جولة جديدة من مفاوضات «سد النهضة» تبدأ اليوم في أديس أبابا

جولة جديدة من مفاوضات «سد النهضة» تبدأ اليوم في أديس أبابا
TT

جولة جديدة من مفاوضات «سد النهضة» تبدأ اليوم في أديس أبابا

جولة جديدة من مفاوضات «سد النهضة» تبدأ اليوم في أديس أبابا

تنطلق في العاصمة الإثيوبية أديس أبابا، يومي الجمعة والسبت، جولة جديدة من المفاوضات الفنية حول سد النهضة الإثيوبي بين السودان ومصر وإثيوبيا، لتقريب وجهات النظر حول القضايا الخلافية المتعلقة بملء بحيرة السد، وإدارة تشغيل السد.
ويأتي استئناف المفاوضات، التي يترأسها وزراء الري والموارد المائية، عقب اجتماع وزراء خارجية الدول الثلاث في واشنطن، مطلع نوفمبر (تشرين الثاني) الحالي، الذي اتفقت خلاله الأطراف على العمل للوصول لحل الخلافات حول السد، بحلول منتصف يناير (كانون الثاني) المقبل.
ويُعتبر اجتماع أديس أبابا الأول في الاجتماعات الأربعة التي اتفق عليها في واشنطن، على مستوى وزراء الموارد المائية والوفود الفنية من الدول الثلاث، وبمشاركة ممثلي الولايات المتحدة والبنك الدولي.
وقال رئيس الجهاز الفني للموارد المائية بوزارة الري السودانية د. صالح حمد حامد، إن الاجتماع يبحث مقترحات الدول الثلاث للوصول لتصوُّر نهائي بشأن قواعد الملء الأول للسد، والملء الدوري من كل عام، بجانب التشغيل أثناء الملء، والتشغيل طويل الأمد، بالإضافة إلى مراعاة الظروف الهيدرولوجية التي قد تطرأ من سنوات جافة تؤثر على عمليات الملء والتشغيل.
وفشلت آخر جولتين بين الخبراء الفنيين في الاتفاق حول سنوات ملء بحيرة السد، وإدارة تشغيل السد أثناء سنوات الفيضان والجفاف، بعد أن كان فريق الخبراء الفنيين للدول الثلاث قد اقترح في عام 2018 ملء بحيرة السد على ثلاث مراحل؛ المرحلة الأولى تخزين 5 مليارات متر مكعب لتشغيل «توربينات» توليد الكهرباء، وهذه لا خلاف حولها بين الدول الثلاث، والمرحلة الثانية اقترح الإثيوبيون تخزين 13.5 مليار متر مكعب، وذلك من إجمالي إيراد النهر البالغ 48 مليار متر مكعب، وهو ما اعترضت عليه دولتا السودان ومصر، باعتباره سيقلل حصة مياه الدولتين كثيراً، لا سيما سنوات الجفاف.
ومن هنا جاء الخلاف حول نسب المياه التي ينبغي لإثيوبيا أن تسمح بعبورها، حيث تقترح إثيوبيا عبور 31 مليار متر مكعب، وتقترح مصر 40 مليار متر مكعب، ويقترح السودان 35 مليار متر مكعب. بالإضافة إلى الخلاف حول المرحلة الثالثة والأخيرة، المتعلقة بسنوات ملء البحيرة وتشغيل السد.
وتتخوف مصر من أن يؤدي ملء خزان سد النهضة، وتبلغ سعته 74 مليار متر مكعب من المياه، إلى تقليص حصتها التاريخية من المياه المقدرة بــ555 مليار متر مكعب.
وقال عضو الوفد السوداني الفني لمفاوضات سد النهضة، محمد عثمان التوم، لـ«الشرق الأوسط»، إن السودان سيقدم في اجتماع اليوم مقترحاً لتقريب وجهات النظر، بشأن المياه العابرة لدول المصب، يتمثل في عبور نحو 36.5 مليار متر مكعب، بدلاً من المقترح الإثيوبي المطالب بـ31 مليار متر مكعب، والمقترح المصري المطالب بعبور 40 مليار متر مكعب من المياه. وقال التوم إن هذا المقترح سيساعد مصر في إيرادات المياه، وأضاف: «كلما زادت نسبة إيرادات المياه فإنها تصب في صالح مصر، وكلما طالت مدة ملء بحيرة سد النهضة، فإنها تصبّ في صالح السودان ومصر».
