بقاء الأطفال وقتاً طويلاً أمام الشاشات يضر بتطور قدراتهم الإدراكية

طفلتان تستخدم كل منهما جهاز «آيباد» الخاص بها في كاليفورنيا (رويترز)
طفلتان تستخدم كل منهما جهاز «آيباد» الخاص بها في كاليفورنيا (رويترز)
TT

بقاء الأطفال وقتاً طويلاً أمام الشاشات يضر بتطور قدراتهم الإدراكية

طفلتان تستخدم كل منهما جهاز «آيباد» الخاص بها في كاليفورنيا (رويترز)
طفلتان تستخدم كل منهما جهاز «آيباد» الخاص بها في كاليفورنيا (رويترز)

من المعروف أن الجلوس أمام الشاشات يمكن أن يكون ضاراً بتطور أدمغة الأطفال. وخلصت دراسة أميركية حديثة إلى مزيد من الأدلة على طرق التأثير السلبي لاستخدام الوسائط على دماغ الطفل، بحسب تقرير لوكالة الأنباء الألمانية.
وذكر أطباء من الولايات المتحدة في دراسة نشرت نتائجها في العدد الحالي من مجلة «جاما بيدياتريكس» المعنية بالدراسات الخاصة بالأطفال، أن هناك اختلافات هيكلية في بعض مناطق الدماغ لدى الأطفال الذين يمضون وقتاً طويلاً أمام شاشات الحاسوب. وأكدوا أن هذه الفوارق تؤثر بشكل خاص على تطور القدرات اللغوية.
وتعليقاً على الدراسة، قال مارتن كورته من جامعة براونشفايغ الألمانية للعلوم التطبيقية إن المشكلة الأساسية في ذلك «تكمن في نظري في أن الأطفال الذين يمضون وقتاً طويلاً أمام شاشات الحاسوب، يتحدثون أقل ويستمعون أقل لكلام غيرهم». وأوضح أن تطور دماغ الطفل يحتاج إلى تفاعل الوالدين معه وإلى تحرك الطفل وممارسته الرياضة.
وضم كريستيان مونتاغ، رئيس قسم علم النفس الجزيئي في جامعة أولم الألمانية، صوته إلى صوت كورته قائلاً: «جلوس الأطفال أمام شاشات الحاسوب بشكل مبالغ فيه يخفض فرصتهم للعب بشكل حقيقي». وشدد على أن ما يعرف بـ«اللعب الخشن» ضروري لتطور الجهاز الحركي لدى الأطفال وقدراتهم الاجتماعية.
وأكد كورته أنه لا يرى ضرورة لتخصيص وقت للأطفال الصغار جداً للبقاء أمام الشاشات. ولفت إلى أن خوف بعض الآباء من أن منع أبنائهم من الوسائط الرقمية في مقتبل حياتهم قد ينطوي على سلبيات لهم، هو خوف غير مبرر.
وفحص الباحثون في المركز الطبي بمستشفى مدينة سينسيناتي الأميركية، خلال الدراسة 47 طفلاً في سن 3 إلى 5 سنوات، وقاموا في البداية بمعرفة الوقت الذي أمضاه هؤلاء أمام الشاشات، بما في ذلك شاشات الأجهزة الجوالة. ثم أخضع الباحثون الأطفال لاختبارات إدراك، وأجروا أشعة الرنين المغناطيسي لأدمغتهم.
وتبين للباحثين أن ما يعرف بالمادة البيضاء تغيرت لدى الأطفال الذين أمضوا وقتاً أطول أمام الشاشات. وتتكون هذه المادة من ألياف عصبية تربط بين مناطق بعينها في الدماغ وتضبط تبادل الاتصال بينها. ورصد الباحثون أيضاً وجود تأثير على بعض مناطق الدماغ التي تدعم تطور اللغة. ويرتبط بذلك قدرات خاصة بإدراك الصور والقدرات الإدراكية والتحكم العقلي وتقرير المصير.
وأوضح مارتن كورته أن «شبكة التواصل في الدماغ التي تربط العديد من مناطق اللغة بعضها ببعض كانت أقل كثافة، ويمكن تبسيط ذلك بالقول إن سرعة تدفق البيانات في مساراتها انخفضت».
وبناء على ذلك كان أداء الأطفال المعنيين في الاختبارات اللغوية أسوأ من أداء أقرانهم. وبشكل محدد استخدم هؤلاء الأطفال لغة تعبير أضعف، وكانوا أبطأ عند تسمية الأشياء وأقل تطوراً إجمالاً في قدراتهم اللغوية. «وتطرح هذه الدراسة سؤالاً عما إذا كانت بعض جوانب استخدام الوسائط في الطفولة المبكرة تؤدي إلى تحفيز أقل من المستوى الأمثل أثناء المرحلة التأسيسية لتطور الدماغ»، حسبما أوضح جون هوتون، كبير الباحثين الذين أعدوا الدراسة.
ودعا كريستيان مونتاغ إلى مزيد من البحث في هذا الجانب، وقال: «بما أن التكهنات في هذا المجال البحثي المهم لا تزال كثيرة بسبب قلة الدراسات، فمن المهم إجراء دراسات شبيهة بهذه الدراسة».
وشدد كورته على ضرورة أن تؤخذ نتائج الدراسة بشكل جاد، حتى وإن لم يكن من الواضح حتى الآن ما إذا كانت الأضرار التي رصدتها الدراسة تستمر لدى الأطفال فترة طويلة.
إلا أن مونتاغ أشار في الوقت ذاته إلى أن هذا البحث يؤكد وجود علاقة متلازمة لا تسمح بمعرفة دراسة سببية، أي لا تسمح باستنتاج المبادئ التي تقوم عليها علاقة السبب والأثر، «ذلك أن الدراسة لم توضح العامل الذي جعل البقاء مدة مبالغاً فيها أمام الشاشات يؤدي إلى تغيرات في بنية الدماغ، وما إذا كان ذلك بسبب مؤثرات مباشرة على تطوره نتيجة البقاء مدة طويلة أمام الشاشات، أم أن هذه النتائج السلبية هي مؤثرات جانبية للوسائط الإعلامية على الدماغ».
وقال الباحثون أيضاً إن بقاء الأطفال فترة طويلة أمام الشاشات أدى على سبيل المثال إلى عدم توافر الكثير من الفرص للتحدث بشكل مباشر مع الوالدين وتوسيع القدرات اللغوية الخاصة بهم، وهو ما زاد عليه كورته بالقول إن تطور اللغة يحتاج أيضاً إلى مراقبة إيماءات الشخص المتحدث وتعبيرات وجهه. وأضاف: «ومن المهم أكثر أن يراقب الوالدان أبناءهما عندما يتحدثون، بدلاً من مشاهدة أجهزة الهاتف الذكي أثناء الحديث».



