«الفضائح الأمنية» تحاصر الحكومة العراقية

بعد خطف ضابط كبير وحديث وزير الدفاع عن «طرف ثالث» يُدخل القنابل القاتلة

مظاهرة حاشدة ضد الحكومة في بغداد أمس (رويترز)
مظاهرة حاشدة ضد الحكومة في بغداد أمس (رويترز)
TT

«الفضائح الأمنية» تحاصر الحكومة العراقية

مظاهرة حاشدة ضد الحكومة في بغداد أمس (رويترز)
مظاهرة حاشدة ضد الحكومة في بغداد أمس (رويترز)

وسط مطالبات متواصلة من مئات آلاف العراقيين في ساحات الاعتصام، والتظاهر برحيلها، حاصرت حكومة رئيس الوزراء عادل عبد المهدي، في اليومين الأخيرين، فضيحتان أمنيتان. وقعت الأولى بعد قيام عصابة مسلحة باختطاف مسؤول أمني رفيع في وزارة الداخلية وسط بغداد، فيما تمثلت الثانية في نفي وزير الدفاع نجاح الشمري أن تكون الأعتدة التي تصيب رؤوس المتظاهرين العراقيين قد دخلت البلاد عن طريق الحكومة.
واتهم وزير الدفاع نجاح الشمري «طرفاً ثالثاً» لم يكشف عنه، باستخدام عتاد وأسلحة لم تدخل العراق عن طريق الحكومة ضد المتظاهرين. وانتشر على نطاق واسع تصريح فيديوي، أول من أمس، أدلى به خلال زيارته العاصمة الفرنسية باريس، قال فيه إن «هناك قتلى من الطرفين، من المتظاهرين والقوات الأمنية، والقاتل هو طرف ثالث».
وأشار الشمري إلى أن «البندقية التي استخدمت لتفريق المتظاهرين لا يبعد مداها أكثر من 100 متر، وقد استخدمت قنابل لتفريق المتظاهرين وأساليب أخرى تستخدم في أغلب دول العالم في ظروف المظاهرات». لكنه أضاف: «الغريب أن هناك حالات قتل وإصابات حدثت في صفوف متظاهرين يبعدون أكثر من 300 متر عن القوات الأمنية، ولا علاقة لإصابتهم بالقوات الأمنية، وبعد فحص العينات المستخرجة من أجساد المصابين ورؤوس الضحايا الذين سقطوا نتيجة إصابتهم بالرأس، تبين أن هذه الأعتدة لم تدخل العراق عن طريق الحكومة، والبنادق المستخدمة أيضاً لإطلاق هذا النوع من العتاد لم تدخل العراق بشكل رسمي أو بعلم الحكومة». وأشار إلى أن «وزن المقذوف المستخدم ضد المتظاهرين يعادل 3 أضعاف وزن المقذوف الذي تم استخدامه لتفريق المتظاهرين».
وعلى رغم البيان التوضيحي الذي أصدرته وزارة الدفاع، أمس، حول ما يقصده وزيرها بكلامه، فإن مراقبين واتجاهات عراقية كثيرة أشارت بأصابع الاتهام إلى أن الوزير كان يقصد إيران والميليشيات الموالية لها، أنها من قامت بإدخال تلك القنابل دون علم الحكومة العراقية، خاصة بعد أن أعلنت منظمة العفو الدولية في وقت سابق أن إيران واحدة من الدول المصنعة للقنابل المسيلة للدموع التي تفتك بالمتظاهرين العراقيين.
