فوز اشتراكي منقوص... وتحديات ائتلافية صعبة

وسط خلفية الأزمات الاقتصادية والانفصالية التي تهز إسبانيا

فوز اشتراكي منقوص... وتحديات ائتلافية صعبة
TT

فوز اشتراكي منقوص... وتحديات ائتلافية صعبة

فوز اشتراكي منقوص... وتحديات ائتلافية صعبة

توجه الإسبان، يوم الأحد الماضي، إلى مراكز الاقتراع للتصويت في انتخابات عامة، هي الرابعة خلال أقل من 4 سنوات. وكانت هذه محاولة يائسة لكسر الجمود الذي يخيّم على المشهد السياسي بسبب تعذّر تشكيل أغلبية برلمانية كافية تستند إليها حكومة مستقرّة باتت البلاد بأمسّ الحاجة إليها لضبط الوضع الاقتصادي المترنّح ومواجهة الأزمة الانفصالية في إقليم كاتالونيا.
لم تسفر نتائج هذه الانتخابات عن تغيير كبير في معادلة توزيع القوى التقليدية في المشهد السياسي الإسباني من شأنه أن يمهّد لغالبية برلمانية تُخرج البلاد من مأزق تشكيل الحكومة. غير أنها في المقابل، تمخّضت عن أكبر مفاجأة منذ عودة النظام الديمقراطي أواخر سبعينات القون الماضي، عندما حصل حزب «فوكس» اليميني المتطرف على 50 مقعداً في البرلمان. وبذا بات قوة سياسية مؤثرة في البلاد وتخرج إسبانيا بذلك من دائرة الدولة الأوروبية الكبرى الوحيدة التي لم يكن اليمين المتطرف ممثلاً في مؤسساتها البرلمانية.
لكن المفاجأة الكبرى جاءت يوم الثلاثاء الماضي، عندما وقف بيدرو سانتشيز، الأمين العام للحزب الاشتراكي والرئيس الحالي لحكومة تصريف الأعمال، إلى جانب الأمين العام لحزب «بوديموس» اليساري ليعلن أمام الصحافيين في مجلس النواب أن الطرفين توصّلا إلى اتفاق لتشكيل ائتلاف حكومي تقدمي، هو الأول في تاريخ إسبانيا منذ الحرب الأهلية في منتصف ثلاثينات القرن الماضي.
بعد وفاة الجنرال فرنشيسكو فرنكو في عام 1975 وسقوط نظامه الديكتاتوري، الذي أدّى إلى فرض ما يشبه الحجر الصحي على إسبانيا في محيطها الأوروبي، استعادت البلاد الحكم الديمقراطي. ثم انضمّت إلى المجموعة الأوروبية بعدما استوفت شرط الاعتراف بإسرائيل، لتصبح آخر دولة أوروبية تقيم علاقات دبلوماسية مع الدولة العبرية.
والواقع أنه منذ أواخر سبعينات القرن الماضي نعمت إسبانيا باستقرار سياسي كانت تُحسد عليه في محيطها الأوروبي، قام على ثنائية حزبية راسخة قوامها اليمين المحافظ ممثلاً بالحزب الشعبي واليسار المعتدل ممثلاً بالحزب الاشتراكي.
الحزبان تناوبا بانتظام على الحكم حتى أواخر العقد الأول من القرن الحالي. إلا أنه، بعد الأزمة المالية العالمية في عام 2008، التي دفعت الاقتصاد الإسباني إلى شفا الانهيار وأدت التدابير القاسية لاحتوائها إلى تداعيات اجتماعية واسعة، طرأ تحوّل على المشهد السياسي الإسباني. إذ ظهرت حركة شعبويّة منضوية في حزب «بوديموس» الذي ينافس الحزب الاشتراكي على أصوات المعسكر اليساري والتقدمي، قابلها ظهور حركة يمينية معتدلة قوامها حزب «مواطنون» تنافس الحزب الشعبي على أصوات المحافظين والوسط.
ومن ثم، أدت هذه الحال إلى التشرذم في القوى البرلمانية، وإلى دخول إسبانيا مرحلة من الاضطراب السياسي، جعلت من تشكيل الحكومات سلسلة من المخاضات المعقّدة التي أعاقت عملية النهوض الاقتصادي. كذلك أدت إلى ارتفاع غير مسبوق في منسوب التوتر بين القوى والأحزاب السياسية، كان من أخطر تداعياته اتساع هامش الصعود أمام الحركة الانفصالية في كاتالونيا (قطالونية) التي وضعت إسبانيا أمام أخطر أزمة في تاريخها الحديث، لتصبح حجر الرحى الذي تدور حوله السياسة الإسبانية منذ محاولة إعلان الاستقلال في خريف عام 2017.

