معزوفة تشكيلية استيعادية لأحمد فؤاد سليم في القاهرة

معرضه يضم 80 لوحة تعكس مراحله الفنية ما بين التجريد والتشخيص

أحمد فؤاد سليم قدم التجريد بفلسفة تحديث التراث
أحمد فؤاد سليم قدم التجريد بفلسفة تحديث التراث
TT

معزوفة تشكيلية استيعادية لأحمد فؤاد سليم في القاهرة

أحمد فؤاد سليم قدم التجريد بفلسفة تحديث التراث
أحمد فؤاد سليم قدم التجريد بفلسفة تحديث التراث

أعمال ولوحات يزيد وهجها عاماً بعد عام، هي إرث حي يتجدد، تركه الفنان التشكيلي الراحل أحمد فؤاد سليم، أحد رموز الفن التشكيلي المعاصر، يحتضنها مجمع الفنون بالزمالك في معرض استيعادي له، بمناسبة ذكرى مرور 10 سنوات على رحيله.
افتتحت المعرض وزيرة الثقافة المصرية الدكتورة إيناس عبد الدايم، والدكتور خالد سرور، رئيس قطاع الفنون التشكيلية، والفنان إيهاب اللبان، مدير مجمع الفنون بالزمالك، بحضور نقيب التشكيليين المصريين حمدي أبو المعاطي والفنان فاروق حسني، وزير ثقافة مصر الأسبق، والفنان طه قرني، وغيرهم.
وقالت وزيرة الثقافة المصرية لـ«الشرق الأوسط»: «تكمن أهمية المعرض في إحياء ذاكرة الفن التشكيلي، وإثراء للساحة التشكيلية التي لطالما كان أحد الداعمين لها وللشباب». وأضافت: «نحتفي اليوم بلوحاته التي تحتفظ بالكثير من الصدق والتماهي مع الموسيقى؛ ما يؤثر فينا كفنانين وكمتلقين».
في حين تقول السوبرانو أميرة سليم لـ«الشرق الأوسط»: «هو تكريم رمزي مهم لوالدي ولفنه ودوره في دعم شباب الفنانين، فقد كان عاشقاً للموسيقى حتى أنه كان يتمنى أن يتقن العزف على الكمان منذ طفولته، لكنه لم يكن يملك مالاً لشرائها؛ لذا ظلت الموسيقى رفيقة له في رحلته الفنية. وكان حريصاً على أن تكون الموسيقى في الخلفية ويستوحي منها الإلهام سواء من موسيقى شرقية تراثية أو طربية لأم كلثوم وعبد الوهاب، إلى جانب المقطوعات الكلاسيكية العالمية، بل كان حريصاً على أن تكون الموسيقى (العزف الحي) مصاحبة لافتتاح المعارض الفنية في قاعات العرض».
وأعربت عن سعادتها بمشاركة بعض المقتنين للوحاته لتنضم إلى المجموعة الكبيرة التي تقتنيها أسرته: «نحن نحتفظ بالكثير من أعماله؛ لأنها تعبر عن مراحل حياته ومرتبطة لدينا بذكريات كثيرة... أتصور أنه غادر عالمنا مبكراً، كان لديه الكثير من المخزون الفني والإبداعي ليقدمه».
وعن رغبه الأسرة في تأسيس متحف له يخلد ذكراه، أكدت: «لم يكن يحب أي شيء ثابت؛ لذا نفكر في إقامة معارض متنقلة عدة يراها أكبر عدد من الشباب، وحرصنا على أن نبث في هذا المعرض فيلماً تسجيلياً صغيراً عنه ليتعرفوا عليه وعلى فكره وأسلوبه في الحوار».
وحول قيمة المعرض، يقول الدكتور سرور: «المعرض يجسد تطور مراحل فنية في حياة الفنان الذي كان عاشقاً للتجريب؛ لذا سنشاهد عبر 80 لوحة تطور الرسوم والميديا و(الميكس ميديا) وهو الذي يعكس شخصيته الفنية. الفنان أحمد فؤاد سليم خلق نهضة فنية لا تزال ثمارها موجودة بيننا، فضلاً عن دوره كناقد من طراز رفيع. هذا المعرض مجرد تعبير عن امتنان لما قدمه للفن المصري وما قدمه لأجيال من الشباب».
