مخاوف من أزمة سياسية مفتوحة مع انقطاع قنوات التواصل

الطريق إلى قصر بعبدا غير سالكة سياسياً

TT

مخاوف من أزمة سياسية مفتوحة مع انقطاع قنوات التواصل

يخشى وزير بارز مواكب للاتصالات المتقطعة لتشكيل الحكومة الجديدة، من أن تصطدم بحائط مسدود، بعد أن عادت إلى ما قبل نقطة الصفر، بينما يبلغ التأزم الاقتصادي والمالي ذروته، ما لم تقر الأطراف المعنية بوجوب التوافق على حكومة إنقاذية يمكنها أن تتدارك ما هو الأسوأ في حال تحولت أزمة التأليف والتكليف إلى مشكلة مستعصية يصعب التغلب عليها.
ويلفت الوزير البارز إلى أن مشاورات التكليف تكاد تكون متوقفة، ويؤكد لـ«الشرق الأوسط» أن لا علم له بأنها استؤنفت على ذمة معظم الأطراف السياسية الرئيسية، إلا إذا كان يراد منها تلك القائمة بين رئيس الجمهورية ميشال عون وفريقه الوزاري ورئيس «التيار الوطني الحر» الوزير جبران باسيل، والتي لا تغيب عنها قيادة «حزب الله».
ويسأل: مع من تجري الاتصالات؟ وعلى ماذا يراهن رئيس الجمهورية لتمرير تريثه في دعوة الكتل النيابية للمشاركة في الاستشارات النيابية المُلزمة لتسمية الرئيس المكلّف تشكيل الحكومة الجديدة، والتي يجب أن تكون استثنائية بامتياز ونقطة على السطر؟ ويقول إن من حقه أن يبدي وجهة نظره في خصوص طبيعة التركيبة الوزارية، أسوة بجميع الأطراف المعنية بعملية تأليفها.
ويرى الوزير البارز أن وجهة نظر الرئيس عون في هذا المجال ليست مُلزمة لرئيس الحكومة، الذي يفترض أن يكلف في نهاية الاستشارات بتشكيل الحكومة، وإذا توخى من توصيفه للتركيبة الوزارية تقييد حريته، فإنه يربط عملية التكليف بالتأليف، وهذا ما يعيق ولادة الحكومة.
ويؤكد أن تأخير تسمية الرئيس المكلف لم يعد مقبولاً، وبات على جميع الأطراف الاعتراف بضرورة أن تؤدي ولادة الحكومة التي ما زالت قيد «الاحتجاز» إلى إحداث صدمة إيجابية للانفتاح على المطالب المطروحة من قبل الحراك الشعبي، وهذا لن يتحقق ما لم يتم الإقلاع عن الأساليب السابقة التي كانت تتحكم في تشكيل الحكومات.
ويقول الوزير البارز الذي يفضل عدم ذكر اسمه، إن معظم قنوات التواصل أصبحت مقفلة، وإن الطريق إلى القصر الجمهوري لم تعد سالكة بالمعنى السياسي للكلمة، في ظل إصرار الرئيس عون على تشكيل حكومة مختلطة من اختصاصيين وسياسيين، وأضاف إليهم أخيراً حرصه على تمثيل «الحراك الشعبي» فيها، رغم أن المواقف من الحراك ما زالت تتأرجح بين هبَّة باردة وأخرى ساخنة، وإلا ما هي الأسباب الكامنة وراء الغمز من قناته، في لقاء رئيس الجمهورية بالسفراء العرب المعتمدين لدى لبنان؟
ويعتبر الوزير أن مواقف الأطراف باتت واضحة، وهي ما زالت منقسمة بين فريق يصر على تشكيل حكومة من سياسيين وتكنوقراط، وآخر يرى أن لا مفر من حكومة اختصاصيين، وهذا ما يؤكد عليه رئيس الحكومة المستقيلة سعد الحريري منذ اليوم الأول لاستقالته، ولم يتردد في تحديده لمواصفاتها، وبالتالي لماذا هذا التأخير؟ وهل له علاقة بالتطورات الأخيرة التي شهدتها إيران ومن قبلها العراق، وتمثلت في حركات الاحتجاج الواسعة اعتراضاً على تردّي الأوضاع الاقتصادية والمعيشية؟