سقوط الحزب الشعبي
أول التداعيات الكبرى للأزمة الانفصالية في إقليم كاتالونيا كان سقوط حكومة الحزب الشعبي الأخيرة التي كان يرأسها ماريانو راخوي ووصول الاشتراكي بيدرو سانتشيز إلى الحكم. إلا أن سانتشيز حكم مستنداً إلى أقلية برلمانية تهدد بسقوطه في كل لحظة، ومتعرّضاً لابتزاز مستمر من الأحزاب الانفصالية التي كانت تمسك بمفتاح الأغلبية في البرلمان.
رغم هذه الصعوبات، تمكّن سانتشيز من تنفيذ قسم كبير من برنامجه الحكومي، استعاد معه كثيراً من الخدمات الاجتماعية التي كانت الحكومات اليمينية قد ألغتها في سياق احتواء الأزمة الاقتصادية، ما أدى إلى تعزيز موقعه في المعسكر التقدمي، الذي كان يزداد الاستياء في أوساطه، ويجنح لتأييد حزب «بوديموس» الذي يسعى منذ تأسيسه إلى قيادة القوى اليسارية.
وبعد انسداد الأفق البرلماني أمام سانتشيز، عندما تعذّر عليه إقرار قانون الموازنة العامة في فبراير (شباط) من العام الماضي بسبب رفض القوى الانفصالية الكاتالونية دعمه لرفضه التجاوب مع مطالبها لتنظيم استفتاء حول تقرير المصير، أعلن حل البرلمان ودعا لإجراء انتخابات أواخر أبريل (نيسان) الماضي. تلك الانتخابات أسفرت عن فوزه وتعزيز موقعه في البرلمان، ولكن بعيداً عن الأغلبية التي تتيح له الحكم من غير تحالفات مع القوى الأخرى.
وبعد أشهر من المراوحة والمفاوضات المعقّدة للاشتراكيين مع حليفهم الطبيعي حزب «بوديموس» وصلت الأمور إلى إعلان القطيعة بينهما. وبعد فشل سانتشيز في نيل الثقة في البرلمان لتشكيل حكومة منفرداً اضطر الزعيم الاشتراكي إلى الدعوة لإجراء انتخابات جديدة أمل في أن تمكّنه من زيادة رصيده البرلماني بما يتيح له فرض شروط أفضل لتأليف الحكومة، أو على الأقل لتحييد معارضيه، في اليمين واليسار، لتشكيل حكومة أقليّة.
من جهته، كان حزب «بوديموس» يسعى إلى وقف التراجع في شعبيته بعد الانتكاسة التي أصيب بها في الانتخابات الأخيرة والانشقاق الذي حصل في صفوفه. أما الحزب الشعبي اليميني فكان يحاول استعادة موقعه في الثنائية الاشتراكية - الشعبية التي تناوبت على الحكم في إسبانيا منذ 4 عقود، بعد التراجع الكبير الذي أصابه في انتخابات العام الماضي.

صعود المتطرفين
لكن مع اقتراب الحملة الانتخابية من مرحلتها الأخيرة، بدأت استطلاعات الرأي تنذر بصعود قوي لحزب «فوكس» اليميني المتطرف الذي ظهر في المشهد السياسي الإسباني لأول مرة في الانتخابات الإقليمية الأندلسية مطلع العام الماضي. ثم حصل على 23 مقعداً في الانتخابات العامة الأخيرة التي خاض غمارها أيضاً للمرة الأولى.
وكانت الاستطلاعات السابقة تشير إلى تراجع شعبية «فوكس» في كل الدوائر، على غرار ما حصل في الانتخابات الأوروبية والمحلية. لكن بعد التطورات التي شهدتها الأزمة الانفصالية في كاتالونيا خلال الأسابيع الأخيرة التي سبقت موعد الانتخابات العامة، وما رافقها من تصعيد في مواقف القوى والأحزاب المطالبة بالاستقلال، عادت الاستطلاعات تُظهر صعوداً مطرداً لهذا الحزب. ورجّح بعضها وصوله إلى المرتبة الثالثة بعد الحزب الاشتراكي والحزب الشعبي، مع احتمال تقدّمه على هذا الأخير في بعض الدوائر.
ولا شك في أن من بين التطورات التي ساعدت في هذا الصعود المفاجئ والسريع لليمين المتطرف في الفترة الأخيرة، ما كشفته أجهزة الأمن الإسبانية أخيراً من تحضيرات لتمرّد واسع وأنشطة تخريبية كانت تعدّ لها جماعات انفصالية متطرفة في كاتالونيا. وكانت الشرطة قد ألقت القبض على 9 أفراد اتهموا بالتورط في تلك التحضيرات، وضبطت معهم متفجرات ومخططات لاقتحام مبنى البرلمان الإقليمي ثم احتلاله وإجبار النوّاب على إعلان استقلال الإقليم عن إسبانيا. كذلك أفادت مصادر أمنية بأن التحقيقات أظهرت أن المتهمين كانوا على اتصال وتنسيق مع التيّار الانفصالي الذي يدعم الرئيس الحالي للحكومة الإقليمية كيم تورّا وسلفه الفار من العدالة كارلي بوتشيمون. وكانت حكومة سانتشيز قد تعرّضت لانتقادات شديدة بسبب ما وصفته أوساط المعارضة بأنه «تنازل أمام التصعيد الانفصالي» و«الرضوخ لابتزاز الأحزاب الانفصالية»، طمعاً في الحصول على تأييدها في البرلمان لتشكيل الحكومة.

