قال الموسيقي أسامة الرحباني، إنه عادة ما يتبع الجو العام للفيلم أو المسلسل الذي ينوي وضع موسيقى تصويرية له. ويضيف في حديث لـ«الشرق الأوسط»: «هناك أطر عدة متبعة في هذا الإطار من قِبل الموسيقيين في العالم. فهناك من يكتفي بقراءة نص وسيناريو العمل لينجز مهمته. في حين الأوروبيون يشتغلونها بشكل عام ويضعونها بتصرف المخرج، كما أن البعض يتبع تفاصيل الحركة المشهدية. أما أنا فأستلهم موسيقاي التصويرية من الجو العام للعمل ومن شخصياته مما يدفع بالمخرج إلى تركيب الصورة على هذا الأساس».
وأسامة الرحباني الذي سبق وقام بتأليف الموسيقى التصويرية لأفلام سينمائية وأعمال دراما كـ«العوسج» و«الموت القادم إلى الشرق» و«الينابيع»، ومؤخراً «طريق» تخصص في هذا العلم الفني في أميركا؛ مما يجعله من المحترفين فيه. «هو اختصاص بحد ذاته وموروثه له علاقة بالموسيقى الكلاسيكية، كما أنه يدخل في خانة الفن الانطباعي؛ لأنه يترجم صورة مشهدية. وأحياناً كثيرة يأخذ الطابع التجريدي إلا أنه وفي غالبية الأحيان هو بمثابة شرح للصورة. كما أنه يترجم أجواء العمل وطبيعته إذا ما كانت تتصف بالتوتر أو الشجن أو الرومانسية، وما إلى هنالك من أنواع أخرى. فالموسيقى لا لغة لها فتخترق حواس الإنسان من دون استئذان، وتحدث لديه هذا الشعور بالخوف والهوس والتوتر وغيرها».
ويتحدث الرحباني شارحاً: «في هذا الإطار نكون في حاجة ضرورية إلى معرفة الموضوع الذي يدور حوله الفيلم أو المسلسل، وبالتالي الشخصيات والكاركتيرات القائمة فيه. وإذا كنت على معرفة بالممثلين الذين يجسدون هذه الأدوار فهو أمر يغني خلفية المؤلف ويساهم في بلورة أفكاره الموسيقية؛ إذ يكون على علم مسبق بردود فعلهم الحقيقية مما يسمح للطرفين بالتفاعل معها ضمن إطار الأداء. وهذه الشخصيات تزودك بخطوط معينة لترسمي من خلالها القالب الموسيقي الملائم. وفي الوقت نفسه تتيح للمخرج أن يستخدمها في الفراغات (مشاهد صامتة) ليستحدث خطاً درامياً يتجلى بالصورة. وهذه الموسيقى بالذات تتحكم بالعمل ككل لتجعله متجانساً إلى أبعد حد».
ويشير أسامة الرحباني في معرض حديثه لـ«الشرق الأوسط»، إلى أنه في مسلسل «هوس» كان سعيداً بالتقيد بأداء ممثلين على طراز عابد فهد وهبة طوجي. «الاثنان يتقنان الفن التمثيلي في العمق ولا يمارسانه بسطحية. فالأول يعد قامة فنية لها باعها الطويل في عالم الدراما العربية، والأخرى هي ممثلة مسرح ومخرجة ومنتجة لديها قوة لا تضاهى في كيفية التعاطي مع الشخصية التي تلعبها وبسرعة».
والمعروف أن مسلسل «هوس» ويتألف من 10 حلقات والذي أطلق البوستر الترويجي له مؤخراً، هو من إنتاج شركتي «غولدن لاين» و«أي سي ميديا» ومن كتابة ناديا الأحمر وإخراج محمد لطفي. أما قصته، فترتكز على البطلين المذكورين وتدور في أجواء الانفعال والتوتر اللذين يولدان الهوس. وتأتي الموسيقى التصويرية التي وضعها أسامة الرحباني لتبرزها في نوتات موسيقية تميل إلى الغربية بشكل أكبر. «لقد ترجمت هوس عابد فهد بزوجته في المسلسل ألا وهي هبة. وفي الوقت نفسه تلعب هبة ثلاث شخصيات مختلفة ومركبة في العمل؛ مما يساهم في وضع موسيقى منوعة تلائم تنوعها. فهناك خطوط درامية كثيرة في العمل تأخذ المشاهد مرات إلى صورة متوترة وتجريدية ومرات إلى الرومانسية والحماسية فتحلق ضمن سماء فنية واسعة». وهل ساندت هبة كمدير لأعمالها في قرارها لدخول أول تجربة درامية لها؟ يرد: «لطالما تلقت هبة عروضاً تمثيلية كثيرة لبطولة أفلام أو أعمال دراما.