وأشار عثمان إلى اقتراح سوداني بشأن تجاوز إشكاليات التخزين للسد في سنوات الجفاف بأن تخزن إثيوبيا 10 مليارات متر مكعب من المياه كل سنة لمدة 7 سنوات، وألا تخزن المياه في السنوات التي تكون إيرادات المياه فيها ضعيفة، مشيراً إلى أن الاقتراح شمل أن تخزن إثيوبيا في المرحلة الأولى 8 مليارات متر مكعب بدلاً من 5 مليارات اقترحتها أديس أبابا، وأن تخزن في المرحلة الثانية 10 مليارات متر مكعب بدلاً من 13.5 مليار متر مكعب، للحفاظ على انسياب حصة دولتي السودان ومصر دون أي أضرار، خاصة في السنوات ذات الإيراد الضعيف لمنسوب النيل الأزرق.
واتفق وزراء الخارجية، في اجتماع واشنطن، على اللجوء إلى البند العاشر من «اتفاق إعلان المبادئ» الموقّع في الخرطوم 2015؛ بإحالة الأمر للوساطة، حال الفشل التوصل إلى اتفاق بشأن القضايا الخلافية بحلول منتصف يناير 2020.
وسبق أن أعلنت دولتا السودان وإثيوبيا تطابق موقفهما برفض وجود طرف رابع، خوفاً من أن يعمل ضد مصالحهما.
وقال المفاوض القانوني السوداني السابق حول سد النهضة الدكتور محمد المفتي، لـ«الشرق الأوسط»، إن مشاركة الولايات المتحدة والبنك الدولي مؤشر مهم جداً، لأن البنك الدولي رفض تمويل السد، على اعتبار أنه لم يراعِ متطلبات القانون الدولي، وأشار المفتي إلى أن مطالبة الأطراف بالرجوع إلى طاولة المفاوضات يعني إلزامهم بما تم الاتفاق عليه في «إعلان مبادئ سد النهضة».
وأشار المفتي إلى أن دخول السودان ومصر أي اجتماع وساطة، وهما ملتزمان بما ورد في إعلان «مبادئ سد النهضة»، يحول دون تمكين أي وسيط من المساعدة، واقترح على حكومتي السودان ومصر الاعتراف أولاً بحق إثيوبيا في بناء سد النهضة، وتوليد 6 آلاف ميغاواط من الكهرباء، مع عدم الإضرار بالحقوق المائية الحالية والمستقبلية للسودان ومصر، وإيقاف التفاوض الحالي، وسحب التوقيع على «إعلان مبادئ سد النهضة»، وإعادة التفاوض على أساس المتفَق عليه في اتفاقية عنتبي، شريطة وقف التشييد خلال فترة إعادة التفاوض خلال مدة لا تتجاوز الشهرين، وإذا رفضت إثيوبيا إعادة التفاوض، اللجوء إلى مجموعة الثلاث عشرة جهة دولية، بما فيها الولايات المتحدة والبنك الدولي، التي دعمت التفاوض حول «اتفاقية عنتبي» مادياً وفنياً، على أساس أن رفض إثيوبيا لتلك الحقوق يهدد الأمن والسلم العالمي، لأنه لن يؤدي إلى استقرار المنطقة، ثم إذا لم يجدِ ذلك، فسيكون اللجوء إلى مجلس الأمن بشكوى رسمية.
وشُيّد سد النهضة بإقليم بني شنقول جمز الإثيوبي، على بُعد 22 كيلومتراً من الحدود السودانية - الإثيوبية، وبحسب القائمين على المشروع، فإن تكلفة المشروع المبدئية تصل إلى 4.7 مليارات دولار.
وتوقَّع الباحث والخبير في مياه النيل سيف الدين يوسف في حديث لـ«الشرق الأوسط» أن توافق إثيوبيا في نهاية التفاوض، بضغط من واشنطن والبنك الدولي، على ملء بحيرة السد خلال 7 سنوات، مقابل السكوت عن الآثار الحقيقية السالبة للسد على السودان.
وقال يوسف إن المفاوض السوداني أغفل استراتيجية السودان حول المياه الموضوعة لعام 2027، التي قدرت احتياجه بنحو 33 مليار متر مكعب، وأوضح أن الوفد المفاوض كان ينبغي عليه المحافظة على حقوق البلاد في اتفاقية مياه النيل البالغة 18.5 مليار متر مكعب، ويطالب بزيادة حصته لمقابلة احتياجاته. وقال يوسف: «مساوئ السد على السودان تتمثل في حجز الطمي، ما يفقد الأراضي الزراعية في السودان خصوبتها، وبذلك سيكون السودان بحاجة لمبالغ كبيرة مقابل استخدام الأسمدة»، فضلاً عن تأثير توقف الفيضانات، بما يحرم السودان من تغذية مخزونه من المياه الجوفية، وحجز الطمي يؤدي لتعميق مجرى النهر، وبالتالي يقل مستوى المياه جداً بانخفاض مستوى النهر». وأضاف: «المفاوض السوداني ظل دائماً يعظّم فوائد السد ويقلل من المضار»، و«(اتفاقية إعلان المبادئ) أغفلت الآثار السالبة للسد، ومسؤولية الدولة صاحبة السد في تعويض المتضررين من تلك الآثار».



مصر: مقتل طالب يثير قلقاً من انتشار «العنف» بالمدارس

وزير التربية والتعليم يتابع انتظام العملية التعليمية بمدارس محافظة القليوبية (وزارة التربية والتعليم)
وزير التربية والتعليم يتابع انتظام العملية التعليمية بمدارس محافظة القليوبية (وزارة التربية والتعليم)
TT

مصر: مقتل طالب يثير قلقاً من انتشار «العنف» بالمدارس

وزير التربية والتعليم يتابع انتظام العملية التعليمية بمدارس محافظة القليوبية (وزارة التربية والتعليم)
وزير التربية والتعليم يتابع انتظام العملية التعليمية بمدارس محافظة القليوبية (وزارة التربية والتعليم)

تجدد الحديث عن وقائع العنف بين طلاب المدارس في مصر، مع حادثة مقتل طالب في محافظة بورسعيد طعناً على يد زميله، ما أثار مخاوف من انتشاره، في ظل وقوع حوادث مماثلة بوقت سابق في محافظات مختلفة.

وشغلت المصريين خلال الساعات الماضية واقعة شهدتها مدرسة بورسعيد الثانوية الميكانيكية بمحافظة بورسعيد في مصر، الأحد، بعدما تداول مدونون «اتهامات عن تعدي طالب على آخر بسلاح أبيض ما أصابه بطعنة نافذة في القلب، أدت إلى وفاته».

وكشف وزارة الداخلية المصرية، الاثنين، ملابسات الحادث، مشيرة، في بيان، إلى أن عملية الطعن جاءت على خلفية مشاجرة نشبت بين الطالبين في فناء المدرسة، و«أنه بالانتقال وسؤال شهود الواقعة أفادوا بقيام طالب بالتعدي على المجني عليه بسلاح أبيض (مطواة) كانت بحوزته، فأحدث إصابته، ولاذ بالهرب بالقفز من أعلى سور المدرسة».

وعقب تقنين الإجراءات، وفق البيان، تم «ضبط مرتكب الواقعة بمكان اختبائه بالقاهرة، كما تم ضبط السلاح المستخدم في ارتكاب الواقعة».

وجاء التعقيب سريعاً من وزارة التعليم، حيث أكد الوزير محمد عبد اللطيف، أن «الوزارة لن تتهاون في اتخاذ جميع الإجراءات اللازمة لضمان حماية أبنائها الطلاب، وتوفير بيئة تعليمية آمنة، وسلامة سير العملية التعليمية في جميع محافظات الجمهورية».

وشدد في بيان، الاثنين، على أنه «لن يتم القبول بتكرار مثل هذا الحادث، أو أي تجاوزات من قبل الطلاب أو المعلمين أو أي مسؤول، وأي تجاوز ستتعامل معه الوزارة بإجراءات صارمة وحازمة».

