لطفية الدليمي «تجوب في أقاليم الكتابة»

بعد 70 مؤلفاً بين الرواية والقصة والترجمة والدراسة النقدية

لطفية الدليمي «تجوب في أقاليم الكتابة»
TT
20

لطفية الدليمي «تجوب في أقاليم الكتابة»

لطفية الدليمي «تجوب في أقاليم الكتابة»

لا تقدم الروائية العراقية لطفية الدليمي، كشفاً بسيرتها الذاتية في كتابها الجديد «عصيان الوصايا... كاتبة تجوب في أقاليم الكتابة»، الصادر عن «دار المدى»، بل كشفاً بسيرتها الإبداعية، تحديداً في عالم الكتابة الروائية، وإن تناولت في الفصل الأول من الكتاب طفولتها وصباها، لكن كان ذلك قدر تعلق الأمر باختيارها عالم الكتابة الذي أثمر عن سبعين مؤلفاً لها بين الرواية والقصة، والترجمة، والدراسة النقدية، إضافة إلى كتابة المقالات الثقافية.
في بداية الكتاب تثبت لنا مقولة أن الكتابة لعنة، كما ترى الروائية جويس كارول أوتس، لكنها تضيف: «غير أني أرى الكتابة لعنة نبيلة ونعمة خلاص، برج مراقبة يمتُعنا بالكشف عما يؤرقنا من أسئلة الوجود وحيرة النفس، وهي تعبر مسالك هذا العالم المضطرب».
فهي بالكتابة تجاوزت وضع الأنثى المُقصاة من واجهة المشهد الثقافي والفكري في مجتمعها، وثابرت طويلاً وعملت في أقسى الظروف، متخلية - بزهد حقيقي ومن غير أسف - عن الكثير من متطلبات الحياة والعلاقات الاجتماعية لتحتل «الموقع الذي أردته بإصراري وجهد السنوات الطوال».
تقول: «لم يعلمني أحد كيف أكتب، إنما كنت أكتب حسب، وأقطف الكلمات من الهواء، كما أقطف ثمار التين من شجرتنا العتيقة، أتلذذ بالكلمات بديلاً للحلوى التي لم أحبها، أرددها في الصمت خاشعة إزاءها ثم أرتلها بنبرة خافتة كأنها اللقية الثمينة، لم أحلم أن أكون كاتبة في يفاعتي، كنت أعيش حالة ذهول باللغة والطبيعة والنخل ونهر ديالى والبساتين الغامضة وشجر البرتقال والغيم، وأتمنى أن ينساني الآخرون في مكان ما وحدي مع الكلمات، أن يغفل أهلي عني لأستغرق في أحلامي وصمتي وملاعبة الكلمات، كل الكلمات التي تفيض من عقلي وقلبي كنت أكتبها ولا أنطقها، وبقيت وما زلت أصغي وأكتب حسب، ولا أتكلم إلا عند الضرورات، لهذا لا يمكنني أن أكون كائناً اجتماعياً أو وجهاً مدرجاً على شاشات الإعلام، ولطالما كنت أهيم في أفكاري، بينما بحر اللغة المتلاطم يغرقني بالكلمات».
تقدم الدليمي في الفصل الأول المعنون «شهادة عن المؤثرات الأدبية وأوّل الكتب» لمحة عن سنوات طفولتها، وما وضعه القدر في مسيرتها، وأسهم في نمو تلك الموهبة التي طرقت بها آفاقاً جديدة.
«رائحة الكتب الصفراء - الورق الهشّ والطباعة الحجرية، مزيجٌ من روائح كانت تفور من نبع سرّي في حجرة معتمة تسلّلتُ إليها ذات ظهيرة صيف أنا الصبية الصغيرة التي تتصبب عرقاً وترتعش، وهي تعبر الغرفة إلى كشوفها الأولى لتمزق أوّل الحجب. الخوف من انكشاف تسلّلي إلى حجرة المُحرّمات يرعش يدي النحيلتين وهما تقلّبان الكتب الشهيّة في بصيص نور يتسلل من كوّة وسط السقف».
