الخلل في بكتيريا الأمعاء الحميدة يؤثر على نمو الأطفال

أشارت أحدث دراسة قام بها باحثون من جامعة جنوب فلوريدا بالولايات المتحدة إلى دور ميكروبات الأمعاء الحميدة (Gut Microbiome) في الحفاظ على الطفل في صحة جيدة، وأظهرت إلى أي مدى يمكن أن تؤثر بالسلب على نمو الطفل لاحقاً، في حالة حدوث خلل في هذه البكتيريا، وذلك عند حديثي الولادة من المبتسرين الموجودين في الرعاية المركزة في الحضانات.
وقد عرضت نتائج الدراسة في المؤتمر الخاص بالبكتيريا المفيدة (World of Microbiome Conference) بمدينة ميلانو الإيطالية.
خلل الأمعاء
من المعروف أن الميكروبات النافعة، تبعاً لتسميتها، هي عبارة عن جراثيم تكون موجودة في الأمعاء، وهي ضرورية لهضم بعض المواد الغذائية، وأيضاً تقوم بلعب دور تنافسي مع البكتيريا الضارة، حيث إن وجودها يكون بمثابة الوجود في مساحات معينة، بما يمنع نمو البكتيريا الضارة.
وكانت الدراسة التي تم عرضها في المؤتمر في شهر نوفمبر (تشرين الثاني) الحالي، والتي سوف يتم نشرها في إحدى المجلات الخاصة بالأطفال المبتسرين لاحقاً، قد قامت بتتبع 78 من الأطفال المبتسرين الذين يقل وزنهم عن 1.5 كيلوغرام عند الولادة. وقاموا بعمل فحص مختبري لعينات من البراز لهؤلاء الرضع بشكل أسبوعي لمدة 6 أسابيع. وأظهرت النتيجة أن الرضع جميعاً عانوا من وجود ما يشبه الخلل أو التشوه في الميكروبات المفيدة في الأمعاء.
ثم قام الباحثون بتتبع 24 من هؤلاء الرضع بعد مرور عامين، وأيضا 4 أعوام، ولاحظوا أنه كلما كانت أنماط هذه البكتيريا غريبة ومختلفة، تأثر النمو بالسلب، وهو الأمر الذي يوضح اعتلال الصحة الذي يلازم الأطفال المبتسرين، حيث إن البكتيريا النافعة تلعب دوراً كبيراً في تنظيم عملية الهضم، وكذلك الجهاز المناعي. وبالتالي، فإن تأثر ذلك يؤدي بالضرورة إلى مشكلات صحية.
وبالطبع، توجد أسباب أخرى لضعف صحة الأطفال المبتسرين، أهمها عدم اكتمال نضج معظم أجهزة الجسم المختلفة، وعدم تمكنها من القيام بوظائفها، أو الإصابة بعدوى معينة.
وأوضح الباحثون أن المشكلة تكمن في أن الأطفال المبتسرين، خصوصاً الذين يقل وزنهم عن 2 كيلوغرام في الأغلب، يقضون عدة أسابيع في الرعاية المركزة، ويتناولون كثيراً من المضادات الحيوية وأدوية أخرى يمكن أن تشمل الكورتيزون، ولا يوجدون مع الأمهات معظم الوقت، مما يستلزم ضرورة تغذيتهم بالألبان الصناعية المختلفة. وبالتالي، يتم حرمانهم من الميكروبات المفيدة الموجودة في لبن الأم، التي تلعب دوراً مهماً في حمايتهم من الأمراض، وتجعلهم قادرين على مقاومة البكتيريا الضارة.
علاج بالجراثيم المفيدة
وأكد الباحثون أنه يجب أن يتم استخدام أنواع جديدة من العلاج، تعتمد في مكوناتها على الجراثيم المفيدة (البروبيوتيك probiotics) في علاج الأطفال المبتسرين في الحضانات، حيث إن هذه الميكروبات تساعد في نمو المخ، حسب بعض الدراسات التي قام بها فريق البحث، فضلاً عن دورها المؤكد في الوقاية من الأمراض المناعية بشكل عام، والأمراض التي تصيب الجهاز الهضمي بشكل خاص، مثل متلازمة القولون العصبي (irritable bowel syndrome)، فضلاً عن توفير الوقاية من أنواع الحساسية المختلفة. وأشار الباحثون إلى أن الاهتمام بدراسة «الميكروبيوم» (النبيت الجرثومي في الإنسان) تضاعف خلال العقد المنصرم، نظراً لاكتشاف أن الأمعاء السليمة التي تحتوي على البكتيريا النافعة يمكن أن تضمن حياة صحية جيدة للأطفال في مرحلة الطفولة المبكرة ومرحلة ما قبل الدراسة، حيث أظهرت كثير من الدراسات ارتباطها بأمراض، معظمها يعتمد على التفاعلات المناعية، مثل الأزمة الربوية وحساسية الجلد المتعلقة بتغير فصول السنة، بل ومرض البدانة أيضاً.
ونصحت الدراسة الأمهات بضرورة الالتزام ببعض التعليمات التي يمكن أن تزيد من تكوين البكتيريا النافعة، ومنها على سبيل المثال: تناول الأطعمة الصحية في فترة الحمل، خصوصاً الغنية بالألياف. كما نصحت بضرورة الابتعاد عن الولادة القيصرية كلما أمكن، وكلما استدعت الضرورة الطبية، حيث إن الولادة الطبيعية تحافظ على الميكروبات المفيدة التي يحصل عليها الرضيع من الأم.
وفي حالة وجود خلل في البكتيريا النافعة، وبعد الخروج من الرعاية المركزة، يمكن أن يبدأ الرضيع في تناولها عن طريق الأدوية، حيث تبين أنها تقلل من احتمالات الإصابة بالتهاب القولون المتقرح بنسبة تبلغ 50 في المائة، بينما تخفض الإصابة بالميكروبات المختلفة بنسبة 12 في المائة، وأيضاً تحمى من الإكزيما، وتقلل من حدة أعراض المغص الذي يصيب الأطفال. ويفضل أن يتم تناول هذه البكتيريا في فترة الشهور الثلاثة الأولى من عمر الطفل، وكلما بدأ في تناولها مبكراً زادت الوقاية. وعلى سبيل المثال، إذا تناول الطفل هذه الجراثيم المفيدة في الشهر الأول من العمر، فإنها تقلل من احتماليات الإصابة بمرض البول السكرى من النوع الأول بنسبة كبيرة، حتى في الأطفال المهيئين جينياً للإصابة بالمرض. وحذرت الدراسة بشدة من خطورة الإسراف في استعمال المضادات الحيوية، رغم أنها ضرورية جداً حينما تكون هناك حاجة لاستخدامها، حيث إن الاستعمال المبالغ فيه لها في العدوى البسيطة والعدوى الفيروسية، فضلاً عن تكوين مقاومة لعمل الدواء، فإنه أيضاً يؤثر بالسلب على البكتيريا النافعة في الأمعاء، ويقلل من التنوع الطبيعي لها، ويفتح الباب بسهولة للإصابة بأنواع أخرى من البكتيريا، مثل الكوليسترديوم ديفسيل (Clostridium difficile).
وفى النهاية، نصحت الأمهات بضرورة الالتزام بالرضاعة الطبيعية، ما دام أنه لا يوجد مانع طبي لدى الأم، حيث إنها تعد الطريقة الأمثل لإمداد الطفل بالميكروبات المفيدة.
- استشاري طب الأطفال