قانون «استعادة الأموال المنهوبة» يتصدر النقاشات المنتظرة في مجلس النواب

ضمن مجموعة قوانين وصفها بري بـ«الثورة التشريعية»

TT

قانون «استعادة الأموال المنهوبة» يتصدر النقاشات المنتظرة في مجلس النواب

شقّ مشروع قانون «استعادة أموال الدولة المنهوبة»، طريقه إلى البرلمان اللبناني، ليكون مادّة دسمة في الجلسة التشريعية التي أرجأها رئيس مجلس النواب نبيه برّي إلى الأسبوع المقبل، من ضمن ورشة قوانين وصفها برّي بـ«الثورة التشريعية»، التي تواكب الثورة الشعبية المستمرّة منذ أكثر من ثلاثة أسابيع، التي تطالب بإصلاحات جذرية في بنية الدولة التي ينخرها الفساد.
هذا المشروع يكاد يكون من ضمن المشاريع القليلة، المحالة من الحكومة مباشرة على الهيئة العامة للتصويت عليه، من دون المرور باللجان النيابية المختصّة لدرسه، ويأتي ذلك تحت وطأة ضغط الشارع، ومطالبة المتظاهرين بمحاكمة المسؤولين السياسيين والموظفين الذين جنوا ثروات طائلة من المال العام. وفيما يرى مواكبون للورشة التشريعية، أن إقرار قانون «استعادة الأموال المنهوبة» قد يكون الإنجاز الأهم للبرلمان، رأى مرجع قانوني أن «لبنان لا تنقصه قوانين محاربة الفساد، واسترداد المال المسروق من خزينة الدولة، بل يحتاج إلى جرأة في تطبيق القوانين النافذة حالياً، وخصوصاً قانون العقوبات».
وأكد لـ«الشرق الأوسط»، أن «المادة 359 من قانون العقوبات تنصّ على أن (كلّ موظف اختلس أموالاً أوكل إليه أمر إدارتها أو جبايتها بحكم الوظيفة، مستغلّاً نفوذه، عوقب بالحبس من ثلاثة أشهر حتى ثلاث سنوات، وبغرامة أقلّها قيمة المردود)، مشيراً إلى أن المادة 638 من القانون نفسه تعاقب بالأشغال الشاقة إذا وقعت السرقة على أموال عامة، أو موجودات مؤسسة حكومية أو أي هيئة تابعة لإدارة رسمية».
ولا تحتاج استعادة أموال الدولة المسروقة إلى سنّ قوانين جديدة، تستلزم آليات معقدة لتطبيقها، وفق تعبير المرجع القانوني الذي أوضح أن «المادة 129 من قانون العقوبات، تلزم القاضي بأن يحكم بردّ الأموال المسروقة، مع العطل والضرر ومصادرة المسروق وإعادة الحال لما كان عليه».
وتتباين آراء المرجعيات القانونية حيال هذه القوانين وجدواها، إذ اعتبر وزير العدل الأسبق إبراهيم نجّار، أن «قانون العقوبات فيه ما يكفي من المواد لملاحقة المتهمين بصرف النفوذ وسرقة المال العام»، لكن لفت في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، إلى أن قانون العقوبات «يشترط رفع الحصانة قبل الشروع بالملاحقة». وقال: «إذا تقرر ملاحقة نائب فإن ذلك يحتاج إلى رفع الحصانة عنه بتصويت ثلثي عدد النواب (86 نائباً من أصل 128)، وكذلك ملاحقة مدير عام أو أي موظف تحتاج إلى إذن من الوزير أو الإدارة التابع لها هذا الموظف»، مشدداً على أن «مشروع قانون استعادة الأموال المنهوبة، نتيجة صرف النفوذ أو استغلال المنصب، لا يخضع لنفس الضوابط الملحوظة في قانون العقوبات».
وثمة إجراءات يفترض اتباعها عند تأسيس الملفات التي تلاحق سارقي المال العام، ويقول نجّار: «بمجرّد أن تدعي النيابة العامة، وتحيل الملف على الهيئة القضائية الخاصة باستعادة الأموال المنهوبة، معززاً بأدلة تثبت الشبهات، والإمكانية الجدية لوجود جرم، تبدأ الهيئة بإجراء التحقيق، ويخضع النائب أو المدير العام إلى التحقيق من دون أي حصانة».
وكشف وزير العدل السابق، أن «ثلاث مرجعيات تتحكّم بقانون استعادة الأموال المسروقة، الأولى النيابات العامة التي تدّعي وتجمع الأدلة وتعدّ الملفات والشبهات التي يمكن تصديقها، والثانية مجلس النواب الذي يعمل على تصحيح القوانين التي تسهّل ملاحقة المرتكبين من دون حصانة وأذونات، والثالثة مصرف لبنان المفروض فيه أن يجمّد الحسابات ويقدّم الإثباتات».
ودائماً ما يُتهم السياسيون بإخفاء ثرواتهم في لبنان والخارج، عبر تسجيل أرصدتهم بأسماء مستعارة، وأشخاص يثقون بهم، لكن نجّار لفت إلى أن «النيابات العامة هي المسؤولة عن كشف الأسماء المستعارة، من خلال التحقيقات التي تجريها». وأكد أن «كلا من السلطات السويسرية وكذلك الفرنسية، يلبّي أي طلب من القضاء اللبناني لحجز الأموال في بنوكهما، بناء لدعاوى مقدمة في لبنان، إلى حين انتهاء النزاع القضائي»، لافتاً إلى أنه «إذا ثبت أن الأموال الموجودة في بنوك خارجية مهرّبة أو مسروقة، أو ناجمة عن تبييض أموال، فيجري حبسها، وإعادتها إلى خزينة الدولة اللبنانية».