بينما يؤكد الفنان إيهاب اللبان، مدير مجمع الفنون بالزمالك: «يأتي المعرض تقديراً لدور فنان وناقد ورائد كبير ولإلقاء مزيد من الضوء على تجربته ومسيرته المهمة التي تحرر فيها من القواعد الأكاديمية للفن، وحفر لنفسه مكانة مستقلة بين أبناء جيله والأجيال التالية بعده».
وتتميز أعمال الفنان أحمد فؤاد سليم بحس تجريدي عالٍ، لكنه معجون بالتراث العربي والمصري، فضلاً عن مرحلة الخط العربي في الثمانينات، وصولاً إلى آخر اللوحات (عمل غير مكتمل) يتوسط إحدى قاعات مجمع الفنون، وهو تصوير أكريلليك على ورق رسمها عام 2009 يمثل طبقات لونية متعددة بداخلها تكوينات تتركز في أسفل مسطح اللوحة في حين يتنزل عليها اللون الأحمر القاني، والتي تعبر عن اختلاجات الفنان في تلك المرحلة.
تجعلك لوحات أحمد فؤاد سليم مندهشاً أمام ترويضه الخطوط في المساحات وتراكيبه اللونية التي تستمد طاقتها من الإبداع الموسيقي إلى جانب الرموز والدلالات التي تحملها ضربات فرشاته، وبراعته في الموازنة بين التراكيب وكيف يخلق من الفراغ عوالم لونية مذهلة تثير الشجون والتأمل لدى المتلقي. في عدد كبير من اللوحات سنجد اهتماماً كبيراً بالطاقات الكونية، مثل تجسيده للحظات شروق الشمس وغروبها ببعد تجريدي.
وفي مجموعة الموسيقى التي تارة يجسد فيها سليم رموزاً موسيقية صريحة كالبيانو وزوجته أثناء العزف وابنته أثناء غناء السوبرانو، وتارة تجده يرسم موسيقى تنبعث من رحم اللون وتناغماته مشكلة قوالب لحنية؛ فالموسيقى معزوفة تشكيلية في لوحات أحمد فؤاد سليم؛ إذ تجد الفرشاة تتهادى على سلم لحني غير مرئي باللوحة تتماوج معه شفرات اللون وصولاً إلى أعين المتلقي.
وفي لوحات أخرى سنجد استخدامه للموتيفات والزخارف في تجسيد معنى أو قضية تشغله ومنها لوحة «طيور مهاجرة» التي اختزل فيها أسراب الطيور بتكنيك تجريدي وكأنها تريد أن تتحرر من إطار اللوحة لفضاء أرحب.
أما تصويره للجسد سنجد فلسفته في التعامل معه تكمن في اختزال التفاصيل واختزال ما هو مادي بالضرورة في مقابل إعلاء ما هو حسي وروحاني فيتماهى الجسد مع تكوينات لونية تتمحور طاقتها حول الحلم والأمل. ونجد أحياناً أخرى رسماً يبرز تفاصيل الوجه بقوة كمرآة ثلاثية الأبعاد للروح والمشاعر، وهو ما نلمسه في لوحات البورتريه التي رسمها لنفسه أو التي رسمها لزوجته وابنته.
ويضيء المعرض أيضاً على تجارب فؤاد سليم في الحفر ويلفت حداثته وسبقه لعصره في تقديم تكنيك الأبعاد الثلاثية في اللوحات عبر الخطوط والأشكال واللعب بالضوء. ويستمر المعرض حتى 19 نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل.
والفنان أحمد فؤاد سليم، المولود في محافظة دمياط عام 1936، درس الحقوق بجامعة القاهرة ثم تخلى عن دراسة القانون ليشبع عشقه للفن التشكيلي بمعهد ليوناردو دافنشي بالقاهرة، ثم شغل مناصب عدة، حيث عمل مستشاراً فنياً بالمركز الثقافي التشيكوسلوفاكي 9 أعوام، ثم تولى إدارة مجمع الفنون نحو ثلاثين عاماً حتى تولى إدارة متحف الفن المصري الحديث من عام 2005 وحتى وفاته.
ويعد سجله حافلاً بالإنجازات الفنية والجوائز، أبرزها وسام بدرجة فارس الفنون والآداب من الحكومة الفرنسية 1986، ميدالية الفن من ملكة الدنمارك 1986، الجائزة الكبرى لبينالي القاهرة الدولي الثالث 1988.



