جدة التاريخية تستضيف «سمبوزيوم» البحر الأحمر الدولي للنحت

20 نحاتاً عالمياً يشكلون أعمالاً مستلهمة من ثقافة وتراث السعودية

النحات السعودي كمال المعلم  -  الفنان البلجيكي سيلفان باتي
النحات السعودي كمال المعلم - الفنان البلجيكي سيلفان باتي
TT

جدة التاريخية تستضيف «سمبوزيوم» البحر الأحمر الدولي للنحت

النحات السعودي كمال المعلم  -  الفنان البلجيكي سيلفان باتي
النحات السعودي كمال المعلم - الفنان البلجيكي سيلفان باتي

انطلقت في جدة التاريخية «البلد» الدورة الأولى من معرض البحر الأحمر الدولي للنحت، الذي تنظمه وزارة الثقافة السعودية، وينفذ الفنانون أعمالهم خلال الفترة من 21 نوفمبر (تشرين الثاني) إلى 10 ديسمبر (كانون الأول) المقبل، بساعات عمل متصلة بشكل يومي من الثامنة صباحاً إلى السادسة مساء في قلب جدة التاريخية في موقع يطل على الواجهة البحرية الشهيرة بجانب ميدان البيعة.
وحضر الفنانون المختارون من أماكن مختلفة من العالم، مشاركين جنباً إلى جنب في رحلة إبداعية عنوانها المهارة والطموح، وهم: عصام جميل ورضا العلاوي وكمال المعلم من السعودية، ومايكل ليفتشينكو من أوكرانيا، وكامين تاناييف من بلغاريا، وخوسيه كارلوس وكابيلو ميلان من إسبانيا، وماريو لوبيز من البرتغال، وجو كلاي من ألمانيا، وسيلفان باتي من بلجيكا، وبوترينت مورينا من كوسوفو، ولين لي جين وتشيلونغ لين فان من تايوان، وتاكيشيتا كوبو من اليابان، إلى جانب 3 فنانين من العالم العربي هم علي جبار من العراق، وهشام عبد المعطي وهاني فيصل من مصر، و3 فنانات هن آغنيسا بيتروف من بلغاريا، وآنا ماريا نيقارا من رومانيا، وآنا راسينسكا من بولندا.
وقال النحات السعودي رضا العلاوي لـ«الشرق الأوسط»: «سعدت بالمشاركة في كرنفال النحت هذا، لأن هناك نخبة من نحاتي العالم يجتمعون في مكان واحد لتنفيذ فكرة واحدة ببصمات مختلفة وهنا تظهر احترافية الفنان، ونعمل ليل نهار خلال الفترة المقبلة، وقد استعنا بمساعدين محترفين، وهذا ما سيسهل علينا مهمة الإنجاز السريعة، وأما بالنسبة للأعمال المنجزة بعد المهرجان فستكون بأيدي وزارة الثقافة وأمانة مدينة جدة وهم سيقررون أين وكيف ستكون».
في حين أبدت الرومانية أنا ماريا نيقارا حماسها الشديد بالمشاركة، وقالت إنها تعني لها الكثير وأمامها مهمة صعبة وكبيرة في تنفيذ هذا العمل الذي يحكي طبيعة أرض لم تعِش عليها، ولكنها استطاعت أن تجمع معلومات كافية تساعدها في إخراج منحوتتها بأجمل شكل.
وثمن النحات الألماني جو كالي مشاركته في هذه الفعالية وقال: «أعتقد أنني سأخرج بعمل جيد، لأن الفكرة ملهمة وقوية وهذا ما ينقص الفنان الجيد، وقد رأيت طبيعة هذه البلاد في زيارتي الأولى لها وبلا شك سيكون عملاً مشتركاً مرضياً للجميع».
وقال الفنان البلجيكي سيلفان باتي: «سعيد بالمشاركة بهذا العمل الذي سيضاف إلى مسيرتي كفنان، حيث لم أرَ كثيراً من الأعمال في الشوارع، وهذا يضاعف المسؤولية بالعمل».
يذكر أن وزارة الثقافة تنظم معرض البحر الأحمر الدولي للنحت انطلاقاً من اهتمامها بدعم الفنون الجميلة، وحرصها على إيجاد منصات فنية يلتقي من خلالها المبدع السعودي بنظرائه حول العالم في سياق التبادل الثقافي الدولي.



