الكوري «مانهي»... الشاعر الثائر بين الحب والطبيعة

اختار قصائد له وترجمها للعربية الكاتب أشرف أبو اليزيد

الطبيعة الكورية الخلابة التي غناها الشاعر في معظم قصائده
الطبيعة الكورية الخلابة التي غناها الشاعر في معظم قصائده
TT

الكوري «مانهي»... الشاعر الثائر بين الحب والطبيعة

الطبيعة الكورية الخلابة التي غناها الشاعر في معظم قصائده
الطبيعة الكورية الخلابة التي غناها الشاعر في معظم قصائده

رحلة خصبة مع الشعر والحياة عاشها الشاعر الكوري مانهي (1879 - 1944)، بدأت منذ صباه بقريته «غيونسانغ» بكوريا الجنوبية، وتنوعت ما بين العمل بالتدريس، ودراسة الرهبنة والمبادئ البوذية، ونيل لقب الراهب، والتفرغ للعزلة والتأمل الروحي لفترات طويلة، وامتدت الرحلة لافتتاحه مركزاً باسمه للحفاظ على التعاليم البوذية، ونشرها، والدعوة إلى فهمهما بشكل جديد مستنير، ثم انخراطه في النضال السياسي ضمن حركة الاستقلال، وأصبح عضواً دائماً بلجنتها التنفيذية، سعياً لتحرير بلاده من الاستعمار، وصار رمزاً للمقاومة السلبية غير العنيفة في حركة الاستقلال. كما كان أحد 33 عضواً وقّعوا في عام 1919 وثيقة تاريخية باعتبارهم ممثلي الشعب لإعلان الاستقلال الكوري من السيطرة الاستعمارية اليابانية، واختير زعيما لحزب ماندانج، وهو جمعية سرية مناهضة لليابان... وغيرها من المحطات الفارقة التي امتزج فيها الشعر بالنضال من أجل العدل والحب والحرية.
يكشف عن هذه الرحلة كتاب «أمتطي غيمة لأبحث عنك.. قصائد للشاعر الكوري مانهي»، اختارها وترجمها للعربية وقدم لها الكاتب الروائي أشرف أبو اليزيد، ملقياً الضوء عل مسيرة شاعر مهم، وفضاء شعري وأدبي لا تتوفر المعرفة الكافية به في المكتبة العربية.
الكتاب صدر حديثا عن «دار فهرس للنشر والتوزيع» بالقاهرة في نحو مائة صفحة، وهو نتاج رحلة عاشها المترجم في ربوع كوريا، زار خلالها كل الأماكن التي عاش فيها الشاعر، ونقَّب في طبيعته الشخصية وأفكاره وفلسفته، وما انطوت عليه الأماكن من علامات وإشارات وذكريات، كما زار بيته في سيول ومتحفه، وهو عبارة عن مؤسسة ثقافية تحمل اسمه، ووقف خلال الرحلة على جذور المعنى لغوياً وفنياً لكثير من الكلمات التي شكلت صعوبة ما في الترجمة.
كما خصص ملحقاً للتعريف بجائزة «مانهي» التي انطلقت في 29 يونيو (حزيران) 1996، بمناسبة مرور ربع قرن على وفاة «هان يونغ أون»، وهو الاسم البوذي الذي اختاره الشاعر ليوقّع به قصائده في فتر الرهبنة، وأفرد ملحقاً خاصا للتعريف بأهدافها والحاصلين عليها.
تمنح هذه الجائزة في فروع السلام، وخدمة المجتمع، والتميز الأكاديمي، والممارسات البوذية، والفن والأدب، واقتصرت في البداية على الكوريين، ثم اتسعت لتشمل العالم كله، وحصل عليها عدد من الكتاب الحاصلين على جائزة نوبل في الآداب والسلام، منهم الروائي النيجيري وول سوينكا، والكاتب الصيني موبان، والمناضل الأفريقي نيلسون مانديلا، والدلاي لاما من التبت، والدكتورة شيرين عبادي من إيران، والشاعر الأميركي روبرت هاس، والشاعر اليوناني قسطنطين كيدروف، والشاعرة الكويتية سعاد الصباح، كما حصل عليها مترجم الكتاب.
درس مانهي الأدب الصيني الكلاسيكي واللغة الصينية في فترة مبكرة من حياته، كما اهتم بكتب التاريخ والإدارة والاقتصاد، كركائز أساسية في بناء المستقبل، وكتب شعره باللغتين الصينية والكورية، ويذكر المترجم أن في تراثه الشعري 164 قصيدة باللغة الصينية، نظمها عبرة فترة تجاوزت الثلاثين عاماً (1909 - 1939)، منها قصيدة شهيرة بعنوان «فجر كوخ جبلي».. وفيها يقول:
صاعدة تحلِّق نتفُ الجليد خارج النافذة
لتغطي الجبال، حين يحل الفجر الآن
منازل القرية الدافئة تبدو كصورة
دفقة إحساس شعري تُنسي حتى المرض».
في مقدمته للكتاب يلتقط أبو اليزيد الركائز الجمالية والفكرية في شعر مانهي، واصفاً إياه بأنه «الشاعر الثائر بين الحب والطبيعة»، مشيراً إلى أن هذه المختارات المترجمة تم اختيارها من ديوانه «صمْتُ كل شيء شغفتُ به»، وأنه اعتمد على شروح ومصادر في إنجاز ذلك من خلال ترجمة ديوان مانهي «صمت حبيبي»، التي نقلتها للإنجليزية الناقدة المترجمة فرانشيسكا تشو، موضحاً أن رمزية الحبيب «نيم» لدى الشاعر هي دلالة استعارية، حيث لا تعبر هذه الكلمة في اللغة الكورية وتقاليدها عن عاشق فحسب بالمعني العاطفي الرومانسي والحسي، ولكنه أيضاً أي شخص، وأي شيء في إطار حالة العشق، وتمتد هذه الرمزية إلى سيادة المرء السياسية، وعلاقته بوالديه، وبمدرسته، وبلده، وفضائه الإنساني.
هذا المعنى الاستعاري الذي يتسم بكلية الرمز يتجسد بوضوح في شعر مانهي، يشير إليه المترجم بمقطع دال من شعره، يقول فيه:
«نيم.. ليس الإنسان المحب وحسب، بل كل شيء يكون الشوق إليه
كل الكائنات هي (نيم) بالنسبة إلى بوزا، والفلسفة كانت (نيم)
مطر الربيع هو (نيم)...
نيم هو من أحب، وهو أيضاً من يحبني».
يؤشر المعنى في هذا المقطع المشدود للحب والسلام، إلى الرسالة التي ينطوي عليها شعر مانهي؛ فهو شاعر حالم بكل شيء في الحياة، بل إن الشعر نفسه حلم لا ينتهي، هو خزنة أسرار الشاعر، ومفاتيحه لفهم نفسه والعالم من حوله. ومن أجمل صور الحلم في الديوان، التوحد بالآخر، ليس فقط رغبة في الحب، بل في التخفيف من آلامه ومشاطرته أحزانه، وهو ما يتجسد على نحو لافت في قصيدة بعنوان «لنكن شخصاً واحداً» يقول فيها:
«لو تأخذ قلبي
خذني أيضاً
واجعلني معك شخصاً واحداً
فإن لم تفعل أعطني قلبك
ولا تعطِ وجعه فحسب،
وكن معي شخصاً واحداً
فإن لم تفعل أعد لي قلبي
وهبني اللاسعادة
حينها سيكون قلب لي
وسأحب الألم الذي وهبتني إياه».
بهذه الروح المفعمة بالوجع الإنساني تنفتح شاعرية مانهي على الطبيعة؛ تتوحد بغيومها وأمطارها وتحولات فصولها، وكأنها ترنيمة لحلم الإنسان، ومرثية له في الوقت نفسه، بل كثيراً ما يتوسم في مشاهدها التعاليم البوذية، حيث يبدو النظر إلى الطبيعة وكأنها الجسر الأقوى الذي تتنقل عليه خطى الإنسان نحو العالم الآخر، مثلما يصورها في قصيدة بعنوان «المعدية والمسافر» قائلاً:
«أنا المعدية
وأنت المسافر
تسير فوقي بقدمين غطاهما الطمي،
فأمسك بك ونعبر الماء
أحملك عبر التيارات العميقة الضحلة والسريعة
فإن لم تأتِ، سأتحمل قسوة الريح والجليد والمطر
وأنا أنتظرك من الغسق حتى مطلع الفجر
ما إن تعبر الماء ستمضي دون نظرة إلى الوراء
آجلا، أم عاجلا سـتأتي.. أعرف
أنتظرك وأنا أكبر يوماً بعد يوم
فأنا المعدية
وأنت المسافر».
لا تخلو شاعرية مانهي من روح المرح والدعابة، خصوصاً إذا كان الخطاب موجهاً إلى الأنثى الحبيبة، كاشفاً عن طبيعة النساء التي تنفر من الغموض، وتريد أن يكون كل شيء واضحاً، تماماً مثل قلب العاشق، لذلك لا يراهن الشاعر على الوضوح في العلاقة، بل ينحاز إلى الأسرار، ويسخر منها في الوقت نفسه، لو شكلت حاجزاً بينه وبين قلبه، أو بينه وبين حبيبته... يجسد هذا المعنى في قصيدة بعنوان «أسرار» قائلاً:
«أسرار... أسرار
تقولين أي الأسرار قد أملكها؟
لقد حاولت أن أصون سراً عنك، لكن لم أفلح.
عبر دموعي تخلل سري إلى عينيك
وعبر أنفاسي تسرب سري إلى أذنيك
وعبر صدري النابض.. لامست سري
الآخر أصبح قطعة من قلبي الأحمر
فدخل إلى أحلامك
وعندي سر أخير
لكني لا يمكن أن أفضي به
لأنه يشبه صدى بلا صوت».
تجذر مانهي، بشعره وشخصيته المستنيرة المنفتحة في الوجدان الكوري؛ فقد حافظ على تقاليد بلاده الثقافية والاجتماعية، ومع ذلك ظل نظره مسكوناً بالمستقبل، داعياً إلى التحرر من كل ما يكبل طموحات الإنسان للرقي والتقدم، فدعم حرية المرأة وضرورة تعليمها ونيل حقوقها المشروعة في المجتمع تماماً مثل الرجل، كما اقترح الزواج للرهبان البوذيين، ما داموا قادرين على ذلك، وأن تترك البوذية المعابد النائية في التلال والجبال، حتى تنخرط في واقع الحياة الحضرية للمجتمع. وظل يدعو لذلك، حتى وفاته في يونيو 1944 قبل عام من تحرير بلاده من الاستعمار الياباني.



