مجلة «الفيصل» السعودية: أوروبا تتنكر لصورتها

مجلة «الفيصل» السعودية: أوروبا تتنكر لصورتها
TT

مجلة «الفيصل» السعودية: أوروبا تتنكر لصورتها

مجلة «الفيصل» السعودية: أوروبا تتنكر لصورتها

حمل العدد الجديد من مجلة «الفيصل» مجموعة متنوعة من المواد والمواضيع، وملفاً بعنوان «أوروبا تتنكر لصورتها». وناقشت فيه «الفيصل»، تغير صورة أوروبا في الأعوام الأخيرة، الصورة التي طغت الراديكالية الشعبوية والرغبة في الانعزال وعدم الانفتاح على الآخر، وهو ما يجعل أوروبا تتناقض مع صورتها في أذهان شعوب العالم الذين يرونها مركزا لليبرالية والحداثة، ويرون أن ذلك يتحقق بالاندماج في مشروعها الفكري.
شارك في الملف عدد من الباحثين والمفكرين العرب، من بينهم الأكاديمي التونسي فتحي المسكيني الذي ذهب إلى أن خوف أوروبا على نفسها ليس أمراً جديداً، فكثيراً ما حذر الفلاسفة الغربيون من الصراع الداخلي بين ظاهرتي الدولة والأمة، حتى أن نيتشه وصف الدولة الجديدة التي قامت على أنقاض ممالك العالم المسيحي بأنها الصنم الذي يؤدي دور الغول. ورأى الكاتب والباحث السوداني المقيم في فيينا طارق الطيب أن أوروبا التي كانت شعاعاً حضارياً أخذ نجمها في الأفول، حيث يرتد إشعاعها إلى الداخل متجاهلاً التواصل مع بقية دول العالم.
وقارن الناقد السوري خلدون الشمعة بين الماضي الثقافي العربي والماضي الثقافي الأوروبي في القرون الوسطى، من خلال المناخ الذي عاش فيه كل من البابا سلفستر الثاني المتوفى عام 1003، ومعاصره الفيلسوف العربي الإسلامي ابن سينا المتوفى عام 1037، وذهب الباحث المصري إميل أمين إلى أن ما تعيشه أوروبا الآن يتناقض مع تاريخها.
وكتب المفكر المصري حسن حنفي أن المشروع التنويري الأوروبي انقلب على نفسه، تماماً مثلما انقلبت الحداثة العربية في العصور الوسطى على نفسها. وذهب المفكر اللبناني علي حرب إلى أن أوروبا تتراجع الآن عما شكّل مقومات انتشارها في العالم، وأن هذا التراجع جاء لصاح التيارات المحافظة والمتطرفة سواء بشكلها العنصري القديم أو الشعبوي الجديد.
واشتمل الملف على تحقيق مع عدد من المثقفين العرب المقيمين في أوروبا، كما اشتمل على حوار مع المفكر الفرنسي إيمانويل تود الذي أكد على أن المشروع الفرنسي أصبح قمعياً ومرهقاً للدول الضعيفة.
جاء الحوار الرئيسي في العدد الجديد مع الكاتب الباحث اللبناني السفير خالد زيادة (أجراه أحمد فرحات) الذي أكد فيه على أننا لا يمكننا الحديث عن وجود فكر عربي معاصر، بقدر ما توجد مشاريع فردية سواء في المغرب أو المشرق العربي، وذهب إلى أنه بين الحربين العالميتين انتشرت التيارات القومية والاشتراكية التي تجلت في الفكر المنهجي من دون وجود تيارات فكرية نقدية.
ونشرت «الفيصل» في أبوابها الثابتة عدداً من المواضيع والمواد، فنقرأ تقريرا حول «منتدى الجوائز العربية... سجال حول المعايير وخالد الفيصل رئيساً فخرياً». ويكتب فيصل دراج فصلاً جديداً في سيرته الذاتية بعنوان «أرواح فلسطينية في مهب الريح»، ويرسم الكاتب المغربي جمال بدومة بورتريه للرئيس الفرنسي الراحل مؤخرا جاك شيراك تحت عنوان «الرجل ذو اليد السحرية». في باب «ثقافات»: «جاييس والكتابة البكماء... الإصغاء إلى ما لا يمكن وصفه»: محمد بكاي. «تشكيل»: التشكيلية السعودية مها الملوح: «الخوف هو الثمن الذي يتعين على الفنان أن يدفعه». لقاء في باريس: بيكاسو وشاغال وموديلياني وفنانو عصرهم.
وشارك في العدد مجموعة من الكتاب بمقالاتهم، سوسن جبيل حسن: «مدن إعادة الإعمار والرواية العربية». حسن عجمي: «الحضارة من إنتاج السلام». محمد سبيلا: «الأنوار: الاستعارة والحقيقة». نجيب الخنيزي: «حداثة أم تحديث». قادري أحمد حيدر: «الثقافة والحوار المفتوح». تركي الحمد: «هوامش على دفتر التراب». مجيد طوبيا: «بر إيزيس». إيمان حميدان: «الكتابة خارج المكان والإقامة في بيت اللغة».
ونطالع عدداً من القراءات حول بعض الكتب الجديدة: آخر رمانات العالم: عماد الدين موسى. تاريخ العيون المطفأة: إبراهيم محمود. أسامينا: صدوق نور الدين. السينما الإيرانية: محمد جازم. مملكة آدم: طارق إمام.
كما نشر العدد مجموعة من النصوص الإبداعية لكل من: لم تكن نزهة: بلقيس الملحم. الحب شجرة ضخمة: موشين. المراثي الثلاث للامبالي والصياد وصاحب والأقفاص: منذر مصري. خيبة هدهد: سعود اليوسف. شوارع سائحة في الحصار الجليل: شوقي شفيق. بثقة العائد يتبدد: عبد الله السفر. القرينة: نجاة علي. ليلة من ألف ليلة ضائعة: أسماء جمال عبد الناصر.