وكان الوقت يعاكسها لانشغالها وارتباطها في أخرى ضمن لبنان وخارجه. كما رفضنا أخرى لا تتلاءم مع تطلعات هبة الفنية هي التي أحيت حتى اليوم أكثر من 500 عرض للمسرحية الاستعراضية «أحدب نوتردام» خلال أربعة أعوام. فتنقلت بين لندن، وكندا، وتركيا، ولبنان، وفرنسا، وبلجيكا، وسويسرا، وموسكو، ومدن الصين، وغيرها مما جعلها تتقن التمثيل بجدارة. ولا يمكننا أن ننسى حفلاتها الغنائية لهذه السنة التي فاقت الـ170 حفلة. لكن ما ساهم في موافقتنا على مشاركتها هذه هو تركيبة المسلسل التي لا تتجاوز الـ10 حلقات من ناحية، وكذلك حبكته ككل؛ إذ كانت تبحث عن دراما تحاكي طموحاتها، ولا سيما أنها ابنة مسرح ومتمرسة فيه. وحالياً توفق هبة ما بين ارتباطاتها في الخارج وأوقات تصوير العمل الذي شارف على نهاية 70 في المائة من مجمل عملية تصويره».
استغرق الرحباني لتأليف هذه الموسيقى نحو ثلاثة أسابيع ويعلق: «تطلّبت مني تركيزاً وجهداً كبيرين فليس من السهل وضع موسيقى تصويرية مدتها نحو 60 دقيقة ليتفاعل معها المشاهد من ناحية وتترجم حبكة النص وسياقه من ناحية ثانية. وكلما تمتع الموسيقي بالإلمام والثقافة والمعرفة استطاع أن يفيد العمل المصور ويغنيه. وأحياناً كثيرة يلعب الصمت دوره في فراغات تتقاطع مع الموسيقى، وتساهم ارتدادات الفراغ هذا لزيادة منسوب الرعب أو الجنون والتوتر السائد على مشهدية معينة».
لكن، هل برأيك أن الموسيقى التصويرية من شأنها أن تنجِح عملاً ما وتفشِل آخر؟ يرد الرحباني في سياق حديثه لـ«الشرق الأوسط»: «أنا شخصياً أتأثر بموسيقى عمل ما، فإما يشدني لمشاهدته أو العكس، ولا بد من الإشارة إلى أن عملية المونتاج للعمل مهمة في هذا الإطار. فكلما كانت جيدة ومتقنة ساهمت في تقريب الحس الموسيقي من الصورة المشهدية. وفي لبنان قلة من الموسيقيين يتقنون هذا الفن أو متخصصون فيه».
وتجدر الإشارة إلى أن الموسيقي إلياس الرحباني، شقيق الراحل منصور الرحباني والد أسامة، حقق نجاحات كثيرة في عالم الموسيقى التصويرية لنحو 25 فيلماً سينمائيا. وعن رأيه بكمية الفنون التشكيلية والغنائية التي تواكب حالياً الحراك المدني «لبنان ينتفض»، يقول: «من المعيب أن ننتظر حصول الحراك كي نكتشف كل هذه المواهب. فهؤلاء هم لبنانيون ويعيشون بيننا وكانوا من دون أدنى شك ينتظرون الفرصة المناسبة لإبراز مواهبهم هذه. فغياب التوعية الثقافية في بلادنا وعدم اهتمام الجهات اللبنانية الرسمية بتشجيعها ودعمها ترجم في هذه المشهدية. وكان علينا أن نلحظ عناصرها وندعمها ولا نقصر تجاهها».
أسامة الرحباني: الموسيقى التصويرية اختصاص وقلة يتقنونها في لبنان
أسامة الرحباني: الموسيقى التصويرية اختصاص وقلة يتقنونها في لبنان
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة