كيف ألهبت مقابلة عون الشارع؟

الرئيس اللبناني ميشال عون
الرئيس اللبناني ميشال عون
TT

كيف ألهبت مقابلة عون الشارع؟

الرئيس اللبناني ميشال عون
الرئيس اللبناني ميشال عون

بعد سويعات على انتهاء المقابلة التلفزيونية التي أجراها الرئيس اللبناني ميشال عون مساء الثلاثاء، قُتل الشاب علاء أبو فخر برصاص عنصر أمني رسمي، ما فاقم التهاب الشوارع التي تدفق إليها آلاف المتظاهرين، الذين هالتهم حالة الإنكار والانفصال عن الواقع، التي قالوا إن رئيس الجمهورية يعيشها.
والحال أن المقابلة وسياقها طرحا أسئلة أكثر مما قدما إجابات، ولو أولية، على ما يؤرق الشارع. ذاك أن الرئيس لم يقدم إجابات واضحة عن موعد الاستشارات النيابية، التي يلزمه الدستور بها فور استقالة الحكومة، التي مرّ عليها 10 أيام، ولا عن تصوره للخروج من الأزمة الاقتصادية الطاحنة التي تتمدد آثارها وتتعمق مفاعليها، لتشمل كل يوم قطاعات إنتاجية جديدة، والتي تحاول السلطة إلقاء اللوم فيها على الانتفاضة، رغم أن هذه الأخيرة لم تبدأ سوى كانعكاس للكارثة الاقتصادية الاجتماعية الوشيكة. الأفكار المائعة التي قدّمها رئيس الجمهورية عن حكومة من الاختصاصيين، لا تكون سياسية بالضرورة، ما يجعلها مقبولة من الشارع، وتطمئن لها الجهات الدولية المراقبة لتفشي الفساد في لبنان، لم تحمل عناوين ومشروعات واضحة، وحاولت إعادة كرة التقدم بالحلول إلى المنتفضين. بل إن عون لم يجد غضاضة في تحدي المتظاهرين، داعياً إياهم إلى الرحيل والهجرة، في حال لم يجدوا في السلطة شخصية «آدمية» (محترمة) للحوار معها، واضعاً ما يتصور أنه ثقله المعنوي لتعرية المتظاهرين من حججهم من خلال مطالبته لهم بالإقرار «بتاريخه»، وهذا موضع خلاف كبير بين اللبنانيين، على أقل تقدير، إن لم يكن حمّال أوجه وشكوك والتباسات، من قسم كبير منهم.
المهم أن دقائق قليلة فصلت بين انتهاء المقابلة ونزول الآلاف من الشبان المعترضين على مضمون وشكل المقابلة وعلى ما قاله عون وعلى ما لم يقله وكانوا ينتظرونه منه. السرعة والزخم اللذان قُطعت الشوارع بهما، من أقصى الشمال إلى تخوم الجنوب، خلّفت انطباعاً عند بعض الصحافيين بأن التحرك كان مبيتاً ومُعدّاً له من قبل الحديث التلفزيوني. واضح أن الاتهام هذا يستند إلى جهل كامل بالكيفية التي تتحرك فيها المظاهرات وآليات عمل الشبان المنتفضين، التي ما زالت العفوية تغلب عليها، وإن كانت تكنولوجيا الاتصالات الحديثة تزودها بقدرات عالية على التحرك والحشد في خلال دقائق.
من جهة ثانية، تدعو حالة الإنكار والانفصال عن الواقع إلى القلق على مستقبل لبنان، بقدر ما تعلن عجز الجماعة الحاكمة عن اجتراح الحلول الكفيلة بتطويق أسباب الانتفاضة في المقام الأول، ثم الإتيان بسلطة تعكس المصالح العامة لأكثرية اللبنانيين. مصدر القلق أن الإنكار والانفصال المذكورين قابلان في بلد مثل لبنان أن يتحولا إلى غيبوبة جماعية، تشمل طوائف بأكملها، أو على الأقل أجزاء وازنة من طوائف ترى أنها مستهدفة دون غيرها في الثورة الجارية. هذا ما يمكن استخلاصه من جملة مقابلات وتصريحات أدلى بها مسؤولون في «التيار الوطني الحرّ» كالنائبين إبراهيم كنعان وسيزار أبو خليل، اللذين ظهرا كمن مسّهما الجن وتفوها بكلام غير مترابط، لكنه ينضح تعالياً على المواطنين الرافضين لسياسات حزبهما. حالة النائبين قد تصلح عينة عن جمهور «التيار» الذي ما زال غير قادر على التصديق أن أكثرية اللبنانيين، ومن طوائف شتى، لا ترحب بسياسات العونيين، ولا بتحالفاتهم، ولا بكل مواقفهم من القضايا الداخلية وفضائحهم التي لا تنتهي، وبطبيعة الحال ارتماؤهم في أحضان المحور الإيراني، وما يجلبه ذلك من متاعب على لبنان واقتصاده الهشّ.
الغريب في الأمر أن المسؤولين السياسيين والماليين اللبنانيين، في الوقت الذي يدركون فيه قبل غيرهم إفلاسهم الكامل، وبالتالي افتقارهم إلى ما قد يهدئ من غضب الشارع، يصرون على الظهور الإعلامي بوتيرة عالية. فيوم الاثنين، 11 نوفمبر (تشرين الثاني) وحده، ظهر حاكم مصرف لبنان ليبرئ نفسه من المسؤولية عن الأزمة المالية، وليلقي بها على عاتق المصارف، ثم عقد رئيس مجلس النواب نبيه برّي مؤتمراً صحافياً أرجأ فيه انعقاد جلسة، كان جدول أعمالها يضم بندَي العفو العام الإشكالي وتشكيل محكمة مالية تنتهك مبدأ استقلالية القضاء. وبعد برهة «أطلّ» الأمين العام لـ«حزب الله» حسن نصر الله طارحاً، على جاري عادته، مجموعة من الأفكار التي تحيل الأزمة الاقتصادية إلى مؤامرة أميركية، ومقترِحاً انفتاحاً اقتصادياً على الصين كمخرج من الانسداد الحالي. المشترك في الكلمات الثلاث غياب أي مقدار من النقد الذاتي، أو بوادر تحمل عبء الواقع الحالي، الذي تشارك المتكلمون مع غيرهم من السياسيين والاقتصاديين، في الوصول إليه، وتغطيته، ويتشاركون الآن محاولة استعادته كقَدَر لا يستطيع اللبنانيون الهروب منه وتغييره!



