عمالة الأطفال في اليمن... وجع آخر يحجب آفاق المستقبل

عدد الأطفال العاملين بات حالياً ما بين أربعة إلى خمسة ملايين على مستوى اليمن (أ.ب.إ)
عدد الأطفال العاملين بات حالياً ما بين أربعة إلى خمسة ملايين على مستوى اليمن (أ.ب.إ)
TT

عمالة الأطفال في اليمن... وجع آخر يحجب آفاق المستقبل

عدد الأطفال العاملين بات حالياً ما بين أربعة إلى خمسة ملايين على مستوى اليمن (أ.ب.إ)
عدد الأطفال العاملين بات حالياً ما بين أربعة إلى خمسة ملايين على مستوى اليمن (أ.ب.إ)

ما إن ينهي الطفل عبد الله يومه الدراسي، حتى يتوجه إلى «كافتيريا الأصدقاء» في ميدان التحرير وسط العاصمة صنعاء، لمساعدة والده الذي يملك محلا لبيع «البليلة» في ركن الكافتيريا.
يقول الطفل عبد الله عبد العليم الشميري (12 سنة): «أدرس بالصف السادس الابتدائي بمدرسة نشوان في الفترة المسائية، وبعد الانتهاء من الدراسة في الرابعة عصرا آتي يوميا لمساعدة والدي، حيث أقوم بتجهيز الطلبات وتغطيتها، إضافة إلى تجميع أطباق الطلب المحلي وغسلها ومسح الطاولات أولاً بأول».
وأضاف: «أساعد والدي في المحل حتى الثامنة مساء، وهي الفترة التي يتزايد فيها إقبال الزبائن، وبعد ذلك أعود للمنزل لحل الواجبات المدرسية والمذاكرة قبل النوم».
منذ ثلاث سنوات تقريبا وعبد الله يساعد والده، وبرنامجه اليومي محدد بدقة، حيث يستيقظ في الثامنة والنصف صباحا ويبدأ مسار يومه بشراء الخضار والدجاج والمياه وغيرها من الاحتياجات المعيشية للمنزل، ثم يعود لاستذكار دروسه حتى الذهاب إلى المدرسة، ومنها لمساعدة والده في بيع أكلة «البليلة» الشعبية.
روتين عبد الله اليومي يخلو من الراحة، واللعب وأنشطة الاستجمام المناسبة، أو المشاركة في الحياة الثقافية كما تنص المادة (32) من اتفاقية حقوق الطفل المقرة من الأمم المتحدة في نوفمبر (تشرين الثاني) 1989 التي صادق عليها اليمن في 1991.
ورغم معاناة عبد الله التي لم يبح بها ومغادرته حياة الطفولة الطبيعية مبكرا، فإن لديه إصراراً قوياً لاستكمال تعليمه، ويطمح لأن يكون طبيباً في المستقبل، وفي سبيل تحقيق ذلك الطموح يحرص على المواءمة بين دراسته ومساعدة والده في بيع «البليلة» رغم ما يواجهه من صعاب، حتى وإن كان كلفة ذلك حرمانه من حقه في اللعب مع أقرانه في الحي.
وضع الطفل عبد الله رغم حرمانه من حقوقه الأساسية، إلى أنه أفضل حالاً من كثير من أقرانه الأطفال الذين تسربوا من المدارس والتحقوا بسوق العمل، فعلى الأقل هو يعيش وسط أسرة وفي بيئة عائلية ويعمل تحت أنظار والده وهو ما يفتقده الآخرون من الباعة المتجولين وسائقي العربات في أسواق الخضار، وغالبية هؤلاء هجروا أسرهم وغادروا قراهم بحثا عن حياة أفضل لهم ولأسرهم.
