الحديث عن تنظيم شركات التواصل يتصاعد مع مخاوف تأثيرها على الانتخابات

مشروع قانون حكومي بريطاني لم يشمل مخاطر التمويل الأجنبي للحملات

الحديث عن تنظيم شركات التواصل يتصاعد مع مخاوف تأثيرها على الانتخابات
TT

الحديث عن تنظيم شركات التواصل يتصاعد مع مخاوف تأثيرها على الانتخابات

الحديث عن تنظيم شركات التواصل يتصاعد مع مخاوف تأثيرها على الانتخابات

بريطانيا على انتخابات عامة وشيكة في 12 ديسمبر المقبل
كما تدخل الولايات المتحدة دورة الانتخابات الرئاسية في العام المقبل. ومع اقتراب هذه الانتخابات تزداد المخاوف من تدخل شركات التواصل الاجتماعي العملاقة، مثل غوغل وفيسبوك في التأثير على خيارات الناخبين سواء بطريقة مباشرة أو عن طريق أطراف تدفع مبالغ هائلة في إعلانات على صفحات موجهة للمتابعين أو على صفحات المتابعين أنفسهم.
ولا يتعلق الأمر بتكهنات حول احتمال تدخل شركات التواصل الاجتماعي وإنما تستند المخاوف إلى وقائع فعلية في الانتخابات الرئاسية الأميركية السابقة، وأيضا حملات خروج أو بقاء بريطانيا في الاتحاد الأوروبي.
المعادلة السابقة في بريطانيا كانت بسيطة. فكل حزب سياسي رئيسي تخصص له مدة تلفزيونية معينة قبيل الانتخابات يشرح فيها جوانب من برنامجه أو يوضح نقائص الأحزاب الأخرى. ثم يختار الناخب الحزب الذي يوافق توجهاته. وفي الغالب كان مشاهدو التلفزيون يتجنبون مشاهدة هذه الفترات الإعلانية التي تصيبهم بالملل، بتحويل المحطة إلى برامج أخرى.
الآن لا تعرف الأحزاب أو الحكومات كمية الإعلانات السياسية التي سوف تبث قبل وأثناء الانتخابات. والأهم من ذلك أنها لا تعرف من الذي يقف وراءها ويدفع تكلفتها. وسبب الغموض أن الإعلانات لا تنشر بوجه عام، مثل التلفزيون أو الراديو أو الصحف، وإنما تتوجه فقط للشريحة المعنية ولا يراها غير هذه الشريحة. ولذلك لا يستطيع الإعلام أو الجهات الرقابية معرفة إبعاد هذه الإعلانات أو إلى ماذا تهدف.
وفي الماضي كان التواصل الاجتماعي يقتصر على الشباب، ولكنه يصل الآن إلى جميع شرائح المجتمع بمن فيهم من كبار السن. وتطور الأمر في السنوات الأخيرة من إعلانات دعائية سافرة مثل «هيا نعطي الخدمات الصحية في بريطانيا مبلغ 350 مليون إسترليني ندفعها إلى الاتحاد الأوروبي كل أسبوع - صوت للخروج من أوروبا ولنستعيد السيطرة»، وهو إعلان فج ولكنه أتى بمفعوله ونتج عنه تصويت أغلبية صدقته لخروج بريطانيا من أوروبا.
واتضح من المعلومات أن حملات بقاء بريطانيا في الاتحاد الأوروبي أنفقت أموالا أكثر من حملات «بريكست» للخروج من أوروبا. وأن الممول هو كاتب تلفزيوني أخرج حلقات ناجحة. ولكن الاعتقاد السائد هو أنه مجرد واجهة لجهات أخرى هي التي قامت بالتمويل.
ويقول النائب البرلماني البريطاني داميان كولينز عضو لجنة مكافحة الأخبار الكاذبة أن الروس تدخلوا في انتخابات دول أخرى عن طريق منظمات تبدو في ظاهرها وكأنها جهات دعاية محلية. وفي أميركا أنشأ الروس صفحات أميركية محلية ولكن إدارتها كانت من سان بطرسبرغ في روسيا. وطالب كولينز بتعديل القوانين من أجل منع مثل هذه الممارسات ومراقبة شركات التواصل خصوصا أن المبالغ التي تنفق في هذا المجال هائلة.
من ناحية أخرى طالب نائب برلماني بريطاني آخر اسمه إيان لوكاس بتنظيم عمل شركات التواصل وفرض رقابة عليها خصوصا فيما يتعلق بالانتخابات أو الآراء السياسية، وذلك لأن تأثيرها أصبح واضحا في توجيه الرأي العام. وأضاف أن أعنف المعارك الانتخابية الآن تدار من على منصات شركات التواصل الاجتماعي.
وأضاف لوكاس أنه يستخدم «فيسبوك» في التواصل لأنه لو لم يفعل ذلك فسوف يفقد المنافسة للآخرين. وكان لوكاس في الماضي يلجأ إلى الطرق التقليدية بالذهاب إلى المنازل وطرق الأبواب لكي يتحدث إلى الناخبين.
