حفل الافتتاح «الأسطوري» لقناة السويس في معرض فني بالإسكندرية

مع حلول شهر نوفمبر (تشرين الثاني)، من كل عام، تحتفل مصر وفرنسا بذكرى افتتاح قناة السويس، أحد أهم الممرات الملاحية في العالم، وتأخذ الاحتفالات العام الحالي، طابعا خاصا لمرور 150 عاما على الافتتاح الأسطوري للقناة، إذ تحتضن القنصلية الفرنسية في الإسكندرية معرضاً مميزاً يجسد تفاصيل حفل افتتاح القناة ويضمّ صور 40 لوحة أكوريل توثق حضور ملوك العالم، وعلى رأسهم الإمبراطورة أوجيني وحضره 40 عضوا من أعضاء جمعية فرديناند ديليسبس وأصدقاء قناة السويس، وعدد من المؤرخين وكبار الشخصيات الدبلوماسية من مصر وفرنسا والدول الأوروبية.
يقول الدكتور عباس أبو غزالة منسق المعرض ومترجم كتاب «افتتاح قناة السويس... رحلة الملوك» لـ«الشرق الأوسط»: «يضم المعرض اللوحات التي رسمت قبيل افتتاح القناة ووُزّعت على ضيوف مصر في الافتتاح المهيب يوم 17 نوفمبر 1869».
ويضيف أنّ «المعرض نتاج بحث لسنوات طويلة في الأرشيف الفرنسي وكل أرشيف قناة السويس، إذ عثرت على خطاب من الفنان الفرنسي ذائع الصّيت آنذاك إدوارد ريو يطلب فيه من رئيس شركة قناة السويس فردناند ديليسبس السفر إلى مصر لرسم احتفالات افتتاح القناة، وبالفعل عثرت على مذكرة تؤكد موافقة شركة قناة السويس وتكليف ريو برسم بورسعيد والإسماعيلية والقناة وإرسال اللوحات لجميع الجرائد المصورة وجمع هذه اللوحات الأصلية في ألبوم قُدّم للإمبراطورة أوجيني وزوجها نابليون الثالث إمبراطور فرنسا، ولم يطلب ريو أي مبالغ نظير ذلك، فقط تذكرة السفر إلى مصر وتكاليف إقامته وهو ما يؤكده محضر رقم 774 المؤرخ 22 فبراير (شباط) 1869، بعنوان «رحلة ريو الفنية إلى مصر الذي ينص على أن ريو يتقاضى مبلغ ألف فرانك كمصروفات لإقامته بمصر».
وتكشف الوثائق الفرنسية أن الخديوي إسماعيل كلف ريو أيضا بالمهمة نفسها مع طلبه رسم بعض الصور الشخصية، وتوجد نسخة من هذا الكتاب في مكتبة الإسكندرية ونسخة أخرى بمكتبة قناة السويس بالإسماعيلية ويحوي مادة تاريخية وعددا من الصور والبورتريهات ولوحات للقناة، وفق أبو غزالة الذي يوضح: «قد قمت بترجمته إلى العربية وصدر عن المركز القومي للترجمة، ومع حلول الذكرى الـ150 اقترحت تنظيم معرض يضم لوحات الكتاب لتعرف الأجيال الجديدة على محتوى الكتاب وأهميته وذلك بالتعاون مع القنصلية الفرنسية بالإسكندرية حيث شغل ديليسبس منصب نائب قنصل فرنسا في الإسكندرية ثم كلف بمنصب القنصل حتى أبريل (نيسان) عام 1837 قبل أن يتولى مهمة تأسيس شركة قناة السويس ويحصل من الخديوي على امتياز حفر القناة حسب القانون التجاري الفرنسي».
ووفق أبو غزالة فإنّ أول طبعة من الكتاب لم تحظ بإعجاب الخديوي حيث كانت تتصدره صورة على صفحة كاملة لديليسبس فتم حذفها وحذف المقدمة التي كتبها المؤرخ ماريوس فونتان في الطبعة الفاخرة المحفوظة حاليا بمكتبة الإسكندرية، وكانت المقدمة قد استهلت بشعار شركة قناة السويس: «فتحنا الأرض لنشر السلام بين الناس».
ويروي المؤرخ المصري المتخصص في تاريخ قناة السويس أن «الخديوي إسماعيل غادر الإسكندرية على متن يخت المحروسة يوم 14 أغسطس (آب) 1868، متوجها لأوروبا لدعوة ضيوف القناة، كما سخر كل الإمكانيات في مصر لاستقبال الضيوف قبل الافتتاح بشهر، ليتعرفوا على آثار ومعالم مصر، وأمر مارييت باشا بتصميم أول دليل سياحي عن الآثار المصرية، بعنوان (خط سير رحلة ضيوف الخديوي)» وتضمن البرنامج رحلة نهرية في نهر النيل، ومقابر العمال الذين حفروا القناة على مدار 10 سنوات، وبحيرة التمساح والبحيرات المرة ومنطقة عيون موسى، وشيد عددا من الاستراحات الفخمة التي تليق بملوك العالم، كما دعا 200 صحافي من مختلف أنحاء العالم، وكتبت أوجيني لزوجها نابليون معبرة عن دهشتها من فخامة الاستقبال: «وصلت إلى بورسعيد بسلام، استقبال باهر لم أشهد قط مثيلا له طوال حياتي».
وتظهر الصور حضور إمبراطور النمسا وأمير وأميرة هولندا وكبار رجال القبائل الليبية وكبار رجال قبائل أفريقيا، والخيام الفخمة التي نصبت لاستقبال الملوك في الصحراء المصرية. ومن أبرز الصور التي يضمها الكتاب اللوحة التي تجسد أول ضربة معول عند بدء أعمال الحفر ببورسعيد في 25 أبريل 1859، ولوحات معسكرات العمال أثناء الحفر، ومنطقة الجسر وقت افتتاح القناة، وصور كراكات الحفر التي كانت أحدث معدات في العالم آنذاك، ومسكن فرديناند ديليسبس بالإسماعيلية، وخيمة المقصورة الرئيسية لحفل الافتتاح حيث يظهر الخديوي بزي التشريفة الملكية، وحوله ملوك العالم وشيخ الأزهر ورجال الكنيسة، فضلا عن صور بانورامية للخط الملاحي، وصور لمدينتي الإسماعيلية وبورسعيد عام 1869.
وتوضح الوثائق التي يضمها المعرض تاريخ أول امتياز حصل عليه ديليسبس لشق القناة في 19 مايو (أيار) 1855، فيما منح محمد سعيد باشا والي مصر حق انتفاع بفرمان جديد في 5 يناير (كانون الثاني) 1856، وكان الاكتتاب العام لجمع 200 مليون فرنك فرنسي حيث باع ديليسبس 56 في المائة من الأسهم وتعهد الخديوي إسماعيل بشراء الباقي، 44 في المائة من الأسهم بقيمة 88 مليون فرنك، ومن ثم تم تأسيس الشركة في 15 ديسمبر (كانون الأول) 1858.