إضراب في المستشفيات بسبب نقص الأدوية والمعدات الطبية

توقيف عدد من المحتجين خلال مواجهات مع الجيش

من الوقفة الاحتجاجية للأطباء في مستشفى الجامعة الأميركية في بيروت (رويترز)
من الوقفة الاحتجاجية للأطباء في مستشفى الجامعة الأميركية في بيروت (رويترز)
TT

إضراب في المستشفيات بسبب نقص الأدوية والمعدات الطبية

من الوقفة الاحتجاجية للأطباء في مستشفى الجامعة الأميركية في بيروت (رويترز)
من الوقفة الاحتجاجية للأطباء في مستشفى الجامعة الأميركية في بيروت (رويترز)

في اليوم الثلاثين للاحتجاجات الشعبية في لبنان استمرت التحركات في مختلف المناطق وسجل كر وفر في أكثر من منطقة بين المتظاهرين والقوى الأمنية وأعلن عن توقيف عدد من الناشطين خلال محاولة الجيش فتح الطرقات، ليعود الأخير ويؤكد أن توقيفهم جاء على خلفية تعرضهم لعناصر الجيش.
أتى ذلك في وقت بدأت تداعيات الأزمة الاقتصادية تتسع لتطال مختلف القطاعات وكان آخرها المستشفيات التي أطلقت صرخة أمس بسبب نقص الأدوية والمستلزمات الطبية عبر تنفيذها إضرابا تحذيريا.
من جهتها، أكدت وزارة المال في بيان لها، أن «جميع مستحقات المستشفيات الخاصة والحكومية المحوّلة من وزارة الصحة العامة قد تم صرفها بالكامل وتحويلها إلى حسابات المستشفيات في المصارف، كذلك تم صرف المساهمات المقرّرة للمستشفيات الحكومية».
وقال نقيب أصحاب المستشفيات سليمان هارون في حديث تلفزيوني: «نحن في ظل أزمة صحية كبيرة وبدأنا نلحظ نقصا في المواد مثل أدوية البنج والمعدات المستعملة في عمليات العظام وغيرها، ولدينا مهلة شهر أو شهر ونصف كحد أقصى وإلا فسنقع في كارثة صحية كبيرة».
وأكد أن «الإضراب اليوم أو التحذير شامل في كل المستشفيات»، لافتاً إلى أن «الأزمة المالية تحولت إلى كابوس؛ لأن مستوردي الأدوات الطبية غير قادرين على الاستيراد».
وعن توقف بعض المستشفيات عن تقديم العلاج الكيميائي، أوضح هارون أن «الأدوية موجودة في السوق، لكن التجار لم يُسلموها لأن المستشفيات غير قادرة على الدفع لكون الأدوية باهظة الثمن».
والتزمت معظم المستشفيات الخاصة الإضراب التحذيري متوقفة عن كل التقديمات الطبية والصحية باستثناء الحالات الطارئة.
في موازاة ذلك، تواصلت الاحتجاجات والاعتصامات أمام عدد من المؤسسات الرسمية، إضافة إلى قطع الطرقات الرئيسية في مختلف المناطق، وزادت وطأتها مع تسريب خبر التوافق على الوزير السابق محمد الصفدي لتولي رئاسة الحكومة. وهو الأمر الذي رفضه المتظاهرون وكثفوا الدعوات للتظاهر.
وأعلن الناشطون أمس عن اعتقال نحو 30 متظاهراً في نقطة الرينغ، عند مدخل وسط بيروت وفي منطقتي جل الديب وذوق مصبح، قبل أن يطلق سراح معظمهم، كما تحدث بعضهم عن تعرضهم للعنف والضرب وبدت آثار الضرب على أجساد عدد منهم.
ورفضا لهذه التوقيفات تجمّع عدد من الأهالي وبعض الشبّان أمام ثكنة صربا في جونيه احتجاجاً على توقيف الجيش عدداً من المعتصمين على أوتوستراد الذوق أمس. كما نظّم اعتصام أمام قصر العدل في بيروت للمطالبة بالإفراج عن المتظاهرين المعتقلين.
في المقابل، أعلن الجيش أن المحتجين تعرضوا لعسكريين وحاولوا الاعتداء عليهم أثناء فتح الطرقات ما أدى إلى توقيف 20 شخصا. وقال بيان الجيش إنه «أثناء قيام قوى الجيش بتنفيذ مهامها في فتح الطرقات في العديد من المناطق اللبنانية، عمد بعض المحتجين إلى التعرض للعسكريين بتوجيه عبارات استفزازية ومحاولة الاعتداء عليهم، ما أدى إلى إصابة عدد منهم برضوض وجروح مختلفة، الأمر الذي دفع إلى توقيف المعتدين الذين بلغ عددهم 20 شخصاً وأحيلوا إلى التحقيق».
ولفت إلى أنه تم إخلاء سبيل 9 منهم، وأبقي على 7 أشخاص رهن التحقيق بناءً على إشارة القضاء المختص، وأحيل 4 منهم بينهم سوري إلى الشرطة العسكرية بعدما ثبت تورطهم بمخالفات أخرى.



