حشود لبنانية في «أحد الإصرار»

مسيرات عمت المناطق ودعوات لتشكيل حكومة من خارج السلطة

عشرات الآلاف من المتظاهرين اللبنانيين في ساحة الشهداء ببيروت يرفعون الأعلام اللبنانية وشعار ثورتهم أمس (أ.ف.ب)
عشرات الآلاف من المتظاهرين اللبنانيين في ساحة الشهداء ببيروت يرفعون الأعلام اللبنانية وشعار ثورتهم أمس (أ.ف.ب)
TT

حشود لبنانية في «أحد الإصرار»

عشرات الآلاف من المتظاهرين اللبنانيين في ساحة الشهداء ببيروت يرفعون الأعلام اللبنانية وشعار ثورتهم أمس (أ.ف.ب)
عشرات الآلاف من المتظاهرين اللبنانيين في ساحة الشهداء ببيروت يرفعون الأعلام اللبنانية وشعار ثورتهم أمس (أ.ف.ب)

لبّى آلاف اللبنانيين دعوة التظاهر فيما أطلق عليه الناشطون «أحد الإصرار»، وعمّت التحركات والمسيرات مختلف المناطق منذ الصباح، فيما نفذت مظاهرات مركزية في الساحات التي امتلأت منذ ساعات بعد الظهر.
وطالب الناشطون في بيانات وزعت خلال المظاهرات، بـ«تشكيل حكومة مصغرة مؤقتة بصلاحيات تشريعية استثنائية من خارج السلطة السياسية تعمل على إنقاذ لبنان من الأزمة الاقتصادية عبر فرض ضرائب تصاعدية وتخفيف عبء الدين العام، ومنع تهريب رؤوس الأموال الكبيرة من البلاد، والعمل على إجراء انتخابات نيابية مبكرة تحت قانون عادل يضمن صحة تمثيلنا، مع خفض سن الاقتراع إلى 18 عاماً».
ومنذ ساعات الصباح الأولى تجمع عشرات المعتصمين عند الواجهة البحرية لبيروت، المعروفة باسم «زيتونة باي» في بيروت رافعين الأعلام اللبنانية، وافترش البعض منهم الأرض مع عائلاتهم وأقاموا فطوراً تقليدياً. وقال المشاركون إن هدف اعتصامهم هو التأكيد أن كل الشواطئ والأملاك البحرية ملك للشعب الذي يحق له أن يتمتع بها.
وبعد الظهر، نُظمت في بيروت مسيرة «ثورة أمهات لبنان» انطلقت من أمام وزارة الداخلية والبلديات باتجاه ساحة التظاهر في رياض الصلح، ورفع الناشطون الأعلام اللبنانية وشعارات تطالب بإعطاء الأم الجنسية لأبنائها وتصحيح وضع مكتومي القيد.
وفي منطقة إقليم الخروب في جبل لبنان الجنوبي، نظم اعتصام مركزي شاركت فيه حشود من قرى المنطقة وبلداتها، فيما بقيت بلدات الشمال على حماستها وعمّت التحركات مختلف المناطق.
