هوي آن... قصة ازدهار قديمة

هوي آن... قصة ازدهار قديمة
TT

هوي آن... قصة ازدهار قديمة

هوي آن... قصة ازدهار قديمة

تقع المدينة التاريخية الثرية، المعروفة كذلك باسم فايفو، في محافظة كوانغ نام بفيتنام، وتعد شاهداً على فترة ازدهار تجاري كبيرة بجنوب شرقي آسيا في حقبة مضت. يعود تاريخ إنشائها لعام 1595 على يد إمبراطورية تشامبا التي هيمنت على كثير من الأجزاء الوسطى والدنيا من فيتنام بين القرنين السابع والعاشر الميلادي. وبلغت المدينة أوج ازدهارها التجاري في القرن الـ18، لتصبح همزة وصل تجارية قوية بين أوروبا والصين والهند واليابان.
إذا أسعدك الحظ بزيارة هذه التحفة التاريخية، لا يمكن أن تفوت زيارة القلب التاريخي لهوي آن، الذي يتألف من مزيج يسلب الألباب من المعابد الصينية ومنازل مبنية على الطراز الاستعماري الفرنسي، إضافة لعدد لا يحصى من المتاجر القديمة التي جرى الحفاظ عليها بعناية، وتحولت إلى متاجر ومعارض فنية ومطاعم ومقاهي، بجانب متحف هوي آن للتاريخ والثقافة الذي تغطي مقتنياته المثيرة فترة طويلة تمتد عبر ألفي عام.
ويمثل نهر تو بون عنصراً رئيسياً بالمدينة العتيقة التي أدرجت على قائمة اليونيسكو للتراث الإنساني عام 1999، وتتراص على جانبيه منازل التجار بلونها الأصفر المميز. وتعد منطقة ضفة النهر أكثر أجزاء هوي آن النابضة بالحياة، بما تحويه من مطاعم يمكنك الاستمتاع فيها بأطباق الأسماك الطازجة وكافيهات، بجانب الرحلات النهرية بالقوارب، بينما تنتشر بأرجاء المكان مئات المصابيح يدوية الصنع المزدانة بالألوان عبر الجسور الخشبية وواجهات المتاجر والمطاعم.
وعلى النقيض من الحرارة الشديدة التي تسود كثيراً من أرجاء فيتنام، تتميز هوي آن بطقس جاف مشمس يكون في أروع حالاته خلال مايو (أيار) ويونيو (حزيران) ويوليو (تموز).
وتحظر السلطات سير السيارات والدراجات البخارية في هوي آن، مما يجعل الغلبة للدراجات. وتتيح المدينة لزائريها جولات بالدراجات، تتباين في درجة صعوبتها والمسافات التي تقطعها، بين 9 كيلومترات و50 كيلومتراً، وتتضمن وجبة غداء. ومن خلالها، يتجول المشاركون عبر جزيرة هوي آن الساحرة، والمناطق الريفية المجاورة للمدينة، ويشاهدون عن قرب العاملين في بعض الحرف التقليدية اليدوية وحقول الأرز، ويجتازون جسوراً عائمة فوق النهر.
وتتميز المدينة بمطبخ ثري يعكس تأثيرات أجنبية مختلفة، منها اليابانية والصينية والبرتغالية. وتتسم غالبية الوجبات بوفرة الخضراوات والأعشاب الطازجة. وتتيح بعض الشركات السياحية بالمدينة القيام بجولة عبر قرية ترا كو المجاورة التي تمد هوي آن بشتى احتياجاتها من الخضراوات، وتنظم بعض الشركات كذلك دروساً في الطهي، إضافة إلى وجود كثير من المطاعم الرائعة.
ويمكنك أن تنشد بعضاً من الهدوء والاسترخاء عند شاطئ كاو داي الذي يبعد مسافة 15 دقيقة بالسيارة عن القلب التاريخي لهوي آن، حيث يمكنك الاستمتاع بالمياه الرقراقة الصافية والرمل الأبيض البراق والهدوء الساحر.
ولا يوجد في هوي آن مطار ولا محطة قطار. لذا، فإن البر السبيل الوحيد للوصول إليها، حيث تتوافر كثير من الحافلات، أو يمكنك استئجار سيارة أجرة من مدينة دان نانغ المجاورة، التي يوجد بها مطار يستقبل رحلات يومية من هانوي.



سوق البحرين العتيقة... روح البلد وعنوان المقاهي القديمة والجلسات التراثية

سوق المنامة القديم (إنستغرام)
سوق المنامة القديم (إنستغرام)
TT

سوق البحرين العتيقة... روح البلد وعنوان المقاهي القديمة والجلسات التراثية

سوق المنامة القديم (إنستغرام)
سوق المنامة القديم (إنستغرام)

«إن أعدنا لك المقاهي القديمة، فمن يُعِد لك الرفاق؟» بهذه العبارة التي تحمل في طياتها حنيناً عميقاً لماضٍ تليد، استهل محمود النامليتي، مالك أحد أقدم المقاهي الشعبية في قلب سوق المنامة، حديثه عن شغف البحرينيين بتراثهم العريق وارتباطهم العاطفي بجذورهم.

