كتاب يقارن بين طلاب عرب وآخرين أميركيين

المؤلف يرى أن فهم الاختلافات من الجانبين يقلل حدتها

غلاف الكتاب
غلاف الكتاب
TT

كتاب يقارن بين طلاب عرب وآخرين أميركيين

غلاف الكتاب
غلاف الكتاب

صدرت أخيرا طبعة الغلاف الورقي لكتاب «توكفيل إن أرابيا» (توكفيل في بلاد العرب)، يشير الاسم إلى المؤرخ الفرنسي ألكس توكفيل، الذي زار أميركا خلال القرن التاسع عشر (بعد الاستقلال، وقبل الحرب الأهلية)، وكتب كتبا من بينها «الديمقراطية في أميركا»، والذي لا يزال جزءا هاما في التاريخ الأميركي، خصوصا أن كاتبه أجنبي (فرنسي)، وتأمل الكاتب من خلاله في الأميركيين: سياساتهم، واقتصادهم، وثقافتهم.
اقتبس اسم الكتاب جوشوا متشيل، أستاذ جامعي أميركي عمل لسنوات كثيرة في الشرق الأوسط، وقبل ذلك، ولد وتربي فيه، كان والده هو رتشارد متشيل، أستاذ أميركي في الجامعة الأميركية في القاهرة خلال ستينات القرن الماضي، وهو مؤلف كتاب «مجتمع الإخوان المسلمين» الذي يعد، ربما حتى اليوم، المرجع الأميركي الرئيس عن الإخوان المسلمين.
سار الابن على طريق الأب، وبعد أن أكمل دراساته الجامعية في الولايات المتحدة، انتقل إلى العالم الإسلامي، وفي قطر، أسس فرع مدرسة العمل الأجنبي (الدبلوماسية) التابعة لجامعة غورغتاون في واشنطن العاصمة، وفي العراق أسس فرع الجامعة الأميركية.
كتابه «توكفيل بلاد العرب» يعتمد أكثر على سنوات متشيل في قطر. ويركز على الاختلافات بين الطلاب العرب والطلاب الأميركيين. وينقسم إلى 4 أجزاء، هي: عوالم تتصادم وتتلاصق، والإنسان الكائن الانفرادي، والعائلة: فحواها، وإنجاباتها، والدين.
ويبدأ متشيل بالقول إن «نظرة الطلاب العرب لزملائهم الأميركيين تنطلق من نقطتين: أولا عظمة الإسلام، وثانيا إحباط المسلمين»، لهذا، ينصح (وكان نصحا فعلا) الطلاب الأميركيين الذين تعلموا مع الطلاب العرب بأن يهتموا بهاتين النقطتين، رغم ما يبدو فيهما من تناقض. ويستشهد بكتاب الرحالة الفرنسي توكفيل: «الديمقراطية في أميركا». وسبب ذلك هو أن توكفيل زار أميركا قبل أن تنضج ديمقراطيتها (كان الزنوج يباعون ويشترون، وكانت المرأة لا تملك حق التصويت في الانتخابات).
وكتب متشيل: «في البداية، كانت أميركا أرستقراطية، لكن، مع تطور العدل، متمثلا في الحرية والمساواة، تحطمت كثير من القيود»، وكتب عن «انهيار سيطرة وتأثير الأرستقراطيين، وشبه الأرستقراطيين» في الولايات المتحدة، وقال إن «هذا يمكن أن يطبق في الشرق الأوسط». يقول متشيل إن «استعلاء الطلاب الأميركيين قد يكون مفهوما بسبب الاختلافات الحضارية، لكن يقدر الأميركيون على تخفيض الاختلافات إذا تذكروا أن بلادهم مرت بما تمر به بلاد العرب والمسلمين في الوقت الحاضر».
لم يقل متشيل إن الزمن سيجعل الطالب العربي مثل الطالب الأميركي (لأن جذورهما تختلف كثيرا جدا)، لكنه قال إن «فهم هذه الاختلافات، من الجانبين، يقلل من حدتها، ومن حقيقة المواجهة بينهما»، وقال إن «الأميركي يميل نحو خليط من الفردية والمصلحة التجارية، لكن عند طلابه الشرق أوسطيين شكوك هامة جدا نحو النزعة الفردية، ونحو الدوافع الرأسمالية، ويعدون الاثنتين قوتين مدمرتين لأساسين تقليديين، أولا: الانتماءات العائلية، ليس فقط أولادا وبنات، ولكن، أيضا، عشيرة وقبيلة. وثانيا: الالتزامات الدينية. عن التآخي، والتواصل، وعمل الخير، ورفع كلمة (الأمة الإسلامية)». وكتب متشيل: «عندما سألت الطلاب عن المعاناة، أجاب الطلاب الأميركيون بكلمات نفسية أو اجتماعية، لكن فهم طلاب الشرق الأوسط المعاناة من منطلق آخر»، وأضاف: «قال توكفيل إن الديمقراطية الأميركية، التي تلت الأرستقراطية وشبه الأرستقراطية، تواجه مشكلة إبعاد الإنسان الديمقراطي عن عواطفه الطبيعية، وإدخاله في إنسانية من نوع جديد.. لهذا، ربما ميل الطالب المسلم نحو التدين يمكن اعتباره خط رجعة ليوم تتحقق فيه الديمقراطية في بلاده، ثم تظهر عيوب الفردية والرأسمالية فيها».