ويسأل أيضاً عما إذا كان تمسُّك الرئيس عون بتشكيل حكومة مختلطة يأتي في سياق إصراره على تعويم الوزير باسيل الذي يتعرض إلى حصار سياسي يشارك فيه «الحراك الشعبي»، ولا يجد من معين له سوى حليفه «حزب الله» لعله يؤمِّن لتياره السياسي حصة وازنة في الحكومة حتى في ظل غيابه عنها؟
ويكشف الوزير البارز أن الرئيس الحريري، وإن كان يصر على عدم الانجرار إلى الحملات الإعلامية والسياسية التي تستهدفه من قبل فريق «الصقور» في «التيار الوطني» فإن قراره الصمت ينسحب على عدم رغبته في توصيف الحالة الراهنة، لا سلباً ولا إيجاباً، بعد أن حدد موقفه من اللحظة الأولى لاستقالته، لئلا يلجأ البعض إلى تحميله مسؤولية تعذُّر تشكيل الحكومة.
ويؤكد أن الرئيس الحريري كان أول من حذَّر من تدهور الوضع الاقتصادي والمالي، ليس رغبة منه في استباق «الحراك الشعبي»، وإنما لتقديره أن الحالة لم تعد تطاق، وأن شكوى اللبنانيين منها مشروعة، ويقول إن من يعود إلى محاضر جلسات الحكومة المستقيلة، وخصوصاً تلك الأولى منها، سيرى بأم العين أن تحذيراته لم تتوقف في الجلسات الأولى لمجلس الوزراء.
وينقل عن الحريري قوله إن الناس لم تعد تقبلنا، ولا تريد أن تسمع بنا، ومن حقها أن ترفع الصوت، وهذا يحتم علينا الالتفات إلى مطالبها، والعمل فوراً لتوفير الحلول لمشكلاتها، ويقول بأنه لا يفهم رفض البعض تشكيل حكومة من اختصاصيين، وإن التذرُّع بعدم وجود قاعدة سياسية لهم في البرلمان لا يُصرف في مكان؛ خصوصاً أن الأمور السياسية تكاد تغيب عن معظم جلسات مجلس الوزراء، ولم تحضر إلا استثنائياً لمرتين: الأولى أثناء حرب الطائرات المسيَّرة بين إسرائيل و«حزب الله»، والثانية عندما اقترح أحد وزراء الحزب وبدعم من حلفائه الذهاب إلى سوريا للإفادة اقتصادياً من إعادة فتح معبر البوكمال.
ويؤكد أنه تمت السيطرة على طرح هذين الموضوعين، ولم يتفرع عن المداولات التي جرت في شأنهما أي خلاف أدى إلى تعطيل جلسات مجلس الوزراء، ويقول بأن هناك حاجة ملحة لتشكيل حكومة من اختصاصيين، بغية إعطاء فرصة للبدء بإنقاذ البلد، ويرى أن لا خلفية لوجود حكومة من هذا النوع يمكنها أن تحدث صدمة إيجابية ستكون لها ارتداداتها بداخل المجتمع الدولي، بما يساعد على تأمين دعم لا بد من توظيفه لإخراج البلد من التأزُّم السياسي.
ويرى أن الرهان على أن ترحيل بدء الاستشارات المُلزمة قد يؤدي إلى إقناع الحريري بتغيير موقفه، وصولاً إلى تسليمه بمطالب الآخرين، ليس في محله. ويقول: إذا كان لدى هؤلاء خيارات أخرى، فلماذا كل هذا التردد في ظل توقف المشاورات التي ما زالت غائبة عن السمع، ما عدا حضورها في المواقف الإعلامية اليومية لرئيس الجمهورية؟
لذلك، فإن المخاوف من إقحام لبنان في أزمة سياسية مفتوحة بدأت ترتفع تدريجياً، وقد لا تقتصر على أزمة تشكيل الحكومة، وإنما ستتمدد لتتحول إلى أزمة حكم، في ظل غياب أي مبادرة جدية لإعادة تحريك الوضع يمكن التأسيس عليها للخروج من المأزق.
ويبقى السؤال: إلى متى تستمر المراوحة التي طال أمدها ولم تنجح الاتصالات لإخراج البلد منها؟ وهل لا يزال «الثنائي الشيعي» يتمسك بتسمية الحريري الذي لا يرى من خيار سوى تشكيل حكومة من اختصاصيين، في مقابل إصرار رئيس المجلس النيابي نبيه بري وحليفه «حزب الله» على أن تكون مطعَّمة بسياسيين؟ الجواب على هذا السؤال يبقى عالقاً إلى حين إقدام رئيس الجمهورية على إجراء الاستشارات المُلزمة.