وقالت وزارة الدفاع، في بيانها إن «ما يقصده معالي وزير الدفاع، نجاح الشمري، ممن وصفهم في تصريحه بالطرف الثالث الذي يقوم باستهداف المتظاهرين السلميين والقوات الأمنية وقتلهم، هم عصابات تستخدم الأسلحة وتستخدم رمانات الدخان القاتلة ضد أبناء شعبنا من المتظاهرين والقوات الأمنية». وأضافت: «نبرئ الأجهزة الأمنية من استخدام رمانات الدخان القاتلة».
ورغم معرفة جماعات الحراك الطبيعة المميتة لتلك القنابل، واتهامها بعض الفصائل الميليشاوية بالوقوف وراء استعمالها، فإن تصريحات وزير الدفاع الأخيرة أصابت اتجاهات كثيرة بالصدمة الشديدة، نظراً لتأكيدها الشكوك والاتهامات التي تساور جماعات الحراك حول طبيعة وخلفيات العناصر التي قتلت وأصابت آلاف العراقيين منذ انطلاق المظاهرات مطلع أكتوبر (تشرين الأول) الماضي. وترى اتجاهات حقوقية ومدنية غير قليلة أن تصريحات وزير الدفاع لا تعفيه وحكومة عادل عبد المهدي من المحاسبة لاحقاً، ويؤكدون أنها تمثل «أدلة إدانة واضحة على تقصيرها في حماية المتظاهرين».
أما الفضيحة الأمنية الثانية التي تعرضت لها الحكومة في غضون الأيام الأخيرة، فتمثلت في قيام عصابة مسلحة باختطاف المسؤول الرفيع في وزارة الداخلية، اللواء الدكتور ياسر عبد الجبار محمد حسين، عميد المعهد العالي للتطوير الأمني والإداري، وأفراد حمايته، في وضح النهار من منطقة الجادرية ببغداد، واقتيادهم إلى جهة مجهولة. ويظهر فيديو التقطته كاميرا قريبة من الحادث، يوم الثلاثاء الماضي، قيام مجموعة مسلحة تستقل سيارات سوداء من طراز «جي إم سي» باعتراض موكب اللواء وإجباره وعناصر حمايته على الصعود، وغادرت المكان.
وتعرض رئيس الوزراء لموجة انتقاد واسعة بعد اعترافه بموجة الاختطافات، التي طالت اللواء عبد الجبار، إلى جانب ناشطين ومتظاهرين، عبر بيان أصدره، قال فيه: «نرفض هذه الممارسات بشدة، ونعدّ هذا العمل جريمة يعاقب عليها القانون، وعلى الجناة إطلاق سراحه فوراً ومن دون قيد أو شرط، والأمر يتناول أيضاً أي شخصية أخرى مختطفة، فالقانون يعاقب على احتجاز أو اعتقال أي شخص من دون أوامر قضائية أصولية، ومن غير الجهات المخولة بأوامر إلقاء القبض وتنفيذه». وتحدث عبد المهدي عن مباشرة «دوائرنا الأمنية والقضائية المختصة فعلاً بالتحريات والتحقيقات اللازمة للتعرف على الجناة وتحرير المختطفين». ووجّه تحذيراً إلى الجهات التي تقوم بهذه الأعمال، أو تغطيها، أن عقوبات مؤكدة تنتظرها نتيجة أفعالها.