بعد أسبوع من عرضه... لماذا شغل «هُوبَال» الجمهور السعودي؟

مشهد من فيلم «هُوبَال» الذي يُعرض حالياً في صالات السينما السعودية (الشرق الأوسط)
مشهد من فيلم «هُوبَال» الذي يُعرض حالياً في صالات السينما السعودية (الشرق الأوسط)
TT

بعد أسبوع من عرضه... لماذا شغل «هُوبَال» الجمهور السعودي؟

مشهد من فيلم «هُوبَال» الذي يُعرض حالياً في صالات السينما السعودية (الشرق الأوسط)
مشهد من فيلم «هُوبَال» الذي يُعرض حالياً في صالات السينما السعودية (الشرق الأوسط)

يَندر أن يتعلق الجمهور السعودي بفيلم محلي إلى الحد الذي يجعله يحاكي شخصياته وتفاصيله، إلا أن هذا ما حدث مع «هُوبَال» الذي بدأ عرضه في صالات السينما قبل أسبوع واحد فقط، وتحوّل سريعاً إلى «تريند» على شبكات التواصل الاجتماعي، من خلال مقاطع الفيديو والأحاديث التي تتناول تفاصيل العمل الذي يجمع للمرة الثالثة بين المخرج عبد العزيز الشلاحي والكاتب مفرج المجفل.

يتحدث بطل الفيلم مشعل المطيري، لـ«الشرق الأوسط»، عن السر في ذلك قائلاً: «حين يكون الفيلم مصنوعاً بشكل جيد، فمن المتوقع أن يلقى إقبالاً كبيراً لدى الجمهور»، مشيراً إلى أن «هُوبَال» يحكي قصة إنسانية قريبة للناس، تم سردها في بيئة مغرية وسط الصحراء، مما جعل الكثيرين يتحمسون لمشاهدته.

