوى لعودة كل منتسبي الدولة للاستقرار داخل البلاد، وأداء مهاهم من مواقعهم.

الحكومة اليمنية تطالب المجتمع الدولي بالضغط على الحوثيين لوقف حصار تصدير النفط (سبأ)

ويؤكد مصدر حكومي يمني لـ«الشرق الأوسط» أن الحكومة باتت تدرك الأخطاء التي تراكمت خلال السنوات الماضية، مثل تسرب الكثير من أموال المساعدات الدولية والودائع السعودية في البنك المركزي إلى قنوات لإنتاج حلول مؤقتة، بدلاً من استثمارها في مشاريع للتنمية المستدامة، إلا أن معالجة تلك الأخطاء لم تعد سهلة حالياً.

الحل بالتنمية المستدامة

وفقاً للمصدر الذي فضل التحفظ على بياناته، لعدم امتلاكه صلاحية الحديث لوسائل الإعلام، فإن النقاشات الحكومية الحالية تبحث في كيفية الحصول على مساعدات خارجية جديدة لتحقيق تنمية مستدامة، بالشراكة وتحت إشراف الجهات الممولة، لضمان نجاح تلك المشروعات.

إلا أنه اعترف بصعوبة حدوث ذلك، وهو ما يدفع الحكومة إلى المطالبة بإلحاح للضغط من أجل تمكينها من الموارد الرئيسية، ومنها تصدير النفط.

واعترف المصدر أيضاً بصعوبة موافقة المجتمع الدولي على الضغط على الجماعة الحوثية لوقف حصارها المفروض على تصدير النفط، نظراً لتعنتها وشروطها صعبة التنفيذ من جهة، وإمكانية تصعيدها العسكري لفرض تلك الشروط في وقت يتوقع فيه حدوث تقدم في مشاورات السلام، من جهة ثانية.

تحذيرات من مآلات قاتمة لتداعيات الصراع الذي افتعلته الجماعة الحوثية في المياه المحيطة باليمن على الاقتصاد (أ.ف.ب)

وقدمت الحكومة اليمنية، أواخر الشهر الماضي، رؤية شاملة إلى البنك الدولي لإعادة هيكلة المشروعات القائمة لتتوافق مع الاحتياجات الراهنة، مطالبةً في الوقت ذاته بزيادة المخصصات المالية المخصصة للبلاد في الدورة الجديدة.

وكان البنك الدولي توقع في تقرير له هذا الشهر، انكماش إجمالي الناتج المحلي بنسبة واحد في المائة هذا العام، بعد انخفاضه بنسبة 2 في المائة العام الماضي، بما يؤدي إلى المزيد من التدهور في نصيب الفرد من إجمالي الناتج الحقيقي.

ويعاني أكثر من 60 في المائة من السكان من ضعف قدرتهم على الحصول على الغذاء الكافي، وفقاً للبنك الدولي، بسبب استمرار الحصار الذي فرضته الجماعة الحوثية على صادرات النفط، ما أدى إلى انخفاض الإيرادات المالية للحكومة بنسبة 42 في المائة خلال النصف الأول من العام الحالي، وترتب على ذلك عجزها عن تقديم الخدمات الأساسية للسكان.

وأبدى البنك قلقه من مآلات قاتمة لتداعيات الصراع الذي افتعلته الجماعة الحوثية في المياه المحيطة باليمن على الاقتصاد، وتفاقم الأزمات الاجتماعية والإنسانية.