وقال متشيل إنه واجه هذه الظاهرة، ليس فقط في الدول العربية والإسلامية، ولكن أيضا في دول في أميركا. وكان متشيل درس في جامعة في بيونس آيرس (الأرجنتين)، وفي فالبريزو (تشيلي)، ولاحظ وسط الطلاب هناك، وربما في كل العالم الثالث، إحساسين متشابهين، لكنهما متناقضان، هما في جانب، حب وانبهار وشوق للديمقراطية (الغربية)، وفي جانب تردد وخوف مما بعد الديمقراطية (كما يظهر اليوم في الدول الغربية).
وبقدر ما كان الطلاب العرب يسألونه وهم منبهرون عن الحرية الأميركية، كانوا يشفقون على أوجه التطرف في هذه الحرية. وقال إنه أحس بما أسماه «ريزيزتانتس» (مقاومة) من جانب الطلاب العرب، وطلاب أميركا اللاتينية، نحو «الإنسان الديمقراطي»: محاسنه ومساوئه، كما تحدث عنها الرحالة الفرنسي توكفيل، في ثلاثينات القرن التاسع عشر.
وقال إن الطلاب العرب أكثروا من الحديث عما أسموه «تناقض الديمقراطية» (مصلحة الفرد في مواجهة مصلحة المجتمع). في الجانب الآخر، أكثر الطلاب الأميركيون من الحديث عما أسموه «إنكار الديمقراطية» (أي إن الطلاب العرب يتعللون بمساوئ الديمقراطية كعذر لعدم تأسيسها في بلادهم، وإن الخطوة المنطقية ليست منع الديمقراطية بسبب عيوبها، ولكن بتأسيسها، ثم معاجلة عيوبها).
وقال مؤلف الكتاب، وهو نفسه متخصص في دراسة الرحالة الفرنسي توكفيل، إنه كان يقول لطلابه، عربا وأميركيين، إن «هناك حلا وسطا، بإضافة الآتي إلى الديمقراطية، أولا: جميعات ومنظمات مدنية (يمكن أن تكون علمانية، أو دينية)، ثانيا: تقوية العلاقات العائلية (بدور حكومي في صور خدمات ومساعدات)، ثالثا: زيادة الانتماءات الدينية بوصفها واعزا أخلاقيا (دون تدخل الحكومة)».
وقال إنه سمع من الطلاب العرب عبارات نقد لزملائهم الطلاب الأميركيين، نقد ما أسموه «الإنسان الديمقراطي»، مثل إنه «أناني»، و«يموت وحيدا مع كلبته».
في الجانب الآخر، سمع من الطلاب الأميركيين عبارات نقد لزملائهم الطلاب العرب، مثل إن «روابط المجتمعات الأرستقراطية (زعماء القبائل) لا تزال سائدة»، وإن استبدالها بمجتمعات مفتوحة هو «مصدر خوف وقلق بالنسبة لهم».
وأيضا، يترددون في «احتمال الحرية من قيود الأسرة الممتدة والدين». يريدونها لأسباب معينة (الحرية)، ولا يريدونها لأسباب معينة (خوف من فقد الدعم العائلي والاجتماعي).
لهذا، عودة إلى توكفيل، هم في «عصر الوسيط» بين الأرستقراطية (القبلية والجهوية)، والديمقراطية (الحرية الفردية). هذا هو «عصر الاضطراب؛ حيث الظروف ليست ثابتة بما فيه الكفاية ليقدر الشخص المتعلم (تعليما غربيا) على أن ينام مرتاح البال».
ويتحدث مؤلف الكتاب عن «قلق»، و«إحباط»، و«تناقضات» الطالب العربي، لكنه، وهو الأميركي، يميل نحو أحاسيس الطالب الأميركي، التي يصفها كالآتي: «هؤلاء هم الذين لم يعرفوا شيئا سوى الديمقراطية.. لهذا، لا يفهمون هذه التناقضات، ولا يقدرون على رؤية النظام الاجتماعي الديمقراطي الذي يعيشون فيه غير أنه نتيجة حتمية للتطور التاريخي، وأن فيه فضائل تحتاج إلى دعم، ورذائل تتطلب اليقظة والمعارضة».
وتحدث مؤلف الكتاب عن «التحدي الذي يواجه أميركا»: الحب المفرط للحرية والعدالة وسط الأميركيين، الذي جعل هؤلاء الطلاب الأميركيين، وآباءهم وأمهاتهم، يريدون الآتي، أولا: عالما مثاليا، تعم فيه العدالة والحرية. ثانيا: عدم صبر، وعدم ثقة، نحو الحكام والمسؤولين. ثالثا: تحول من «الدين المتشدد» نحو «الروحانية الانفتاحية السهلة».
وقال مؤلف الكتاب: «ينظر الشرق أوسطيون إلى تكاتف وتكافل ووئام وقيم قديمة. أو في غياب ذلك إلى «ثورة» تقضي على قلقهم وإحباطهم. في الجانب الآخر، يبحث الأميركيون عن مخرج من قلقهم بسبب «مأزق الحرية» الذي صنعوه بأنفسهم.. يبحثون عن «ملاذ لفرديتهم من دون أن يتحدثوا مع جيرانهم».



