إسرائيل تعتبر تصفية أبو العطا تمهيداً لاستئناف محادثات التهدئة مع «حماس»

انتقادات واسعة لعملية الاغتيال وإعلان نتنياهو الانتصار فيها

جندي إسرائيلي يوجه سلاحه إلى تظاهرة في بيت لحم ضد قصف غزة الأربعاء (إ.ب.أ)
جندي إسرائيلي يوجه سلاحه إلى تظاهرة في بيت لحم ضد قصف غزة الأربعاء (إ.ب.أ)
TT

إسرائيل تعتبر تصفية أبو العطا تمهيداً لاستئناف محادثات التهدئة مع «حماس»

جندي إسرائيلي يوجه سلاحه إلى تظاهرة في بيت لحم ضد قصف غزة الأربعاء (إ.ب.أ)
جندي إسرائيلي يوجه سلاحه إلى تظاهرة في بيت لحم ضد قصف غزة الأربعاء (إ.ب.أ)

أكد الناطق بلسان الجيش الإسرائيلي، هداي زلبرمان، أمس الخميس، أن تصفية القائد في الجهاد الإسلامي، بهاء أبو العطا، والاتفاق على وقف إطلاق النار بين إسرائيل ومنظمته يمهد الطريق الآن أمام استئناف قريب للمحادثات حول اتفاق التهدئة مع حركة حماس. وقال إنه «ما من شك في أن أبو العطا كان عقبة كأداء أمام جهود التهدئة»، مدعيا أن «تصرفاته وإصراره على إطلاق الصواريخ باتجاه إسرائيل، لم تثر غضب إسرائيل وحدها بل أثارت غضب الوسيط المصري وكذلك حركة حماس وحتى رفاقه قادة الجهاد الإسلامي الفلسطيني في سوريا» بحسب قوله.
وكان زلبرمان يلخص بذلك الصدام مع الجهاد في غزة، خلال اليومين الماضيين، والذي انتهى باتفاق لوقف النار توسطت فيه مصر، فقال إن إسرائيل حققت خلال اليومين كل أهدافها من هذه العملية، التي أطلق عليها اسم «حزام أسود». فسئل: أي أهداف وضعتم؟ هل يوجد هدف آخر سوى اغتيال أبو العطا؟ فأجاب: «بالتأكيد، فقد تمت تصفية 25 قائدا ميدانيا من الجهاد، معظمهم ضبطوا وهم يستعدون لإطلاق الصواريخ، وتم تدمير عدد كبير من القدرات الصاروخية للجهاد وعدد من معسكراته وآلياته وقوته البحرية».
ونفى زلبرمان ما نقلته وسائل الإعلام الإسرائيلية، أمس الخميس، من أن خطة اغتيال أبو العطا وضعت قبل سنتين، وقال إنها وضعت قبل خمسة شهور، وتحديدا في شهر يونيو (حزيران) الماضي، حيث قام بافتعال مشكلة كبيرة وعلى مدار يومين أرسل زخا من الصواريخ. وقال إن الجيش بعث بعدة رسائل تحذير له بطرق غير مباشرة ولكنه لم يرتدع. وحتى بعدما اتفق قادة الجهاد الإسلامي مع المصريين، بحضوره وموافقته، على وقف إطلاق الصواريخ، لم يتوقف. وحسب زلبرمان، فإن الانطلاق إلى تنفيذ قرار اغتياله تم يوم الجمعة الماضي بعدما أطلق الصواريخ من دون أي مبرر.
وحرص الناطق بلسان الجيش الإسرائيلي على الإشادة بموقف حركة حماس، التي امتنعت عن المشاركة في القصف على إسرائيل طيلة اليومين. وقال: «لقد تصرفت حماس بشكل مستقل وقررت أن دخولها إلى المعركة لن يفيد شيئا لها أو لأهل غزة. ونحن وجهنا لها رسائل بالموضوع ونصحناها أن لا تتدخل. وها هي النتيجة. فقد انتهى الاشتباك في وقت قصير ومن دون خسائر كبيرة لنا أو لأهل غزة ومن دون أي خسائر لحماس. واليوم صباحا أعدنا فتح المعابر وأتحنا للصيادين العودة إلى البحر».