وظهراً، ازدحم مرفأ الصيادين في مدينة الميناء بطرابلس بالصيادين ومراكبهم، ونفذوا مظاهرة ومسيرة بحرية انطلقت من ميناء الصيادين وتوجهت نحو الجزر الموجودة قبالة شواطئ المدينة. ورفع المحتجون الأعلام اللبنانية ولافتات تنادي بإنصافهم، كما طالبوا بالحماية الرسمية من قبل الوزارات المعنية مهنياً ومطلبياً، إضافة إلى إفادتهم من خدمات الضمان الاجتماعي، كما رسموا ختاماً كلمة ثورة بمراكبهم في وسط المرفأ.
وفي عكار، أقيم لقاء حاشد بعنوان «يوم مطار القليعات» أمام مطار الرئيس رينيه معوض في القليعات في سهل عكار، بمشاركة حشد من مختلف الهيئات المهنية، رفعت خلاله الأعلام اللبنانية وترددت هتافات الحراك، وسط مطالبات بتشغيل المطار.
وشدد المنظمون على «حق عكار بأن يكون لديها مطار»، مطالبين بـ«ضرورة تشغيله وتفعيله لأنه يعتبر حاجة أساسية، ليس فقط لعكار بل للشمال عموماً، ويعطي فرصة اقتصادية وسياحية مهمة ويؤمن فرص عمل لآلاف من الشباب العاطلين عن العمل في ظل أزمة البطالة». وعمت كذلك المسيرات الطالبية شوارع المدينة وسط مطالبات بتشكيل حكومة تكنوقراط.
ونفذت مجموعات أخرى من المتظاهرين اعتصامات أمام منازل القيادات السياسية في المدينة من دون استثناء، للمطالبة باستقالتهم. وفي بشري والضنية أيضاً، نظم عدد من أهالي المنطقة اعتصاماً سلمياً مطالبين بـ«الإسراع بتشكيل حكومة انتقالية تنقذ البلد من كارثة اقتصادية كبيرة». وطالب المتظاهرون السلطة بـ«إعطاء أهمية للقطاع الزراعي في البلاد».
وفي الجنوب، نظم الناشطون في صور مسيرة حاشدة انطلقت من ساحة العلم نحو مصرف لبنان، بمواكبة قوى الأمن الداخلي والجيش الذي انتشر في محيط الساحة وعلى طول الطريق حتى المصرف، في حين وقع إشكال خلال المظاهرة تدخل الجيش وعمل على فضه، بحسب الوكالة الوطنية للإعلام.
وفي كفررمان، انطلق المعتصمون بمسيرة نحو محيط سرايا النبطية، وجالوا في شوارع المدينة وصولاً حتى مصرف لبنان، ورفعوا الأعلام على وقع أناشيد وطنية، وسط مواكبة من القوى الأمنية التي انتشرت بمحيط السرايا ودوار كفررمان وعلى طول الطريق حتى المصرف.
وفي صيدا، خرجت تحركات مشابهة، فيما نظم شباب وشابات «حراك أبناء بعلبك» مسيرة بمشاركة تلاميذ المدارس، حاملين علماً لبنانياً طوله 17 متراً. وانطلقوا من ساحة التظاهر المركزية في بعلبك مرورا بالسوق التجارية، وصولاً إلى الموقع الأثري، مقابل مدخل قلعة بعلبك، حيث حاولوا الدخول إلى القلعة بالقوة، لكن القوى الأمنية منعتهم فافترشوا المدخل بأجسادهم، معتبرين أنّ «قلعة بعلبك بئر نفط، لا تستفيد المدينة منها».