3 مقترحات يمنية أمام مجلس الشيوخ الأميركي لإسناد الشرعية

رئيس مجلس القيادة الرئاسي اليمني يلتقي في الرياض الأحد مسؤولين أميركيين (سبأ)
رئيس مجلس القيادة الرئاسي اليمني يلتقي في الرياض الأحد مسؤولين أميركيين (سبأ)
TT

3 مقترحات يمنية أمام مجلس الشيوخ الأميركي لإسناد الشرعية

رئيس مجلس القيادة الرئاسي اليمني يلتقي في الرياض الأحد مسؤولين أميركيين (سبأ)
رئيس مجلس القيادة الرئاسي اليمني يلتقي في الرياض الأحد مسؤولين أميركيين (سبأ)

قدمت الحكومة اليمنية عبر سفارتها في واشنطن 3 مقترحات أمام مجلس الشيوخ الأميركي لإسناد الشرعية في مواجهة الجماعة الحوثية المدعومة من إيران، في حين تحدثت الجماعة، الأحد، عن غارة ضربت موقعاً لها في جنوب محافظة الحديدة.

ووصف الإعلام الحوثي الغارة بـ«الأميركية - البريطانية»، وقال إنها استهدفت موقعاً في مديرية التحيتا الخاضعة للجماعة في جنوب محافظة الحديدة الساحلية على البحر الأحمر، دون إيراد تفاصيل عن آثار الضربة.

مقاتلات أميركية من طراز «إف 35» شاركت في ضرب الحوثيين باليمن (أ.ب)

وفي حين لم يتبنَّ الجيش الأميركي على الفور هذه الغارة، تراجعت خلال الشهر الأخير الضربات على مواقع الحوثيين، إذ لم تسجل سوى 3 غارات منذ 12 نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي.

وكانت واشنطن أنشأت تحالفاً بقيادتها سمّته «حارس الازدهار» وبدأت - ومعها بريطانيا في عدد من المرات - في شن ضربات على مواقع الجماعة الحوثية ابتداء من 12 يناير (كانون الثاني) 2024، في مسعى لإضعاف قدرة الجماعة على مهاجمة السفن.

وإذ بلغت الغارات أكثر من 800 غارة غربية استأثرت محافظة الحديدة الساحلية بأغلبها، كانت الجماعة تبنت مهاجمة نحو 215 سفينة منذ نوفمبر 2023، وأدت الهجمات إلى غرق سفينتين وإصابة أكثر من 35 سفينة ومقتل 3 بحارة.

وتزعم الجماعة الموالية لإيران أنها تشن هجماتها ضد السفن إلى جانب عشرات الهجمات باتجاه إسرائيل مساندة منها للفلسطينيين في غزة، في حين تقول الحكومة اليمنية إن الجماعة تنفذ أجندة طهران واستغلت الأحداث للهروب من استحقاقات السلام.

تصنيف ودعم وتفكيك

في وقت يعول فيه اليمنيون على تبدل السياسة الأميركية في عهد الرئيس المنتخب دونالد ترمب، لتصبح أكثر صرامة في مواجهة الحوثيين الذين باتوا الذراع الإيرانية الأقوى في المنطقة بعد انهيار «حزب الله» وسقوط نظام بشار الأسد، قدم السفير اليمني لدى واشنطن محمد الحضرمي 3 مقترحات أمام مجلس الشيوخ لدعم بلاده.

وتتضمن المقترحات الثلاثة إعادة تصنيف الحوثيين منظمة إرهابية أجنبية، ودعم الحكومة اليمنية لتحرير الحديدة وموانئها، واستهداف قيادات الجماعة لتفكيك هيكلهم القيادي.

محمد الحضرمي سفير اليمن لدى الولايات المتحدة ووزير الخارجية الأسبق (سبأ)

وقال السفير الحضرمي إن تصنيف الحوثيين منظمة إرهابية أجنبية على غرار تصنيف «حزب الله» و«الحرس الثوري» الإيراني، من شأنه أن يبعث برسالة قوية مفادها أن أفعال الحوثيين (ترويع المدنيين، واستهداف الأمن البحري، وزعزعة استقرار المنطقة) غير مقبولة.

وبخصوص دعم الحكومة اليمنية لتحرير ميناء الحديدة، أوضح الحضرمي في مداخلته أمام مجلس الشيوخ الأميركي أن تأمين هذا الميناء الحيوي على البحر الأحمر، من شأنه أن يمكن الحكومة من حماية البحر الأحمر وإجبار الحوثيين على الانخراط في السلام، وكذلك منع وصول الدعم الإيراني إليهم.

وأكد الحضرمي أن تحرير الحديدة لن يكلف الحكومة اليمنية الكثير، وقال: «كنا على مسافة قليلة جداً من تحرير الحديدة في 2018، وتم إيقافنا من قبل المجتمع الدولي. وأعتقد أنه حان الأوان لتحرير هذا الميناء».