وكان قرار وقف النار بهذه السرعة قد أثار ردود فعل واسعة في إسرائيل، انطوت على اختلافات قطبية في وجهات النظر. ففي الحكومة دافعوا عنه واعتبروه انتصارا، لكن وزير الدفاع السابق، أفيغدور ليبرمان، اعتبره «مسخرة». وقال خلال مقابلة أجرتها معه إذاعة الجيش الإسرائيلي، أمس، إن «نتانياهو يضلل الجمهور الإسرائيلي ويتعمد خداعه من خلال شعارات لا قيمة لها على الأرض. فهناك جهة واحدة انتصرت في هذه المعركة وهي إيران، وهناك جهة واحدة خسرت وهي إسرائيل». وأضاف ليبرمان: «تنظيم صغير مثل الجهاد الإسلامي فرض حظر التجوال على إسرائيل ثلاثة أيام ويأتي نتانياهو ويقول انتصرنا؟ إنه ينتج لنا نموذج حزب الله آخر في غزة. وبسبب سياسة نتنياهو ستكون حماس، بعد بضع سنوات، أقوى من حزب الله وتملك أسلحة مدمرة. فمن لا يرى عليه أن يرى. نتانياهو ينسق مع حماس ويسهل دعمها بالمال وتثبيت سلطتها. هذه هي الحقيقة. وليست الحقيقة أن إسرائيل تحتفل بالانتصار على منظمة صغيرة مثل الجهاد الإسلامي استطاعت قصف تل أبيب وغوش دان ودفع سكان عسقلان ليعيشوا ثلاثة أيام في الملاجئ».
وقال مراسل الشؤون الفلسطينية في التلفزيون الإسرائيلي الرسمي، جال بيرغر، إنه «من الآن فصاعدا لا يوجد عنوان واحد في غزة اسمه حماس، وعلى إسرائيل أن تعرف أن هناك عنوانين هما الجهاد الإسلامي وحماس». وقالت خبيرة الشؤون العربية في صحيفة «يديعوت أحرونوت»: «من العيب أن تخرج حكومة إسرائيل بعنوان «انتصرنا على الجهاد الإسلامي»، وهو فصيل رقم 3 في الساحة الفلسطينية وتخفي الحقيقة أن اللعبة الكبيرة هي اللعبة الإقليمية وأن إسرائيل تنهزم في اللعبة الإقليمية وتبحث عن انتصار عن طريق اغتيال شاب غير معروف في غزة. وفي النهاية تذهب لعقد صفقة وقف إطلاق نار مع الجهاد الإسلامي».
وكتب المعلق السياسي في القناة 12 التلفزيونية الإسرائيلية، أمنون أبراموفيتش، في صحيفة «يديعوت أحرونوت»، أمس، أن رئيس أركان الجيش الإسرائيلي، أفيف كوخافي، ورئيس الشاباك، ناداف أرغمان، أيدا عملية الاغتيال فعلا، لكنه لمح إلى أنه لم يكن بإمكانهما معارضتها بسبب الأزمة السياسية في إسرائيل، وكأن قرار نتنياهو بتنفيذ الاغتيال نابع من أزمته السياسية. «ولو عارضا لاتهما بمزج اعتبارات سياسية في اعتبارات عسكرية. وقد عارضا الاغتيال قبل الانتخابات وبعد إطلاق قذائف صاروخية على أسدود، عندما كان نتنياهو يخطب في مهرجان انتخابي، لأنه كان واضحا لهما أن اغتيال أبو العطا سيقود إلى حرب، يقرر بشأنها الكابينيت فقط». وقال أبراموفيتش إن «الجهاد الإسلامي، وهو فصيل إرهابي صغير، تمكن من تعطيل إسرائيل في اليومين الماضيين. فماذا سيحدث، لا قدر الله، إذا نشبت حرب مع إيران وحزب الله وحماس معا؟ عندها لن نقوم بتعداد مئات القذائف الصاروخية التي تحمل رؤوسا حربية صغيرة جدا، وإنما مائة ألف صاروخ وأكثر تحمل رؤوسا حربية أكبر بعشرات المرات ودقتها بالغة».
وطالب رئيس حزب العمل، النائب عمير بيرتس، الحكومة بالتوجه نحو تسوية سياسية شاملة مع الفلسطينيين. وقال: «حسنا، لقد قمنا باغتيال قائد في تنظيم إرهابي. وتوصلنا إلى وقف نار. لكننا لم نأت بحل للمعضلة الكبرى، التي بسببها نتنقل من معركة إلى أخرى، مثلما يتنقل أولادنا من ملجأ إلى آخر. لقد حان الوقت لأن نضع حدا لكل هذا».
وأصدرت «حركة السلام الآن» في تل أبيب بيانا صحافيا تستغرب من خلاله إعلان إسرائيل انتصارها في الحرب، وتساءلت: «هل يوجد أي انتصار في الحرب. في الحرب الجميع يخسر والأجدر بالإسرائيليين تشكيل حكومة سلام وليس حكومة اغتيالات».

- مصادر أمنية إسرائيلية: نقص الحذر سهّل اغتيال أبو العطا
> كشفت مصادر أمنية، أمس الخميس، تفاصيل عملية اغتيال القائد في الجهاد الإسلامي في قطاع غزة، بهاء أبو العطا، فتبين منها أنه كان بإمكانه أن ينجو لو اتبع وحراسه بعض الحذر.
وقالت هذه المصادر لقناة التلفزيون «i24news» التي تبث من يافا، إن الجيش الإسرائيلي باشر تنفيذ عملية الاغتيال منذ يوم الجمعة، الأول من الشهر الجاري. وقد راح يفتش عن أبو العطا في عدة أماكن، منها البيت الذي تم اغتياله فيه، فجر الثلاثاء الماضي. وتم إرسال طائرة صوّرت المنزل بدقة، في وقت لم يكن بداخله أبو العطا. ففي حينه توصلت إسرائيل للقناعة بأن أبو العطا هو الذي أمر بإطلاق الصواريخ من غزة تجاه بلدة سديروت الإسرائيلية قرب الحدود مع غزة، ثم عادت الأحد والاثنين للتحليق مرتين في ساعات الليل، وتمت محاولة إطلاق النار في إحداهما على تلك الطائرة.
وأشارت المصادر إلى أن طائرات مماثلة، حلّقت بشكل مباشر فوق منازل 3 قيادات ميدانية من سرايا القدس في شمال قطاع غزة، يعملون بشكل مباشر مع أبو العطا. إحدى هذه الطائرات، وهي من طراز «كواد كابتر» حلقت قبل اغتياله ببضع دقائق فوق منزله، مع العلم أنه لا يكثر من التردد عليه. ثم اقتربت من «الشرفة» المطلة على غرفة منزله، واخترقتها باتجاه الغرفة بشكل مباشر، واستطاعت التقاط صورته. وكانت تلك الطائرة، تحمل قنابل يدوية، ففجرتها بالقرب منه. وبعد أقل من دقيقة من تفجير الطائرة، والتي لم تسبب سوى أضرار محدودة بالممتلكات، أطلقت طائرة حربية في الجو صاروخين بشكل مباشر على الغرفة، ما أدى إلى تدميرها بالكامل.
وأوضحت المصادر، أن أبو العطا دخل منزله قبل نصف ساعة من اغتياله، وكانت طائرات استطلاع ترصد المنزل باستمرار، رغم أنها تعرف أنه لا يتردد إليه كثيرا بسبب الملاحقة الإسرائيلية المكثفة له. ما يعني أنه كان بمقدوره أن يدرك أن الإسرائيليين يضيقون الخناق على تحركاته ويوجهون سهامهم لبيته.
وطائرات «كواد كابتر»، هي دورونات صغيرة الحجم تحمل كاميرات وبطاقات ذكية للتصوير وتخزين المعلومات، وبإمكانها حمل قنابل خفيفة، في تصوير مواقع وأهداف للفصائل الفلسطينية بغزة. وهي معروفة للغزيين، وقد تم إسقاط العديد منها في الأشهر الأخيرة، بفعل إطلاق النار تجاهها، أو سقوطها بفعل خلل فني. ونجحت تلك الطائرات، في وضع أجهزة تجسس صغيرة في عدة مناطق بغزة، منها سيارات تتبع لقيادات ميدانية من حماس والجهاد، وتم فيما بعد ضبطها من قبل أجهزة أمن الفصائل. وكان رئيس جهاز المخابرات الإسرائيلي «الشاباك»، نداف أرغمان، قد صرح بعيد الاغتيال بأن الجهاز نجح في الوصول إلى غرفة، بل إلى سرير بهاء أبو العطا حيث كان ينام.



غروندبرغ في صنعاء لحض الحوثيين على السلام وإطلاق المعتقلين

المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)
المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)
TT

غروندبرغ في صنعاء لحض الحوثيين على السلام وإطلاق المعتقلين

المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)
المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)

بعد غياب عن صنعاء دام أكثر من 18 شهراً وصل المبعوث الأممي هانس غروندبرغ إلى العاصمة اليمنية المختطفة، الاثنين، في سياق جهوده لحض الحوثيين على السلام وإطلاق سراح الموظفين الأمميين والعاملين الإنسانيين في المنظمات الدولية والمحلية.

وجاءت الزيارة بعد أن اختتم المبعوث الأممي نقاشات في مسقط، مع مسؤولين عمانيين، وشملت محمد عبد السلام المتحدث الرسمي باسم الجماعة الحوثية وكبير مفاوضيها، أملاً في إحداث اختراق في جدار الأزمة اليمنية التي تجمدت المساعي لحلها عقب انخراط الجماعة في التصعيد الإقليمي المرتبط بالحرب في غزة ومهاجمة السفن في البحر الأحمر وخليج عدن.

