البرلمان العراقي يجرّد مسؤولين كباراً من امتيازاتهم

كتل سياسية تتراجع عن وثيقة الحكيم... وتواصل الاحتجاجات في بغداد و9 مدن

معتصمون في ساحة التحرير ببغداد أمس (أ.ف.ب)
معتصمون في ساحة التحرير ببغداد أمس (أ.ف.ب)
TT

البرلمان العراقي يجرّد مسؤولين كباراً من امتيازاتهم

معتصمون في ساحة التحرير ببغداد أمس (أ.ف.ب)
معتصمون في ساحة التحرير ببغداد أمس (أ.ف.ب)

لم يهدأ غضب الشارع العراقي للأسبوع الخامس على التوالي رغم الإجراءات التي أقدم عليها البرلمان العراقي ليلة أول من أمس، في جلستين عدتا الأطوال في تاريخه، والأسرع من حيث الاستجابة لمطالب المواطنين. القرارات والقوانين التي أصدرها البرلمان والتي بدأت بتجريد كبار المسؤولين بمن فيهم الرئاسات الثلاث (الجمهورية والوزراء والنواب) مما كانوا يتمتعون به من امتيازات بدءاً من الرواتب حتى مخصصات الضيافة، بدت كما لو كانت صب المزيد من الزيت على نار الاحتجاجات.
الأسباب التي تقف خلف ذلك كثيرة، في المقدمة منها أن المتظاهرين يرون أن هذه القرارات والقوانين التي تم تشريعها أو إلغاء تشريعها بهذه السرعة لولا المظاهرات الجماهيرية الحاشدة لانتظر العراقيون 14 سنة أخرى للخلاص منها «قانون الامتيازات تم تشريعه عام 2005». ويضيف المتظاهرون عبر ما صدر عنهم من بيانات وما أدلى به بعضهم من تصريحات، أن هذه الحلول مهما كانت لم تعد تلبي مطالب المتظاهرين التي ارتفعت إلى حد إقالة الحكومة والبرلمان وكل الطبقة السياسية العراقية، ولا سيما بعد أن سالت دماء كثيرة خلال الشهرين الماضيين.
ودخلت المظاهرات والاعتصامات الاحتجاجية في العراق يومها السابع والعشرين، في بغداد وتسع محافظات عراقية، في وقت تسعى فيه الحكومة والبرلمان لتلبية مطالب المتظاهرين.
وتشهد ساحات في بغداد والبصرة وميسان والناصرية وواسط والديوانية والمثنى والنجف وكربلاء وبابل مظاهرات واسعة منذ أسابيع للمطالبة بإسقاط الحكومة والبرلمان وتعديل الدستور. وشرع متظاهرون في الاعتصام، رغم برودة الجو، في الطرق المؤدية إلى الحقول النفطية ومصافي التكرير في البصرة وميسان والناصرية ومنشآت ميناء أم قصر والزبير التجاري، التي تشكل عصب الحياة للاقتصاد العراقي.
إلى ذلك، تراجعت كتل سياسية، بعد يوم من توقيع ممثلين عنها على وثيقة في منزل زعيم تيار الحكمة المعارض عمار الحكيم، تضم 12 كتلة سياسية، أمهلت رئيس الوزراء عادل عبد المهدي 45 يوماً لتنفيذ ما وعد به من إصلاحات.
الكتل الموقعة حذرت عبد المهدي من أنها قد تلجأ إلى سحب الثقة منه في حال لم تكن هناك جدية من قبله في تنفيذ الإصلاحات، بما في ذلك إجراء تعديل وزاري شامل أو الذهاب إلى انتخابات مبكرة.
وتراجعت عن التوقيع ثلاث كتل حزبية، هي، ائتلاف النصر بزعامة رئيس الوزراء السابق حيدر العبادي، والوطنية بزعامة إياد علاوي رئيس الوزراء الأسبق، والإنقاذ والتنمية بزعامة أسامة النجيفي رئيس البرلمان الأسبق.
