البرلمان العراقي يتجه لإقرار مشروع قانون الانتخابات الجديد

وسط جدل حول «الانتخاب الفردي» و«الدوائر المتعددة»

TT

البرلمان العراقي يتجه لإقرار مشروع قانون الانتخابات الجديد

بدأت تضيق فرص الحلول ومساحة المناورة أمام القوى والكتل السياسية العراقية وهي تواجه حركة احتجاج يبدو أن سقوف مطالبها لا تقف عند حد. المعلومات المتداولة بين النخب والمصادر الإعلامية تفيد بأنه في الوقت الذي ينشط فيه مجلس الوزراء والبرلمان ومجلس القضاء الأعلى في الإسراع بحزم الإصلاح، فإن المناورات السياسية لا تقف عند حد معين. وتشير المعلومات إلى عقد سلسلة من الاجتماعات بين مختلف القوى والكتل السياسية لمواجهة ما يبدو أنه نوع من التوافق على محاصرتها من قبل المتظاهرين الذين لم يعودوا يقبلون بما يعدّونها إصلاحات ترقيعية، وكذلك من قبل المرجعية الشيعية العليا في مدينة النجف التي جاءت خطبتها الأخيرة بمثابة رفع آخر غطاء لها عن العملية السياسية برمتها.
وفي حين بدا أن البرلمان العراقي بدأ بمناقشة أول مشروع قانون انتخابات يخرج من رحم الاحتجاجات بعد إحالته في غضون 48 ساعة من مجلس الوزراء إلى البرلمان، فإن النسخة المرسلة من مجلس الوزراء تختلف عن نسخة رئاسة الجمهورية. الفرق بين النسختين يكاد ينحصر في مسألة تعدّ في غاية الأهمية؛ هي أحد أبرز مطالب المتظاهرين، وهي الانتخاب الفردي، في حين أن نسخة مجلس الوزراء تعتمد الصيغة المعتمدة حالياً وهي التمثيل النسبي.
نسخة الرئاسة التي تبناها رئيس الجمهورية برهم صالح يشرحها لـ«الشرق الأوسط» شروان الوائلي، مستشار رئيس الجمهورية، ويقول إنها «تتلاءم تماماً مع ما يطالب به الناس، وهو الانتخاب الفردي، واعتماد أعلى الأصوات عند احتساب نقاط الفوز، واعتماد الدوائر المتعددة على أساس الأقضية، وهو ما يعني تقليل عدد أعضاء البرلمان من 329 نائباً على أساس أن كل نائب يمثل 100 ألف نسمة، إلى 222؛ أي بنسبة 30 في المائة». ويضيف الوائلي أن «مشروع القانون يقلل عمر الترشح لعضوية مجلس النواب إلى 25 سنة بدلاً من 28 سنة، وبالتالي يفسح المجال واسعاً لصعود الشباب إلى الواجهة، كما أنه، وهذا هو الأهم، يفكك منظومة الأحزاب ويقلل من حجومها بشكل كبير».
في السياق نفسه، يقول عضو البرلمان العراقي حسين عرب لـ«الشرق الأوسط» إن «قانون الانتخابات الذي تم تقديمه ينطوي على لغز كبير لجهة محاولات بعض الكتل، لا سيما السنية والكردية، الحصول على قدر من المكاسب فيه، بينما الشيعة لا يزال رأيهم غير محسوم»، مبيناً أن «الكرد يميلون إلى الانتخاب الفردي والدوائر المتعددة؛ حيث تكون هناك مقاعد للكرد أكثر من العرب، خصوصاً في المناطق المختلطة. أما القوى السنية، فإن بعض القيادات الشابة منها تريد عن طريق هذا القانون تقزيم قيادات سابقة، بينما الشيعة يميلون