ملاهي سوريا وحاناتها تعيد فتح أبوابها بحذر بعد انتصار فصائل المعارضة

سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
TT

ملاهي سوريا وحاناتها تعيد فتح أبوابها بحذر بعد انتصار فصائل المعارضة

سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)

احتفل سكان دمشق بسقوط نظام بشار الأسد بعد حرب وحشية استمرت 13 عاماً، لكن أصحاب أماكن السهر في المدينة اعتراهم القلق وهم يعيدون فتح أبواب حاناتهم وملاهيهم.

فقد قادت «هيئة تحرير الشام» فصائل المعارضة التي أطاحت بنظام الأسد، وكانت هناك خشية لدى بعض الناس من أن تمنع الهيئة شرب الكحول.

ظلت حانات دمشق ومحلات بيع الخمور فيها مغلقة لأربعة أيام بعد دخول مقاتلي «هيئة تحرير الشام» المدينة، دون فرضهم أي إجراءات صارمة، والآن أعيد فتح هذه الأماكن مؤقتاً.

ما يريده صافي، صاحب «بابا بار» في أزقة المدينة القديمة، من الجميع أن يهدأوا ويستمتعوا بموسم عيد الميلاد الذي يشهد إقبالاً عادة.

مخاوف بسبب وسائل التواصل

وفي حديث مع «وكالة الصحافة الفرنسية» في حانته، اشتكى صافي، الذي لم يذكر اسم عائلته حتى لا يكشف عن انتمائه الطائفي، من حالة الذعر التي أحدثتها وسائل التواصل الاجتماعي.

فبعدما انتشرت شائعات أن المسلحين المسيطرين على الحي يعتزمون شن حملة على الحانات، توجه إلى مركز الشرطة الذي بات في أيدي الفصائل في ساحة باب توما.