غازي القصيبي يحضر في أول ملتقى سعودي للأدب الساخر

غازي القصيبي يحضر في أول ملتقى سعودي للأدب الساخر
TT

غازي القصيبي يحضر في أول ملتقى سعودي للأدب الساخر

غازي القصيبي يحضر في أول ملتقى سعودي للأدب الساخر

تشهد منطقة الباحة، جنوب السعودية، انطلاقة الملتقى الأول للأدب الساخر، الذي يبدأ في الفترة من 22-24 ديسمبر (كانون الأول) الحالي، وينظمه نادي الباحة الأدبي.

وأوضح رئيس النادي، الشاعر حسن الزهراني، أن محاور الملتقى تتناول «الأدب الساخر: المفهوم، والدلالات، والمصادر»، و«الاتجاهات الموضوعية للأدب الساخر، والخصائص الفنية للأدب الساخر في المملكة»، وكذلك «مستويات التأثر والتأثير بين تجارب الكتابة الساخرة محلياً ونظيراتها العربية»، و«حضور الأدب الساخر في الصحافة المحلية قديماً وحديثاً»، و«أثر القوالب التقنية الحديثة ومواقع التواصل في نشوء أشكال جديدة من الأدب الساخر محلياً»، و«سيميائية الصورة الصامتة في الكاريكاتير الساخر محلياً».

بعض المطبوعات الصادرة بمناسبة انعقاد أول ملتقى للأدب الساخر (الشرق الأوسط)

وشارك في صياغة محاور الملتقى لجنة استشارية تضم: الدكتور عبد الله الحيدري، والدكتور ماهر الرحيلي، والقاص محمد الراشدي، ورسام الكاريكاتير أيمن يعن الله الغامدي.