إلى التمثيل النسبي»، مشيراً إلى أنه «وبسبب ذلك، فهناك تخبط كبير في كيفية تمرير هذا القانون، بينما المنطق يقول إن قانون الانتخاب الفردي قد يكون هو الأفضل بصرف النظر عن بعض الإشكاليات فيه لصالح هذا الطرف أو ذاك، لأنه يحقق التنافس العادل عن طريق الفوز بأعلى الأصوات». وأوضح أن «هذا المشروع في الحقيقة هو الأكثر تناغماً مع ما يريده الشارع ويعمل عليه المتظاهرون، لكنه لن يفيد الأحزاب، لا سيما الكبيرة، لأنه يقوض نفوذها كثيراً؛ حيث لا يمكنها أن تبقى بحجومها الحالية نفسها».
من جهته، يرى السياسي العراقي إبراهيم الصميدعي في حديثه لـ«الشرق الأوسط» أن «هذا القانون الذي قدمه مجلس الوزراء قانون غير صحيح». وأضاف الصميدعي أن «مشروع قانون رئيس الجمهورية برهم صالح هو الأصح الذي يقوم على أساس الانتخاب الفردي والدوائر المتعددة والتي تأخذ الأقضية كوحدة إدارية أساسية، وبالتالي فإنه يؤكد مبدأ الديمقراطية المباشرة التي ينادي بها الناس الآن عبر المظاهرات». وأوضح أن «نظام الدوائر المتعددة والانتخاب الفردي سوف يجعل المشاركة في الانتخابات لكل الطاقات الموجودة في الدائرة الانتخابية الواحدة، وهو ما يجعل حتى الدعاية الانتخابية بسيطة ولا تكلف أموالاً طائلة، وبالتالي ليست هناك فرصة لدخول مال سياسي، لأن التنافس سيكون محدوداً».
وبين الصميدعي أن «تأثير المال السياسي في الانتخابات أكثر بما لا يقاس بتأثير القوى الأخرى مهما كانت؛ بما في ذلك تأثير السلاح، بل حتى هذا التأثير سينعدم لأنه سيفرض التنافس على شخص معلوم». وأوضح الصميدعي أن «هذا هو ليس ما يريده الناس ولا المرجعية الدينية، حيث إننا جميعاً ندرك أنه في حال أجريت انتخابات عادلة، فإن الأحزاب الحالية وأمام هذه الانتفاضة الشعبية لن تكون منافساً خطيراً، ومع ذلك فإننا كنخب لا نريد ممارسة الاجتثاث، لأننا نعلم أن الدولة العراقية لم تستقر بسبب الاجتثاث منذ عام 2003، ولكننا ندعو إلى منافسة عادلة بين الشعب وقواه السياسية ليأخذ كل استحقاقه، وبالتالي فإن كل هذه القوى والأحزاب لن تحصل في ظل انتخابات نزيهة أقل من نصف مقاعد البرلمان، وبالتالي سوف نؤسس لديمقراطية عادلة وانتقال سلمي، ونتجاوز الاجتثاث، وأن تكون إدارة الدولة بشكل صحيح».
وفي سياق توضيح مشروع القانون الجديد، يقول المتحدث باسم الحكومة سعد الحديثي إن «المتقدم للترشيح للانتخابات يجب أن يكون قد أتم الـ25 من عمره عند الترشيح، ولا يحق لمن يشغل المناصب التالية الترشح للانتخابات: رئيس الجمهورية ونوابه، ورئيس الوزراء ونوابه، والوزراء ووكلاء الوزارات، ورؤساء الهيئات المستقلة ونوابهم، ورؤساء الجهات غير المرتبطة بوزارة ونوابهم، والمستشارون، والمحافظون ونوابهم، ورؤساء وأعضاء مجالس المحافظات، وذوو الدرجات الخاصة، والمديرون العامون».



