القضاء الجزائري يسجن وزيرة سابقة بشبهات فساد

خليدة تومي ارتبط اسمها بالنضال من أجل حرية المرأة وكانت قريبة من بوتفليقة

قضاة خلال احتجاج أمام المحكمة العليا في العاصمة الجزائرية أمس (أ.ب)
قضاة خلال احتجاج أمام المحكمة العليا في العاصمة الجزائرية أمس (أ.ب)
TT

القضاء الجزائري يسجن وزيرة سابقة بشبهات فساد

قضاة خلال احتجاج أمام المحكمة العليا في العاصمة الجزائرية أمس (أ.ب)
قضاة خلال احتجاج أمام المحكمة العليا في العاصمة الجزائرية أمس (أ.ب)

أمرت المحكمة العليا في الجزائر أمس بإيداع وزيرة الثقافة السابقة خليدة تومي، الحبس المؤقت في سجن الحراش بضواحي العاصمة. وكانت تومي قد تلقت مثلت أمس أمام المحكمة العليا بعد استدعائها للتحقيق معها، في إطار امتياز التقاضي، الذي تحظى به بصفتها وزيرة سابقة (2002-2014). وركزت تحقيقات المحكمة على أوجه إنفاق المال العام خلال تنظيم عدد من التظاهرات الخاصة، حسبما أفادت تقارير إعلامية محلية.
ويأتي استجوابها في ظل حملة تقودها السلطات منذ شهور ضد متهمين بالفساد، وهي حملة أدت إلى سجن عدد من الوزراء من فترة حكم الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة.
وأكد مصدر قضائي لـ«الشرق الأوسط» أن القاضي المستشار المكلف بالتحقيق في قضايا الفساد، بالمحكمة العليا، طرح أسئلة على تومي تتعلق بتسيير الحسابات المالية لوزارة الثقافة، والإنفاق على تظاهرات ثقافية وفنية عدت مكلفة بالنسبة إلى خزينة الدولة، منها: «الجزائر عاصمة الثقافة العربية» (2007)، و«تلمسان عاصمة الثقافة الإسلامية» (2011).
واستمر التحقيق مع تومي (61 سنة) إلى آخر النهار، قبل الكشف عن صدور الحكم بإيداعها السجن ليل أمس.
وكانت صحيفة «الوطن» الفرنكفونية قد ذكرت، الأسبوع الماضي، بموقعها الإلكتروني، أن الشرطة اعتقلتها لعرضها على قاضي التحقيق. غير أنها سحبت الخبر، بناء على اتصال من تومي التي نفت اعتقالها، كما نفت في وقت سابق أخباراً عن «هروبها» إلى فرنسا بعدما شعرت بأنها مستهدفة.
وارتبط اسم تومي بالنضال من أجل حرية المرأة والديمقراطية في ثمانينات القرن الماضي. وأصبحت بعد وصول بوتفليقة إلى الحكم من أقرب المسؤولين إليه.
وعادت تومي إلى الواجهة بعد اعتقال لويزة حنون، زعيمة «حزب العمال»، في 9 مايو (أيار) الماضي. فقد شاركت في تجمع للمطالبة بإطلاق سراحها، وكانت تجمعهما «صداقة سياسية» قوية. ونددت تومي بشدة بسجن حنون من طرف القضاء العسكري الذي اتهمها بـ«التآمر على الجيش» و«التآمر على سلطة الدولة»، وأدانها بـ15 سنة سجناً في 24 سبتمبر (أيلول) الماضي. ولقي المصير نفسه السعيد بوتفليقة، شقيق الرئيس السابق، ومديرا المخابرات السابقان الفريق محمد مدين، المدعو «الجنرال توفيق»، واللواء عثمان طرطاق، المدعو «بشير». يشار إلى أن المحكمة العليا سجنت مسؤولين كباراً ورجال أعمال بارزين في عهد بوتفليقة بتهم فساد، أبرزهم رئيسا الوزراء السابقان أحمد أويحيى وعبد المالك سلال.
وفي غضون ذلك، طالب يسعد مبروك، رئيس نقابة القضاة، خلال مظاهرة بالمحكمة العليا، أمس، بتنحية وزير العدل بلقاسم زغماتي الذي حمله مسؤولية أعمال العنف التي وقعت بمجلس قضاء وهران، إثر تدخل قوات مكافحة الشغب (التابعة للدرك) إلى حرم المحكمة لإنهاء حالة الإضراب به.
وأكد مبروك، الذي كان محاطاً بقضاة يعملون بهيئات قضائية كبيرة، أن «استعمال القوة تسبب في إصابة قضاة بجروح متفاوتة الخطورة»، وقال: «نتمسك بحقنا في اتخاذ التدابير القانونية المناسبة ضد المسؤولين عن المهزلة التي وقعت بوهران».
يشار إلى أن الإضراب بدأ، الأربعاء الماضي، كاحتجاج على عملية نقل واسعة للقضاة، شملت قرابة 3 آلاف قاضٍ من أصل 6700. وصرح زغماتي بأن العملية «تندرج في سياق الحرب على شبكات الفساد». وكان يقصد، بحسب مراقبين، أن قضاة ضالعون في ملفات فساد قادت إلى السجن كثيراً من وجهاء النظام، ممن يسميهم رئيس أركان الجيش، الفريق أحمد قايد صالح، «العصابة».
وشوهد أمس رجال أمن بأعداد كبيرة بمحكمة سيدي امحمد، وهي أكبر المحاكم الست التي توجد بالعاصمة، في أثناء تنصيب رئيستها الجديدة التي جاءت بها التغييرات الأخيرة. وتم منع القضاة المضربين بالمحكمة من القيام بأي نشاط يحول دون تسلمها مهامها.