نكسة لليسار الحاكم
وحقاً، جاءت نتيجة الانتخابات الأخيرة، يوم الأحد الماضي، على عكس ما كان بيدرو سانتشيز يخطط له استناداً إلى استطلاعات الرأي التي كانت تتوقع زيادة رصيده ومزيداً من الانهيار للحزب الشعبي. فمع أن الحزب الاشتراكي جدّد فوزه بالمركز الأول فإنه خسر 3 مقاعد، وفي المقابل، استعاد الحزب الشعبي 23 من المقاعد التي كان خسرها في الانتخابات السابقة، وتراجع حزب «بوديموس» اليساري، وانهار حزب «مواطنون» - الذي أعلن مؤسسه وزعيمه ألبرت ريفيرا استقالته من منصبه وانسحابه نهائياً من المعترك السياسي. أما الفائز الفعلي الوحيد في هذه الانتخابات فكان حزب «فوكس» اليميني المتطرف، الذي رفع رصيده من مقاعد البرلمان من 24 إلى 52 نائباً، ليغدو القوة السياسية الثالثة في إسبانيا بعد أقل من عام على ظهوره في المشهد السياسي.
التحليلات السياسية الأولى لنتائج هذه الانتخابات عدّت أنها كانت خسارة للمعسكر اليساري على كل الجبهات. فالقوى اليسارية كان بوسعها أن تتحاشى الدعوة لإجرائها لو تمكّنت من التوصّل إلى اتفاق لتشكيل حكومة ائتلافية، أو بدعم من «بوديموس»، على أساس برنامج مشترك من غير الدخول في الحكومة، بعد انتخابات أبريل الماضي. هذا، مع العلم أن الاشتراكيين خسروا 3 مقاعد وخسر حزب «بوديموس» 7 مقاعد. يضاف إلى ذلك أن الحزب الشعبي استعاد موقعه في الثنائية التي تتناوب على الحكم منذ عقود بعد اقترابه من الانهيار في الانتخابات السابقة، فضلاً عن الهزيمة القاسية التي مني بها حزب «مواطنون» المعتدل الذي يرى فيه كثيرون الحليف الأمثل للاشتراكيين من أجل تشكيل حكومة مستقرّة تحظى بدعم الدوائر الاقتصادية وترحيب العواصم الأوروبية.
ولكن لا خلاف على أن الخسارة الكبرى التي أصابت المعسكر اليساري في هذه الانتخابات كانت خروج اليمين المتطرف من «قمقم» السياسة الإسبانية بعد أكثر من 4 عقود على رحيل الجنرال فرنكو، الذي كان اليسار يحتفل منذ أسابيع بطي صفحته نهائياً بعد نقل رفاته من المزار التاريخي الذي كان أمر بتشييده إلى مقبرة العائلة.
ويرى مراقبون أيضاً أن هذه الانتخابات كانت أيضاً انتكاسة للنظام الإسباني الذي يسعى لاستعادة استقراره المفقود منذ سنوات، وها هو اليوم يدخل من جديد في نفق مزيد من التشرذم للقوى البرلمانية، في الوقت الذي يرفع فيه الانفصاليون من رصيدهم في كاتالونيا، ويصعد اليمين المتطرف إلى مرتبة القوة السياسية الثالثة بعدما كانت إسبانيا - حتى منتصف هذا العام - الدولة الأوروبية الكبرى الوحيدة التي لم يكن ممثلاً في برلمانها.