يقول عضو البرلمان العراقي عن دولة القانون علي الغانمي في تصريح له أمس (الأربعاء)، إن «أجزاء من الكتل السياسية التي انسحبت من دعم مخرجات اجتماع الحكيم، قدمت جملة من الحلول، لكن هذه الحلول بعضها لا يرتقي إلى الواقع»، وأضاف: «عندما تقدم حلولاً يجب مراعاة الإمكانات، سواء كانت المادية أو الأخرى، ولا يجب أن تكون حلولاً واهية»، مشيراً إلى أن «الحلول التي تم تقديمها على المستوى السياسي إيجابية وجيدة بما يخص حزمة الإصلاحات وقانون الانتخابات والتنظيم السياسي للدولة كلها حقيقية وتم تقديمها».
وأوضح الغانمي، أن «مسألة الاختلاف على انسحاب الحكومة، فإن بعض الكتل السياسية اختلفت حول هذا المضمون؛ كون هناك أمور يجب أن تراعى في إدارة الدولة للمرحلة المقبلة ويجب ألا تكون قرارات أزموية، وبالتالي هذه القرارات يمكن أن تدخل البلد في أزمة أخرى، وهذا حقيقة ما اختلف عليه بعض الفرقاء السياسيين في قضية تطبيق حزمة الإصلاحات». من جهته، أكد مستشار الأمن الوطني فالح الفياض، أن «البرلمان في إطار نظام ديمقراطي قادر على تغيير الحكومة خلال نصف ساعة، لكن لا يجب قلب النظام من أجل تحقيق المطالب التي يطالب بها المتظاهرون». وأضاف الفياض خلال مشاركته في مؤتمر بأربيل أمس، أنه «يجب أن يتم الاعتناء بمطالب الجيل الجديد، حيث إن المحتجين تتراوح أعمار أغلبهم ما بين 15 و25 عاماً، والكثير منهم لا يستطيع التعبير بكلمة عن هذه المطالب، أو وصفها بنص، ولا يجب أن نحمّلهم أجنداتنا والنصوص والتعديلات الدستورية التي نريدها». وأوضح الفياض الذي يترأس هيئة الحشد الشعبي أيضاً «أنا متعاطف مع كل ما يطرحه المتظاهرون، فالفساد يجب أن يحارب، والتمثيل السياسي يجب أن يحسن أيضاً»، مبيناً أن «الوضع الجديد والاستجابة لمتطلبات المتظاهرين هو إصلاح للنظام السياسي نتلقاه بصدق».
وحول اجتماع قادة الكتل السياسية أول من أمس وما خرج به من نتائج، يقول هشام الشماع، عضو المركز العراقي للتنمية السياسية والقانونية، في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، إن «ذلك الاجتماع فجّر في الواقع أزمة خلافية أخرى بين القوى السياسية التي استجابت والتي امتنعت عن الحضور مما سيولد انسداداً إضافياً في أفق العملية السياسية». وأضاف الشماع، أن «الورقة التي خرجوا بها أوضحت العجز في الحلول المطروحة لحل الأزمة، ولا سيما أن الجمهور كان ينتظر إجراءات أكثر جذرية مثل حل البرلمان وإقالة الحكومة، غير أن ما جرى مثّل في الواقع خيبة أمل إضافة للمتظاهرين». وأوضح الشماع، أن «الاجتماع الأخير بعث رسالة سلبية للشارع مفادها أن مخرجات الاجتماع لا يمكن أن تقدم حلولاً للأزمة، وثانياً أن أي مبادرة أو اجتماع مستقبلي لن يكون محط اهتمام من قبل الشارع والذي استطاع بالفعل أن يطوق هذه القوى ويعزلها عن فتح أي قناة اتصال أو حوار معها».