«موائد الرحمن» في مصر لا تزال صامدة رغم تأثرها بـ«الغلاء»

«مائدة رحمن» وسط القاهرة بالقرب من محطة مترو سعد زغلول (الشرق الأوسط)
«مائدة رحمن» وسط القاهرة بالقرب من محطة مترو سعد زغلول (الشرق الأوسط)
TT

«موائد الرحمن» في مصر لا تزال صامدة رغم تأثرها بـ«الغلاء»

«مائدة رحمن» وسط القاهرة بالقرب من محطة مترو سعد زغلول (الشرق الأوسط)
«مائدة رحمن» وسط القاهرة بالقرب من محطة مترو سعد زغلول (الشرق الأوسط)

لم تغب «موائد الرحمن» عن الشارع المصري في رمضان، رغم تأثرها بارتفاع الأسعار؛ لتقل الوجبات في البعض، وتُقتصد مكونات بعضها، لكنها تظل صامدة ملبية حاجة الآلاف من قاصديها، ممن ينتظرون الشهر الكريم، لتخفيف الأعباء عنهم مع ارتفاع مستويات التضخم.

وتسجل مصر نسبة عالية من التضخم على أساس سنوي، بلغت في يناير (كانون الثاني) الماضي 22.6 في المائة، في وقت يتجاوز الفقراء نسبة الـ30 في المائة، وفق البنك الدولي في مايو (أيار) الماضي.

ورغم المخاوف التي سبقت شهر رمضان هذا العام من أن تؤثر ارتفاعات الأسعار أو جهود الإغاثة الموجهة إلى غزة، على حجم «موائد الرحمن» بشكلها التقليدي، أو في تطوراتها بأشكال أخرى مثل مبادرات «الإطعام المغلف»، فإن الأيام الأولى من الشهر أثبتت العكس، مع انتشار الموائد؛ جوار المساجد حيناً، وداخل سرادقات على جنبات الطرق أحياناً أخرى، أو حتى أمام المحال التجارية.

نائب محافظ القاهرة يتفقد أعمال إقامة مائدة رحمن بحي مصر القديمة (محافظة القاهرة)

لا يتعجب النائب في مجلس النواب (البرلمان)، نادر مصطفى صادق، من استمرار مظاهر التكافل والدعم في مصر رغم الضغوط الاقتصادية التي طالت الجميع، قائلاً لـ«الشرق الأوسط» إن «النزعة التكافلية تتزايد لدى المصريين وقت الأزمات، فضلاً عن أن الشعب المصري قادر على التكيف مع أصعب الظروف».

وتعاني مصر أزمة اقتصادية ممتدة منذ سنوات مع نقص العملة الصعبة، ما أجبر الحكومة على اللجوء إلى صندوق النقد الدولي للاقتراض عامي 2016 و2023.

وتتنوع أشكال «موائد الرحمن»، فخلاف التقليدية التي يجلس مرتادوها في حلقات على مائدة، يوجد ما هو أبسط، مثل المائدة التي يقيمها رفاعي رمضان (40 عاماً) القادم من الأقصر (جنوب مصر) لإقامة المائدة، وفيها يجلس مرتادوها القرفصاء على «حصيرة»، يتناولون إفطارهم، وأمامهم مسجد الحسين وسط القاهرة.

يقول رمضان لـ«الشرق الأوسط» إن عائلته اعتادت إقامة هذه المائدة منذ كان طفلاً، ورغم أن الأسعار ترتفع طوال الوقت، وأصبحت «التكلفة مرهقة»، لكنهم أصروا على مواصلة العادة، ولو بالقليل، وتكاتفت الأسرة وأبناء قريته وكل من يرغب في المساعدة لإقامتها.

استطاع رمضان، وهو يعمل معلماً، في أول أيام الشهر من تقديم «لحم وخضروات وأرز»، مشيراً إلى أن الوجبة تختلف وفق الميزانية المتاحة لديهم كل يوم.