تفاهم اضطراري
في أي حال، وفي حين كانت إسبانيا تستعد لمسلسل آخر من المفاوضات الماراثونية العقيمة لتشكيل الحكومة الجديدة، وسط توقعات بالعودة مرة أخرى إلى صناديق الاقتراع، حصلت مفاجأة أخرى لم تكن واردة في حسابات أي من الأطراف - بما فيها الطرفان اللذان كانا وراءها - وغطّت على مفاجأة النتيجة التي حصل عليها اليمين المتطرف. إذ ظهر الأمين العام للحزب الاشتراكي بيدرو سانتشيز إلى جانب زعيم حزب «بوديموس» بابلو ايغليزياس يوم الثلاثاء الماضي، أمام الصحافيين في مبنى البرلمان ليشرحا تفاصيل الاتفاق الذي توصلا إليه، بعد 48 ساعة من صدور نتائج الانتخابات، لتشكيل ائتلاف حكومي تقدمي يساري، هو الأول في إسبانيا منذ 80 سنة.
كان أبرز ما في هذا الاتفاق، الذي نضج بسرعة مذهلة على نار مفاجأة صعود اليمين المتطرف، هو أن ما كان متعذراً في الربيع الماضي أصبح الآن ممكناً، بما في ذلك تولّي ايغليزياس منصب نائب رئيس الوزراء الذي كان سانتشيز يرفض مجرد مناقشته في المفاوضات السابقة.
لكن رغم الارتياح الذي عمّ الأوساط التقدمية بعد الإعلان عن الاتفاق لتشكيل حكومة ائتلافية بين الحزب الاشتراكي وحزب «بوديموس»، ما زالت دون تفعيل هذا الاتفاق وتشكيل حكومة تنال ثقة الأغلبية في البرلمان عقبات كثيرة قد لا يكون من السهل تذليلها. فلقد خسر طرفا الائتلاف ما مجموعه 10 مقاعد في البرلمان، ما يستدعي مزيداً من الدعم لتأمين الأغلبية اللازمة. والدعم في الوقت الراهن لا يمكن أن يأتي إلا من الأحزاب الصغيرة مثل الانفصاليين الكاتالونيين أو القوميين الباسك، أو امتناع هذه الأحزاب عن التصويت في جلسة الثقة، شريطة أن يمتنع أيضاً حزب «مواطنون» الذي كان الخاسر الأكبر في هذه الانتخابات.
ويحاول سانتشيز، منذ إعلانه عن الاتفاق مع «بوديموس»، إقناع حزب اليسار الجمهوري، الذي يمثّل التيّار الانفصالي الكاتالوني - الذي اختار تحاشي الصدام المباشر مع مدريد والإحجام عن إعلان الاستقلال من طرف واحد - بالامتناع عن التصويت في جلسة الثقة، الأمر الذي من دونه يستحيل على الزعيم الاشتراكي تشكيل حكومته.
ويشدّد سانتشيز على أن الحكومة الائتلافية التقدمية التي يسعى إلى تشكيلها، هي الوحيدة القادرة على فتح قنوات الحوار مع الانفصاليين. لكن اليسار الجمهوري الكاتالوني ما زال يصرّ، حتى الآن، على التصويت ضد الحكومة، ويطالب لتعديل موقفه بمائدة حوار بين الأحزاب خارج إطار البرلمان لمناقشة الأزمة في إقليم كاتالونيا.

كيف يرى الحزب الشعبي المرحلة المقبلة؟
> الحزب الشعبي، القوة الرئيسية في معسكر اليمين المعتدل في إسبانيا، كان قد أبقى الباب مفتوحاً أمام التوصل إلى اتفاق مع الحزب الاشتراكي لتشكيل حكومة وحدة وطنية على قاعدة ثنائية أو بمشاركة كل الأحزاب باستثناء الانفصالية منها.
وتعدّ أوساط الحزب أن الاتفاق بين الاشتراكيين وحزب «بوديموس» يرفع الضغط عنهم (أي الشعبيين) ويتيح لهم الانصراف لممارسة معارضة مسؤولة بوجه حكومة الائتلاف التقدمي في حال تشكيلها، وذلك انطلاقاً من كون حزبهم الحزب الشعبي هو البديل الوحيد لمثل هذه الحكومة في ضوء نتائج الانتخابات الأخيرة.
كذلك ترى أوساط الحزب الشعبي، الذي استعاد قدراً ملحوظاً من شعبيته وعزّز موقعه في المعارضة، أن حكومة ائتلاف تقدمي تهديه فرصة ذهبية لاستعادة الأغلبية في البرلمان عند أول استحقاق انتخابي، لا يستبعد أن يكون قبل نهاية الولاية التشريعية الراهنة، وهذا في ظل الأزمة الانفصالية المرشّحة لمزيد من التصعيد والتفاقم في كاتالونيا، وما تحمله من ترسبات الخلافات السابقة بين طرفيها.