«سوريو مصر» يفضلون التريث قبل اتخاذ قرار العودة

لاجئون سوريون في مصر (مفوضية اللاجئين)
لاجئون سوريون في مصر (مفوضية اللاجئين)
TT

«سوريو مصر» يفضلون التريث قبل اتخاذ قرار العودة

لاجئون سوريون في مصر (مفوضية اللاجئين)
لاجئون سوريون في مصر (مفوضية اللاجئين)

بعد مرور نحو أسبوع على سقوط نظام بشار الأسد في سوريا، يفضل اللاجئون والمهاجرون السوريون في مصر التريث والصبر قبل اتخاذ قرار العودة إلى بلادهم التي تمر بمرحلة انتقالية يشوبها الكثير من الغموض.

ويتيح تغيير نظام الأسد وتولي فصائل المعارضة السورية السلطة الانتقالية، الفرصة لعودة المهاجرين دون ملاحقات أمنية، وفق أعضاء بالجالية السورية بمصر، غير أن المفوضية العامة لشؤون اللاجئين في القاهرة ترى أنه «من المبكر التفكير في عودة اللاجئين المسجلين لديها، إلى البلاد حالياً».

وازدادت أعداد السوريين في مصر، على مدى أكثر من عقد، مدفوعة بالتطورات السياسية والأمنية في الداخل السوري؛ إذ ارتفع عدد السوريين المسجلين لدى مفوضية اللاجئين إلى نحو 148 ألف لاجئ، غير أن تلك البيانات لا تعكس العدد الحقيقي للجالية السورية بمصر؛ إذ تشير المنظمة الدولية للهجرة إلى أن تعدادهم يصل إلى 1.5 مليون.

ولم تغير تطورات الأوضاع السياسية والأمنية في الداخل السوري من وضعية اللاجئين السوريين بمصر حتى الآن، حسب مسؤولة العلاقات الخارجية بمكتب مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين في القاهرة، كريستين بشاي، التي قالت في تصريحات لـ«الشرق الأوسط» إن «السوريين المسجلين كلاجئين لدى المفوضية يتلقون خدماتهم بشكل طبيعي»، مشيرة إلى أنه «لا يوجد أي إجراءات حالية لمراجعة ملف اللاجئين المقيمين بمصر، تمهيداً لعودتهم».

وتعتقد بشاي أنه «من المبكر الحديث عن ملف العودة الطوعية للاجئين السوريين لبلادهم»، وأشارت إلى إفادة صادرة عن المفوضية العامة لشؤون اللاجئين مؤخراً، تدعو السوريين في الخارج لـ«التريث والصبر قبل اتخاذ قرار العودة لبلادهم».

وكانت مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين قد نصحت المهاجرين السوريين في الخارج «بضرورة التحلي بالصبر واليقظة، مع قضية العودة لديارهم». وقالت، في إفادة لها الأسبوع الماضي، إن «ملايين اللاجئين يواصلون تقييم الأوضاع قبل اتخاذ قرار العودة»، وأشارت إلى أن «الصبر ضروري، على أمل اتخاذ التطورات على الأرض منحى إيجابياً، ما يتيح العودة الطوعية والآمنة والمستدامة».

ووعدت المفوضية، في بيانها، بـ«مراقبة التطورات بسوريا، مع الانخراط مع مجتمعات اللاجئين، لدعم الدول في مجال العودة الطوعية والمنظمة، وإنهاء أزمة النزوح القسري الأكبر في العالم»، وأشارت في الوقت نفسه إلى أن «الاحتياجات الإغاثية داخل سوريا لا تزال هائلة، في ظل البنية التحتية المتهالكة، واعتماد أكثر من 90 في المائة من السكان على المساعدات الإنسانية».

وحسب مسؤولة العلاقات الخارجية بمكتب مفوضية اللاجئين في القاهرة، يمثل اللاجئون السوريون المسجلون لدى المفوضية نحو 17 في المائة من تعداد اللاجئين في مصر، بواقع 148 ألف لاجئ سوري، من نحو 863 ألف لاجئ من أكثر من 60 جنسية. ويأتي ترتيبهم الثاني بعد السودانيين.