«مائدة رحمن» يجري تجهيزها في محافظة قنا (أخبار قفط المنيا - فيسبوك)

وعلى خلاف المرونة التي يبديها رمضان في شكل الوجبة المقدمة، تكيفاً منه مع الأسعار وإمكانياتهم، تتمسك عائلة «الدخاخني» في منطقة الأميرية (تبعد نحو 15 كيلومتراً عن ميدان التحرير) بتقديم نوعية الطعام نفسها، والتي لا بد أن تضم «لحماً أو فراخاً أو كفتة» مشوية، ويعدها طباخون محترفون، حسب محمد الدخاخني (30 عاماً) وهو صاحب شركة استيراد، ويتشارك مع أشقائه في التكفل بالمائدة، التي «أصبحت تتكلف أضعاف ما كانت تتكلفه سابقاً».

يلاحظ رجل الأعمال الشاب أن «أسراً كاملة تقصد مائدتهم مؤخراً» قائلاً: «بدأ هذا الإقبال منذ العام الماضي، وظلت هذه الأسر تقصد المائدة يومياً طوال شهر رمضان».

توقع أن يستمر الأمر على المنوال ذاته هذا العام، حسب مؤشر «الإقبال الكبير» الذي لاحظه في الأيام الأولى من الشهر. و«تمتد مائدتهم الرمضانية لنحو 300 متر، وتسع نحو ألف شخص، بتكلفة تتجاوز الـ100 ألف جنيه في اليوم الواحد» على حد قوله.

ويُشترط لإقامة «مائدة رحمن» في القاهرة «تقديم طلب إلى الحي التابع لموقع المائدة، ليقوم بدراسة الموقع ومدى ملاءمته لإقامة المائدة، على أن يتم البت في الطلب خلال 72 ساعة، ودون أي رسوم» حسب بيان لمحافظ القاهرة الدكتور إبراهيم صابر، في 19 فبراير (شباط) الماضي. ويشيد النائب نادر مصطفى بالتيسيرات الرسمية لإقامة الموائد، مشيراً إلى أنه «لم يرصد أي شكوى عن وجود عراقيل، بل على العكس».

وجبة إفطار مغلفة يجري توزيعها على المحتاجين في أول يوم من رمضان (الشرق الأوسط)

وترى أستاذة علم الاجتماع الدكتورة هالة منصور، في حديث لـ«الشرق الأوسط» أن الموائد الرمضانية تعكس خصوصية للمجتمع المصري القائم على «التكافل»، لافتة إلى تطورها لأشكال أخرى سواء في «وجبات إطعام تذهب إلى المحتاج، ويستطيع استخدام الفائض منها مرة أخرى عكس المائدة، أو من خلال شنط رمضان التي تضم مواد تموينية يستطيع إعداد أكثر من وجبة منها خلال الشهر».

ولم تنجُ الأشكال المتطورة من المائدة هي الأخرى من تأثير الأسعار. كانت الأربعينية مي موسى، تعد نحو 50 وجبة إفطار يومياً في رمضان الأعوام الماضية وتوزعها على محتاجين في المناطق القريبة من سكنها في منطقة المرج (شرق العاصمة)، لكن «هذا العام ومع ارتفاع الأسعار لا أستطيع إعداد أكثر من 10 وجبات» وفق قولها.

تعتمد مي التي تعمل في مجال «المونتاج»، على أصدقاء وجيران وأقارب في المساهمة معها بتكلفة الوجبات، مشيرة إلى الصعوبة التي تواجهها في تدبير الوجبات مع «ارتفاع أسعار كل شيء تقريباً» ومع هذا «تمسكنا بالحفاظ على العادة نفسها حتى لو بعدد أقل للوجبات، أو استخدام الفراخ بدل اللحوم».

ويبلغ متوسط سعر الوجبة التي تعدها 80 جنيهاً (الدولار 50.58 جنيه). ويتراوح سعر كيلو اللحم في مصر بين 300 جنيه إلى 470 جنيهاً وفقاً لنوعها، فيما يبلغ متوسط كيلو الفراخ 100 جنيه.

وأشاد النائب في البرلمان نادر مصطفى بأساليب الإطعام المختلفة الموجودة في مصر، وأحدثها «كوبون يستطيع من يملكه أن يستبدل قيمته من محال معينة، ليشتري به ما يشاء».

ومع الإعجاب بالتطوير، ترى أستاذة علم الاجتماع أهمية الموائد التقليدية التي قد تكون الأنسب لعابري السبيل، أو من يقيم وحيداً دون أسرة، خصوصاً فيما تظهره من مظهر اجتماعي، وما تعكسه من أجواء رمضانية خاصة، مستبعدة فكرة «الوصم» بالفقر عند التناول من الموائد، التي تظهر بأشكال عديدة.

وتفرض الموائد نفسها منذ سنوات كمظهر احتفائي إلى جانب مظهرها التكافلي، مع ترسيخ تقليد لإقامة موائد طويلة ممتدة لأهالي مناطق بعينها مثل «مائدة المطرية» الشهيرة، والتي يشارك في الإفطار فيها سياسيون ومسؤولون حكوميون.