طبق نحاسي من موقع الدُّور في أم القيوين

طبق نحاسي من موقع الدُّور في أم القيوين
TT

طبق نحاسي من موقع الدُّور في أم القيوين

طبق نحاسي من موقع الدُّور في أم القيوين

يحتلّ موقع الدُّور مكانة كبيرة في خريطة المواقع الأثرية التي كشفت عنها أعمال المسح المتواصلة في إمارة أم القيوين. بدأ استكشاف هذا الموقع في عام 1973، حيث شرعت بعثة عراقية في إجراء حفريّات تمهيديّة فيه، وتبيّن عندها أن الموقع يُخفي تحت رماله مستوطنة تحوي بقايا حصن. جذب هذا الخبر عدداً من العلماء الأوروبيين، منهم المهندس المعماري البريطاني بيتر هادسون، الذي قام بجولة خاصة في هذا الموقع خلال عام 1977، وعثر خلال تجواله على طبق نحاسي علاه الصدأ، فحمله معه، واتّضح له عند فحصه لاحقاً أنه مزيّن بسلسلة من النقوش التصويرية تتميّز بطابع فنّي رفيع.

وجد بيتر هادسون هذا الطبق في ركن من جهة جنوب شرقي الموقع، وحمله بعد سنوات إلى الشارقة حيث كشفت صور الأشعّة عن ملامح حلية تصويرية منقوشة غشيتها طبقة غليظة من الصدأ. نُقلت هذه القطعة المعدنية إلى كلية لندن الجامعية، وخضعت هناك لعملية تنقية وترميم متأنية كشفت عن تفاصيل زينتها التصويرية بشكل شبه كامل. يبلغ قُطر هذه القطعة الفنية نحو 17.5 سنتيمتر، وعمقه 4.5 سنتيمتر، وتتألّف قاعدة حليته التصويرية من دائرة ذات زينة تجريدية في الوسط، تحوطها دائرة ذات زينة تصويرية تزخر بالتفاصيل الدقيقة. تحتل الدائرة الداخلية الصغرى مساحة قاع الطبق المسطّحة، ويزينها نجم تمتدّ من أطرافه الخمسة أشعة تفصل بينها خمس نقاط دائرية منمنمة. تنعقد حول هذا النجم سلسلتان مزينتان بشبكة من النقوش، تشكّلان إطاراً لها. ومن حول هذه الدائرة الشمسية، تحضر الزينة التصويرية، وتملأ بتفاصيلها كل مساحة الطبق الداخلية.

تتمثّل هذه الزينة التصويرية بمشهد صيد يحلّ فيه ثلاثة رجال، مع حصانين وأسدين، إضافةً إلى أسد مجنّح له رأس امرأة. يحضر رجلان في مركبة يجرها حصان، ويظهران متواجهين بشكل معاكس، أي الظهر في مواجهة الظهر، ويفصل بينهما عمود ينبثق في وسط هذه المركبة. يُمثّل أحد هذين الرجلين سائق المركبة، ويلعب الثاني دور الصياد الذي يطلق من قوسه سهماً في اتجاه أسد ينتصب في مواجهته بثبات، رافعاً قائمته الأمامية اليسرى نحو الأعلى. من خلف هذا الأسد، يظهر صياد آخر يمتطي حصاناً، رافعاً بيده اليمنى رمحاً طويلاً في اتجاه أسد ثانٍ يرفع كذلك قائمته الأمامية اليسرى نحوه. في المسافة التي تفصل بين هذا الأسد والحصان الذي يجرّ المركبة، يحضر الأسد المجنّح الذي له رأس امرأة، وهو كائن خرافي يُعرف باسم «سفنكس» في الفنين الإغريقي والروماني.

