غانتس يرفض الاستسلام ويواصل جهوده لتشكيل الحكومة

استطلاعات تؤكد أن نتائج أي انتخابات قادمة ستكون مماثلة للأخيرة

TT

غانتس يرفض الاستسلام ويواصل جهوده لتشكيل الحكومة

في وقت يبدو واضحاً أن إجراء انتخابات برلمانية جديدة لن يأتي بنتائج مغايرة عن نتائج الانتخابات الأخيرة، وعليه فإنه لن يُخرج إسرائيل من مأزقها السياسي الحزبي، أعلن رئيس الحكومة المكلف، عن حزب الجنرالات «كحول لفان»، بيني غانتس، أنه يرفض المقولة بأنه وصل إلى الباب الموصد في جهوده لتشكيل الحكومة، وأنه لم يستسلم بعد، وسيواصل جهوده للتوصل إلى اتفاق حول تشكيل الحكومة. وأوضح أنه يبني تفاؤله على «القناعة السائدة في الأحزاب السياسية، بأنه يجب منع التوجه نحو انتخابات جديدة» ستكون الثالثة خلال 12 شهراً؛ لأنها في كل مرة تأتي ببرلمان شبه مشلول.
وكان غانتس يرد بذلك على النشر الواسع في الصحافة الإسرائيلية، أمس الجمعة، بأنه سيعيد التفويض إلى الرئيس الإسرائيلي، رؤوبين رفلين، في أواسط الأسبوع المقبل، من دون أن يتمكن من تشكيل الحكومة. وتحدث الإعلام العبري عن خلافات حادة داخل «كحول لفان» زادت من تعقيدات الوضع، إذ إن شركاءه في القيادة: غابي أشكنازي، وموشيه يعالون، ويائير لبيد، يرفضون مقترح رفلين بالتناوب على رئاسة الحكومة مع نتنياهو؛ خصوصاً أن رفلين يقترح أن يكون نتنياهو هو الأول في التناوب، على أن يستقيل في حال قدمت ضده لوائح اتهام في قضايا الفساد التي يواجهها.
لكن غانتس رفض أن تكون الخلافات في حزبه سبباً في الأزمة، قائلاً إن المشكلة الوحيدة هي في رئيس «الليكود» الذي يعمل كل ما في وسعه لإجراء الانتخابات ليحمي نفسه وكرسيه. وقال غانتس: «صحيح أنه لا يوجد أي تقدم في المفاوضات مع (الليكود)؛ لكننا نتقدم في الحوار مع آخرين. وندرك أن علينا ألا نتردد في التوصل إلى حلول، أي حلول، ما عدا الذهاب إلى انتخابات. فالجمهور تعب من الانتخابات، ويوجه لنا رسائل يقول فيها إنه لن يصوت بشكل مخالف عن تصويته في الانتخابات الأخيرة».
وفي المقابل أعلن حزب العمل برئاسة عمير بيرتس، عن تقدم جدي في الاتصالات مع «كحول لفان»، ما يعني أن غانتس لم يستبعد بعد إمكانية تشكيل حكومة ضيقة، تكون مدعومة من القائمة المشتركة من الخارج، علماً بأن بيرتس صرح بأنه لن ينضم لحكومة برئاسة نتنياهو.
وكانت صحيفة اليمين «يسرائيل هيوم» التي تعتبر ناطقة بلسان نتنياهو، قد نشرت أمس الجمعة نتائج استطلاع رأي جديد، يبين أن إجراء انتخابات جديدة للكنيست (البرلمان الإسرائيلي)، لن تختلف بشكل جوهري عن نتائج الانتخابات الأخيرة التي جرت في شهري سبتمبر (أيلول) وأبريل (نيسان) الماضيين.
وما زال 40 في المائة من الإسرائيليين يفضلون تشكيل حكومة وحدة تضم حزب «الليكود» وكتلة «كحول لفان» وحزب «يسرائيل بيتينو»، إذ قال 28 في المائة إنهم يفضلون حكومة يمين ضيقة، بينما أيد 17 في المائة حكومة «وسط – يسار» ضيقة. وتبين أن 68 في المائة من ناخبي غانتس يؤيدون حكومة وحدة، بينما ينخفض التأييد لحكومة وحدة بين ناخبي حزب «الليكود»، برئاسة بنيامين نتنياهو، إلى 38 في المائة، ويؤيد 53 في المائة منهم تشكيل حكومة يمين. كذلك يؤيد 75 في المائة من ناخبي كتلة «يهدوت هتوراة» و73 في المائة من ناخبي حزب «شاس» تشكيل حكومة يمين.
وتوقع الاستطلاع حصول «كحول لفان» على العدد الحالي نفسه لمقاعده (33 مقعداً)، إذا جرت الانتخابات اليوم، بينما سيهبط «الليكود» من 32 إلى 31 مقعداً، وستحافظ «القائمة العربية المشتركة»، على قوتها (13 مقعداً)، وسيرتفع حزب اليهود الشرقيين المتدينين (شاس) مقعداً إضافياً (من 9 إلى 10 مقاعد)، وحزب ليبرمان «يسرائيل بيتينو» أيضاً (من 8 إلى 9 مقاعد)، ويحافظ حزب اليهود المتدينين الأشكناز: «يهدوت هتوراة» على قوته (7 مقاعد)، وكذلك حزب العمل (6 مقاعد)، بينما يرتفع «المعسكر الديمقراطي» إلى 6 مقاعد. وتهبط كتلة «يمينا» من 7 إلى 5 مقاعد.
وأكد الاستطلاع تراجعاً آخر في شعبية نتنياهو، وتقليص الهوة بينه وبين غانتس (من 40 في المائة: 36 في المائة، إلى 51 في المائة: 49 في المائة). ويأتي ذلك في الأساس لأن الناخبين العرب منحوا 56 في المائة من أصواتهم إلى غانتس، ولم يعطوا صوتاً واحداً لنتنياهو. وتوقع الاستطلاع أنه في حال إجراء انتخابات ثالثة، فإن نسبة المشاركة في التصويت ستنخفض؛ لأن الجمهور غاضب على قيادته. وأشار الاستطلاع إلى تراجع ثقة الجمهور بمؤسسات الدولة جميعها، حيث قال 22 في المائة فقط إنهم يثقون بالشرطة؛ و28 في المائة بالنيابة العامة؛ 38 في المائة بالمحاكم؛ 44 في المائة بالمحكمة العليا؛ و20 في المائة بوسائل الإعلام. وأما الأحزاب السياسية فقد انهارت الثقة بها إلى 10 في المائة فقط.



القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
TT

القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)

تراهن الحكومة المصرية على القطن المشهور بجودته، لاستنهاض صناعة الغزل والنسيج وتصدير منتجاتها إلى الخارج، لكن رهانها يواجه تحديات عدة في ظل تراجع المساحات المزروعة من «الذهب الأبيض»، وانخفاض مؤشرات زيادتها قريباً.

ويمتاز القطن المصري بأنه طويل التيلة، وتزرعه دول محدودة حول العالم، حيث يُستخدم في صناعة الأقمشة الفاخرة. وقد ذاع صيته عالمياً منذ القرن التاسع عشر، حتى أن بعض دور الأزياء السويسرية كانت تعتمد عليه بشكل أساسي، حسب كتاب «سبع خواجات - سير رواد الصناعة الأجانب في مصر»، للكاتب مصطفى عبيد.

ولم يكن القطن بالنسبة لمصر مجرد محصول، بل «وقود» لصناعة الغزل والنسيج، «التي مثلت 40 في المائة من قوة الاقتصاد المصري في مرحلة ما، قبل أن تتهاوى وتصل إلى ما بين 2.5 و3 في المائة حالياً»، حسب رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي، الذي أكد عناية الدولة باستنهاض هذه الصناعة مجدداً، خلال مؤتمر صحافي من داخل مصنع غزل «1» في مدينة المحلة 28 ديسمبر (كانون الأول) الماضي.

أشار مدبولي، حسب ما نقله بيان مجلس الوزراء، إلى أن مشروع «إحياء الأصول» في الغزل والنسيج يتكلف 56 مليار جنيه (الدولار يعادل 50.7 جنيها مصري)، ويبدأ من حلج القطن، ثم تحويله غزلاً فنسيجاً أو قماشاً، ثم صبغه وتطويره حتى يصل إلى مُنتج سواء ملابس أو منسوجات، متطلعاً إلى أن ينتهي المشروع نهاية 2025 أو بداية 2026 على الأكثر.

وتكمن أهمية المشروع لمصر باعتباره مصدراً للدولار الذي تعاني الدولة من نقصه منذ سنوات؛ ما تسبب في أزمة اقتصادية دفعت الحكومة إلى الاقتراض من صندوق النقد الدولي؛ مرتين أولاهما عام 2016 ثم في 2023.

وبينما دعا مدبولي المزارعين إلى زيادة المساحة المزروعة من القطن، أراد أن يطمئن الذين خسروا من زراعته، أو هجروه لزراعة الذرة والموالح، قائلاً: «مع انتهاء تطوير هذه القلعة الصناعية العام المقبل، فسوف نحتاج إلى كل ما تتم زراعته في مصر لتشغيل تلك المصانع».

وتراجعت زراعة القطن في مصر خلال الفترة من 2000 إلى عام 2021 بنسبة 54 في المائة، من 518 ألفاً و33 فداناً، إلى 237 ألفاً و72 فداناً، حسب دراسة صادرة عن مركز البحوث الزراعية في أبريل (نيسان) الماضي.

وأرجعت الدراسة انكماش مساحته إلى مشكلات خاصة بمدخلات الإنتاج من بذور وتقاوٍ وأسمدة، بالإضافة إلى أزمات مرتبطة بالتسويق.