وكشف الزهراني أن النادي تلقى ما يزيد على 40 موضوعاً للمشاركة في الملتقى، وأقرت اللجنة 27 بحثاً تشمل؛ ورقة للدكتورة دلال بندر، بعنوان «حمزة شحاتة... الأديب الجاد ساخراً»، والدكتور محمد الخضير، بعنوان «الخصائص الفنية في الأدب الساخر عند حسن السبع في ديوانه ركلات ترجيح - دراسة بلاغية نقدية»، والدكتور صالح الحربي، بعنوان «المجنون ناقداً... النقد الأدبي في عصفورية القصيبي»، والدكتور عادل خميس الزهراني، بعنوان «الصياد في كمينه: صورة الحكيم في النكت الشعبية بمواقع التواصل الاجتماعي»، والدكتور حسن مشهور، بعنوان «الكتابة الساخرة وامتداداتها الأدبية... انتقال الأثر من عمومية الثقافة لخصوصيتها السعودية»، والدكتورة بسمة القثامي، بعنوان «السخرية في السيرة الذاتية السعودية»، والدكتورة كوثر القاضي، بعنوان «الشعر الحلمنتيشي: النشأة الحجازية وتطور المفهوم عند ابن البلد: أحمد قنديل»، والدكتور يوسف العارف، بعنوان «الأدب الساخر في المقالة الصحفية السعودية... الكاتبة ريهام زامكة أنموذجاً»، والدكتور سعد الرفاعي، بعنوان «المقالة الساخرة في الصحافة السعودية... الحربي الرطيان والسحيمي نموذجاً»، والدكتور عمر المحمود، بعنوان «الأدب الساخر: بين التباس المصطلح وخصوصية التوظيف»، والدكتور ماجد الزهراني، بعنوان «المبدع ساخراً من النقاد... المسكوت عنه في السرد السعودي»، والمسرحي محمد ربيع الغامدي، بعنوان «تقييد أوابد السخرية كتاب: حدثتني سعدى عن رفعة مثالاً»، والدكتورة سميرة الزهراني، بعنوان «الأدب الساخر بين النقد والكتابة الإبداعية... محمد الراشدي أنموذجاً». والدكتور سلطان الخرعان، بعنوان «ملخص خطاب السخرية عند غازي القصيبي: رؤية سردية»، والدكتور محمد علي الزهراني، بعنوان «انفتاح الدلالة السيميائية للصورة الساخرة... الرسم الكاريكاتوري المصاحب لكوفيد-19 نموذجاً»، والكاتب نايف كريري، بعنوان «حضور الأدب الساخر في كتابات علي العمير الصحافية»، والدكتور عبد الله إبراهيم الزهراني، بعنوان «توظيف المثل في مقالات مشعل السديري الساخرة»، والكاتب مشعل الحارثي، بعنوان «الوجه الساخر لغازي القصيبي»، والكاتبة أمل المنتشري، بعنوان «موضوعات المقالة الساخرة وتقنياتها عند غازي القصيبي»، والدكتور معجب الزهراني، بعنوان «الجنون حجاباً وخطاباً: قراءة في رواية العصفورية لغازي القصيبي»، والدكتور محمد سالم الغامدي، بعنوان «مستويات الأثر والتأثير بين تجارب الكتابة الساخرة محلياً ونظرياتها العربية»، والدكتورة هند المطيري، بعنوان «السخرية في إخوانيات الأدباء والوزراء السعوديين: نماذج مختارة»، والدكتور صالح معيض الغامدي، بعنوان «السخرية وسيلة للنقد الاجتماعي في مقامات محمد علي قرامي»، والدكتور فهد الشريف بعنوان «أحمد العرفج... ساخر زمانه»، والدكتور عبد الله الحيدري، بعنوان «حسين سرحان (1332-1413هـ) ساخراً»، ويقدم الرسام أيمن الغامدي ورقة بعنوان «فن الكاريكاتير»، والدكتور يحيى عبد الهادي العبد اللطيف، بعنوان «مفهوم السخرية وتمثلها في الأجناس الأدبية».

بعض المطبوعات الصادرة بمناسبة انعقاد أول ملتقى للأدب الساخر (الشرق الأوسط)

وخصص نادي الباحة الأدبي جلسة شهادات للمبدعين في هذا المجال، وهما الكاتبان محمد الراشدي، وعلي الرباعي، وأعدّ فيلماً مرئياً عن رسوم الكاريكاتير الساخرة.

ولفت إلى تدشين النادي 4 كتب تمت طباعتها بشكل خاص للملتقى، وهي: «معجم الأدباء السعوديين»، للدكتورين عبد الله الحيدري وماهر الرحيلي، وكتاب «سامحونا... مقالات سعد الثوعي الساخرة»، للشاعرة خديجة السيد، وكتاب «السخرية في أدب علي العمير» للدكتور مرعي الوادعي، و«السخرية في روايات غازي القصيبي» للباحثة أسماء محمد صالح.