إطار أندرو سكوت المكسور وصبيُّ السترة الحمراء يُحرِّران أحزانه

الحركة والفعل يتلازمان في الرسم على شكل تحوّلات (أندرو سكوت)
الحركة والفعل يتلازمان في الرسم على شكل تحوّلات (أندرو سكوت)
TT

إطار أندرو سكوت المكسور وصبيُّ السترة الحمراء يُحرِّران أحزانه

الحركة والفعل يتلازمان في الرسم على شكل تحوّلات (أندرو سكوت)
الحركة والفعل يتلازمان في الرسم على شكل تحوّلات (أندرو سكوت)

الشكل الإنساني بالسترة الحمراء والبنطال الرمادي، يتحرّك وسط الأُطر فيُحرّرها من ثباتها ويمنحها أنفاس الحياة. رسمُ الفنان الأميركي أندرو سكوت ظاهرُه فكرةٌ واحدة، وفي عمقه ولّادٌ وغزير. بطلُه بشريٌ يُطلق سراح المحبوس ويُجرّده من سجّانه؛ وهو هنا إطار اللوحة. ذلك القادر على ضبطها والتحكُّم بمساحتها، ثم إحالتها على قدرها: معانقة الجدار. التحريك الطارئ على المشهد، يُعيد صياغته بمَنْحه تعريفاً جديداً. الحركة والفعل يتلازمان في فنّ أندرو سكوت، على شكل تحوّلات فيزيائية تمسّ بالمادة أو «تعبث» بها لتُطلقها في فضاء أوسع.

صبيُّ الفنان يتحرّك وسط الأُطر فيُحرّرها من ثباتها (أندرو سكوت)

في ثلاثينه (مواليد 1991)، يمتاز أندرو سكوت بفرادة اللمسة لإضفائه تعديلاً على مفهوم الإطار، ومَيْله إلى تفضيل الوسيط المُحطَّم، مثل الزجاج، وما يطمُس الخطّ الفاصل بين الموضوع وحدوده، فإذا بالإطار المكسور يستميل الناظر إليه ويوقظ سؤال الـ«لماذا»؛ جرَّار الأسئلة الأخرى.

تُحاور «الشرق الأوسط» الفنان الشهيرة حساباته في مواقع التواصل، والمعروضة أعماله حول العالم؛ من إيطاليا وألمانيا إلى نيويورك... يعود إلى «سنّ مبكرة من حياتي حين شغفني الفنّ وكوَّنتُ ذكريات أولى عن الإبداع بحبسي نفسي في غرفتي بعد المدرسة للرسم لساعات». شكَّلت عزلته الإبداعية «لحظات هروب من العالم»، فيُكمل: «بصفتي شخصاً عانيتُ القلق المتواصل، بدا الفنّ منفذاً وتجربة تأمّلية».

يمتاز بفرادة اللمسة لإضفائه تعديلاً على مفهوم الإطار (أندرو سكوت)

لكنَّ الإنجاز الفنّي لم يكن دائماً جزءاً من حياته: «في سنّ الـ13 تقريباً، تضاءل شغفي بالرسم. هجرتُ قلمي حتى سنّ الـ28. طريقي إلى الفنّ طويلة ومتعرّجة. لـ10 سنوات عملتُ في كتابة الإعلانات، وخضتُ تجربة زواج فاشل. أدمنتُ المُخدِّر وواجهتُ تحدّيات أخرى. بُعدي عن الفنّ لـ15 عاماً، شكَّل أسلوبي».

تسلَّل عدم الرضا لتعمُّق المسافة بينه وبين الرسم: «شعرتُ بحكَّة إبداعية، ولم أكن متأكداً من كيفية حكِّها! التبس السبب وراء عجزي عن العودة إلى الرسم. تفشَّى الوباء وفقدتُ وظيفتي، لأقرر، هنا فقط، إحياء شغفي بالإبداع».

شخصيته أقرب إلى الانطوائية، باعترافه، ويفضِّل عدم الخوض في مسارات حياته، وإنْ لمحاولة التعمُّق في قراءة فنّه. ذلك يُفسّر تطلُّعَه إلى شهرته في مواقع التواصل، بأنها «أقرب إلى الشرّ الضروري منه إلى المتعة». فتلك المساحة المُضاءة تُشعره بأنه «فنان بدوام كامل»؛ يُشارك أعماله مع العالم. لكنَّ متعة هذا النشاط ضئيلة.

وماذا عن ذلك الصبي الذي يتراءى حزيناً، رغم ارتكابه فعلاً «حراً» بإخراج الإطار من وظيفته؟ نسأله: مَن هو صبيّك؟ فيجيب: «أمضيتُ فترات من الأحزان والوحدة. لم يحدُث ذلك لسبب. على العكس، أحاطني منزل العائلة بالأمان والدفء. إنها طبيعتي على الأرجح، ميَّالة إلى الكآبة الوجودية. أرسم الطفل ليقيني بأنه لا يزال ثمة واحد في دواخلنا جميعاً. جوابي على (مَن هو صبيُّك؟) يتغيَّر. على الأرجح إنه بعضي».

