على الإنجليز محاسبة أنفسهم أولاً على الإساءات العنصرية

أصبح رد الفعل الإنجليزي تجاه عقوبات «اليويفا» بخصوص التجاوزات العنصرية متوقعاً للغاية: شعور عام وفوري بالازدراء. وبدأ رد الفعل هذه المرة في غضون ثوان من إعلان «يويفا» عن قرار لجنة التأديب التابعة لها ضد الانتهاكات الصادمة التي اقترفها قطاع من مشجعي المنتخب البلغاري، والتي استهدفت اللاعبين داكني البشرة من المنتخب الإنجليزي أثناء مباراة تأهل لبطولة أمم أوروبا في 14 أكتوبر (تشرين الأول).
وتمثلت العقوبات في حظر الحضور الجماهيري خلال المباراة الدولية التالية لبلغاريا، وإرجاء قرار بحظر ثان لمدة عامين على سبيل الاختبار وغرامة بقيمة 75.000 يورو (64.800 جنيه إسترلينية). أما الرأي السائد هنا فيدور حول أن هذه مجرد إجراءات رمزية وتكشف أن «يويفا» لا يهتم حقاً بمحاربة العنصرية. وأعلنت حملة «كيك إت أوت» المناهضة للعنصرية داخل الملاعب الإنجليزية أنها «تشعر بالإحباط، لكنها ليست مندهشة» من قرارات «يويفا»، ودعت الاتحاد الأوروبي إلى تقديم شرح لعملية صنع القرار لديه - وهو أمر يتعين على الاتحاد فعله بالتأكيد - ثم دعا مسؤولو الحملة إلى إجراء إصلاح شامل في منظومة العقوبات لدى الاتحاد.
وجميعنا نذكر الغرامة التي تعرض لها نيكلاس بينتر بقيمة 100.000 يورو أثناء بطولة كأس الأمم الأوروبية بسبب تورطه في تسويق غير قانوني عندما كشف عن سروال يرتديه يحمل علامة «بادي باور» التجارية للملابس الرياضية. ويرى البعض في هذا الحادث دليلاً على المعايير المعوجة لـ«يويفا». الحقيقة أن مبلغ الـ100.000 يورو كان مصادرة للأموال التي دفعتها شركة «بادي باوي» لبينتر، حقيقة نادراً ما يرد ذكرها، تماماً مثلما يتجاهل الكثيرون مسألة أن منع الحضور الجماهيري في استاد بأكمله عقوبة مالية كبيرة، خاصة في بلد مثل بلغاريا.
وبطبيعة الحال، تبقى العقوبات محط جدال وانتقادات بطبيعتها، خاصة في مثل هذه الأوقات المضطربة التي تشهد عودة للإساءات العنصرية. والمعروف أنه من الصعب للغاية في أي مجال إنزال عقوبات مناسبة تماماً للجرائم المرتكبة، وكثيراً ما تبدو العقوبات غير مناسبة أمام البعض.
جدير بالذكر أن بيارا بوار، المدير التنفيذي لشبكة «فير» لحملات مناهضة العنصرية بمجال كرة القدم والممتدة عبر أرجاء أوروبا، وسبق له العمل رئيساً تنفيذياً لفترة طويلة لحملة «كيك إت أوت»، تعاون مع «يويفا» عام 2013 لتطوير هيكل هذه العقوبات، لكنه أعرب عن اعتقاده بأنه كان من الضروري تطبيقها بصرامة أكبر ضد بلغاريا. وقال بوار إنه بوجه عام يعتقد أن هذه العقوبات ناجعة، وأن حرمان الجماهير من حضور مباريات على نحو جزئي أو كلي يترك انطباعاً عاماً قوياً ويشكل مذلة علنية وعقوبة مالية ضد بلد أو ناد ما.
إلا أنه أضاف أنه كان يتعين على «يويفا» المضي خطوة نحو الأمام في عملية العقوبات وطرد بلغاريا من البطولة لأن هذه المرة الثالثة التي تقع خلالها حوادث عنصرية من هذا النوع من قبل عصابات بلغارية متطرفة، وثمة عدوى مثيرة للقلق لمشاعر الكراهية المرتبطة بمشاعر اليمين المتطرف في شرق أوروبا. من جانبه، خرج لاعب ليفربول ريان بروستر إلى «تويتر» للتعبير عن صدمته إزاء العقوبات المفروضة ضد التلويح بإشارة النازية والإساءات العنصرية، وقال: «العالم بحاجة لأن يفيق من غفلته».
ومع ذلك، فإن الجماهير الإنجليزية التي تنبري في توجيه سهام النقد إلى «يويفا» ربما من الأفضل لها تذكر رد الفعل داخل بلغاريا لرئيس اتحاد كرة القدم الإنجليزي، غريغ كلارك، فقد رفض ركوب موجة الانتقادات بسرعة لإدراكه أننا نعاني في هذا البلد من بعض المشكلات أيضاً. وخلال عطلة نهاية الأسبوع التالية مباشرة، فعل لاعبو هارينغي بورو في شمال لندن ما رفض المنتخب الإنجليزي فعله في بلغاريا وانسحبوا من أرض الملعب بعدما قال حارس مرماهم، فاليري باجيتات، إنه تعرض لإساءات عنصرية من جانب جماهير يويفل صاحبة الأرض. كما تعرض أحد مشجعي مانشستر يونايتد للطرد من أولد ترافورد بسبب توجيه إساءات عنصرية ضد لاعب ليفربول ألكسندر ترنت أرنولد، وتم منعه من حضور المباريات بعد ذلك. كما تجري الشرطة ومسؤولو النادي تحقيقاً حول مزاعم بحدوث إساءات عنصرية من جانب جماهير بريستول سيتي ضد لوتون تاون أثناء مواجهتهم في إطار دوري الدرجة الأولى.
وفي هذه الحالات، يجري فرض العقوبات ضد الجماهير ذاتها، والتي ربما تتعرض للحرمان من حضور المباريات، وهو أمر يمكن تفهمه، لكن ما لا يمكن تفهمه تصاعد السخرية في ذات المساء ضد قرارات «يويفا»، واستعداد هارينغي بورو لخوض إعادة مباراة بالدور الرابع ببطولة كأس الاتحاد أمام يويفل، وكأن شيئا لم يحدث.
ولم يكن بوار الوحيد الذي حذر من أن جهود مكافحة العنصرية تتعرض للتقويض، في وقت تغادر بريطانيا الاتحاد الأوروبي في خضم حملات مناهضة للهجرة. ورغم تأكيد مؤيدي البريكست أنهم لا يتحركون بدافع من كراهية الأجانب أو العنصرية، تظل الحقيقة الواضحة أن العداء تجاه الشعوب والدول الأخرى في تزايد وأصبح أمراً مقبولاً وطبيعياً، بدعم من سياسات حكومتنا ورئيس وزرائنا. وتعكس الحوادث التي تقع داخل ملاعب كرة القدم هذه الحقيقة. وبينما يتعين على «يويفا» شرح حيثيات قراراته، ينبغي علينا أن نمعن النظر لأنفسنا.