أصحاب المصالح التجارية في ضاحية بيروت الجنوبية وتحدّي الاستمرار

جانب من الدمار في حارة حريك بالضاحية الجنوبية في بيروت (أ.ف.ب)
جانب من الدمار في حارة حريك بالضاحية الجنوبية في بيروت (أ.ف.ب)
TT

أصحاب المصالح التجارية في ضاحية بيروت الجنوبية وتحدّي الاستمرار

جانب من الدمار في حارة حريك بالضاحية الجنوبية في بيروت (أ.ف.ب)
جانب من الدمار في حارة حريك بالضاحية الجنوبية في بيروت (أ.ف.ب)

غادرت لينا الخليل ضاحية بيروت الجنوبية، بعد بدء إسرائيل قصفاً مدمّراً على المنطقة قبل نحو شهرين، لكنها تعود كل يوم لتخوض تحدّياً، يتمثل بفتح أبواب صيدليتها ساعتين تقريباً، ما لم تمنعها الضربات الجوية من ذلك، وفقاً لـ«وكالة الصحافة الفرنسية».

وتصف المرأة الخمسينية الصيدلية التي أنشأها والدها في الضاحية الجنوبية في عام 1956 بأنّها «أهم من بيتي... ففيها يمكن أن تشتمّ رائحة أدوية صُنعت منذ 60 عاماً».

في كثير من الأحيان، تسارع الخليل إلى إقفال أبواب الصيدلية، عندما يُصدِر الجيش الإسرائيلي إنذارات للسكان للإخلاء قبل البدء بشنّ غارات.

وبات عملها يقتصر على بيع ما تبقى في الصيدلية من أدوية وسلع، بعدما نقلت 70 في المائة من موجوداتها إلى منزلها الصيفي في إحدى القرى.

وهي مقيمة حالياً داخل العاصمة، وتتوجّه يومياً إلى بلدة عالية الواقعة على بُعد نحو 20 كيلومتراً من بيروت، لإحضار أدوية تُطلب منها، وتوصلها إليهم أو يحضرون إلى الصيدلية في حال تمكّنوا من ذلك لأخذها.

وحال لينا الخليل كما حال كثير من سكّان الضاحية الجنوبية لبيروت الذين غادروها واضطرّوا إلى البحث عن بدائل لأعمالهم أو مواصلتها بما تيسّر من قدرة أو شجاعة.

وتؤكد الخليل أنّ «الخسائر المادية كبيرة»، مشيرة إلى أنّها تعطي موظفيها حالياً نصف مرتّب، بسبب تزايد المصروف وتضاؤل المدخول.

«عائدون من الموت»

مع استمرار الحرب، لا يزال من غير الواضح حجم الدمار الذي طال المصالح التجارية في الضاحية الجنوبية التي كان يسكنها 600 - 800 ألف شخص قبل الحرب، وفق التقديرات، وباتت شبه خالية من سكانها.

في الضاحية، خاض علي مهدي مغامرته الخاصة مع شقيقه محمد بعد انتهاء دراستهما الجامعية، فعملا على تطوير تجارة والدهما التي بدأها قبل 25 عاماً. ووسّعا نطاقها من متجر لبيع الألبسة بالجملة إلى مستودع ومتجرين، إضافة إلى متجرين آخرين في صور والنبطية (جنوب) اللتين تُستهدفان بانتظام بالغارات في جنوب البلاد. وكل هذه المناطق تُعتبر معاقل لـ«حزب الله» الذي يخوض الحرب ضد إسرائيل.