كانت هذه خطوتها الأولى عند عتبة هذا العالم السحري الذي سيقودها إلى اكتشاف كينونته... كان أبوها ماركسياً حالماً باليوتوبيا والعدالة موهوماً بالنظرية التي سحرتهم وعودها الفردوسية، هو وصحبه كانوا يتداولون كتباً ومجلات وصحفاً تعذّر عليّها - وهي ابنة التاسعة - أن تعي مضامينها، وكانوا يتعمدون إغواءها بقراءتها وما كنت تحفل بها آنئذ، تقلّبها بعجالة وتهجرها إلى أحلامها وقصصها الطفولية التي كنت تكتبها وترسم وقائعها في الصفحة المقابلة:
«وأنا الصبية مهدورة الروح بين الإلحاد الذي وُصِم به الأب في أوساط المتدينين، وبين ليالي الذكر والمدائح النبوية وتمجيد الرّسُل وصيحات الوجد: حي.. حي.. حي، كنت أتبدد ما بين الرفض والقبول لكلا الأمرين، وأبحث عن منجى في الركون لملاذ أجهل بلوغه».
أما في فصل «أنا من سلالة مائية»، فتقول: «على غير ما درج الناس في أنسابهم أحسّني أنتسب إلى سلالة مائية: سلالة أولئك السومريين الهابطين إلى دلتا النهرين من فردوس مفقود، قد أكون كاهنة من كاهنات القمر، أنا سليلتهم التي ضلّت في متاهات التاريخ، قد أكون إحدى الناجيات من حقب الطوفانات العظمى، أنقذني (أتراحاسس) - نوح السومري - في فلكه المحبوك من القصب والمطلي بالقار، وأتى بي من زمن إلى زمن، وجدني وحيدة عند معبد أور في برهة انهيار دويلات المدن السومرية، وانتشلني من لجج الغمر المائي وأنا أحمل تمائمي وتعاويذي المتمثلة بالنبع الفوّار والقمر والبرق، وألقى بي في وحشة الزمن المعاصر وحيدة أيضاً كما وجدني هناك».
درست البيانو على يد العازفة العراقية الشهيرة بياتريس أوهانيسيان، ودرست الرسم دراسة حرة لدى الفنانين الراحلين خالد الجادر ونزيهة سليم، جرّبت الرسم قبل أن تنصرف كلية للكتابة، لأنها «لم تجد نفسها فيه». أما الموسيقى فقد اكتفت منها بالسماع وعزف بعض الدندنات على البيانو.
تطويع الكلمات لتجسيد الأفكار والرؤى والأحلام مهمة ليست باليسيرة، بالنسبة لها، فلا يستطيع أن يمسك بها «غير الشاعر الفنان والكاتب الرائي والروائي المنضبط مثلما يمسك المؤلف الموسيقي بالنغمة الصحيحة متفادياً خلل النشاز؛ فجمال الكلمات لا يُقدَح شررُه دونما فكر واقتدار في القول وبراعة في استخدام المفردة لإطلاق موسيقاها الخفية وسحرها الكامن في ذاكرة البشر ومخيّلات المبدعين».
وتنظر لطفية الدليمي إلى الرواية على أنّها أحد المنتجات الأكثر تميّزاً، التي جاء بها عصر الحداثة مع بدايات القرن العشرين - القرن الذي شهد ثورات عظيمة ساهمت في إعادة رسم المشهد الروائي بالكامل.
فالثورات الفيزيائيّة عملت على تغيير نظرتنا إلى الواقع، وتغيير طريقتنا في التعامل معه وكيفيّة تناوله: «الأمر الذي ترتّب عليه حتماً تغيير طبيعة الاشتغالات الروائية، لأنّ الطبيعة المفاهيمية للواقع تعدُّ نقطة الشروع الفلسفيّة التي تخدم كأرضيّة (أو خلفيّة) يقيم عليها الروائيّون هياكلهم الروائيّة في كلّ العصور منذ بدء الفنّ الروائيّ».
تبوح الدليمي باعترافات ومقالات عن رؤيتها لحياتها كاتبة تجوب أقاليم الرواية، وتترحّل في عوالم روائيين من عالمنا، وتضيء بعضاً من تجاربهم التي تقدم لنا رؤية أوسع وأشمل للجهد الروائي في عالمنا المعاصر.