وتغير الوضع الآن حيث تجمع شركات التواصل الاجتماعي المعلومات عن متابعيها وترسم لهم صورة متكاملة ثم توجه إليهم الأفكار والرسائل التي تريد بها التأثير عليهم من دون أي رقابة على من يقف خلف هذه الدعاية أو حجم تمويلها. وتقليديا تخضع الانتخابات البريطانية إلى رقابة مشددة من حيث التمويل ومصادره.
وفي شهر أكتوبر (تشرين الأول) من العام الماضي صرح متحدث من «فيسبوك» أن الشركة دشنت عدة أدوات جديدة من أجل زيادة الشفافية خصوصا فيما يتعلق بالأمور السياسة. وتشمل هذه الأدوات ذكر مصدر التمويل والطلب من المعلنين الإفصاح عن هويتهم وعن موقعهم الجغرافي. كما يحتفظ «فيسبوك» بمكتبة إعلانات في الأرشيف لمدة سبع سنوات.
وقال المتحدث إن الشركة اتخذت أفضل موقف في الصناعة حول الشفافية السياسية في بريطانيا، وتذهب إلى أبعد من المتطلبات القانونية. وقال السياسي البريطاني السابق نيك كليغ الذي يعمل الآن في «فيسبوك» إن الشركة سوف تقيم مركز عمليات في دبلن للتركيز على نزاهة الإعلانات السياسية، وذلك في محاضرة له ألقاها في بروكسل. وقال كليغ إن هذا التوجه يقع ضمن جهود الشركة لمكافحة الأخبار الكاذبة ويشارك فيها خبراء من جميع أقسام الشركة.
لكن على الرغم من جهود شركات مثل «فيسبوك» لتعزيز الشفافية والنزاهة في مجال الإعلانات السياسية، فإن لجنة برلمانية بريطانية حذرت من التساهل في عدم تعديل القانون لفرض رقابة على شركات التواصل الاجتماعي من أجل الالتزام بقواعد الحملات الانتخابية.
وترى اللجنة أن القوانين الحالية لم تعد كافية لأنها لا تغطي حملات الانتخاب الرقمية، ولا تحدد المبالغ التي يتعين الالتزام بها في الإعلانات الرقمية أو الجهات التي تنفق الأموال ومواقعها الجغرافية. وانتقد النواب مشروع تعديل قانوني تقدمت به الحكومة البريطانية في شهر أبريل (نيسان) الماضي لم يتضمن هذه الشروط.
ولم يشمل مشروع القانون الحكومي مخاطر التمويل الأجنبي للحملات الانتخابية أو تأثير مجموعات الدعاية سواء مدفوعة أو مجانية على توجهات الناخبين. وأضافت اللجنة البرلمانية «أن الخطوات التطوعية التي قامت بها إدارة (فيسبوك) من أجل تحديد الإعلانات السياسية والجهات الممولة لها، جاءت محدودة للغاية ولا تعالج المخاوف الشعبية».
من النقاط الأخرى التي أثارتها اللجنة البرلمانية ضرورة الحياد في تعيين المراقب العام على جهة الإشراف على شركات التواصل. وطالبت اللجنة بحق الفيتو على أي تعيين حكومي حتى يتم اكتساب ثقة الرأي العام بضمان اللجنة، مثلما هو الحال في لجان أخرى مالية وثقافية.
من ناحية أخرى قام صحافي من «بي بي سي» اسمه رامول راجان ببحث ميداني قبل شهرين للتحري عمن يراقب الإعلانات السياسية على الإنترنت. وكانت ردود الفعل متفاوتة بين ثلاث جهات إشراف. فمن ناحية قالت لجنة الإشراف على الانتخابات أن تركيزها هو على تمويل الحملات الانتخابية، وقالت لجنة أخرى إنها تهتم فقط بسرية المعلومات الشخصية وحماية الأفراد. وأكدت لجنة الإشراف على معايير الإعلانات أنها لا تتعامل مع الإعلانات السياسية.
وهنا تتضح الفجوة التي تنفذ منها حملات الدعاية السياسية الممولة سرا على مواقع الإنترنت. وأكد الصحافي راجان أن السبيل الوحيد لمراقبة مثل هذا التمويل غير المنضبط على مواقع التواصل الاجتماعي هو سن قوانين جديدة. وبعد مراجعة مشروع القانون الذي تقدمت به الحكومة البريطانية مؤخرا، وجد راجان أنه لا يوفر سلطات كافية لضبط التدخل في السياسة من أطراف غامضة عبر الإنترنت.
المطالب الحالية من عدة جهات رقابية تشمل جوانب واضحة: يجب أن توضح أي حملات رقمية سياسية على الإنترنت الجهات التي تقف وراءها وأن يمنع تماما تدخل جهات أجنبية خصوصا من جهة التمويل. وتضيف لجنة الانتخابات أن الغرامات يجب أن تكون أعلى مقارنة بما تحققه شركات التواصل من مكاسب هائلة، وأن تتمتع اللجنة بسلطات أعلى للحصول على المعلومات من شركات التواصل. وحتى الآن لا يغطي القانون البريطاني هذه الفجوات ولكن الوعي المتزايد بها قد يغير الوضع قريبا.