جامعة ياغيلونيا البولونية... احتلها النازيون فأسست مؤسسة تعليمية سرية مناهضة

جامعة ياغيلونيا البولونية... احتلها النازيون فأسست مؤسسة تعليمية سرية مناهضة
TT

جامعة ياغيلونيا البولونية... احتلها النازيون فأسست مؤسسة تعليمية سرية مناهضة

جامعة ياغيلونيا البولونية... احتلها النازيون فأسست مؤسسة تعليمية سرية مناهضة

تم تصنيف جامعة ياغيلونيا في مدينة كراكوف البولندية كأفضل مؤسسة تعليمية جامعية في البلاد، إلى جانب كونها واحدة من أعرق الجامعات في العالم. بدأت قصتها عام 1364 عندما نجح الملك كازيمير الأعظم بعد سنوات طويلة في إقناع البابا أوربان الخامس بمنح تصريح لإنشاء مؤسسة للتعليم الجامعي في مدينة كراكوف، قام الملك بتمويلها بعائدات مناجم فياليتشكا الملحية القريبة.
بعد ثلاث سنوات كان الجرس يدق في أرجاء المؤسسة معلناً عن بدء الدروس والتي كانت في الفلسفة والقانون والطب. وبدأت الجامعة، التي كان أول اسم يطلق عليها هو أكاديمية كراكوف، في الازدهار والنجاح خلال القرن التالي عندما بدأت في تدريس الرياضيات واللاهوت والفلك، حيث جذبت تلك المواد الباحثين والدارسين البارزين من مختلف أنحاء أوروبا. وتطلب توسعها بخطى سريعة إنشاء حرم جامعي أكبر. وقد التحق نيكولاس كوبرنيكوس، الذي أحدث بعد ذلك ثورة في فهم الكون، بالجامعة منذ عام 1491 حتى 1495.
مع ذلك، لم يستمر ما حققته الجامعة من نجاح وازدهار لمدة طويلة كما يحدث طوال تاريخ بولندا؛ ففي عام 1939 احتل النازيون مدينة كراكوف وألقوا القبض على الأساتذة بالجامعة وقاموا بنقلهم إلى معسكري التعذيب زاكزينهاوسين، وداخاو؛ ولم يعد الكثيرون، لكن من فعلوا ساعدوا في تأسيس جامعة مناهضة سرية ظلت تعمل حتى نهاية الحرب. كذلك اضطلعت جامعة ياغيلونيا بدور في الاحتجاجات المناهضة للنظام الشمولي في الستينات والثمانينات، واستعادت حالياً مكانتها المرموقة كمؤسسة لتدريب وتعليم النخبة المتعلمة المثقفة في بولندا.
ساعد انضمام بولندا إلى الاتحاد الأوروبي عام 2004 في زيادة موارد الجامعة، وفتح أقسام جديدة، وإنشاء مرافق أفضل منها ما يسمى بـ«الحرم الجامعي الثالث» أو «الحرم الجامعي للذكرى الـ600» في منطقة بيخوفيسه. وبلغ عدد الملتحقين بالجامعة في 87 برنامجا دراسيا خلال العام الدراسي 2015-2016 47.494 طالباً.
وطوال قرون التحق خلالها عدد كبير من الطلبة بالجامعة، كان التحاق أول طالبة بالجامعة يمثل حدثاً بارزاً، حيث قامت فتاة تدعى نوفويكا، بالتسجيل في الجامعة قبل السماح للفتيات بالالتحاق بالجامعة بنحو 500 عام، وكان ذلك عام 1897، وتمكنت من فعل ذلك بالتنكر في زي شاب، وكانت الفترة التي قضتها في الدراسة بالجامعة تسبق الفترة التي قضاها زميل آخر لحق بها بعد نحو قرن، وكان من أشهر خريجي الجامعة، وهو نيكولاس كوبرنيكوس، الذي انضم إلى مجموعة عام 1492، وربما يشتهر كوبرنيكوس، الذي يعد مؤسس علم الفلك الحديث، بكونه أول من يؤكد أن الأرض تدور حول الشمس، وهو استنتاج توصل إليه أثناء دراسته في الجامعة، ولم ينشره إلا قبل وفاته ببضعة أشهر خوفاً من الإعدام حرقاً على العمود. من الطلبة الآخرين المميزين كارول فويتيالا، والذي يعرف باسم البابا يوحنا بولس الثاني، الذي درس في قسم فقه اللغة التاريخي والمقارن بالجامعة.