يحضر كل أبطال هذا المشهد في وضعية جانبية ثابتة، وتبدو حركتهم جامدة. يرفع سائق المركبة ذراعيه نحو الأمام، ويرفع الصياد الذي يقف من خلفه ذراعيه في وضعية موازية، ويبدو وجهاهما متماثلين بشكل متطابق. كذلك، يحضر الأسدان في تأليف واحد، ويظهر كل منهما وهو يفتح شدقيه، كاشفاً عن لسانه، وتبدو مفاصل بدنيهما واحدة، مع لبدة مكونة من شبكة ذات خصل دائرية، وذيل يلتفّ على شكل طوق. في المقابل، يفتح «سفنكس» جناحيه المبسوطين على شكل مروحة، وينتصب ثابتاً وهو يحدّق إلى الأمام. من جهة أخرى، نلاحظ حضور كائنات ثانوية تملأ المساحات الفارغة، وتتمثّل هذه الكائنات بدابّة يصعب تحديد هويتها، تظهر خلف الأسد الذي يصطاده حامل الرمح، وطير يحضر عمودياً بين حامل القوس والأسد المواجه له، وطير ثانٍ يحضر أفقياً تحت قائمتَي الحصان الذي يجر المركبة. ترافق هذه النقوش التصويرية كتابة بخط المسند تتكون من أربعة أحرف، وهذا الخط خاص بجنوب الجزيرة العربية، غير أنه حاضر في نواحٍ عديدة أخرى من هذه الجزيرة الواسعة.

يصعب تأريخ هذا الطبق بشكل دقيق، والأكيد أنه يعود إلى مرحلة تمتد من القرن الثالث قبل الميلاد إلى القرن الثاني للميلاد، ويُشابه في الكثير من عناصره طَبَقاً من محفوظات المتحف البريطاني في لندن، مصدره مدينة نمرود الأثرية الواقعة قرب الموصل في شمال العراق. كما على طبق الدُّوْر، يحضر على طبق نمرود، صيادٌ برفقة سائق وسط مركبة يجرها حصانان، ملقياً بسهمه في اتجاه أسد يظهر في مواجهته. يحضر من خلف هذا الأسد صياد يجثو على الأرض، غارساً رمحه في قائمة الطريدة الخلفية. في المسافة التي تفصل بين هذا الصياد والحصانين اللذين يجران المركبة، يحضر «سفنكس» يتميّز برأسٍ يعتمر تاجاً مصرياً عالياً.

ينتمي الطبقان إلى نسق فني شائع عُرف بالنسق الفينيقي، ثمّ بالنسق المشرقي، وهو نسق يتمثل بمشاهد صيد تجمع بين مؤثرات فنية متعددة، أبرزها تلك التي تعود إلى بلاد الرافدين ووادي النيل. بلغ هذا النسق لاحقاً إلى جنوب شرق الجزيرة العربية حيث شكّل نسقاً محلياً، كما تشهد مجموعة من القطع المعدنية عُثر عليها خلال العقود الأخيرة في مواقع أثرية عدة تعود اليوم إلى الإمارات العربية المتحدة وسلطنة عُمان. وصل عدد من هذه القطع بشكل كامل، ووصل البعض الآخر على شكل كسور جزئية، وتشهد دراسة هذه المجموعة المتفرّقة لتقليد محلّي تتجلّى ملامحه في تبنّي تأليف واحد، مع تعدّدية كبيرة في العناصر التصويرية، تثير أسئلة كثيرة أمام المختصين بفنون هذه الناحية من الجزيرة العربية.

يحضر مشهد صيد الأسود في عدد من هذه القطع، حيث يأخذ طابعاً محلياً واضحاً. يتميّز طبق الدُّوْر في هذا الميدان بزينته التي يطغى عليها طابع بلاد الرافدين، ويمثّل كما يبدو مرحلة انتقالية وسيطة تشهد لبداية تكوين النسق الخاص بجنوب شرقي الجزيرة العربية.