«هدنة غزة» تقترب وسط جولات مكوكية وحديث عن «تنازلات»

دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
TT

«هدنة غزة» تقترب وسط جولات مكوكية وحديث عن «تنازلات»

دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)

وسط حديث عن «تنازلات» وجولات مكوكية للمسؤولين، يبدو أن إسرائيل وحركة «حماس» قد اقتربتا من إنجاز «هدنة مؤقتة» في قطاع غزة، يتم بموجبها إطلاق سراح عدد من المحتجزين في الجانبين، لا سيما مع تداول إعلام أميركي أنباء عن مواقفة حركة «حماس» على بقاء إسرائيل في غزة «بصورة مؤقتة»، في المراحل الأولى من تنفيذ الاتفاق.

وتباينت آراء خبراء تحدثت إليهم «الشرق الأوسط»، بين من أبدى «تفاؤلاً بإمكانية إنجاز الاتفاق في وقت قريب»، ومن رأى أن هناك عقبات قد تعيد المفاوضات إلى المربع صفر.

ونقلت صحيفة «وول ستريت جورنال» الأميركية، عن وسطاء عرب، قولهم إن «حركة (حماس) رضخت لشرط رئيسي لإسرائيل، وأبلغت الوسطاء لأول مرة أنها ستوافق على اتفاق يسمح للقوات الإسرائيلية بالبقاء في غزة مؤقتاً عندما يتوقف القتال».

وسلمت «حماس» أخيراً قائمة بأسماء المحتجزين، ومن بينهم مواطنون أميركيون، الذين ستفرج عنهم بموجب الصفقة.

وتأتي هذه الأنباء في وقت يجري فيه جيك سوليفان، مستشار الأمن القومي للرئيس الأميركي، محادثات في تل أبيب مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الخميس، قبل أن يتوجه إلى مصر وقطر.

ونقلت «رويترز» عن دبلوماسي غربي قوله إن «الاتفاق يتشكل، لكنه على الأرجح سيكون محدود النطاق، ويشمل إطلاق سراح عدد قليل من الرهائن ووقف قصير للأعمال القتالية».

فلسطينيون بين أنقاض المباني المنهارة في مدينة غزة (أ.ف.ب)

في حين أشار القيادي في «حماس» باسم نعيم إلى أن «أي حراك لأي مسؤول أميركي يجب أن يكون هدفه وقف العدوان والوصول إلى صفقة لوقف دائم لإطلاق النار، وهذا يفترض ممارسة ضغط حقيقي على نتنياهو وحكومته للموافقة على ما تم الاتفاق عليه برعاية الوسطاء وبوساطة أميركية».

ومساء الأربعاء، التقى رئيس جهاز المخابرات الإسرائيلي، ديفيد برنياع، مع رئيس الوزراء القطري، الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، في الدوحة؛ لبحث الاتفاق. بينما قال مكتب وزير الدفاع الإسرائيلي، يسرائيل كاتس، في بيان، إنه «أبلغ وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن في اتصال هاتفي، الأربعاء، بأن هناك فرصة للتوصل إلى اتفاق جديد يسمح بعودة جميع الرهائن، بمن فيهم المواطنون الأميركيون».

وحال تم إنجاز الاتفاق ستكون هذه هي المرة الثانية التي تتم فيها هدنة في قطاع غزة منذ بداية الحرب في 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023. وتلعب مصر وقطر والولايات المتحدة دور الوساطة في مفاوضات ماراثونية مستمرة منذ نحو العام، لم تسفر عن اتفاق حتى الآن.

وأبدى خبير الشؤون الإسرائيلية بـ«مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية» الدكتور سعيد عكاشة «تفاؤلاً حذراً» بشأن الأنباء المتداولة عن قرب عقد الاتفاق. وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «التقارير تشير إلى تنازلات قدمتها حركة (حماس) بشأن الاتفاق، لكنها لا توضح نطاق وجود إسرائيل في غزة خلال المراحل الأولى من تنفيذه، حال إقراره».

وأضاف: «هناك الكثير من العقبات التي قد تعترض أي اتفاق، وتعيد المفاوضات إلى المربع صفر».

على الجانب الآخر، بدا أستاذ العلوم السياسية بجامعة القدس السياسي الفلسطيني، الدكتور أيمن الرقب، «متفائلاً بقرب إنجاز الاتفاق». وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «هناك حراكاً أميركياً لإتمام الصفقة، كما أن التقارير الإسرائيلية تتحدث عن أن الاتفاق ينتظر الضوء الأخضر من جانب تل أبيب و(حماس) لتنفيذه».

وأضاف: «تم إنضاج الاتفاق، ومن المتوقع إقرار هدنة لمدة 60 يوماً يتم خلالها الإفراج عن 30 محتجزاً لدى (حماس)»، مشيراً إلى أنه «رغم ذلك لا تزال هناك نقطة خلاف رئيسية بشأن إصرار إسرائيل على البقاء في محور فيلادلفيا، الأمر الذي ترفضه مصر».

وأشار الرقب إلى أن «النسخة التي يجري التفاوض بشأنها حالياً تعتمد على المقترح المصري، حيث لعبت القاهرة دوراً كبيراً في صياغة مقترح يبدو أنه لاقى قبولاً لدى (حماس) وإسرائيل»، وقال: «عملت مصر على مدار شهور لصياغة رؤية بشأن وقف إطلاق النار مؤقتاً في غزة، والمصالحة الفلسطينية وسيناريوهات اليوم التالي».

ويدفع الرئيس الأميركي جو بايدن والرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب، من أجل «هدنة في غزة»، وكان ترمب طالب حركة «حماس»، في وقت سابق، بإطلاق سراح المحتجزين في غزة قبل توليه منصبه خلفاً لبايدن في 20 يناير (كانون الثاني) المقبل، وإلا فـ«الثمن سيكون باهظاً».