اعتقالات الحوثيين وتسليح الاقتصاد يهيمنان على إحاطة غروندبرغ

المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)
المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)
TT

اعتقالات الحوثيين وتسليح الاقتصاد يهيمنان على إحاطة غروندبرغ

المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)
المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)

تصدرت اعتقالات الحوثيين للموظفين الأمميين والإغاثيين، وتسليح الاقتصاد في اليمن، الإحاطة الشهرية للمبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ، أمام مجلس الأمن، الأربعاء، مع تأكيد المبعوث أن الحلّ السلمي وتنفيذ خريطة طريق تحقق السلام أمر ليس مستحيلاً، على الرغم من التصعيد الحوثي البحري والبري والردود العسكرية الغربية.

وقال المبعوث الأممي إنه من الضروري أن تقتنص الأطراف المعنية، والمنطقة، والمجتمع الدولي «اللحظات المحورية»، وألا تفوّت الفرصة لتحويلها إلى خطوات واضحة نحو تحقيق السلام المنشود في اليمن.

آثار مسيرة حوثية انفجرت في مبنى سكني في تل أبيب (أ.ف.ب)

ومع انهيار الاقتصاد وتدهور مستويات المعيشة، رأى غروندبرغ أنه لا يوجد أي مبرر لهذه المعاناة، وأن إنهاء الحرب في اليمن هو خيار حقيقي ومتاح، ويبقى ضمن متناول الأطراف، داعياً جميع الأطراف للانخراط بجدية مع الجهود التي يقودها لتنفيذ خريطة الطريق، والتي تهدف إلى تحقيق وقف إطلاق النار، وتنفيذ تدابير اقتصادية، تشمل دفع الرواتب بشكل مستدام، والتمهيد لعملية سياسية شاملة.

وحضّ غروندبرغ على اتخاذ الإجراءات اللازمة، وتقديم التنازلات، والتركيز الصادق على اليمن، باعتبار ذلك أمراً ضرورياً «إذا كانت الأطراف تسعى لتخفيف معاناة اليمنيين وإعادة الأمل في مستقبل يسوده السلام».

اعتقالات تعسفية

أشار المبعوث الأممي إلى اليمن في إحاطته إلى مرور 6 أشهر على بدء الحوثيين اعتقالات تعسفية استهدفت موظفين من المنظمات الدولية والوطنية، والبعثات الدبلوماسية، ومنظمات المجتمع المدني، وقطاعات الأعمال الخاصة.

وقال، رغم الإفراج عن 3 محتجزين، إن عشرات آخرين، بمن فيهم أحد أعضاء مكتبه لا يزالون رهن الاحتجاز التعسفي، «بل إن البعض يُحرم من أبسط الحقوق الإنسانية، مثل إجراء مكالمة هاتفية مع عائلاتهم». وفق تعبيره.

الحوثيون انخرطوا في ما يمسى محور المقاومة بقيادة إيران (إ.ب.أ)

ووصف المبعوث الأممي هذه الاعتقالات التعسفية بأنها «تشكل انتهاكاً صارخاً للحقوق الإنسانية الأساسية، وتسبب معاناة عميقة لأسرهم التي تعيش في حالة مستمرة من القلق والخوف على سلامة أحبائهم»، وشدّد على الإفراج الفوري وغير المشروط عن جميع المعتقلين، مع تعويله على دعم مجلس الأمن لتوصيل هذه الرسالة.

