«من القلب»... معرض مصري يقتنص «اللقطة الأولى» للتشكيليين الشباب

اللقطة الأولى بالنسبة للفنان التشكيلي هي تلك الومْضة التي تملأ مخيلته بصور فنية متداخلة، عندما يرى في عالم الواقع منظراً أو شيئاً يحرك ملكاته الفنية، وسرعان ما تتحول هذه اللقطة إلى فكرة تتدفق بين ثنايا اللوحة.
ويؤكد معرض «من القلب... لقطة أولى»، في متحف قصر المنيل بجنوب القاهرة، التنوع الفنّي بين شباب التشكيليين المصريين، إذ يُشارك فيه 34 فناناً تشكيلياً شاباً، بينهم 33 فنانة وشاب واحد من أعضاء مبادرة «اللقطة الواحدة»، التي ترعاها كلية الفنون الجميلة في جامعة حلوان، ويضمّ 74 لوحة تشكيلية متنوعة تمثل بانوراما استعراضية لأنواع متعددة من الفنون التشكيلية على غرار البورتريه التقليدي، والتجريدي، والصياغات التعبيرية، والمدرسة التكعيبية، وغيرها.
ندى القداح، الطالبة في كلية الفنون الجميلة بجامعة حلوان، تشارك في المعرض بثلاثة أعمال تُمثل ثلاثة أنواع من أشكال الفن التشكيلي المختلفة، ففي لوحة تنتمي إلى مدرسة الفن التجريدي حاولت إبراز جمال الخط العربي وحروفه، ومع إطلاق العنان لخيالها، والتداخل بين ذاتها والفكرة الفنية قفز حرف «النون» الذي تحبه كثيراً ليحتل مكانة مميزة، ويصبح الأبرز في لوحتها.
تقول القداح لـ«الشرق الأوسط»، إنّ «حرف (النون) فرض نفسه على اللوحة من دون أن أقصد ذلك، ربما لأنّني أحبّه كثيراً، أو أنّه يعبّر عن شيء ما في داخلي، لكنّني أيضاً أحبّ الخط العربي وجمال حروفه».
وتضيف ندى: «لوحتي الثانية التي تنتمي إلى أحد أشكال الطبيعة الصامتة صورتُ خلالها عناصر من حياتنا اليومية التي اندمجت مع رؤيتي الذاتية، ففيها بعض الخضر مثل الباذنجان والطماطم والبصل، لكنّي رسمتها كأنّها تدور حول نفسها في حركة دائرية».
ويمتزج تنوع الأشكال والمدارس الفنية التشكيلية للأعمال المشاركة بتنوع رؤى الفنانين، إذ يمتزج في معظم اللوحات أسلوب الفنان مع المشهد الذي أثار مخيلته، والأفكار الانطباعية التي راودته في لحظة التفاعل الأولى، فالفنان الشاب عبد العزيز الأدغم، الطّالب في كلية اللغة العربية بجامعة الأزهر، يُشارك بلوحة واحدة تحمل اسم «مآذن منكسة»، وهي تجسّد انطباعه الأول خلال رؤيته لمسجد أثري يعاني من الإهمال أثناء عودته إلى قريته بدلتا مصر.
يقول الأدغم لـ«الشرق الأوسط»، إنّ «اللوحة تصوّر مآذن مساجد منكسة، لكن أيضاً، ترى فيها مآذن صغيرة تصعد من أسفل اللوحة، والعمل يجسّد رؤيتي الانطباعية الأولى عندما شاهدت المسجد الأثري».
المعرض الذي نُظّم بالتعاون بين متحف قصر المنيل وكلية الفنون الجميلة في جامعة حلوان، في إطار مبادرة «اللقطة الواحدة» التي ترعاها الكلية، يهدف إلى دعم وتطوير مهارات الفنانين التشكيليين الشباب من خلال الورش الفنية المتنوعة، وتُعد الأعمال المشاركة بالمعرض محصلة فترة تدريبية بدأت منذ يناير (كانون الثاني) الماضي؛ حيث كان ينتقل الفنانون المشاركون بالمبادرة في الثامنة من صباح كل يوم جمعة في رحلة ميدانية يقومون خلالها بالرسم في أماكن مفتوحة متنوعة، منها مناطق أثرية بالقاهرة الفاطمية مثل حي القلعة وشارع المعز وأبواب القاهرة التاريخية، والحدائق العامة.
من جانبه، يقول الدكتور عبد العزيز الجندي الأستاذ في كلية الفنون الجميلة، والمشرف على المبادرة لـ«الشرق الأوسط»، إنّ «المبادرة كانت قاصرة على طلاب كلية الفنون الجميلة في بداية انطلاقها، ثم قمنا بتوسيع المشاركة لتشمل كل الفنانين الشباب بصرف النظر عن دراستهم، ويُعدّ النشاط الأسبوعي الرئيسي هو الانتقال للرسم في الأماكن المفتوحة، إذ إنّ هذه الأماكن تثري خيال الفنان وتطلق عنان أفكاره».
ويضيف الجندي أنّ «تنوع الأعمال في المعرض يعكس تنوع رؤية الفنانين المشاركين الذين ينتمون إلى مدارس فنية مختلفة، إذ إنّ التعبير عن الذات والرؤية الخاصة بكل فنان سمة رئيسية في كل الأعمال المعروضة، ويبدو هذا واضحاً حتى في الأشكال الفنية التقليدية، سواء الأكاديمية أو البورتريه، وكل الأعمال المشاركة هي محصلة الرحلات الفنية الأسبوعية التي نقوم بها صباح كل يوم جمعة، بعضها رُسمت في الأماكن التي قمنا بزيارتها، ولوحات أخرى رسمها الفنانون في منازلهم كجزء من تكليفات تشبه الواجب المدرسي».