رغم سطوع الحزن، يتلألأ الأمل ويعمُّ في كل مرة يُكسَر الإطار لتخرج منه فكرة مضيئة. يؤيّد أندرو سكوت هذه النظرة. فالأُطر المكسورة تُشبه مرايا حياته. لسنوات ارتمى في الفخّ، ثم تحرَّر: فخّ العادة السيئة، الكسل، التأجيل، العجز، والتخبُّط. كسرُه الإطار إعلانٌ لحرّيته.

لعلَّ إعلان الحرّية هذا يشكّل إيماناً بالنهايات السعيدة ويجترح مَخرجاً من خلال الفنّ. فأندرو سكوت يفضِّل فناً على هيئة إنسانية، لا يركُن إلى الأفراح حسراً، لاستحالة ثبات الحالة النفسية والظرف الخارجي على الوضع المُبهج. يقول: «أحب تصوير الحالة الإنسانية، بنهاياتها الحلوة والمريرة. ليست كل الأشياء سعيدة، وليست أيضاً حزينة. أمام واقعَي الحزن والسعادة، يعكُس فنّي النضال والأمل».

وتُفسِّر فتنتُه بالتحوّلات البصرية ضمن الحبكة، إخراجَ الإطار من دوره الكلاسيكي. فالتفاعل مع الأُطر من منطلق إخضاعها للتحوّل البصري النهائي ضمن حبكة الموضوع، ولَّده «بشكل طبيعي» التفكير بمعرضه الفردي. يقول: «لطالما فتنتني المنعطفات البصرية في الحبكة. لم يتأثر أسلوبي بفنانين آخرين. أمضيتُ معظم حياتي خارج عالم الفنّ، ولم أكُن على دراية بعدد من فناني اليوم المعاصرين. بالطبع، اكتشفتُ منذ ذلك الحين فنانين يتّبعون طرقاً مماثلة. يحلو لي التصديق بأنني في طليعة مُبتكري هذا الأسلوب».

فنُّ أندرو سكوت تجسيد لرحلته العاطفية وتأثُّر أعماله بالواقع. يبدو مثيراً سؤاله عن أعمال ثلاثة مفضَّلة تتصدَّر القائمة طوال تلك الرحلة، فيُعدِّد: «(دَفْع)، أو (بوش) بالإنجليزية؛ وهي الأكثر تردّداً في ذهني على مستوى عميق. لقد أرخت ظلالاً على أعمال أخرى قدّمتها. أعتقد أنها تُجسّد الدَفْع اللا متناهي الذي نختبره نحن البشر خلال محاولتنا الاستمرار في هذا العالم».

يرسم الطفل ليقينه بأنه لا يزال ثمة واحد في دواخلنا (أندرو سكوت)

من المفضَّل أيضاً، «المقلاع»: «هي من الأعمال الأولى التي غمرها الضوء، ولها أمتنُّ. لقد شكَّلت تلك القطعة المُبكِرة كثيراً من نجاحي. أحبُّ رمزية المقلاع، فهي اختزال للبراءة والخطيئة في الوقت عينه».

ثالث المفضَّل هي «الغمّيضة»، أو «الاختباء والبحث»: «قريبة وعزيزة على قلبي لتحلّيها بالمرح. أراها تُجسّد نقاء الطفولة وعجائبها. إنها أيضاً اكتشاف مثير للاهتمام لشكل الإطار. فهو يرتكز عادةً، ببساطة، على مستوى واحد، وإنما هنا ينحني باتجاه الزاوية. أودُّ اكتشاف مزيد من الأفكار القابلة للتلاعب بالأشكال مثل هذه الفكرة».

هل تتأكّد، بهذا التفضيل، «مَهمَّة» الفنّ المتمثّلة بـ«حَمْل الرسالة»؟ رغم أنّ أندرو سكوت لا يعتقد بوجود قواعد عالمية في الفنّ، وإنما آراء شخصية فقط، يقول: «بالنسبة إليّ، الرسالة هي الأهم. ربما أكثر أهمية من مهارة الفنان. لطالما فضَّلتُ المفهوم والمعنى على الجمالية عندما يتعلّق الأمر بجودة الخطوط والألوان. أريد للمُشاهد أن يُشارك رسائلَه مع أعمالي. وبدلاً من قيادة الجمهور، أفضّل إحاطة فنّي بالغموض، مما يتيح لكل فرد تفسيره على طريقته».