أنوار البابا الطيب

البابا في العراق (أ.ب)
البابا في العراق (أ.ب)
TT
20

أنوار البابا الطيب

البابا في العراق (أ.ب)
البابا في العراق (أ.ب)

لماذا ننعته بـ«الطيب»؟ لأنه جعل من الانفتاح على الإسلام والمسلمين أحد المحاور الأساسية لعهدته البابوية. وقد لقيتْ مبادراته أصداء واسعة في كلا العالمَين العربي والإسلامي. وربما كانت أجمل صورة سيحتفظ بها التاريخ عنه هي عندما رأيناه يوقِّع في أبوظبي على وثيقة «الأخوة الإنسانية» مع شيخ الأزهر، الدكتور أحمد الطيب، بتاريخ 4 فبراير (شباط) عام 2019. عندئذٍ تَعانق الإسلام والمسيحية لأول مرة على الأرض العربية من خلال هاتين الشخصيَّتين الدينيَّتين الكبيرتين. وهي الوثيقة التي تدعو إلى السلام العالمي والعيش المشترك بين الأمم. إنها تدعو إلى الحوار والتعاون والتفاهم بين مختلف الأديان والأقوام والشعوب. وهذا يمثل تطبيقاً حرفياً أو شبه حرفي للآية الكريمة التي تقول: «يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكرٍ وأنثى وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا...» (الحجرات الآية 13).

ولكن المصيبة هي أن التيار الآخر المتشدد الذي يجتاح العالمَين العربي والإسلامي حالياً يرفض هذا الانفتاح والحوار والتعايش. إنه يراهن على الانغلاق والتعصب وإثارة النعرات الدينية والمذهبية وتهييجها إلى أقصى حدٍّ ممكن. فأي التيارين سوف ينتصر يا ترى؟ هل التيار الظلامي هو الذي سينتصر أم التيار الأنواري؟ هل المسلمون الحقيقيون هم الذين سينتصرون أم المتأسلمون المتاجرون بالدين كما يقول ممدوح المهيني في مقالة رائعة هنا في «الشرق الأوسط»؟ بناء على انتصار هذا التيار أو ذاك سوف يُحسم مصير العرب والمسلمين ككل. ليس لدينا أدنى شك في أن تيار الانفتاح والتقدم هو الذي سوف ينتصر في نهاية المطاف؛ لأنه يتماشى مع حركة التاريخ؛ ولأن العرب صناع حضارات كما برهنوا على ذلك في الماضي إبان العصور الذهبية. وليس لدينا أدنى شك في أن تيار التعصب والانغلاق سوف ينهزم؛ لأنه مضاد لحركة التاريخ. ولكن متى سيتحقق ذلك؟ المعركة لن تكون سهلة ميسورة، وإنما صعبة وضارية. هذا أقل ما يمكن أن يقال. قوى الماضي التي تشد إلى الخلف لا تزال حتى الآن أقوى من قوى المستقبل التي تشد إلى الأمام. القوى الظلامية الشعبوية الراسخة طيلة عصور الانحطاط لا تزال أقوى من القوى النهضوية التنويرية التي تبزغ أنوارها حالياً في شتى ربوع العالم العربي.

لتوضيح هذه النقطة أكثر، دعونا نَعُدْ إلى البابا ذاته وإلى تاريخ الأديان المقارنة. فعن طريق المقارنة تتوضح الأشياء. و«من لا يقارن لا يعرف» كما يقول المثل الصيني. لقد عبَّر البابا يوماً ما عن خطورة الحزازات المذهبية داخل المسيحية، عندما قال ما فحواه: «عندما كنت طفلاً صغيراً في بلادي، الأرجنتين، كانوا يقولون لنا إن البروتستانتيين جميعاً كفرة، سوف يذهبون إلى الجحيم. جميعهم عن بكرة أبيهم». كان ذلك في أربعينات القرن الماضي عندما كان البابا في التاسعة أو العاشرة من عمره. عندما يقول البابا هذا الكلام بعد أن كبر وبلغ من العلم والنضج مبلغه فإنه يكاد ينفجر بالضحك. ثم يضيف: كنا نعتقد اعتقاداً جازماً بأنه لا يمكن أن يدخل الجنة إلا الكاثوليك؛ لأنهم الفرقة الناجية الوحيدة في المسيحية.

