«فيسبوك» هش... وعالمه زائف

«فيسبوك» هش... وعالمه زائف
TT

«فيسبوك» هش... وعالمه زائف

«فيسبوك» هش... وعالمه زائف

كان الأديب الإسباني بالتاسار غراثيان، الذي عاش في القرن السابع عشر، هو من قال: «كذبة واحدة تدمر سمعة شخص بالكامل»، فما الذي كان سيقوله هذا الروائي الحاذق حين يصطدم بكيان صدرت عنه أكثر من خمسة مليارات كذبة؟
الرقم صحيح بكل تأكيد، أو هذا على الأقل ما أعلنته شركة «فيسبوك» بنفسها قبل أيام قليلة، حين قالت إنها «حذفت 5.4 مليار حساب مزيف»، خلال العام الجاري 2019.
وما يمكن أن نفهمه إزاء هذا الإعلان، أن «فيسبوك»، الذي يمتلك قاعدة مستخدمين شهرية في حدود 2.5 مليار مستخدم، كان يستضيف منبرين مضللين مقابل كل منبر لم يثبت ضلاله، ويتيح لهما بث الأكاذيب وتسميم الأجواء، قبل أن يتمكن من حذفهما.
في الشهر الماضي، كان المدير التنفيذي لـ«فيسبوك» مارك زوكربرغ يتحدث في منتدى أقيم بجامعة جورج تاون، حين واصل مبالغاته في الدفاع عن موقع التواصل الاجتماعي الأشهر الذي طوره ونماه، معتبراً إياه «أداة أساسية للتعبير الحر الضروري لديمقراطية سليمة».
كيف يمكن أن يكون «فيسبوك» أداة أساسية للتعبير الحر؟ وكيف يمكن أن يخدم الديمقراطية، إذا كنا قد عرفنا للتو أن ثلثي ما يرد به على الأقل مضلل؟
في يونيو (حزيران) الفائت، نشر «مركز ابتكار الحوكمة الدولية» نتائج استطلاع دولي أجرته شركة «إبسوس»، على عينة من 25 ألف شخص، في 25 بلداً، وقد جاءت النتائج صادمة؛ إذ أفاد 86 في المائة من المبحوثين الذين يستخدمون «الإنترنت» بانتظام، بأنهم وقعوا ضحية لأخبار مزيفة «معظمها ورد على (فيسبوك)».
في تقرير صدر قبل أيام، حذرت منظمة «فريدوم هاوس» من خطورة الاستمرار في سياسات التدخل في العمليات الانتخابية عبر «الإنترنت»، معتبرة أن تلك السياسات باتت «استراتيجية أساسية لأولئك الذين يسعون إلى تقويض الديمقراطية»، وراصدة تدخلات مشبوهة، تعتمد آليات تضليل، حدثت في 26 عملية انتخابية من بين 30 عملية تمت دراستها في العام المنصرم، في بقاع العالم المختلفة.
لقد تم رصد تدخل سافر في العملية الانتخابية التي جرت في الفلبين أخيراً؛ حيث «استغل المرشحون (السوشيال ميديا) في التضليل، ونجحوا في حرف النتائج».
وفي ميانمار، اعترف «فيسبوك» نفسه بأنه كان أبطأ من اللازم؛ بحيث لم يستطع التدخل بالسرعة المطلوبة لإيقاف سلسلة من الأخبار المضللة التي ساعدت على وقوع أعمال عنف أدت إلى مقتل أشخاص.
وفي الشهر الماضي، قُتل أربعة أشخاص على الأقل، وأصيب أكثر من 50، في بنغلاديش، بسبب منشور مسيء للإسلام، نجمت عنه حشود غاضبة اصطدمت بقوات الأمن، في أحداث عنف خلفت خسائر كبيرة، وعمقت التوتر في البلاد.
لا يقوم «فيسبوك» بواجبه حيال الحد من الحسابات المزورة، ولا يستخدم جزءاً من أرباحه المتصاعدة في توظيف فنيين ومحررين لمراجعة صحة المنشورات التي ترد عبره، ومع ذلك، فإن زوكربرغ يعتقد أنه «يخدم الديمقراطية» لمجرد أنه يوفر منبراً لأي صاحب مصلحة، ويبيع بياناته ليحقق أرباحاً، ثم يجتهد مع فريق محدود من معاونيه في تتبع الحسابات المزيفة أو إزالة المحتوى المسيء، بعدما بات موقعه «هشاً»، وأضحى نصف متابعيه متأكدين أن معظم ما يحصلون عليه من أخبار عبره «ملفق».
يزداد عدد متابعي «فيسبوك» يوماً بعد يوم، وبموازاة ذلك تتعمق هشاشة هذا الموقع.
لقد وفر لنا هذا الموقع «أسوأ منتدى لإجراء حوار سياسي»، كما يقول اختصاصي الاتصال جارون لانييه، كما ساهم مع مواقع أخرى مشابهة في إشاعة الابتذال واللغة المنحطة، عبر الاعتماد على بث الرسائل الملتهبة، التي تركز على إثارة المشاعر، بدلاً من تهيئة المجال لإدارة حوارات عقلانية، بقدر مناسب من المسؤولية.
تحفل وسائط التواصل الاجتماعي بخطاب تحريضي، ورسائل تحض على التعصب والكراهية، وللأسف، فإن كافة الجهود التي تم بذلها من أجل الحد من تلك الأضرار لم تنجح في القضاء عليها، أو تقليل أثرها الحاسم.
لا يمكن إلقاء اللوم على «فيسبوك» وحده في إثارة الشكوك في الانتخابات الأميركية الرئاسية الأخيرة، ولا يمكن تحميله وحده مسؤولية عدم إتاحة الفرص لزعزعة الثقة في الانتخابات المقبلة؛ لكن الأكيد أن هذا الموقع الذي قدم خدمات للمستخدمين والفضاء العمومي، عبر إتاحة فرص التعبير الحر، بات يشكل خطراً كبيراً على الديمقراطية.
وبسبب تضاعف معدلات الزيف والتضليل من خلاله، فإنه يهدد بتقويض الديمقراطية، رغم أن زوكربرغ يريد أن يقنعنا بأنه يكرسها.