وفي بيان صادر عن مكتب غروندبرغ، أفاد بأنه وصل إلى صنعاء عقب اجتماعاته في مسقط، في إطار جهوده المستمرة لحث الحوثيين على اتخاذ إجراءات ملموسة وجوهرية لدفع عملية السلام إلى الأمام.

وأضاف البيان أن الزيارة جزء من جهود المبعوث لدعم إطلاق سراح المعتقلين تعسفياً من موظفي الأمم المتحدة والمنظمات غير الحكومية والمجتمع المدني والبعثات الدبلوماسية.

صورة خلال زيارة غروندبرغ إلى صنعاء قبل أكثر من 18 شهراً (الأمم المتحدة)

وأوضح غروندبرغ أنه يخطط «لعقد سلسلة من الاجتماعات الوطنية والإقليمية في الأيام المقبلة في إطار جهود الوساطة التي يبذلها».

وكان المبعوث الأممي اختتم زيارة إلى مسقط، التقى خلالها بوكيل وزارة الخارجية وعدد من كبار المسؤولين العمانيين، وناقش معهم «الجهود المتضافرة لتعزيز السلام في اليمن».

كما التقى المتحدث باسم الحوثيين، وحضه (بحسب ما صدر عن مكتبه) على «اتخاذ إجراءات ملموسة لتمهيد الطريق لعملية سياسية»، مع تشديده على أهمية «خفض التصعيد، بما في ذلك الإفراج الفوري وغير المشروط عن المعتقلين من موظفي الأمم المتحدة والمجتمع المدني والبعثات الدبلوماسية باعتباره أمراً ضرورياً لإظهار الالتزام بجهود السلام».

قناعة أممية

وعلى الرغم من التحديات العديدة التي يواجهها المبعوث الأممي هانس غروندبرغ، فإنه لا يزال متمسكاً بقناعته بأن تحقيق السلام الدائم في اليمن لا يمكن أن يتم إلا من خلال المشاركة المستمرة والمركزة في القضايا الجوهرية مثل الاقتصاد، ووقف إطلاق النار على مستوى البلاد، وعملية سياسية شاملة.

وكانت أحدث إحاطة للمبعوث أمام مجلس الأمن ركزت على اعتقالات الحوثيين للموظفين الأمميين والإغاثيين، وتسليح الاقتصاد في اليمن، مع التأكيد على أن الحلّ السلمي وتنفيذ خريطة طريق تحقق السلام ليس أمراً مستحيلاً، على الرغم من التصعيد الحوثي البحري والبري والردود العسكرية الغربية.

وأشار غروندبرغ في إحاطته إلى مرور 6 أشهر على بدء الحوثيين اعتقالات تعسفية استهدفت موظفين من المنظمات الدولية والوطنية، والبعثات الدبلوماسية، ومنظمات المجتمع المدني، وقطاعات الأعمال الخاصة.

الحوثيون اعتقلوا عشرات الموظفين الأمميين والعاملين في المنظمات الدولية والمحلية بتهم التجسس (إ.ب.أ)

وقال إن العشرات بمن فيهم أحد أعضاء مكتبه لا يزالون رهن الاحتجاز التعسفي، «بل إن البعض يُحرم من أبسط الحقوق الإنسانية، مثل إجراء مكالمة هاتفية مع عائلاتهم». وفق تعبيره.

ووصف المبعوث الأممي هذه الاعتقالات التعسفية بأنها «تشكل انتهاكاً صارخاً للحقوق الإنسانية الأساسية»، وشدّد على الإفراج الفوري وغير المشروط عن جميع المعتقلين، مع تعويله على دعم مجلس الأمن لتوصيل هذه الرسالة.

يشار إلى أن اليمنيين كانوا يتطلعون في آخر 2023 إلى حدوث انفراجة في مسار السلام بعد موافقة الحوثيين والحكومة الشرعية على خريطة طريق توسطت فيها السعودية وعمان، إلا أن هذه الآمال تبددت مع تصعيد الحوثيين وشن هجماتهم ضد السفن في البحر الأحمر وخليج عدن.

ويحّمل مجلس القيادة الرئاسي اليمني، الجماعة المدعومة من إيران مسؤولية تعطيل مسار السلام ويقول رئيس المجلس رشاد العليمي إنه ليس لدى الجماعة سوى «الحرب والدمار بوصفهما خياراً صفرياً».