تاريخ مظلم للقيادات في كوريا الجنوبية

تشون دو - هوان (رويترز)
تشون دو - هوان (رويترز)
TT

تاريخ مظلم للقيادات في كوريا الجنوبية

تشون دو - هوان (رويترز)
تشون دو - هوان (رويترز)

سينغمان ري (الصورة الرئاسية الرسمية)

إلى جانب يون سوك - يول، فإن أربعة من رؤساء كوريا الجنوبية السبعة إما قد عُزلوا أو سُجنوا بتهمة الفساد منذ انتقال البلاد إلى الديمقراطية في أواخر الثمانينات.

وفي سلسلة من التاريخ المظلم لقادة البلاد، عزل البرلمان الرئيسة بارك غيون - هاي، التي كانت أول امرأة تتولى منصب الرئاسة الكورية الجنوبية، ثم سُجنت في وقت لاحق من عام 2016. ولقد واجهت بارك، التي هي ابنة الديكتاتور السابق بارك تشونغ - هي، اتهامات بقبول أو طلب عشرات الملايين من الدولارات من مجموعات اقتصادية وصناعية كبرى.

وفي الحالات الأخرى، انتحر روه مو - هيون، الذي تولى الرئاسة في الفترة من 2003 إلى 2008، بصورة مأساوية في مايو (أيار) 2009 عندما قفز من منحدر صخري بينما كان قيد التحقيق بتهمة تلقي رشوة، بلغت في مجموعها 6 ملايين دولار، ذهبت إلى زوجته وأقاربه.

وعلى نحو مماثل، حُكم على الرئيس السابق لي ميونغ - باك بالسجن 15 سنة في أكتوبر (تشرين الأول) 2018 بتهمة الفساد. ومع ذلك، اختُصرت فترة سجنه عندما تلقى عفواً من الرئيس الحالي يون سوك - يول في ديسمبر (كانون الأول) عام 2022.

ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد، إذ أدين تشون دو - هوان، الرجل العسكري القوي والسيئ السمعة، الملقّب بـ«جزار غوانغجو»، وتلميذه الرئيس نوه تاي - وو، بتهمة الخيانة لدوريهما في انقلاب عام 1979، وحُكم عليهما بالسجن لأكثر من 20 سنة، ومع ذلك، صدر عفو عنهما في وقت لاحق.

بارك غيون- هاي (رويترز)

الأحكام العرفية

باعتبار اقتصاد كوريا الجنوبية، رابع أكبر اقتصاد في آسيا، وكون البلاد «البلد الجار» المتاخم لكوريا الشمالية المسلحة نووياً، تأثرت كوريا الجنوبية بفترات تاريخية من الحكم العسكري والاضطرابات السياسية، مع انتقال الدولة إلى نظام ديمقراطي حقيقي عام 1987.

والواقع، رغم وجود المؤسسات الديمقراطية، استمرت التوترات السياسية في البلاد، بدءاً من تأسيسها بعد نيل الاستقلال عن الاستعمار الياباني عام 1948. كذلك منذ تأسيسها، شهدت كوريا الجنوبية العديد من الصدامات السياسية - الأمنية التي أُعلن خلالها فرض الأحكام العرفية، بما في ذلك حلقة محورية عام 1980 خلّفت عشرات القتلى.

وهنا يشرح الصحافي الهندي شيخار غوبتا، رئيس تحرير صحيفة «ذا برنت»، مواجهات البلاد مع الانقلابات العسكرية وملاحقات الرؤساء، بالقول: «إجمالاً، أعلنت الأحكام العرفية في كوريا الجنوبية 16 مرة على الأقل. وكان أول مرسوم بالأحكام العرفية قد أصدره عام 1948 الرئيس (آنذاك) سينغمان ري، إثر مواجهة القوات الحكومية تمرداً عسكرياً بقيادة الشيوعيين. ثم فرض ري، الذي تولى الرئاسة لمدة 12 سنة، الأحكام العرفية مرة أخرى في عام 1952».

مع ذلك، كان تشون دو - هوان آخر «ديكتاتور» حكم كوريا الجنوبية. وتشون عسكري برتبة جنرال قفز إلى السلطة في انقلاب إثر اغتيال الرئيس بارك تشونغ - هي عام 1979، وكان بارك جنرالاً سابقاً أعلن أيضاً الأحكام العرفية أثناء وجوده في السلطة لقمع المعارضة حتى لا تنتقل البلاد رسمياً إلى الديمقراطية. نيودلهي: «الشرق الأوسط»