مخاوف من تمدد احتجاجات تشيلي إلى دول أخرى في أميركا اللاتينية

20 قتيلاً ومئات الجرحى وآلاف المعتقلين بسببها

آثار حريق أشعله متظاهرون في مطعم بسنتياغو أمس (أ.ف.ب)
آثار حريق أشعله متظاهرون في مطعم بسنتياغو أمس (أ.ف.ب)
TT

مخاوف من تمدد احتجاجات تشيلي إلى دول أخرى في أميركا اللاتينية

آثار حريق أشعله متظاهرون في مطعم بسنتياغو أمس (أ.ف.ب)
آثار حريق أشعله متظاهرون في مطعم بسنتياغو أمس (أ.ف.ب)

دعا الأمين العام لمنظمة البلدان الأميركية، لويس ألماغرو، حكومات أميركا اللاتينية إلى التوقّف عند الأحداث التي تشهدها عدة دول في شبه القارة، واستخلاص العِبر منها لتفادي تفاقم الأوضاع الاجتماعية وما يمكن أن تولّده من احتجاجات «قد تقضي على منجزات السنوات الماضية التي تحققت بفضل تضحيات وجهود كبيرة».
وكان ألماغرو يتحدّث في ندوة نظّمتها لجنة الأمم المتحدة الاقتصادية لأميركا اللاتينية في العاصمة التشيلية سانتياغو، كانت مبرمجة قبل اندلاع الاحتجاجات الشعبية في الثامن عشر من الشهر الماضي في تشيلي التي تُعتبر قدوة في أميركا اللاتينية من حيث النمو الاقتصادي الذي حققته في العقود الثلاثة المنصرمة والاستقرار السياسي الذي تشهده منذ نهاية الحكم الديكتاتوري في العام 1990.
وقال الأمين العام للمنظمة التي تضمّ بلدان أميركا اللاتينية والكاريبي إلى جانب الولايات المتحدة وتتخذّ من واشنطن مقرّاً لها، إن «الدرس الأهمّ من الأزمة التشيلية هو عدم الوقوع في سراب أرقام الاقتصاد الكلّي عندما تخفي وراءها ظروفاً اجتماعية صعبة». وأضاف: «ما أدهش الكثيرين في هذه الأزمة أن تشيلي كانت من أنجح البلدان في معركتها ضد التخلّف، في الوقت الذي حققت تقدّماً اقتصادياً مذهلاً إلى أن بلغ دخل الفرد في العام الماضي 15 ألف دولار سنوياً تعادل قدرة شرائية بقيمة 23 ألف دولار، مع ازدياد عدد أصحاب الدخل المتوسط وتراجع ملحوظ في نسبة البطالة».
في غضون ذلك، تتواصل التعبئة والاحتجاجات الشعبية في معظم المدن التشيلية الكبرى بعد ثلاثة أسابيع تقريباً من انفجار الأزمة، ومن المقرر أن تخرج مظاهرة مليونية في العاصمة سانتياغو بعد غد الأحد، رغم تراجع الحكومة عن حزمة قراراتها الاقتصادية والاعتذار العلني الذي قدّمه رئيس الجمهورية سيباستيان بينييرا.
وبعد وقوع 20 قتيلاً ومئات الجرحى وآلاف المعتقلين، تبدو الحكومة عاجزة عن تهدئة الاحتجاجات التي تهدد بمزيد من العنف في الأيام المقبلة. ويقول مراقبون محلّيون إن «المشكلة تكمن في انحباس القوى والأحزاب التشيلية ضمن فقاعة عزلتها عن الواقع الاجتماعي الذي يغلي على استياء منها.. وفي أن المباهاة بالنمو الاقتصادي لم تعد تحجب خيبة الكثيرين الذين لم ينعموا بهذا النمو».
ويقول إيفان سواريز الباحث في جامعة سانتياغو، إن «المجتمع التشيلي يطالب بخدمات عامة في متناول الجميع بعد أن تبنّت الحكومات الماضية السياسة الاقتصادية التي اتبعتها الديكتاتورية العسكرية وأحالت إلى القطاع الخاص معظم الخدمات التي تبقى عادة تحت إشراف القطاع العام، مثل الصحة والتعليم والمعاشات التقاعدية». ويضيف سواريز، الذي أشرف على الدراسة التي أعدتها مؤخراً لجنة الأمم المتحدة الاقتصادية لأميركا اللاتينية عن الأوضاع الاجتماعية في شبه القارة، إن «ثمّة حالة واضحة من الطلاق بين المواطنين ومن يُفترض أنهم يمثّلونهم في المؤسسات، من حكومات ومعارضة على السواء، وشعورا عميقا بأن الغالبية بقيت على هامش التنمية التي تحققت في العقود الثلاثة المنصرمة».
ويتخوّف مراقبون دبلوماسيون في العاصمة التشيلية من الصعوبات التي تواجه الحكومة والمعارضة في إيجاد مخرج من هذه الأزمة التي تعتبر الأخطر في تشيلي منذ سقوط الديكتاتورية، ويخشون من امتدادها إلى دول أخرى في أميركا اللاتينية تعيش صعوبات اقتصادية واجتماعية أقسى من تشيلي.
وتجدر الإشارة أن الرئيس التشيلي، الذي تأخّر في التجاوب مع المطالب الاحتجاجية وركّز خطابه في المرحلة الأولى على الناحية الأمنية متجاهلاً الأسباب الاجتماعية التي دفعت المواطنين للخروج إلى الشارع، وجد نفسه مضطرّاً لتكليف القوات المسلّحة معالجة الوضع ودفع بها خارج ثكناتها للمرة الأولى منذ سقوط الديكتاتورية، ما أثار مخاوف كبيرة من فتح شهيّة الجيش لاستعادة السيطرة على الحياة السياسية.
ولم ينفع استدراك بينييرا بإعلانه حزمة من الإجراءات الاجتماعية، مثل زيادة المعاشات التقاعدية بنسبة 20 ٪، وتغيير معظم الوزراء السياسيين والاقتصاديين في حكومته، في تهدئة الوضع الذي ينذر بجولة جديدة من التصعيد، فيما تراجعت شعبيته إلى أدنى مستوياتها حتى بلغت حسب الاستطلاعات الأخيرة 14 ٪. وما يزيد من خطورة هذه الأزمة، في رأي دانييل مانسوي أستاذ العلوم السياسية في جامعة الأنديز، «أن الطبقة الحاكمة فشلت في معالجة أسباب الاستياء الشعبي، واكتفت باستعراض برلماني ومشادات سياسيّة زادت من نقمة المواطنين الذين يشعرون بأن هذه الطبقة لا تمثّلهم ولا تدافع عن مصالحهم».