الآراء تختلف حول منع «تويتر» للإعلانات السياسية
> أثار قرار منصة «تويتر» للتواصل الاجتماعي الكثير من ردود الفعل المؤيدة والمعارضة لقرارها منع الإعلانات السياسية، وهو قرار يقول المعلقون إنه قرار اتخذ لأنه لن يكلفها كثيرا. المؤيدون يدعمون القرار على أساس أن ناشري الأخبار الكاذبة يجدون سهولة هذه الأيام في نشر الشائعات والادعاءات التي لا تستند إلى الصحة على منصات التواصل الاجتماعي ويحدث هذا بكم ضخم وبلا رقيب. والضمان الأساسي لعدم تسرب مثل هذه الأكاذيب إلى المجال السياسي هو منع الإعلانات السياسية بالمرة.
وتشير تقارير «تويتر» إلى أن المنصة حققت ثلاثة ملايين دولار فقط من إعلانات الانتخابات الأميركية النصفية في عام 2018 ولم يستخدمها إعلانياً سوى 27 جهة فقط في الانتخابات البرلمانية الأوروبية هذا العام.
المعارضون يأخذون هذه الحسابات كدليل على أن «تويتر» لا يسعى إلى الشفافية السياسية بقدر ما يسعى إلى تسجيل النقاط في مجال لا يحقق له الكثير من الأرباح. ويقول أصحاب هذا الموقف أن القرار الصحيح ليس في المنع أو السماح بنشر الإعلانات السياسية، بل باتخاذ قرار وسطي والتأكد من صحة المعلومات قبل نشرها إعلانيا.
كما يرى هؤلاء أن المسألة أكثر تعقيدا من مجرد المنع وأن الجوانب الأكثر خطورة هي استهداف الأفراد من ذوي الميول المعينة بالإعلانات السياسية، وهو جانب يستوجب المنع.
والاعتقاد السائد هو أن «تويتر» اتخذ هذا القرار بناء على قواعد مالية وليس آيديولوجية أو أخلاقية.