أزمات الفلاحين

سمع المزارع الستيني محمد سعد، وعود رئيس الوزراء من شاشة تليفزيون منزله في محافظة الغربية (دلتا النيل)، لكنه ما زال قلقاً من زراعة القطن الموسم المقبل، الذي يبدأ في غضون 3 أشهر، تحديداً مارس (آذار) كل عام.

يقول لـ«الشرق الأوسط»: «زرعت قطناً الموسم الماضي، لكن التقاوي لم تثمر كما ينبغي... لو كنت أجَّرت الأرض لكسبت أكثر دون عناء». وأشار إلى أنه قرر الموسم المقبل زراعة ذرة أو موالح بدلاً منه.

نقيب الفلاحين المصري حسين أبو صدام (صفحته بفيسبوك)

على بعد مئات الكيلومترات، في محافظة المنيا (جنوب مصر)، زرع نقيب الفلاحين حسين أبو صدام، القطن وكان أفضل حظاً من سعد، فأزهر محصوله، وحصده مع غيره من المزارعين بقريته في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، لكن أزمة أخرى خيَّبت أملهم، متوقعاً أن تتراجع زراعة القطن الموسم المقبل مقارنة بالماضي (2024)، الذي بلغت المساحة المزروعة فيه 311 ألف فدان.

تتلخص الأزمة التي شرحها أبو صدام لـ«الشرق الأوسط» في التسويق، قائلاً إن «المحصول تراكم لدى الفلاحين شهوراً عدة؛ لرفض التجار شراءه وفق سعر الضمان الذي سبق وحدَّدته الحكومة لتشجيع الفلاح على زراعة القطن وزيادة المحصول».

ويوضح أن سعر الضمان هو سعر متغير تحدده الحكومة للفلاح قبل أو خلال الموسم الزراعي، وتضمن به ألا يبيع القنطار (وحدة قياس تساوي 100 كيلوغرام) بأقل منه، ويمكن أن يزيد السعر حسب المزايدات التي تقيمها الحكومة لعرض القطن على التجار.

وكان سعر الضمان الموسم الماضي 10 آلاف جنيه، لمحصول القطن من الوجه القبلي، و12 ألف جنيه للمحصول من الوجه البحري «الأعلى جودة». لكن رياح القطن لم تجرِ كما تشتهي سفن الحكومة، حيث انخفضت قيمة القطن المصري عالمياً في السوق، وأرجع نقيب الفلاحين ذلك إلى «الأزمات الإقليمية وتراجع الطلب عليه».

ويحدّد رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن التابع لوزارة الزراعة، الدكتور مصطفى عمارة، فارق سعر الضمان عن سعر السوق بنحو ألفي جنيه؛ ما نتج منه عزوف من التجار عن الشراء.

وأكد عمارة أن الدولة تدخلت واشترت جزءاً من المحصول، وحاولت التيسير على التجار لشراء الجزء المتبقي، مقابل أن تعوض هي الفلاح عن الفارق، لكن التجار تراجعوا؛ ما عمق الأزمة في السوق.

يتفق معه نقيب الفلاحين، مؤكداً أن مزارعي القطن يتعرضون لخسارة مستمرة «سواء في المحصول نفسه أو في عدم حصول الفلاح على أمواله؛ ما جعل كثيرين يسخطون وينون عدم تكرار التجربة».

د. مصطفى عمارة رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية (مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار المصري)

فرصة ثانية

يتفق المزارع ونقيب الفلاحين والمسؤول في مركز أبحاث القطن، على أن الحكومة أمامها تحدٍ صعب، لكنه ليس مستحيلاً كي تحافظ على مساحة القطن المزروعة وزيادتها.

أول مفاتيح الحل سرعة استيعاب أزمة الموسم الماضي وشراء المحصول من الفلاحين، ثم إعلان سعر ضمان مجزٍ قبل موسم الزراعة بفترة كافية، وتوفير التقاوي والأسمدة، والأهم الذي أكد عليه المزارع من الغربية محمد سعد، هو عودة نظام الإشراف والمراقبة والعناية بمنظومة زراعة القطن.

ويحذر رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن من هجران الفلاحين لزراعة القطن، قائلاً: «لو فلاح القطن هجره فـلن نعوضه».

أنواع جديدة

يشير رئيس غرفة الصناعات النسيجية في اتحاد الصناعات محمد المرشدي، إلى حاجة مصر ليس فقط إلى إقناع الفلاحين بزراعة القطن، لكن أيضاً إلى تعدد أنواعه، موضحاً لـ«الشرق الأوسط» أن القطن طويل التيلة رغم تميزه الشديد، لكن نسبة دخوله في المنسوجات عالمياً قليلة ولا تقارن بالقطن قصير التيلة.

ويؤكد المسؤول في معهد بحوث القطن أنهم استنبطوا بالفعل الكثير من الأنواع الجديدة، وأن خطة الدولة للنهوض بصناعة القطن تبدأ من الزراعة، متمنياً أن يقتنع الفلاح ويساعدهم فيها.