ويتابع المطيري: «ارتباط الفيلم بالبيئة البدوية جعله جاذباً، ورغم أننا شاهدنا أعمالاً درامية وسينمائية لها علاقة بمجتمعات معينة، فإن البيئة البدوية لم يسبق أن جرى تقديمها بهذا التركيز من قبل، وهذه ميزة زادت من رغبة الناس في مشاهدة العمل». مؤكداً في الوقت نفسه أن الفيلم يناسب جميع أفراد العائلة، وهو ما لاحظه في صالات السينما، التي ضمَّت صغار وكبار السن على حد سواء.

يدور الفيلم حول العزلة في الصحراء والتحديات التي تواجه العائلة بسبب ذلك (الشرق الأوسط)

قصة الفيلم

تدور أحداث فيلم «هُوبَال» في السعودية خلال الفترة التي تلت أحداث حرب الخليج الثانية، ويتناول قصة عائلة بدوية تقرر العيش في عزلة تامة وسط الصحراء جرّاء اعتقاد «الجد ليام»، (إبراهيم الحساوي)، بقرب قيام الساعة بعد ظهور علامات تؤكد مزاعمه.

هذه العزلة تُعرضه لامتحان صعب عندما تصاب حفيدته بمرض مُعدٍ يحتِّم على الجميع عدم الاقتراب منها، الأمر الذي يدفع والدتها سرّاً (ميلا الزهراني) إلى التفكير في تحدي قوانين الجد لإنقاذ ابنتها، وهو ما يصطدم بمعارضة شديدة من زوجها «شنار»، (مشعل المطيري).

سينما الصحراء

ورغم أن العائلة انزوت في الصحراء هرباً من المدينة، فإن مشعل المطيري لا يرى أن «هُوبَال» يأتي ضمن تصنيف سينما الصحراء بالمفهوم الدارج، بل يشير إلى أن له تصنيفاً مختلفاً، خصوصاً أن العمل يتناول فترة التسعينات من القرن الماضي، عن ذلك يقول: «هي فكرة ذكية في توظيف الصحراء في فترة زمنية قريبة نسبياً، كما أن شخصيات الفيلم لم تنقطع تماماً عن المدينة، بل كان بعضهم يرتادها للبيع والشراء، فحياتهم كانت مرتبطة بالمدينة بشكل أو بآخر».

ويشير المطيري هنا إلى أن الصحراء كانت اختياراً في القصة وليست واقعاً محل التسليم التام، مضيفاً أن «المخرج تعامل مع البيئة الصحراوية بدقة كبيرة، من حيث تفاصيل الحياة التي رآها المُشاهد في الفيلم». ويؤمن المطيري بأنه ما زال هناك كثير من الحكايات المستلهَمة من عمق الصحراء وتنتظر المعالجة السينمائية.

مشعل المطيري في دور «شنار» بالفيلم (الشرق الأوسط)

«شنّار بن ليام»

يصف المطيري شخصية «شنار بن ليام» التي لعب دورها بأنه «شخص سلبي، ومخيف أحياناً، كما أنه جبان، وبراغماتي، وواقعي إلى حد كبير مقارنةً ببقية أهله، حيث لم يستطع معارضة والده، وكانت لديه فرصة لعيش الحياة التي يريدها بشكل آخر، كما أنه حاول الاستفادة من الظروف التي حوله». ويرى المطيري أنها من أكثر الشخصيات وضوحاً في النص، ولم تكن شريرة بالمعنى التقليدي لمفهوم الشر في السينما.

ويمثل «هُوبَال» بدايةً قوية للسينما السعودية في مطلع 2025، وهنا يصف المطيري المشهد السينمائي المحلي بالقول: «هناك تطور رائع نعيشه عاماً تلوم آخر، وكل تجربة تأتي أقوى وأفضل مما سبقها، كما أننا موعودون بأعمال قادمة، وننتظر عرض أفلام جرى الانتهاء من تصويرها مؤخراً». ويختم حديثه بالقول: «كل فيلم جيد يسهم في رفع ثقة الجمهور بالسينما المحليّة، وتباين مستوى الأفلام أمر طبيعي، لكن الأهم ألا يفقد الجمهور ثقته بالأفلام السعودية».

تجدر الإشارة إلى أن فيلم «هُوبَال» حقَّق أداءً مميزاً في شِبّاك التذاكر في أول 3 أيام من عرضه، وتجاوزت مبيعات التذاكر 30 ألف تذكرة بإيرادات تُقدّر بأكثر 1.5 مليون ريال سعودي.