موسكو تلعب على التصعيد النووي في انتظار عودة ترمب إلى البيت الأبيض

الرئيس الروسي فلاديمير بوتين خلال اجتماع في موسكو 21 نوفمبر 2024 (رويترز)
الرئيس الروسي فلاديمير بوتين خلال اجتماع في موسكو 21 نوفمبر 2024 (رويترز)
TT

موسكو تلعب على التصعيد النووي في انتظار عودة ترمب إلى البيت الأبيض

الرئيس الروسي فلاديمير بوتين خلال اجتماع في موسكو 21 نوفمبر 2024 (رويترز)
الرئيس الروسي فلاديمير بوتين خلال اجتماع في موسكو 21 نوفمبر 2024 (رويترز)

يشكّل تحديث العقيدة النووية لروسيا الذي أعلنه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين مؤخراً، تحذيراً للغرب، وفتحاً ﻟ«نافذة استراتيجية» قبل دخول الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب البيت الأبيض، وفق تحليل لصحيفة «لوفيغارو» الفرنسية.

«إن تحديث العقيدة النووية الروسية يستبعد احتمال تعرّض الجيش الروسي للهزيمة في ساحة المعركة»، بيان صادر عن رئيس الاستخبارات الخارجية الروسية، سيرغي ناريتشكين، لا يمكن أن يكون بياناً عادياً، حسب «لوفيغارو». فمن الواضح، حسب هذا التصريح الموجه إلى الغربيين، أنه من غير المجدي محاولة هزيمة الجيش الروسي على الأرض، لأن الخيار النووي واقعي. هذه هي الرسالة الرئيسة التي بعث بها فلاديمير بوتين، الثلاثاء، عندما وقّع مرسوم تحديث العقيدة النووية الروسية المعتمد في عام 2020.

ويدرك الاستراتيجيون الجيوسياسيون الحقيقة الآتية جيداً: الردع هو مسألة غموض (فيما يتعلّق باندلاع حريق نووي) ومسألة تواصل. «وفي موسكو، يمكننا أن نرى بوضوح الذعر العالمي الذي يحدث في كل مرة يتم فيها نطق كلمة نووي. ولا يتردد فلاديمير بوتين في ذكر ذلك بانتظام، وفي كل مرة بالنتيجة المتوقعة»، حسب الصحيفة. ومرة أخرى يوم الثلاثاء، وبعد توقيع المرسوم الرئاسي، انتشرت موجة الصدمة من قمة مجموعة العشرين في كييف إلى بكين؛ حيث حثّت الحكومة الصينية التي كانت دائماً شديدة الحساسية تجاه مبادرات جيرانها في ما يتصل بالمسائل النووية، على «الهدوء» وضبط النفس. فالتأثير الخارق الذي تسعى روسيا إلى تحقيقه لا يرتبط بالجوهر، إذ إن العقيدة النووية الروسية الجديدة ليست ثورية مقارنة بالمبدأ السابق، بقدر ارتباطها بالتوقيت الذي اختارته موسكو لهذا الإعلان.