«أبل» و«ميتا»... صراع متجدد يثير تساؤلات بشأن «خصوصية البيانات»

شعار ميتا (رويترز)
شعار ميتا (رويترز)
TT

«أبل» و«ميتا»... صراع متجدد يثير تساؤلات بشأن «خصوصية البيانات»

شعار ميتا (رويترز)
شعار ميتا (رويترز)

مرة أخرى يتجدَّد الصراع بين عملاقَي التكنولوجيا «أبل»، و«ميتا»، مثيراً تساؤلات بشأن مدى «حماية خصوصية بيانات المستخدمين». وبينما رأى خبراء التقتهم «الشرق الأوسط» أن المعركة الأخيرة جزء من نزاع مستمر بين «أبل»، و«ميتا» يتيح لهما البقاء على عرش التكنولوجيا الرقمية، فإنهم أشاروا إلى أن تأثير الصراع بشأن الخصوصية قد يمتد إلى مواقع الأخبار.

المعركة الأخيرة بدأت منتصف الشهر الحالي، مع تحذير وجَّهته شركة «أبل» بشأن تقديم منافستها «ميتا» مالكة «فيسبوك» و«إنستغرام» نحو «15 طلباً للوصول العميق إلى البيانات، في إطار قانون الأسواق الرقمية الجديد بالاتحاد الأوروبي، وهو ما قد يضعف حماية بيانات المستخدمين».

ووفق «أبل»، فإنه «إذا حصلت طلبات (ميتا) على الموافقة، فسيكون باستطاعتها من خلال تطبيقاتها: (فيسبوك)، و(إنستغرام)، و(واتساب)، رؤية كل الرسائل القصيرة ورسائل البريد الإلكتروني والصور والمواعيد، وكل بيانات مكالمات المستخدمين». ونبَّهت «أبل»، في بيانها، إلى أن «مجموعة من الشركات تستخدم قانون الأسواق الرقمية الأوروبي؛ للوصول إلى بيانات المستخدمين». ولكن في المقابل، نفت «ميتا» هذه الاتهامات، وعدَّتها «حججاً تستخدمها (أبل) في إطار ممارساتها المضادة لحرية المنافسة». وقالت، في بيان لها، إن «(أبل) لا تعتقد بالتوافق بين الأجهزة الأخرى».

تعليقاً على ما هو حاصل، قال أنس بنضريف، الصحافي المغربي المتخصص في شؤون الإعلام الرقمي، إن «الصراع الأخير بين (أبل) و(ميتا) هو امتداد لمعارك سابقة متكررة ومتجددة بين عملاقَي التكنولوجيا». وأردف: «هناك قانونان يحكمان السوق الرقمية في أوروبا: الأول هو قانون الخدمات الرقمية الذي يستهدف منع الاحتكار وحماية بيانات المستخدمين. والثاني هو قانون الأسواق الرقمية الذي يجبر الشركات على إتاحة معلوماتها للمطوّرين».