وقال صافي بينما كان يقف وخلفه زجاجات الخمور: «أخبرتهم أنني أملك حانة وأود أن أقيم حفلاً أقدم فيه مشروبات كحولية».

وأضاف أنهم أجابوه: «افتحوا المكان، لا مشكلة. لديكم الحق أن تعملوا وتعيشوا حياتكم الطبيعية كما كانت من قبل»، فيما كانت الموسيقى تصدح في المكان.

ولم تصدر الحكومة، التي تقودها «هيئة تحرير الشام» أي بيان رسمي بشأن الكحول، وقد أغلق العديد من الأشخاص حاناتهم ومطاعمهم بعد سقوط العاصمة.

لكن الحكومة الجديدة أكدت أيضاً أنها إدارة مؤقتة وستكون متسامحة مع كل الفئات الاجتماعية والدينية في سوريا.

وقال مصدر في «هيئة تحرير الشام»، لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»، طلب عدم كشف هويته، إن «الحديث عن منع الكحول غير صحيح». وبعد الإلحاح عليه بالسؤال شعر بالغضب، مشدداً على أن الحكومة لديها «قضايا أكبر للتعامل معها».

وأعيد فتح «بابا بار» وعدد قليل من الحانات القريبة، لكن العمل محدود ويأمل صافي من الحكومة أن تطمئنهم ببيان يكون أكثر وضوحاً وقوة إلى أنهم آمنون.

في ليلة إعادة الافتتاح، أقام حفلة حتى وقت متأخر حضرها نحو 20 شخصاً، ولكن في الليلة الثانية كانت الأمور أكثر هدوءاً.

وقال إن «الأشخاص الذين حضروا كانوا في حالة من الخوف، كانوا يسهرون لكنهم في الوقت نفسه لم يكونوا سعداء».

وأضاف: «ولكن إذا كانت هناك تطمينات (...) ستجد الجميع قد فتحوا ويقيمون حفلات والناس مسرورون، لأننا الآن في شهر عيد الميلاد، شهر الاحتفالات».

وفي سوريا أقلية مسيحية كبيرة تحتفل بعيد الميلاد، مع تعليق الزينات في دمشق.

في مطعم العلية القريب، كان أحد المغنين يقدم عرضاً بينما يستمتع الحاضرون بأطباق من المقبلات والعرق والبيرة.

لم تكن القاعة ممتلئة، لكن الدكتور محسن أحمد، صاحب الشخصية المرحة والأنيقة، كان مصمماً على قضاء وقت ممتع.

وقال لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»: «كنا نتوقع فوضى عارمة في الموقف»، فيما كانت الأضواء تنعكس على ديكورات المطعم، مضيفاً: «لكننا عدنا سريعاً إلى حياتنا، حياتنا الليلية، وحقوقنا».

حفلة مع مغنٍ

وقال مدير المطعم يزن شلش إن مقاتلي «هيئة تحرير الشام» حضروا في ليلة إعادة الافتتاح ولم يغلقوا المكان.

وأضاف: «بدأنا العمل أمس. كانت الأمور جيدة جداً. كانت هناك حفلة مع مغنٍ. بدأ الناس بالتوافد، وفي وسط الحفلة حضر عناصر من (هيئة تحرير الشام)»، وأشار إلى أنهم «دخلوا بكل أدب واحترام وتركوا أسلحتهم في الخارج».

وبدلاً من مداهمة المكان، كانت عناصر الهيئة حريصين على طمأنة الجميع أن العمل يمكن أن يستمر.

وتابع: «قالوا للناس: لم نأتِ إلى هنا لنخيف أو نرهب أحداً. جئنا إلى هنا للعيش معاً في سوريا بسلام وحرية كنا ننتظرهما منذ فترة طويلة».

وتابع شلش: «عاملونا بشكل حسن البارحة، نحن حالياً مرتاحون مبدئياً لكنني أخشى أن يكون هذا الأمر آنياً ولا يستمر».

ستمارس الحكومة الانتقالية الجديدة في سوريا بقيادة «هيئة تحرير الشام» عملها حتى الأول من مارس (آذار). بعد ذلك، لا يعرف أصحاب الحانات ماذا يتوقعون.