فور دخولك بوابة البحرين، والتجول في أزقة السوق العتيقة، حيث تمتزج رائحة القهوة بنكهة الذكريات، تبدو حكايات الأجداد حاضرة في كل زاوية، ويتأكد لك أن الموروث الثقافي ليس مجرد معلم من بين المعالم القديمة، بل روح متجددة تتوارثها الأجيال على مدى عقود.

«مقهى النامليتي» يُعدُّ أيقونة تاريخية ومعلماً شعبياً يُجسّد أصالة البحرين، حيث يقع في قلب سوق المنامة القديمة، نابضاً بروح الماضي وعراقة المكان، مالكه، محمود النامليتي، يحرص على الوجود يومياً، مرحباً بالزبائن بابتسامة دافئة وأسلوب يفيض بكرم الضيافة البحرينية التي تُدهش الزوار بحفاوتها وتميّزها.

مجموعة من الزوار قدموا من دولة الكويت حرصوا على زيارة مقهى النامليتي في سوق المنامة القديمة (الشرق الأوسط)

يؤكد النامليتي في حديثه لـ«الشرق الأوسط» أن سوق المنامة القديمة، الذي يمتد عمره لأكثر من 150 عاماً، يُعد شاهداً حيّاً على تاريخ البحرين وإرثها العريق، حيث تحتضن أزقته العديد من المقاهي الشعبية التي تروي حكايات الأجيال وتُبقي على جذور الهوية البحرينية متأصلة، ويُدلل على أهمية هذا الإرث بالمقولة الشعبية «اللي ما له أول ما له تالي».

عندما سألناه عن المقهى وبداياته، ارتسمت على وجهه ابتسامة وأجاب قائلاً: «مقهى النامليتي تأسس قبل نحو 85 عاماً، وخلال تلك المسيرة أُغلق وأُعيد فتحه 3 مرات تقريباً».

محمود النامليتي مالك المقهى يوجد باستمرار للترحيب بالزبائن بكل بشاشة (الشرق الأوسط)

وأضاف: «في الستينات، كان المقهى مركزاً ثقافياً واجتماعياً، تُوزع فيه المناهج الدراسية القادمة من العراق، والكويت، ومصر، وكان يشكل ملتقى للسكان من مختلف مناطق البلاد، كما أتذكر كيف كان الزبائن يشترون جريدة واحدة فقط، ويتناوبون على قراءتها واحداً تلو الآخر، لم تكن هناك إمكانية لأن يشتري كل شخص جريدة خاصة به، فكانوا يتشاركونها».

وتضم سوق المنامة القديمة، التي تعد واحدة من أقدم الأسواق في الخليج عدة مقاه ومطاعم وأسواق مخصصة قديمة مثل: مثل سوق الطووايش، والبهارات، والحلويات، والأغنام، والطيور، واللحوم، والذهب، والفضة، والساعات وغيرها.

وبينما كان صوت كوكب الشرق أم كلثوم يصدح في أرجاء المكان، استرسل النامليتي بقوله: «الناس تأتي إلى هنا لترتاح، واحتساء استكانة شاي، أو لتجربة أكلات شعبية مثل البليلة والخبيصة وغيرها، الزوار الذين يأتون إلى البحرين غالباً لا يبحثون عن الأماكن الحديثة، فهي موجودة في كل مكان، بل يتوقون لاكتشاف الأماكن الشعبية، تلك التي تحمل روح البلد، مثل المقاهي القديمة، والمطاعم البسيطة، والجلسات التراثية، والمحلات التقليدية».

جانب من السوق القديم (الشرق الاوسط)

في الماضي، كانت المقاهي الشعبية - كما يروي محمود النامليتي - تشكل متنفساً رئيسياً لأهل الخليج والبحرين على وجه الخصوص، في زمن خالٍ من السينما والتلفزيون والإنترنت والهواتف المحمولة. وأضاف: «كانت تلك المقاهي مركزاً للقاء الشعراء والمثقفين والأدباء، حيث يملأون المكان بحواراتهم ونقاشاتهم حول مختلف القضايا الثقافية والاجتماعية».

عندما سألناه عن سر تمسكه بالمقهى العتيق، رغم اتجاه الكثيرين للتخلي عن مقاهي آبائهم لصالح محلات حديثة تواكب متطلبات العصر، أجاب بثقة: «تمسكنا بالمقهى هو حفاظ على ماضينا وماضي آبائنا وأجدادنا، ولإبراز هذه الجوانب للآخرين، الناس اليوم يشتاقون للمقاهي والمجالس القديمة، للسيارات الكلاسيكية، المباني التراثية، الأنتيك، وحتى الأشرطة القديمة، هذه الأشياء ليست مجرد ذكريات، بل هي هوية نحرص على إبقائها حية للأجيال المقبلة».

يحرص العديد من الزوار والدبلوماسيين على زيارة الأماكن التراثية والشعبية في البحرين (الشرق الأوسط)

اليوم، يشهد الإقبال على المقاهي الشعبية ازدياداً لافتاً من الشباب من الجنسين، كما يوضح محمود النامليتي، مشيراً إلى أن بعضهم يتخذ من هذه الأماكن العريقة موضوعاً لأبحاثهم الجامعية، مما يعكس اهتمامهم بالتراث وتوثيقه أكاديمياً.

وأضاف: «كما يحرص العديد من السفراء المعتمدين لدى المنامة على زيارة المقهى باستمرار، للتعرف عن قرب على تراث البحرين العريق وأسواقها الشعبية».