وأوضح غروندبرغ أن مكتبه ملتزم بشكل كبير بإطلاق سراح جميع المحتجزين على خلفية النزاع في اليمن، وقال إن هناك من قضى 10 سنوات رهن الاعتقال، داعياً الجميع إلى الوفاء بالتزاماتهم بموجب اتفاق استوكهولم، ومواصلة العمل بروح من التعاون الصادق للوفاء بهذا الملف الإنساني البالغ الأهمية، وأن تسترشد المفاوضات بالمبدأ المتفق عليه، وهو «الكل مقابل الكل».

عواقب وخيمة

وفي ما يخص الوضع الاقتصادي في اليمن، قال المبعوث الأممي إن الأزمة تتفاقم مجدداً، مع التنبيه إلى «العواقب الوخيمة» التي تترتب على الانكماش الاقتصادي، وتجزئته، واستخدامه كأداة في الصراع.

وأكد غروندبرغ أن الفشل في دفع رواتب ومعاشات القطاع العام أدّى إلى زيادة الفقر بشكل واسع، بينما أسهم التضخم المتزايد في جعل كثير من الأسر عاجزة عن تلبية احتياجاتها الأساسية، بما في ذلك الغذاء.

تدهور الاقتصاد وانقطاع الرواتب في اليمن تسببا في جوع ملايين السكان (أ.ف.ب)

وفي شأن مساعيه، أفاد المبعوث الأممي بأن مكتبه من خلال زيارات صنعاء وعدن أوضح مفترق الطرق الحاسم الذي تواجهه الأطراف، وهو إما الاستمرار في «المسار الكارثي من النزاع غير المحسوم وتسليح الاقتصاد الذي سيؤدي بلا شك إلى خسارة الجميع، أو التعاون لحلّ القضايا الاقتصادية لتمهيد الطريق نحو النمو وتحقيق مكاسب السلام الممكنة».

وأشار إلى أن العمل جارٍ على استكشاف حلول عملية وملموسة تهدف إلى استعادة الاستقرار وتعزيز الحوار بشأن الاقتصاد اليمني، بما يشمل دفع الرواتب واستئناف صادرات النفط والغاز، بما يخدم مصلحة الشعب اليمني وترجمة الالتزامات التي تعهدت بها الأطراف في يوليو (تموز) الماضي إلى خطوات ملموسة تعود بالفائدة على جميع اليمنيين.

التصعيد العسكري

في شأن التصعيد العسكري، قال غروندبرغ إن انعدام الأمن في البحر الأحمر لا يزال يتفاقم نتيجة أعمال الحوثيين، إلى جانب الهجمات على إسرائيل، والغارات الجوية التي شنّتها الولايات المتحدة والمملكة المتحدة رداً على تلك التطورات.

وأشار إلى أن هذه الأحداث التي استمرت طوال العام، قلّصت الحيز المتاح لجهود الوساطة التي يقودها. وحضّ جميع الأطراف المعنية على اتخاذ خطوات جادة لتهيئة بيئة مناسبة، تمهد الطريق لحل النزاع في اليمن، وحذّر من أن الفشل في تحقيق ذلك لن يؤدي إلا إلى تعزيز دعوات العودة إلى الحرب.

طائرة حوثية من دون طيار في معرض أقامه الحوثيون في صنعاء بمناسبة الأسبوع السنوي لذكرى قتلاهم (رويترز)

وأوضح أن الأوضاع الهشّة في اليمن لا تزال مستمرة على عدة جبهات، مع تصاعد الاشتباكات بشكل متكرر في مناطق، مثل الضالع، الحديدة، لحج، مأرب، صعدة، شبوة، تعز. ما يؤدي مراراً إلى خسائر مأساوية في الأرواح.

وتصاعدت الأعمال العدائية في المناطق الشرقية من تعز - وفق المبعوث الأممي - مع ورود تقارير عن وقوع انفجارات وقصف بالقرب من الأحياء السكنية.

وفي الأسبوع الماضي فقط، أورد المبعوث في إحاطته أن طائرة من دون طيار استهدفت سوقاً مزدحمة في مقبنة بمحافظة تعز، ما أسفر عن مقتل 6 أشخاص على الأقل، وإصابة آخرين بجروح خطرة.

ودعا غروندبرغ أطراف النزاع اليمني إلى التقيد الجاد بالتزاماتهم، بموجب القانون الإنساني الدولي، لضمان حماية المدنيين والبنية التحتية المدنية. وقال إن هذه الحوادث تسلط الضوء على الحاجة الملحة للتوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار.

ولدعم جهود التهدئة، أفاد المبعوث بأن مكتبه يتواصل مع المسؤولين العسكريين والأمنيين من الطرفين، لتسهيل الحوار حول الديناميكيات الحالية، واستكشاف سبل تعزيز بناء الثقة.