وأوضح بنضريف أن «الصراع الأخير بين (أبل) و(ميتا) مرتبط بقانون التسويق الرقمي، إذ تعدّ (ميتا) من المطوّرين المتاحة تطبيقاتهم، مثل (إنستغرام) و(فيسبوك) على هواتف (أبل)». وتوقّع أن تنتهي المعركة لصالح «ميتا»، مبرراً ذلك بأن «حجة (أبل) ضعيفة وغير كافية، وخصوصية بيانات المستخدمين محمية قانوناً في أوروبا، إلا أن مخالفة (ميتا) لقوانين حماية الخصوصية تُعرِّضها لغرامات كبيرة... وفي أي حال الصراع هو جزء من معركة تستهدف الضغط على (أبل) لفتح خدماتها وإتاحتها على منتجات تابعة لشركات أخرى».

للعلم، حسب قانون الأسواق الرقمية الأوروبي، لا يسمح للشركات المشغّلة للمنصّات الحصول على امتيازات خاصة. وتطالب المفوضية الأوروبية شركة «أبل» بأن تغدو أجهزتها متوافقة مع التكنولوجيا التي تنتجها شركات أخرى.

وبموجب إجراءات المفوضية الأوروبية يتوجب على «أبل» تقديم وصف واضح للمراحل والمواعيد النهائية المختلفة والمعايير والاعتبارات التي ستطبقها أو تأخذها في الاعتبار عند تقييم طلبات التشغيل البيني من مطوري التطبيقات، مع تزويد المطورين بتحديثات منتظمة، وتقديم التعليقات وتلقيها فيما يتعلق بفاعلية حل التشغيل البيني المقترح. ومن المتوقع صدور قرار من المفوضية بشأن ما إذا كانت «أبل» تلتزم بشرط قابلية التشغيل البيني، بحلول مارس (آذار) المقبل، وفق ما نقلته «رويترز».

من جهة ثانية، صرَّح محمد الصاوي، الصحافي المصري المتخصص في الرصد والتحليل الإعلامي، لـ«الشرق الأوسط» شارحاً أن «التوترات المستمرة بين (أبل) و(ميتا)، إلى جانب قانون الأسواق الرقمية في الاتحاد الأوروبي، تسلط الضوء على الأهمية المتزايدة لتنظيم شركات التكنولوجيا الكبرى، خصوصاً فيما يتعلق بالخصوصية والمنافسة». وأضاف أن «التحذير الذي أطلقته (أبل) بشأن (ميتا) أثار ذلك جدلاً حول ما إذا كانت مثل هذه الممارسات قد تضعف حماية البيانات للمستخدمين، والتركيز المتجدد على قانون الأسواق الرقمية يعد جزءاً من جهود الاتحاد الأوروبي لمنع شركات التكنولوجيا الكبرى من استغلال هيمنتها، حيث يهدف القانون إلى ضمان المنافسة العادلة عن طريق تقييد الشركات من منح نفسها مزايا خاصة، أو الوصول إلى بيانات المستخدمين بشكل مفرط دون موافقة».

وأشار الصاوي إلى أن «تأثير قانون الأسواق الرقمية يمتد إلى ما هو أبعد من شركات التكنولوجيا الكبرى، حيث قد يؤثر أيضاً على المواقع الإخبارية، لا سيما تلك التي تعتمد على منصات مثل (فيسبوك) في توزيع منتجاتها». وأوضح أن «القانون قد يجبر المنصات على معاملة أكثر عدلاً، ما يضمن ألا تتضرر المواقع الإخبارية من الخوارزميات أو ممارسات البيانات المتحيزة، كما يفرض إعادة التفكير في كيفية جمع البيانات الشخصية ومشاركتها وحمايتها عبر المنصات، مما يشير إلى تحول نحو أنظمة رقمية أكثر شفافية».

وعدّ الصاوي «قانون الأسواق الرقمية محاولةً لإعادة التوازن في ديناميكيات القوة في السوق الرقمية، ما قد يؤثر بشكل كبير على المبدعين في مجال المحتوى، بما في ذلك المواقع الإخبارية، في كيفية تفاعلهم مع المنصات... في حين يضمن استمرار الصراع بين (أبل) و(ميتا) بقاءهما متربعتين على عرش المنافسة الرقمية».

وحقاً، يأتي الصراع الأخير بين «أبل» و«ميتا» في وقت قرَّرت فيه هيئة حماية البيانات الآيرلندية فرض غرامة قيمتها 251 مليون يورو على شركة «ميتا»؛ بسبب عملية اختراق واسعة لبيانات نحو 29 مليون مستخدم على مستوى العالم في عام 2018.