صورة نشرتها وزارة الدفاع الروسية في الأول من مارس 2024 اختبار إطلاق صاروخ باليستي عابر للقارات تابع لقوات الردع النووي في البلاد (أ.ف.ب)

العقيدة النووية الروسية

في سبتمبر (أيلول) الماضي، وفي حين شنّت قوات كييف في أغسطس (آب) توغلاً غير مسبوق في منطقة كورسك في الأراضي الروسية، رد فلاديمير بوتين بتحديد أنه يمكن استخدام الأسلحة النووية ضد دولة غير نووية تتلقى دعماً من دولة نووية، في إشارة واضحة إلى أوكرانيا والولايات المتحدة. لكن في نسخة 2020 من الميثاق النووي الروسي، احتفظت موسكو بإمكانية استخدام الأسلحة الذرية أولاً، لا سيما في حالة «العدوان الذي تم تنفيذه ضد روسيا بأسلحة تقليدية ذات طبيعة تهدّد وجود الدولة ذاته».

وجاء التعديل الثاني في العقيدة النووية الروسية، الثلاثاء الماضي، عندما سمحت واشنطن لكييف باستخدام الصواريخ بعيدة المدى: رئيس الكرملين يضع ختمه على العقيدة النووية الجديدة التي تنص على أن روسيا ستكون الآن قادرة على استخدام الأسلحة النووية «إذا تلقت معلومات موثوقة عن بدء هجوم جوي واسع النطاق عبر الحدود، عن طريق الطيران الاستراتيجي والتكتيكي وصواريخ كروز والطائرات من دون طيار والأسلحة التي تفوق سرعتها سرعة الصوت». وحسب المتخصصة في قضايا الردع في المعهد الفرنسي للعلاقات الدولية (إيفري)، هيلواز فايت، فإن هذا يعني توسيع شروط استخدام السلاح النووي الروسي.

الرئيس الروسي فلاديمير بوتين يصافح الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب خلال اجتماع على هامش قمة مجموعة العشرين في أوساكا باليابان 28 يونيو 2019 (رويترز)

انتظار عودة ترمب

لفترة طويلة، لاحظ صقور الاستراتيجية الجيوستراتيجية الروسية أن الردع الروسي تلاشى. وبالنسبة إليهم، فقد حان الوقت لموسكو لإعادة تأكيد خطوطها الحمراء من خلال «إعادة ترسيخ الخوف» من الأسلحة النووية، على حد تعبير سيرغي كاراجانوف، الخبير الذي يحظى باهتمام فلاديمير بوتين. ةمن هذا المنظار أيضاً، يرى هؤلاء المختصون اندلاع الحرب في أوكرانيا، في 24 فبراير (شباط) 2022، متحدثين عن «عدوان» من الغرب لم تكن الترسانة النووية الروسية قادرة على ردعه. بالنسبة إلى هؤلاء المتعصبين النوويين، ينبغي عدم حظر التصعيد، بل على العكس تماماً. ومن الناحية الرسمية، فإن العقيدة الروسية ليست واضحة في هذا الصدد. لا تزال نسخة 2020 من العقيدة النووية الروسية تستحضر «تصعيداً لخفض التصعيد» غامضاً، بما في ذلك استخدام الوسائل غير النووية.

وحسب قناة «رايبار» المقربة من الجيش الروسي على «تلغرام»، فإنه كان من الضروري إجراء تحديث لهذه العقيدة؛ لأن «التحذيرات الروسية الأخيرة لم تُؤخذ على محمل الجد».

ومن خلال محاولته إعادة ترسيخ الغموض في الردع، فإن فلاديمير بوتين سيسعى بالتالي إلى تثبيط الجهود الغربية لدعم أوكرانيا. وفي ظل حملة عسكرية مكلفة للغاية على الأرض، يرغب رئيس «الكرملين» في الاستفادة من الفترة الاستراتيجية الفاصلة بين نهاية إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن ووصول الرئيس المنتخب دونالد ترمب إلى البيت الأبيض، الذي يتوقع منه بوتين مبادرات سلام محتملة لإنهاء الحرب.

يسعى بوتين، وفق الباحثة في مؤسسة «كارنيغي»، تاتيانا ستانوفايا، لوضع الغرب أمام خيارين جذريين: «إذا كنت تريد حرباً نووية، فستحصل عليها»، أو «دعونا ننهي هذه الحرب بشروط روسيا».