معركة الانتخابات البريطانية المقبلة تجري على مواقع التواصل الاجتماعي
> تقبل بريطانيا على انتخابات برلمانية حاسمة في الـ12 من شهر ديسمبر (كانون الأول) المقبل. وتجري الاستعدادات من الآن على خوض معركة عاتية لانتزاع أصوات الناخبين عبر التواصل معهم على وسائط التواصل الاجتماعي. فالمجالات الإعلامية الأخرى سواء في الصحف أو الراديو أو التلفزيون محدودة بفعل قلة الإقبال وعدم الاهتمام والقيود المفروضة على المحتوى الإعلاني، خصوصا في المجال الإلكتروني.
حزب المحافظين الحاكم استدعى خدمات عدد من خبراء الميديا من أجل إدارة حملة الحزب الإلكترونية خصوصا على «فيسبوك»، وذلك بعد أن تعلم الحزب الدرس من فشل حملته الإلكترونية السابقة في انتخابات عام 2017 التي تفوق فيها حزب العمال. وسبق لجهود هؤلاء الخبراء أنفسهم أن نجحت في أستراليا التي فاز فيها ائتلاف يميني ضد كل التوقعات بفضل حملات الإنترنت.
المؤشرات الأولية في بريطانيا تشير إلى أن الأحزاب اليمينية هي الأكثر إنفاقا حتى الآن على وسائل التواصل الاجتماعي مثل حزب «بريكست» الذي بلغ إنفاقه نحو 107 آلاف إسترليني (139 ألف دولار)، وحزب المحافظين الذي أنفق 100 ألف إسترليني (130 ألف دولار) في الأيام القليلة الماضية. ومن المتوقع أن تتضاعف هذه المبالغ في الأسابيع المقبلة حتى موعد الانتخابات وأن تلحق أحزاب أخرى بحملات الترويج الانتخابي على الإنترنت.
وعلى الرغم أن القوانين البريطانية ما زالت قاصرة في تنظيم عمل وسائل التواصل الاجتماعي، فإن الشركات نفسها تبنت المزيد من الشفافية في الإفصاح عن نشاطها ومدخولها الإعلاني بناء على الضغوط العامة التي واكبت نشر الأخبار الكاذبة عليها، وظهور بعض الفضائح في عدم المحافظة على سرية معلومات مستخدمي الشبكة.
وما زالت المخاوف والشكوك تلاحق ما ينشر على وسائط التواصل الإلكتروني، خصوصا فيما يتعلق بالتدخل الأجنبي كما حدث في الانتخابات الرئاسية الأميركية الأخيرة في عام 2016، وأيضا نشر الأخبار الكاذبة والشائعات.
وفي «فيسبوك»، أكبر شبكة تواصل في العالم، تحسنت وسائل ضبط المعلومات المنشورة عليها ولكن المؤسسة لم تمنع الإعلانات السياسية مثلما فعلت منصة «تويتر»، ولذلك فهي تتعرض لأكبر نسبة من النقد على معلومات مغلوطة تنشر عليها. ولا تقتصر الحملات الانتخابية على «فيسبوك» وحده بل يشمل مواقع أخرى متنوعة مثل إنستغرام وغوغل وتويتر وسنابتشات وواتساب.



هل تنجح مساعي دمج صُنّاع المحتوى داخل غُرف الأخبار؟

صحف سعت لاجتذاب صُنّاع المحتوى (متداولة)
صحف سعت لاجتذاب صُنّاع المحتوى (متداولة)
TT

هل تنجح مساعي دمج صُنّاع المحتوى داخل غُرف الأخبار؟

صحف سعت لاجتذاب صُنّاع المحتوى (متداولة)
صحف سعت لاجتذاب صُنّاع المحتوى (متداولة)

يبدو أن ثمة تطوراً جديداً ربما يظهر داخل «غرف الأخبار»، بعدما سعت صحف بارزة، مثل «واشنطن بوست»، لاجتذاب صُنّاع المحتوى بهدف «تعزيز التواصل مع الجمهور»، في حين أثارت مساعي دمج صُنّاع المحتوى (المؤثرون) داخل غُرف الأخبار تساؤلات بشأن «ضمانات التوازن بين المعايير المهنية والتكيّف مع تطلّعات الجمهور».

ووفق تقرير معهد «رويترز لدراسة الصحافة»، العام الماضي، فإن «الجمهور من الفئات الأقل من أربعين عاماً يعيرون اهتماماً أكبر لصُنّاع المحتوى، أو ما يطلقون عليهم لقب (مؤثرون)، بوصفهم مصدراً للمعلومات وكذلك الأخبار».

كما أشارت دراسة استقصائية ضمن مبادرة «بيو-نايت» الأميركية، المعنية برصد التغيرات في كيفية استهلاك الأخبار والمعلومات، في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، إلى أن أكثر من خُمس البالغين في الولايات المتحدة يعتمدون بانتظام على «المؤثرين» للحصول على الأخبار.

ومع ذلك، فإن معظم هؤلاء «المؤثرين» الذين ينشرون الأخبار لا ينتمون إلى مؤسسات إخبارية ولا يخضعون لتدريب صحافي. وحسب دراسة أجرتها منظمة «اليونيسكو» ونُشرت نتائجها، نهاية نوفمبر الماضي، فإن غالبية هؤلاء المؤثرين (62 في المائة) لا يتحقّقون من صحة المعلومات التي يشاركونها مع جمهورهم، ما يُثير مخاوف من انتشار «المعلومات الزائفة».