وفيما يتعلق باستهداف قيادات الحوثيين لتفكيك هيكلهم القيادي، شدد السفير اليمني في واشنطن على أهمية هذه الخطوة، وقال إن «محاسبة قادة الميليشيات الحوثية على جرائمهم ستؤدي إلى إضعاف عملياتهم وتعطيل قدرتهم على الإفلات من العقاب».

وأضاف: «ستعمل هذه التدابير على تعزيز أمن البحر الأحمر، وحفظ دافعي الضرائب وهذا البلد (الولايات المتحدة) للكثير من المال، ومحاسبة الحوثيين على أفعالهم، وتوفير الضغط اللازم لإجبار الجماعة على الانخراط في المفاوضات، مما يمهد الطريق لسلام دائم في اليمن».

ورأى السفير اليمني أن الدبلوماسية وحدها لا تجدي نفعاً مع النظام الإيراني ووكلائه، وقال: «حاولنا ذلك معهم لسنوات عديدة. (السلام من خلال القوة) هو المجدي! وأنا واثق بأن الشعب اليمني والإيراني سيتمكنون يوماً ما من تحرير أنفسهم من طغيان النظام الإيراني ووكلائه».

اتهام إيران

أشار السفير الحضرمي في مداخلته إلى أن معاناة بلاده كانت النتيجة المتعمدة لدعم إيران للفوضى وعدم الاستقرار في المنطق، وقال: «منذ أكثر من 10 سنوات، قامت إيران بتمويل وتسليح جماعة الحوثي الإرهابية، وتزويدها بالأسلحة الفتاكة لزعزعة استقرار اليمن وتهديد خطوط الملاحة الدولية في البحر الأحمر».

وأوضح أنه من المأساوي أن الدعم الإيراني مكّن الحوثيين من أن يصبحوا خطراً ليس فقط على اليمن، بل على المنطقة والعالم، إذ يعدّ البحر الأحمر ممراً مهماً للشحن التجاري، حيث يمر منه أكثر من 10 في المائة من التجارة العالمية و30 في المائة من شحن البضائع السنوي، لافتاً إلى أن الولايات المتحدة وحدها تنفق مليارات الدولارات للتصدي لهجمات لا تكلف إيران إلا القليل.

صاروخ وهمي من صنع الحوثيين خلال تجمع في صنعاء دعا له زعيم الجماعة (إ.ب.أ)

وخاطب الحضرمي أعضاء مجلس الشيوخ الأميركي بالقول: «يجب إيقاف الحوثيين، ويمكن لليمنيين إيقافهم! فنحن نمتلك العزيمة والقوة البشرية لمواجهة الحوثيين والتهديد الإيراني في اليمن والبحر الأحمر. ولكننا لا نستطيع أن نفعل ذلك بمفردنا؛ نحن بحاجة لدعمكم».

وأشار السفير اليمني إلى أن الحوثيين يحصلون على النفط والغاز مجاناً من إيران، وباستخدام الأسلحة الإيرانية يمنعون اليمن من تصدير موارده الطبيعية، مما أعاق قدرة الحكومة على دفع الرواتب، أو تقديم الخدمات، أو شن هجوم مضاد فعال ضد الجماعة. وقال: «يمكن أن يتغير ذلك بدعم الولايات المتحدة».

وأكد الحضرمي أن اليمنيين لديهم العزيمة والقدرة على هزيمة الحوثيين واستعادة مؤسسات الدولة وإحلال السلام، واستدرك بالقول إن «وجود استراتيجية أميركية جديدة حول اليمن يعدّ أمراً بالغ الأهمية لمساعدتنا في تحقيق هذا الهدف».

ومع تشديد السفير اليمني على وجود «حاجة ماسة إلى نهج جديد لمعالجة التهديد الحوثي»، أكد أن الحوثيين «ليسوا أقوياء بطبيعتهم، وأن قوتهم تأتي فقط من إيران وحرسها الثوري، وأنه بوجود الاستراتيجية الصحيحة، يمكن تحييد هذا الدعم».