اللاجئون الفلسطينيون يعودون إلى مخيم «اليرموك» في سوريا

اللاجئ الفلسطيني خالد خليفة يدعو لابنه المدفون في مقبرة مخيم اليرموك المدمرة (أ.ف.ب)
اللاجئ الفلسطيني خالد خليفة يدعو لابنه المدفون في مقبرة مخيم اليرموك المدمرة (أ.ف.ب)
TT

اللاجئون الفلسطينيون يعودون إلى مخيم «اليرموك» في سوريا

اللاجئ الفلسطيني خالد خليفة يدعو لابنه المدفون في مقبرة مخيم اليرموك المدمرة (أ.ف.ب)
اللاجئ الفلسطيني خالد خليفة يدعو لابنه المدفون في مقبرة مخيم اليرموك المدمرة (أ.ف.ب)

كان مخيم اليرموك للاجئين في سوريا، الذي يقع خارج دمشق، يُعدّ عاصمة الشتات الفلسطيني قبل أن تؤدي الحرب إلى تقليصه لمجموعة من المباني المدمرة.

سيطر على المخيم، وفقاً لوكالة «أسوشييتد برس»، مجموعة من الجماعات المسلحة ثم تعرض للقصف من الجو، وأصبح خالياً تقريباً منذ عام 2018، والمباني التي لم تدمرها القنابل هدمت أو نهبها اللصوص.

رويداً رويداً، بدأ سكان المخيم في العودة إليه، وبعد سقوط الرئيس السوري السابق بشار الأسد في 8 ديسمبر (كانون الأول)، يأمل الكثيرون في أن يتمكنوا من العودة.

في الوقت نفسه، لا يزال اللاجئون الفلسطينيون في سوريا، الذين يبلغ عددهم نحو 450 ألف شخص، غير متأكدين من وضعهم في النظام الجديد.

أطفال يلعبون أمام منازل مدمرة بمخيم اليرموك للاجئين في سوريا (أ.ف.ب)

وتساءل السفير الفلسطيني لدى سوريا، سمير الرفاعي: «كيف ستتعامل القيادة السورية الجديدة مع القضية الفلسطينية؟»، وتابع: «ليس لدينا أي فكرة لأننا لم نتواصل مع بعضنا بعضاً حتى الآن».

بعد أيام من انهيار حكومة الأسد، مشت النساء في مجموعات عبر شوارع اليرموك، بينما كان الأطفال يلعبون بين الأنقاض. مرت الدراجات النارية والدراجات الهوائية والسيارات أحياناً بين المباني المدمرة. في إحدى المناطق الأقل تضرراً، كان سوق الفواكه والخضراوات يعمل بكثافة.

عاد بعض الأشخاص لأول مرة منذ سنوات للتحقق من منازلهم. آخرون كانوا قد عادوا سابقاً ولكنهم يفكرون الآن فقط في إعادة البناء والعودة بشكل دائم.

غادر أحمد الحسين المخيم في عام 2011، بعد فترة وجيزة من بداية الانتفاضة ضد الحكومة التي تحولت إلى حرب أهلية، وقبل بضعة أشهر، عاد للإقامة مع أقاربه في جزء غير مدمر من المخيم بسبب ارتفاع الإيجارات في أماكن أخرى، والآن يأمل في إعادة بناء منزله.

هيكل إحدى ألعاب الملاهي في مخيم اليرموك بسوريا (أ.ف.ب)

قال الحسين: «تحت حكم الأسد، لم يكن من السهل الحصول على إذن من الأجهزة الأمنية لدخول المخيم. كان عليك الجلوس على طاولة والإجابة عن أسئلة مثل: مَن هي والدتك؟ مَن هو والدك؟ مَن في عائلتك تم اعتقاله؟ عشرون ألف سؤال للحصول على الموافقة».

وأشار إلى إن الناس الذين كانوا مترددين يرغبون في العودة الآن، ومن بينهم ابنه الذي هرب إلى ألمانيا.

جاءت تغريد حلاوي مع امرأتين أخريين، يوم الخميس، للتحقق من منازلهن. وتحدثن بحسرة عن الأيام التي كانت فيها شوارع المخيم تعج بالحياة حتى الساعة الثالثة أو الرابعة صباحاً.

قالت تغريد: «أشعر بأن فلسطين هنا، حتى لو كنت بعيدة عنها»، مضيفة: «حتى مع كل هذا الدمار، أشعر وكأنها الجنة. آمل أن يعود الجميع، جميع الذين غادروا البلاد أو يعيشون في مناطق أخرى».