ومعروف أن ثمة تجارب بدأت تخوضها أخيراً غرف الأخبار للدمج بين الصحافي المدرب وصانع المحتوى صاحب الكاريزما والجمهور. وظهرت، في هذا الإطار، نماذج؛ مثل: «واشنطن بوست»، والمنصة الأميركية «مورنينغ بيرو» التي أطلقت بالفعل مبادرات يقودها صُنّاع محتوى على منصات التواصل الاجتماعي، غير أن الاتجاه لا يزال قيد التجربة والتقييم، حسب ما يبدو.

الخبير في إدارة وتحليل بيانات «السوشيال ميديا»، مهران كيالي، رهن نجاح تجربة دمج صُنّاع المحتوى في غرف الأخبار بـ«تنظيم العلاقة بين الطرفين»، وقال لـ«الشرق الأوسط» إنه «على غرف الأخبار أن توفّر لصُنّاع المحتوى أدوات؛ مثل: التحقق من المصادر، والالتزام بأخلاقيات الصحافة، في حين يقدّم صُنّاع المحتوى خبراتهم في الإبداع الرقمي وفهم الجمهور على المنصات الحديثة». وأضاف: «كما يجب تقنين العلاقة من خلال وضع إطار واضح يحدّد المسؤوليات وأسلوب العمل».

غير أن كيالي أشار إلى «تحديات أمام تجربة دمج صُنّاع المحتوى في غرف الأخبار»، قائلاً: «هناك نظرة سلبية من قِبل بعض الصحافيين التقليديين تجاه صُنّاع المحتوى، بل هم يعدونهم دخلاء على المهنة، رغم امتلاكهم جمهوراً واسعاً وتأثيراً كبيراً». وأضاف: «بعض المؤسسات الصحافية تعاني صعوبة التكيّف مع أسلوب المحتوى السريع والبسيط الذي يتناسب مع منصات التواصل الاجتماعي، خشية خسارة الصورة الوقورة أمام الجمهور».

وعدّ كيالي أن غرف الأخبار قبل أن تستعين بصُنّاع المحتوى، هي بحاجة إلى «التجهيزات والإجراءات التي تمكّن الصحافيين من إنتاج ونشر محتوى رقمي جذاب بسرعة».

وعن الحلول لتجاوز هذه التحديات، أوضح الخبير في إدارة وتحليل بيانات «السوشيال ميديا» أنه «يجب على المؤسسات تحديث سياساتها وتوفير الدعم الفني والتدريب اللازم للصحافيين، مع تغيير النظرة السلبية تجاه صُنّاع المحتوى والبحث عن تعاون».

وأشار كذلك إلى أهمية تحقيق التوازن بين المهنية والتطوير، قائلًا: «بعض غرف الأخبار تحتاج إلى تعزيز مصداقيتها بالالتزام بمبادئ الصحافة، من خلال تجنّب المصادر غير الموثوقة وتدقيق المعلومات قبل نشرها»، و«لجذب الجمهور، يجب تقديم محتوى يلامس اهتماماته بأسلوب مبسط مع استخدام أدوات حديثة مثل الفيديوهات القصيرة؛ مما يضمن الجمع بين الدقة والجاذبية لتعزيز الثقة بعصر المنافسة الرقمية».

المحاضرة في الإعلام الرقمي بالجامعة البريطانية في القاهرة، ياسمين القاضي، ترى أن بعض المؤسسات الإخبارية لا تزال تعتمد الاستراتيجيات «القديمة» نفسها على وسائل التواصل الاجتماعي، وقالت لـ«الشرق الأوسط»: «منذ سنوات تبنّت بعض وسائل الإعلام مفهوم (التحويل إلى منصات) من خلال جمع المعلومات وتدقيقها، وهو الدور الأصيل للصحافة، ثم نشرها بأسلوب يحاكي وسائل التواصل الاجتماعي، غير أن هذا الاتجاه ربما لن يكون كافياً في ضوء احتدام المنافسة مع صُنّاع المحتوى، مما أفرز اتجاه الاستعانة بـ(المؤثرين)».

وأوضحت القاضي أن «الغرض من دمج صُنّاع المحتوى في غرف الأخبار، هو تقديم المعلومات المدققة بأسلوب مبتكر». وأضافت أن «الاستعانة بشخصية مؤثرة لنقل المعلومات لا تعني بالضرورة المساس بمصداقية المحتوى ودقته، فالأمر يعتمد على مهارة كُتّاب المحتوى، فكلما كان الكُتاب صحافيين محترفين يسعون لتطوير أدواتهم ضمنت منصة الأخبار تقديم معلومات دقيقة وموثوقة».