فالطفل خالد علي عبده (14 سنة) كان يتلقى تعليمه في قريته (المجمعة) الواقعة في مديرية حبيش بمحافظة إب. يقول: «والدي كبير في السن، ولا يستطيع العمل، والظروف الاقتصادية هي التي أجبرتني على ترك مقاعد الدراسة من الصف السابع، والالتحاق بأخي إدريس (19 سنة) في صنعاء، للعمل في سوق الخضار بباب السباح كسائق عربة، أقوم بإيصال مشتريات المتسوقين من السوق إلى سياراتهم مقابل مبلغ مالي».
ويضيف خالد أخي إدريس ترك الدراسة من الصف السادس قبل سبع سنوات، وأخي الذي أكبر منه كان يعمل في دولة خليجية، ولكن تم إلقاء القبض عليه قبل فترة وحبس لأنه دخلها بالتهريب بما يخالف أنظمة الإقامة؛ ولهذا السبب تركت الدراسة وجئت للعمل والمساعدة في نفقات الأسرة.
أما محمد عبده العبدلي (14 سنة) فقد كان يتلقى تعليمة في منطقته بمديرية العدين في محافظة إب حتى الصف الخامس الابتدائي، عندما قرر أن يترك دراسته وينخرط في سوق العمل بائعا للذرة الشامية في صنعاء؛ لأن بنيته الضعيفة لا تؤهله للعمل في المزارع في منطقته.
يقول محمد: «والدي متوفي منذ خمس سنوات وأخي الأكبر يعمل مزارعا في القرية مع المواطنين، ولدي أربعة إخوة أصغر مني إضافة إلى والدتي، ودخل أخي لم يعد كافيا مع الغلاء؛ لذلك جئت إلى صنعاء للعمل ومساعدة أسرتي».
محمد يسكن في غرفة مشتركة مع جماعة من أهالي قريته ويعمل من الساعة السابعة صباحا حتى يكمل كمية الذرة الشامية المتوفرة لديه، وأحيانا تمتد ساعات عمله حتى المغرب ويعاني كثيرا في عمله.
نتائج المسح الأول الذي نفذته وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل في اليمن بالتعاون مع منظمة العمل الدولية المعلنة عام 2013 كشفت وجود مليون وستمائة وأربعة عشر ألف طفل عامل.
وفي ضوء ذلك، يتوقع مسؤولون بوزارة الشؤون الاجتماعية والعمل أن عدد الأطفال العاملين باتوا حاليا ما بين أربعة إلى خمسة ملايين طفل عامل على مستوى الجمهورية، بسبب ما آلت إليه أوضاع البلد الاقتصادية جراء الحرب الدائرة حاليا، إضافة إلى أوضاع الفقر وتدني مستوى الوعي بخطورة العمل المبكر للأطفال.
ويشير المسؤولون الذين تحدثوا لـ«الشرق الأوسط» إلى أنه لم يكن يوجد أي تشريع قانوني يحمي الطفل العامل في سوق العمل قبل عام 2000.
وبعد مصادقة اليمن على اتفاقيتي العمل الدولية رقم (138) الخاصة بالحد الأدنى من سن العمل، والاتفاقية رقم (182) الخاصة بالحظر على أسوأ أشكال العمل، أصبحت الحكومة ملزمة بسن التشريعات وتعديل القوانين التي تتلاءم مع هذه الاتفاقيات فكان صدور القانون رقم (42) لحقوق الطفل لعام 2002، والذي أفرد بابا خاصا بحقوق الطفل العامل، حدد فيه ساعات الدوام والأعمال التي يستثنى من العمل فيها.
وعن آلية الرقابة يقول المسؤولون في الشؤون الاجتماعية الخاضعة للحوثيين في صنعاء إن الآلية كانت فعالة إلى ما قبل 2015، حيث كانت توجد رقابة ونزول ميداني ودراسات مسحية لمتابعة عمل الأطفال في الأعمال الخطرة وتطبيق أحكام القانون بشأنها، ولكن للأسف الشديد توقفت الآن جهود المتابعة الميدانية بسبب الحرب وانقطاع رواتب الموظفين، واقتصار النشاط على الجوانب التوعوية.