بني مخيم اليرموك في عام 1957 للاجئين الفلسطينيين، لكنه تطور ليصبح ضاحية نابضة بالحياة حيث استقر العديد من السوريين من الطبقة العاملة به. قبل الحرب، كان يعيش فيه نحو 1.2 مليون شخص، بما في ذلك 160 ألف فلسطيني، وفقاً لوكالة الأمم المتحدة للاجئين الفلسطينيين (الأونروا). اليوم، يضم المخيم نحو 8 آلاف لاجئ فلسطيني ممن بقوا أو عادوا.

لا يحصل اللاجئون الفلسطينيون في سوريا على الجنسية، للحفاظ على حقهم في العودة إلى مدنهم وقراهم التي أُجبروا على مغادرتها في فلسطين عام 1948.

لكن، على عكس لبنان المجاورة، حيث يُمنع الفلسطينيون من التملك أو العمل في العديد من المهن، كان للفلسطينيين في سوريا تاريخياً جميع حقوق المواطنين باستثناء حق التصويت والترشح للمناصب.

في الوقت نفسه، كانت للفصائل الفلسطينية علاقة معقدة مع السلطات السورية. كان الرئيس السوري الأسبق حافظ الأسد وزعيم «منظمة التحرير الفلسطينية»، ياسر عرفات، خصمين. وسُجن العديد من الفلسطينيين بسبب انتمائهم لحركة «فتح» التابعة لعرفات.

قال محمود دخنوس، معلم متقاعد عاد إلى «اليرموك» للتحقق من منزله، إنه كان يُستدعى كثيراً للاستجواب من قبل أجهزة الاستخبارات السورية.

وأضاف متحدثاً عن عائلة الأسد: «على الرغم من ادعاءاتهم بأنهم مع (المقاومة) الفلسطينية، في الإعلام كانوا كذلك، لكن على الأرض كانت الحقيقة شيئاً آخر».

وبالنسبة لحكام البلاد الجدد، قال: «نحتاج إلى مزيد من الوقت للحكم على موقفهم تجاه الفلسطينيين في سوريا. لكن العلامات حتى الآن خلال هذا الأسبوع، المواقف والمقترحات التي يتم طرحها من قبل الحكومة الجديدة جيدة للشعب والمواطنين».

حاولت الفصائل الفلسطينية في اليرموك البقاء محايدة عندما اندلع الصراع في سوريا، ولكن بحلول أواخر 2012، انجر المخيم إلى الصراع ووقفت فصائل مختلفة على جوانب متعارضة.

عرفات في حديث مع حافظ الأسد خلال احتفالات ذكرى الثورة الليبية في طرابلس عام 1989 (أ.ف.ب)

منذ سقوط الأسد، كانت الفصائل تسعى لتوطيد علاقتها مع الحكومة الجديدة. قالت مجموعة من الفصائل الفلسطينية، في بيان يوم الأربعاء، إنها شكلت هيئة برئاسة السفير الفلسطيني لإدارة العلاقات مع السلطات الجديدة في سوريا.

ولم تعلق القيادة الجديدة، التي ترأسها «هيئة تحرير الشام»، رسمياً على وضع اللاجئين الفلسطينيين.

قدمت الحكومة السورية المؤقتة، الجمعة، شكوى إلى مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة تدين دخول القوات الإسرائيلية للأراضي السورية في مرتفعات الجولان وقصفها لعدة مناطق في سوريا.

لكن زعيم «هيئة تحرير الشام»، أحمد الشرع، المعروف سابقاً باسم «أبو محمد الجولاني»، قال إن الإدارة الجديدة لا تسعى إلى صراع مع إسرائيل.

وقال الرفاعي إن قوات الأمن الحكومية الجديدة دخلت مكاتب ثلاث فصائل فلسطينية وأزالت الأسلحة الموجودة هناك، لكن لم يتضح ما إذا كان هناك قرار رسمي لنزع سلاح الجماعات الفلسطينية.