وقد استطاعوا فرض هذه الفكرة لأنهم الأقوى والأكثر عدداً. نقول ذلك على الرغم من أن البروتستانتيين هم جماعة الإصلاح الديني. وبالتالي فهم الأكثر عقلانية وتطوراً في فهم الدين المسيحي، وهم الأكثر تحرراً من قوالب العصور الوسطى البالية والعقائد الدوغمائية المتحجرة. ولكنهم كانوا مغلوبين على أمرهم لأنهم أقلية، والحق دائماً مع الأكثرية. والأكثرية كانت تعدّهم زنادقة وكفاراً، بل ومرتدين عن الدين. ولذلك كانت تذبحهم وتُعمل المجازر فيهم على أساس طائفي محض. ولهذا السبب فروا من فرنسا بمئات الألوف هائمين على وجوههم. أما الآن فقد انتهت الحزازات المذهبية في أوروبا المستنيرة المتحضرة، وأصبحت من مخلفات التاريخ. ولم يعد الكاثوليكيون يكفِّرون البروتستانتيين أو يحرمونهم من نعمة الله ودخول الجنة. فلماذا لا يتحقق ذلك يوماً ما بين المسلمين عندما يستنيرون ويتحضِّرون؟ لا شيء مستحيلاً في التاريخ. حركة التقدم والتطور سوف تفعل فعلها يوماً ما بعد أن يتثقف الشعب ويتعلم. ثم يضيف هذا البابا الطيب قائلاً: «نحن جميعاً ننتمي إلى الجنس البشري. نحن جميعاً من مسلمين ومسيحيين ويهود وبوذيين إلى آخره من مخلوقات الله، أو من عيال الله، كما يقول المفكر التونسي محمد الطالبي». فلماذا لا نؤمن بالوحدة من خلال التنوع والتعدد؟ لماذا لا نعدّ أنفسنا جميعاً إخوة في البشرية والإنسانية والآدمية؟ وهذا هو مضمون الوثيقة التاريخية الموقَّعة في أبوظبي. الناس الطيبون الأخيار موجودون في كل الأديان والمذاهب. ولكن المشكلة هي أن الأصوليين الانغلاقيين يرفضون ذلك رفضاً قاطعاً. إنهم لا يقيمون وزناً لأي شخص إن لم يكن ينتمي إلى طائفتهم أو مذهبهم، أو حتى تنظيمهم الحزبي ومرشدهم الأعلى. نقول ذلك على الرغم من أن القرآن الكريم يقرُّ صراحةً بالتنوع والتعددية. ألم يقل: «ولو شاء الله لجعلكم أمة واحدة»؟ ولكنه لم يشأ. هل الله عاجز عن جعل الناس كلهم على دين واحد؟ مستحيل. معاذ الله. الله قادر على كل شيء. ولكنه شاء التنوع والتعددية لحكمة تعلو على عقولنا وأفهامنا. وهذا يعني أن الفرقة الناجية كما يفهمها البابا هي تلك الفرقة التي تجمع كل الناس الطيبين الفاعلين للخير أياً كانت أديانهم ومذاهبهم. نقطة على السطر.