مقالات ذات صلة

تهمة التخابر مع الغرب وإسرائيل وسيلة الحوثيين لإرهاب السكان

العالم العربي  فعالية حوثية في صعدة التي تشهد حملة اختطافات واسعة لسكان تتهمم الجماعة بالتجسس (إعلام حوثي)

تهمة التخابر مع الغرب وإسرائيل وسيلة الحوثيين لإرهاب السكان

بينما تفرج الجماعة الحوثية عن عدد من المختطفين في سجونها، تختطف مئات آخرين بتهمة التخابر وتبث اعترافات مزعومة لخلية تجسسية.

وضاح الجليل (عدن)
خاص الرئيس اليمني رشاد العليمي خلال استقبال سابق للسفيرة عبدة شريف (سبأ)

خاص سفيرة بريطانيا في صنعاء لـ«الشرق الأوسط»: مؤتمر دولي مرتقب بنيويورك لدعم اليمن

تكشف السفيرة البريطانية لدى اليمن، عبدة شريف، عن تحضيرات لعقد «مؤتمر دولي في نيويورك مطلع العام الحالي لحشد الدعم سياسياً واقتصادياً للحكومة اليمنية ومؤسساتها».

عبد الهادي حبتور (الرياض)
العالم العربي فتاة في مخيم مؤقت للنازحين اليمنيين جنوب الحُديدة في 4 يناير الحالي (أ.ف.ب)

انخفاض شديد في مستويات دخل الأسر بمناطق الحوثيين

أظهرت بيانات حديثة، وزَّعتها الأمم المتحدة، تراجعَ مستوى دخل الأسر في اليمن خلال الشهر الأخير مقارنة بسابقه، لكنه كان أكثر شدة في مناطق سيطرة الحوثيين.

محمد ناصر (تعز)
العالم العربي أكاديميون في جامعة صنعاء يشاركون في تدريبات عسكرية أخضعهم لها الحوثيون (إعلام حوثي)

الحوثيون يكثفون انتهاكاتهم بحق الأكاديميين في الجامعات

ضاعفت الجماعة الحوثية من استهدافها الأكاديميين اليمنيين، وإخضاعهم لأنشطتها التعبوية، في حين تكشف تقارير عن انتهاكات خطيرة طالتهم وأجبرتهم على طلب الهجرة.

وضاح الجليل (عدن)
المشرق العربي رئيس مجلس القيادة الرئاسي اليمني ومحافظ مأرب ورئيس هيئة الأركان خلال زيارة سابقة للجبهات في مأرب (سبأ)

القوات المسلحة اليمنية: قادرون على تأمين الممرات المائية الاستراتيجية وعلى رأسها باب المندب

أكدت القوات المسلحة اليمنية قدرة هذه القوات على مواجهة جماعة الحوثي وتأمين البحر الأحمر والممرات المائية الحيوية وفي مقدمتها مضيق باب المندب الاستراتيجي.

عبد الهادي حبتور (الرياض)

الحوثيون يكثّفون حملة الاعتقالات في معقلهم الرئيسي

جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)
جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)
TT

الحوثيون يكثّفون حملة الاعتقالات في معقلهم الرئيسي

جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)
جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)

أطلقت الجماعة الحوثية سراح خمسة من قيادات جناح حزب «المؤتمر الشعبي» في مناطق سيطرتها، بضمانة عدم المشاركة في أي نشاط احتجاجي أو الاحتفال بالمناسبات الوطنية، وفي المقابل كثّفت في معقلها الرئيسي، حيث محافظة صعدة، حملة الاعتقالات التي تنفّذها منذ انهيار النظام السوري؛ إذ تخشى تكرار هذه التجربة في مناطق سيطرتها.

وذكرت مصادر في جناح حزب «المؤتمر الشعبي» لـ«الشرق الأوسط»، أن الوساطة التي قادها عضو مجلس حكم الانقلاب الحوثي سلطان السامعي، ومحافظ محافظة إب عبد الواحد صلاح، أفضت، وبعد أربعة أشهر من الاعتقال، إلى إطلاق سراح خمسة من أعضاء اللجنة المركزية للحزب، بضمانة من الرجلين بعدم ممارستهم أي نشاط معارض لحكم الجماعة.

وعلى الرغم من الشراكة الصورية بين جناح حزب «المؤتمر» والجماعة الحوثية، أكدت المصادر أن كل المساعي التي بذلها زعيم الجناح صادق أبو راس، وهو عضو أيضاً في مجلس حكم الجماعة، فشلت في تأمين إطلاق سراح القادة الخمسة وغيرهم من الأعضاء؛ لأن قرار الاعتقال والإفراج مرتبط بمكتب عبد الملك الحوثي الذي يشرف بشكل مباشر على تلك الحملة التي طالت المئات من قيادات الحزب وكوادره بتهمة الدعوة إلى الاحتفال بالذكرى السنوية للإطاحة بأسلاف الحوثيين في شمال اليمن عام 1962.

قيادات جناح حزب «المؤتمر الشعبي» في صنعاء يتعرّضون لقمع حوثي رغم شراكتهم الصورية مع الجماعة (إكس)

في غضون ذلك، ذكرت وسائل إعلام محلية أن الجماعة الحوثية واصلت حملة الاعتقالات الواسعة التي تنفّذها منذ أسبوعين في محافظة صعدة، المعقل الرئيسي لها (شمال)، وأكدت أنها طالت المئات من المدنيين؛ حيث داهمت عناصر ما يُسمّى «جهاز الأمن والمخابرات»، الذين يقودهم عبد الرب جرفان منازلهم وأماكن عملهم، واقتادتهم إلى معتقلات سرية ومنعتهم من التواصل مع أسرهم أو محامين.