الحوثيون يكثفون انتهاكاتهم بحق الأكاديميين في الجامعات

فعالية حوثية داخل جامعة صنعاء تضامناً مع «حزب الله» (إعلام حوثي)
فعالية حوثية داخل جامعة صنعاء تضامناً مع «حزب الله» (إعلام حوثي)
TT

الحوثيون يكثفون انتهاكاتهم بحق الأكاديميين في الجامعات

فعالية حوثية داخل جامعة صنعاء تضامناً مع «حزب الله» (إعلام حوثي)
فعالية حوثية داخل جامعة صنعاء تضامناً مع «حزب الله» (إعلام حوثي)

كثّفت الجماعة الحوثية استهدافها مدرسي الجامعات والأكاديميين المقيمين في مناطق سيطرتها بحملات جديدة، وألزمتهم بحضور دورات تعبوية وزيارات أضرحة القتلى من قادتها، والمشاركة في وقفات تنظمها ضد الغرب وإسرائيل، بالتزامن مع الكشف عن انتهاكات خطيرة طالتهم خلال فترة الانقلاب والحرب، ومساعٍ حثيثة لكثير منهم إلى الهجرة.

وذكرت مصادر أكاديمية في العاصمة اليمنية المختطفة صنعاء لـ«الشرق الأوسط» أن مدرسي الجامعات العامة والخاصة والموظفين في تلك الجامعات يخضعون خلال الأسابيع الماضية لممارسات متنوعة؛ يُجبرون خلالها على المشاركة في أنشطة خاصة بالجماعة على حساب مهامهم الأكاديمية والتدريس، وتحت مبرر مواجهة ما تسميه «العدوان الغربي والإسرائيلي»، ومناصرة فلسطينيي غزة.

وتُلوّح الجماعة بمعاقبة مَن يتهرّب أو يتخلّف من الأكاديميين في الجامعات العمومية، عن المشاركة في تلك الفعاليات بالفصل من وظائفهم، وإيقاف مستحقاتهم المالية، في حين يتم تهديد الجامعات الخاصة بإجراءات عقابية مختلفة، منها الغرامات والإغلاق، في حال عدم مشاركة مدرسيها وموظفيها في تلك الفعاليات.

أكاديميون في جامعة صنعاء يشاركون في تدريبات عسكرية أخضعهم لها الحوثيون (إعلام حوثي)

وتأتي هذه الإجراءات متزامنة مع إجراءات شبيهة يتعرّض لها الطلاب الذين يجبرون على حضور دورات تدريبية قتالية، والمشاركة في عروض عسكرية ضمن مساعي الجماعة لاستغلال الحرب الإسرائيلية على غزة لتجنيد مقاتلين تابعين لها.

انتهاكات مروّعة

وكان تقرير حقوقي قد كشف عن «انتهاكات خطيرة» طالت عشرات الأكاديميين والمعلمين اليمنيين خلال الأعوام العشرة الماضية.

وأوضح التقرير الذي أصدرته «بوابة التقاضي الاستراتيجي»، التابعة للمجلس العربي، بالتعاون مع الهيئة الوطنية للأسرى والمختطفين، قبل أسبوع تقريباً، وغطّي الفترة من مايو (أيار) 2015، وحتى أغسطس (آب) الماضي، أن 1304 وقائع انتهاك طالت الأكاديميين والمعلمين في مناطق سيطرة الجماعة الحوثية التي اتهمها باختطافهم وتعقبهم، ضمن ما سمّاها بـ«سياسة تستهدف القضاء على الفئات المؤثرة في المجتمع اليمني وتعطيل العملية التعليمية».

أنشطة الجماعة الحوثية في الجامعات طغت على الأنشطة الأكاديمية والعلمية (إكس)

ووثّق التقرير حالتي وفاة تحت التعذيب في سجون الجماعة، وأكثر من 20 حالة إخفاء قسري، منوهاً بأن من بين المستهدفين وزراء ومستشارين حكوميين ونقابيين ورؤساء جامعات، ومرجعيات علمية وثقافية ذات تأثير كبير في المجتمع اليمني.

وتضمن التقرير تحليلاً قانونياً لمجموعة من الوثائق، بما في ذلك تفاصيل جلسات التحقيق ووقائع التعذيب.

ووفق تصنيف التقرير للانتهاكات، فإن الجماعة الحوثية نفّذت 1046 حالة اختطاف بحق مؤثرين، وعرضت 124 منهم للتعذيب، وأخضعت اثنين من الأكاديميين و26 من المعلمين لمحاكمات سياسية.

وتشمل الانتهاكات التي رصدها التقرير، الاعتقال التعسفي والإخفاء القسري والتعذيب الجسدي والنفسي والمحاكمات الصورية وأحكام الإعدام.

عشرات الأكاديميين لجأوا إلى طلب الهجرة بسبب سياسات الإقصاء الحوثية وقطع الرواتب (إكس)

وسبق أن كشف تقرير تحليلي لأوضاع الأكاديميين اليمنيين عن زيادة في طلبات العلماء والباحثين الجامعيين للهجرة خارج البلاد، بعد تدهور الظروف المعيشية، واستمرار توقف رواتبهم، والانتهاكات التي تطال الحرية الأكاديمية.