لكن مهدي اضطر أن يبحث عن بديل لمشروع العائلة بعد اندلاع الحرب المفتوحة بين «حزب الله» وإسرائيل.

ويقول الشاب الثلاثيني إنّه تمكّن بصعوبة من نقل البضائع الموجودة في المتاجر الـ4 والمستودع، إلى 3 مواقع داخل بيروت وفي محيطها.

ويشير إلى أنّ عمّال النقل كانوا يرجعون من النبطية وصور، وكأنهم «عائدون من الموت»، بعد سماعهم بالإنذارات للسكان لإخلاء مناطق والغارات الجوية والتفجيرات المدمّرة التي تليها.

كان يعمل لدى علي وشقيقه 70 موظفاً نزح معظمهم إلى مناطق بعيدة؛ ما دفع الشابين إلى التخلّي عن كثيرين منهم. وبهدف الحفاظ على عملهما، تخلَّيا عن آخرين، وبدآ بدفع نصف الرواتب لمن بقي.

ويؤكد مهدي أنّ تجارته تتمحور حالياً حول «تصفية ما لدينا من بضائع»، مضيفاً أنّ حركة البيع خفيفة.

وتأثر القطاع التجاري في لبنان بشدة جراء الصراع الذي بدأ بين «حزب الله» وإسرائيل قبل أكثر من عام، وشهد تصعيداً في سبتمبر (أيلول).

وفي تقرير صدر عن البنك الدولي، الخميس، تُقدّر الأضرار اللاحقة بالقطاع التجاري بنحو 178 مليون دولار والخسائر بنحو 1.7 مليار دولار.

وتتوقع المؤسسة أن تتركّز نحو 83 في المائة من الخسائر في المناطق المتضرّرة، و17 في المائة منها في بقية أنحاء لبنان.

«لم تبقَ إلا الحجارة»

ويترقّب علي مهدي المرحلة التي ستلي نفاد البضائع الموجودة لديه. ونظراً إلى عدم استقرار الأوضاع المالية والاقتصادية والأمنية والسياسية، يتساءل عمّا إذا كان عليه «مواصلة الاستيراد أو الحفاظ على السيولة التي يملكها».

ويقول بينما يجلس بين بضائع مبعثرة نُقلت إلى متجره الجديد في شارع الحمرا داخل بيروت: «هناك خسائر كبيرة».

بشكل رئيسي، يُرجع التقرير الصادر عن البنك الدولي الخسائر التي مُني بها قطاع التجارة في المناطق المتضرّرة، إلى نزوح كلّ من الموظفين وأصحاب الأعمال؛ ما تسبب في توقف شبه كامل للنشاط التجاري وانقطاع سلاسل التوريد من وإلى مناطق النزاع والتغييرات في سلوك الاستهلاك بالمناطق غير المتضرّرة، مع التركيز على الإنفاق الضروري.

وتنطبق على عبد الرحمن زهر الدين صفة الموظف وصاحب العمل والنازح، تُضاف إليها صفتان أخريان هما المتضرّر والعاطل عن العمل جراء الدمار الذي طال مقهاه في الرويس بالضاحية الجنوبية، في غارة إسرائيلية.

بعدما غادر، في نهاية سبتمبر (أيلول)، إلى وجهة أكثر أماناً، عاد قبل أيام ليتفقّد مقهاه الذي استحال حديداً وحجارة متراكمة.

على يساره، متجر صغير لبيع أدوات خياطة تظهر من واجهته المحطّمة كُتل من الصوف على رفّ لا يزال ثابتاً على أحد الجدران. وبجانبه، متجر آخر كان مالكه يصلح بابه الحديديّ المحطّم ليحمي ما تبقى بداخله.

يقول زهر الدين بينما يتحرّك بين أنقاض الطابق العلوي: «لم تبقَ إلا الحجارة».

ويعرب ربّ الأسرة عن شعور بـ«الغصّة والحزن»، جراء ما حلّ بـ«مصدر رزقه» الوحيد.

ويقول إنّه لم يبدأ بالبحث عن بديل، في ظل ارتفاع بدل الإيجار وأسعار الأثاث والمعدّات، مؤكداً أنّ الخسائر التي تكبّدها «كبيرة، وقد تبلغ 90 ألف دولار».