300 معتقل

مع حالة الاستنفار التي أعلنها الحوثيون وسط مخاوف من استهداف قادتهم من قبل إسرائيل، قدّرت المصادر عدد المعتقلين في الحملة الأخيرة بمحافظة صعدة بنحو 300 شخص، من بينهم 50 امرأة.

وذكرت المصادر أن المعتقلين يواجهون تهمة التجسس لصالح الولايات المتحدة وإسرائيل ودول أخرى؛ حيث تخشى الجماعة من تحديد مواقع زعيمها وقادة الجناح العسكري، على غرار ما حصل مع «حزب الله» اللبناني، الذي أشرف على تشكيل جماعة الحوثي وقاد جناحيها العسكري والمخابراتي.

عناصر من الحوثيين خلال حشد للجماعة في صنعاء (إ.ب.أ)

ونفت المصادر صحة التهم الموجهة إلى المعتقلين المدنيين، وقالت إن الجماعة تسعى لبث حالة من الرعب وسط السكان، خصوصاً في محافظة صعدة، التي تستخدم بصفتها مقراً أساسياً لاختباء زعيم الجماعة وقادة الجناح العسكري والأمني.

وحسب المصادر، تتزايد مخاوف قادة الجماعة من قيام تل أبيب بجمع معلومات عن أماكن اختبائهم في المرتفعات الجبلية بالمحافظة التي شهدت ولادة هذه الجماعة وانطلاق حركة التمرد ضد السلطة المركزية منذ منتصف عام 2004، والتي تحولت إلى مركز لتخزين الصواريخ والطائرات المسيّرة ومقر لقيادة العمليات والتدريب وتخزين الأموال.

ومنذ سقوط نظام الرئيس السوري بشار الأسد وانهيار المحور الإيراني، استنفرت الجماعة الحوثية أمنياً وعسكرياً بشكل غير مسبوق، خشية تكرار التجربة السورية في المناطق التي تسيطر عليها؛ حيث نفّذت حملة تجنيد شاملة وألزمت الموظفين العموميين بحمل السلاح، ودفعت بتعزيزات كبيرة إلى مناطق التماس مع القوات الحكومية خشية هجوم مباغت.

خلق حالة رعب

بالتزامن مع ذلك، شنّ الحوثيون حملة اعتقالات شملت كل من يُشتبه بمعارضته لسلطتهم، وبررت منذ أيام تلك الحملة بالقبض على ثلاثة أفراد قالت إنهم كانوا يعملون لصالح المخابرات البريطانية، وإن مهمتهم كانت مراقبة أماكن وجود قادتها ومواقع تخزين الأسلحة في صنعاء.

وشككت مصادر سياسية وحقوقية في صحة الرواية الحوثية، وقالت إنه ومن خلال تجربة عشرة أعوام تبيّن أن الحوثيين يعلنون مثل هذه العمليات فقط لخلق حالة من الرعب بين السكان، ومنع أي محاولة لرصد تحركات قادتهم أو مواقع تخزين الصواريخ والمسيرات.

انقلاب الحوثيين وحربهم على اليمنيين تسببا في معاناة ملايين السكان (أ.ف.ب)

ووفق هذه المصادر، فإن قادة الحوثيين اعتادوا توجيه مثل هذه التهم إلى أشخاص يعارضون سلطتهم وممارساتهم، أو أشخاص لديهم ممتلكات يسعى قادة الجماعة للاستيلاء عليها، ولهذا يعمدون إلى ترويج مثل هذه التهم التي تصل عقوبتها إلى الإعدام لمساومة هؤلاء على السكوت والتنازل عن ممتلكاتهم مقابل إسقاط تلك التهم.

وبيّنت المصادر أن المئات من المعارضين أو الناشطين قد وُجهت إليهم مثل هذه التهم منذ بداية الحرب التي أشعلتها الجماعة الحوثية بانقلابها على السلطة الشرعية في 21 سبتمبر (أيلول) عام 2014، وهي تهم ثبت زيفها، ولم تتمكن مخابرات الجماعة من تقديم أدلة تؤيد تلك الاتهامات.

وكان آخرهم المعتقلون على ذمة الاحتفال بذكرى الإطاحة بنظام حكم أسلافهم في شمال اليمن، وكذلك مالك شركة «برودجي» التي كانت تعمل لصالح الأمم المتحدة، للتأكد من هوية المستفيدين من المساعدات الإغاثية ومتابعة تسلمهم تلك المساعدات؛ حيث حُكم على مدير الشركة بالإعدام بتهمة التخابر؛ لأنه استخدم نظام تحديد المواقع في عملية المسح، التي تمت بموافقة سلطة الحوثيين أنفسهم