وطبقاً للتقرير الصادر عن معهد التعليم الدولي، ارتفعت أعداد الطلبات المقدمة من باحثين وأكاديميين يمنيين لصندوق إنقاذ العلماء، في حين تجري محاولات لاستكشاف الطرق التي يمكن لقطاع التعليم الدولي من خلالها مساعدة وتغيير حياة من تبقى منهم في البلاد إلى الأفضل.

إقبال على الهجرة

يؤكد المعهد الدولي أن اليمن كان مصدر غالبية الطلبات التي تلقّاها صندوق إنقاذ العلماء في السنوات الخمس الماضية، وتم دعم أكثر من ثلثي العلماء اليمنيين داخل المنطقة العربية وفي الدول المجاورة، بمنحة قدرها 25 ألف دولار لتسهيل وظائف مؤقتة.

قادة حوثيون يتجولون في جامعة صنعاء (إعلام حوثي)

لكن تحديات التنقل المتعلقة بالتأشيرات وتكلفة المعيشة والاختلافات اللغوية الأكاديمية والثقافية تحد من منح الفرص للأكاديميين اليمنيين في أميركا الشمالية وأوروبا، مقابل توفر هذه الفرص في مصر والأردن وشمال العراق، وهو ما يفضله كثير منهم؛ لأن ذلك يسمح لهم بالبقاء قريباً من عائلاتهم وأقاربهم.

وخلص التقرير إلى أن العمل الأكاديمي والبحثي داخل البلاد «يواجه عراقيل سياسية وتقييداً للحريات ونقصاً في الوصول إلى الإنترنت، ما يجعلهم يعيشون فيما يُشبه العزلة».

وأبدى أكاديمي في جامعة صنعاء رغبته في البحث عن منافذ أخرى قائمة ومستمرة، خصوصاً مع انقطاع الرواتب وضآلة ما يتلقاه الأستاذ الجامعي من مبالغ، منها أجور ساعات تدريس محاضرات لا تفي بالاحتياجات الأساسية، فضلاً عن ارتفاع الإيجارات.

إجبار الأكاديميين اليمنيين على المشاركة في الأنشطة الحوثية تسبب في تراجع العملية التعليمية (إكس)

وقال الأكاديمي الذي طلب من «الشرق الأوسط» التحفظ على بياناته خوفاً على سلامته، إن الهجرة ليست غاية بقدر ما هي بحث عن وظيفة أكاديمية بديلة للوضع المأساوي المعاش.

ويقدر الأكاديمي أن تأثير هذه الأوضاع أدّى إلى تدهور العملية التعليمية في الجامعات اليمنية بنسبة تتجاوز نصف الأداء في بعض الأقسام العلمية، وثلثه في أقسام أخرى، ما أتاح المجال لإحلال كوادر غير مؤهلة تأهيلاً عالياً، وتتبع الجماعة الحوثية التي لم تتوقف مساعيها الحثيثة للهيمنة على الجامعات ومصادرة قرارها، وصياغة محتوى مناهجها وفقاً لرؤية أحادية، خصوصاً في العلوم الاجتماعية والإنسانية.

وفي حين فقدت جامعة صنعاء -على سبيل المثال- دورها التنويري في المجتمع، ومكانتها بصفتها مؤسسة تعليمية، تُشجع على النقد والتفكير العقلاني، تحسّر الأكاديمي اليمني لغياب مساعي المنظمات الدولية في تبني حلول لأعضاء هيئة التدريس، سواء في استيعابهم في مجالات أو مشروعات علمية، متمنياً ألا يكون تخصيص المساعدات لمواجهة المتطلبات الحياتية للأكاديميين غير مشروط أو مجاني، وبما لا يمس كرامتهم.