وباعتقاد مدير عام مؤسسة «سوريا الغد»، ملهم الخن، (مؤسسة إغاثية معنية بدعم اللاجئين السوريين في مصر)، أن «قضية عودة المهاجرين ما زال يحيطها الغموض»، مشيراً إلى «وجود تخوفات من شرائح عديدة من الأسر السورية من التطورات الأمنية والسياسية الداخلية»، ورجّح «استمرار فترة عدم اليقين خلال الفترة الانتقالية الحالية، لنحو 3 أشهر، لحين وضوح الرؤية واستقرار الأوضاع».

ويفرق الخن، في تصريحات لـ«الشرق الأوسط»، بين 3 مواقف للمهاجرين السوريين في مصر، تجاه مسألة العودة لبلادهم، وقال إن «هناك فئة المستثمرين، وأصحاب الأعمال، وهؤلاء تحظى أوضاعهم باستقرار ولديهم إقامة قانونية، وفرص عودتهم ضئيلة».

والفئة الثانية، حسب الخن، «الشباب الهاربون من التجنيد الإجباري والمطلوبون أمنياً، وهؤلاء لديهم رغبة عاجلة للعودة، خصوصاً الذين تركوا أسرهم في سوريا»، أما الثالثة فتضم «العائلات السورية، وهؤلاء فرص تفكيرهم في العودة ضعيفة، نظراً لارتباط أغلبهم بتعليم أبنائهم في المدارس والجامعات المصرية، وفقدان عدد كبير منهم منازلهم بسوريا».

وارتبط الوجود السوري في مصر باستثمارات عديدة، أبرزها في مجال المطاعم التي انتشرت في مدن مصرية مختلفة.

ورأى كثير من مستخدمي مواقع «السوشيال ميديا» في مصر، أن التغيير في سوريا يمثّل فرصة لعودة السوريين لبلادهم، وتعددت التفاعلات التي تطالب بعودتهم مرة أخرى، وعدم استضافة أعداد جديدة بالبلاد.

وتتيح مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، مساعدات لراغبي العودة الطوعية من اللاجئين، تشمل «التأكد من أن العودة تتم في ظروف آمنة، والتأكد من أن الأوضاع في البلد الأصلي آمنة»، إلى جانب «تقديم دعم نقدي لتغطية النفقات الأساسية والسفر»، حسب مكتب مفوضية اللاجئين في مصر.

ويرى مسؤول الائتلاف الوطني السوري، عادل الحلواني، (مقيم بمصر)، أن ملف عودة المهاجرين «ليس أولوية في الوقت الراهن»، مشيراً إلى أن «جميع السوريين يترقبون التطورات الداخلية في بلادهم، والهدف الأساسي هو عبور سوريا الفترة الانتقالية بشكل آمن»، معتبراً أنه «عندما يستشعر المهاجرون استقرار الأوضاع الداخلية، سيعودون طواعية».

وأوضح الحلواني، لـ«الشرق الأوسط»، أن «حالة الضبابية بالمشهد الداخلي، تدفع الكثيرين للتريث قبل العودة»، وقال إن «الشباب لديهم رغبة أكثر في العودة حالياً»، منوهاً بـ«وجود شريحة من المهاجرين صدرت بحقهم غرامات لمخالفة شروط الإقامة بمصر، وفي حاجة للدعم لإنهاء تلك المخالفات».

وتدعم السلطات المصرية «العودة الآمنة للاجئين السوريين إلى بلادهم»، وأشارت الخارجية المصرية، في إفادة لها الأسبوع الماضي، إلى أن «القاهرة ستواصل العمل مع الشركاء الإقليميين والدوليين لتقديم يد العون والعمل على إنهاء معاناة الشعب السوري الممتدة، وإعادة الإعمار، ودعم عودة اللاجئين، والتوصل للاستقرار الذي يستحقه الشعب السوري».