وكانت الوزارة، في أول رد فعل عقب الحادث، اتخذت إجراءات عاجلة ومشددة تضمنت إلغاء تكليف مديرة المدرسة، وتحويل جميع المسؤولين في المدرسة إلى الشؤون القانونية.

ويدرس نحو 25 مليون طالب وطالبة في مرحلة التعليم الأساسي في مصر، تضمهم 60 ألف مدرسة، بحسب بيانات وزارة التربية والتعليم.

الواقعة أثارت تفاعلاً، وأعادت الحديث عن جرائم مشابهة، منها ما شهدته محافظة سوهاج (صعيد مصر)، قبل أيام، من إصابة طالب بالصف الأول الثانوي بجرح قطعي بالرقبة إثر تعدي زميله عليه بسلاح أبيض «كتر» إثر مشادة كلامية لوجود خلافات سابقة بينهما، بحسب وسائل إعلام محلية.

وزارة التعليم المصرية تسعى لحماية الطلاب وتطبيق أسس وقواعد التربية السليمة (الشرق الأوسط)

وخلال يوليو (تموز) الماضي، أقدم طالب بالثانوية العامة في محافظة بورسعيد أيضاً، على طعن زميله داخل إحدى لجان امتحانات الثانوية العامة، بدعوى عدم السماح له بالغش منه. وتكررت الواقعة للسبب نفسه خلال شهر أبريل (نيسان) الماضي، عندما طعن طالب ثانوي بالإسكندرية زميله بآلة حادة عقب الخروج من لجنة الامتحان لعدم تمكينه من الغش، حيث استشاط غضباً لعدم مساعدته.

ومن قبلها في شهر مارس (آذار)، قُتل طالب على يد زميله بسلاح أبيض «كتر» أمام مدرسة ثانوية بمحافظة القليوبية، بسبب معاكسة فتاة.

الخبير التربوي المصري، الدكتور حسن شحاتة، في تصريحات لـ«الشرق الأوسط»، يرجع مثل هذه الوقائع إلى «السلوك العدواني، الذي يكتسبه الطلاب من البيئة والمجتمع خارج المدرسة، من خلال مشاهدة التلفزيون وأفلام العنف، والألعاب العنيفة، وبالتالي ينقلونه إلى داخل المدرسة».

ولفت إلى أن «وقف هذا العنف مسؤولية مشتركة، فالأسرة عليها مهمة تجنيب الأبناء صور وأشكال السلوك العدواني، إلى جانب إفهام الطالب الخطأ من الصواب داخل المدرسة، والقوانين المنظمة للدراسة، والتشديد على الالتزام الأخلاقي داخل المؤسسة الدراسية، وكيف أنها مكان مقدس مثل دور العبادة».

ولا تمثل هذه الوقائع ظاهرة، وفق شحاتة، فهي «حوادث معدودة في ظل وجود 25 مليون طالب في مصر»، مبيناً أنه «مع ارتفاع كثافة الفصول، وعدم وجود أنشطة مدرسية مناسبة للتلاميذ، مما يؤدي إلى عدم تفريغ الشحنات الانفعالية لهم، وهنا يأتي دور المدرسة في إيجاد أنشطة في المدرسة رياضية وموسيقية وفنية، يمارسها الطلاب لتهذيبهم، مع وجود دور للمُعلم في تعليمهم السلوك السوي مع بعضهم البعض».

ويوضح الدكتور سعيد صادق، أستاذ علم الاجتماع بالجامعة المصرية اليابانية، لـ«الشرق الأوسط»، أن هذه الحوادث تعد «أعراضاً لتراجع النظام التعليمي»، وغياب «القيم التربوية».

ويلفت «صادق» إلى أن هذه الحوادث تعد امتداداً لإرث معروف بين الأسر تنصح به أطفالها، مثل عبارات: «لو حد ضربك في المدرسة اضربه» أو «خد حقك»، الذي معه «يقرر الطالب الاعتماد على نفسه في الحصول على حقه»، بينما الطبيعي، وفق صادق، عند تعرض الطالب لعنف أو تنمر «يشتكي للمعلم، ويرفع الأمر للإدارة لأخذ موقف ومعاقبة الطالب المعتدي؛ لكن مع غياب المعلم المؤهل وضعف إدارات المدارس، يغيب ذلك العقاب، وبالتالي نجد هذا العنف».