ثم يذكِّرنا البابا فرنسيس بهذه الحكمة الجوهرية: ينبغي أن نتحاشى المغالطات التاريخية. بمعنى لا ينبغي أن نسقط مفاهيم الحاضر على الماضي. بمعنى آخر لا ينبغي أن نحاكم أناس الماضي المساكين المحدودين عقلياً على ضوء مقاييس الزمن الحاضر. في الماضي كنا متعصبين وطائفيين لأن عقلية ذلك الزمان ما كانت تستطيع أن تتصور وجود دين آخر صحيح غير الدين المسيحي، أو وجود مذهب واحد صحيح غير المذهب الكاثوليكي البابوي. لم يكن يخطر على بالهم إطلاقاً إمكانية التعايش مع الآخر المختلف ديناً ومذهباً. كيف يمكن أن تتعايش مع كافر؟ أعوذ بالله، معاذ الله. ولكن أوروبا تطورت وتقدمت وتجاوزت كل هذه الانغلاقات المذهبية والطائفية. لقد خلفتها وراء ظهرها بسنوات ضوئية. ثم يردف البابا قائلاً: «إن العالم الإسلامي، الذي لا يزال غاطساً جزئياً في ظلمات العصور الوسطى، سائر على طريق التقدم والاستنارة لا محالة. ولكن ينبغي أن نكون صبورين معه. فهذه الطفرة المعرفية والإيمانية ليس من السهل تحقيقها بين عشية وضحاها». وهذا ما يقوله ريجيس دوبريه أيضاً وكل عقلاء الغرب. الأصولية المتطرفة لن تنتصر في نهاية المطاف في العالم العربي، ولكنَّ هزيمتها ليست بالأمر السهل، فالثورات العلمية والفلسفية والسياسية، بل وحتى الدينية، التي هضمتها الشعوب الأوروبية على مدار ثلاثة قرون، لا يمكن للشعوب العربية أن تهضمها على مدار ثلاثة عقود. يلزمنا وقت أطول. ثم إننا لا نهدف إلى استئصال الدين كما يزعم بعضهم، وإنما فقط إلى استئصال المفهوم الطائفي والظلامي والتكفيري للدين. فرق كبير.

نحن جميعاً ننتمي إلى الجنس البشري

البابا

ثم يرى البابا أنه لكي يتمكَّن العالم العربي من تجاوز الأصولية القروسطية المظلمة فإن عليه أن يقبل بتطبيق المناهج التاريخية والفلسفية الحديثة على نصوصه التراثية الكبرى مثلما فعلنا نحن مع الإنجيل والتوراة. فهذه هي الخطوة الأولى التي لا بد منها لتجاوز العقلية الانغلاقية والتفسيرات القديمة للدين. وهذا ما فعلناه نحن في أوروبا. ولولا ذلك لبقينا نذبح بعضنا بعضاً على أساس طائفي أو مذهبي حتى الآن. لا يمكن تجاوز الطائفية إلا عن طريق ثورة عقلية وفكرية حقيقية، خصوصاً فيما يتعلق بفهم الدين وتفسيره. هذا شيء مؤكد. وبالتالي فأمام المسلمين مهمة ضخمة ينبغي أن يحققوها في السنوات المقبلة. كان الله في عونهم.

هذا، وقد صرَّح البابا في أثناء زيارته التاريخية الناجحة جداً للعراق عام 2021 قائلاً: «شيئان متضادان لا يجتمعان بأي حال من الأحوال: الإيمان بالله من جهة، وارتكاب العنف والتفجيرات العشوائية من جهة أخرى. من يؤمن بالله لا يمكن أن يستبيح دماء الناس الآمنين. ولا يمكن أن يمارِس أعمال التفجير والتكفير والترويع. كفانا عنفاً، كفانا تطرفاً، كفانا تعصباً. الرسالة موجهة للدواعش وكل الجماعات المتطرفة بطبيعة الحال».

أخيراً لقد كشف لنا البابا في مذكراته الأخيرة سراً دفيناً مهماً، وهو أنه تعرَّض لعملية اغتيال حقيقية في أثناء وجوده على أرض العراق. ولكن الله نجاه منها بمعونة المخابرات البريطانية. وهي من أقوى المخابرات وأكثرها دقةً وفاعليةً في العالم. ففي أحد لقاءاته العامة خلال تلك الزيارة، كان هناك شخصان داعشيان مدججان بالقنابل ومستعدان لتفجير المكان كله بمَن فيه البابا وغير البابا. مجزرة حقيقية. ولكن المعلومة البريطانية الحاسمة وصلت قبل آخر لحظة لحسن الحظ، فتمكنت السلطات العراقية من القبض عليهما وتحييدهما. انظر بهذا الصدد مذكرات البابا الصادرة في الترجمة الفرنسية عن دار نشر «ألبان ميشال» قبل بضعة أسابيع، في 400 صفحة بعنوان: «البابا فرنسيس مفعم بالأمل». السيرة الذاتية التي شكلت حدثاً تاريخياً في مجال النشر. ظهرت بشكل متزامن في أكثر من 100 بلد.