زافين قيومجيان في برنامج «شو قولك» ينقل رؤية جيل الغد

برنامج «شو قولك» مساحة حوار مع جيل الشباب (زافين قيومجيان)
برنامج «شو قولك» مساحة حوار مع جيل الشباب (زافين قيومجيان)
TT

زافين قيومجيان في برنامج «شو قولك» ينقل رؤية جيل الغد

برنامج «شو قولك» مساحة حوار مع جيل الشباب (زافين قيومجيان)
برنامج «شو قولك» مساحة حوار مع جيل الشباب (زافين قيومجيان)

في حوارات جدّية تتّسم بالموضوعية وبمساحة تعبير حرّة يطالعنا الإعلامي زافين قيومجيان ببرنامجه التلفزيوني «شو قولك» وعبر شاشة «الجديد» ينقل للمشاهد رؤية جيل الشباب لمستقبل أفضل للبنان.

ويأتي هذا البرنامج ضمن «مبادرة مناظرة» الدّولية التي تقوم على مبدأ محاورة أجيال الشباب والوقوف على آرائهم. اختيار الإعلامي زافين مقدّماً ومشرفاً على البرنامج يعود لتراكم تجاربه الإعلامية مع المراهقين والشباب. فمنذ بداياته حرص في برنامجه «سيرة وانفتحت» على إعطاء هذه الفئة العمرية مساحة تعبير حرّة. ومنذ عام 2001 حتى اليوم أعدّ ملفات وبرامج حولهم. واطّلع عن كثب على هواجسهم وهمومهم.

يرتكز «شو قولك» على موضوع رئيسي يُتناول في كل حلقة من حلقات البرنامج. وينقسم المشاركون الشباب إلى فئتين مع وضد الموضوع المطروح. ومع ضيفين معروفَين تأخذ الحوارات منحى موضوعياً. فيُتاح المجال بين الطرفين للنقاش والتعبير. وبتعليقات قصيرة وسريعة لا تتجاوز الـ90 ثانية يُعطي كل فريق رأيه، فتُطرح سلبيات وإيجابيات مشروع معيّن مقترح من قبلهم. وتتوزّع على فقرات محدّدة تشمل أسئلة مباشرة وأخرى من قبل المشاهدين. ولتنتهي بفقرة الخطاب الختامي التي توجز نتيجة النقاشات التي جرى تداولها.

ويوضح قيومجيان لـ«الشرق الأوسط»: «يهدف البرنامج إلى خلق مساحة حوار مريحة للشباب. ومهمتي أن أدير هذا الحوار بعيداً عن التوتر. فلا نلهث وراء الـ(تريند) أو ما يُعرف بالـ(رايتينغ) لتحقيق نسبِ مشاهدة عالية. وبذلك نحوّل اهتمامنا من محطة إثارة إلى محطة عقل بامتياز».

تجري مسبقاً التمرينات واختيار الموضوعات المُراد مناقشتها من قبل الشباب المشاركين. فالبرنامج يقوم على ثقافة الحوار ضمن ورشة «صنّاع الرأي»؛ وهم مجموعات شبابية يخضعون سنوياً لتمارين تتعلّق بأسلوب الحوار وقواعده. ويطّلعون على كلّ ما يتعلّق به من براهين وحجج وأخبار مزيفة وغيرها. فيتسلّحون من خلالها بقدرة على الحوار الشامل والمفيد. ويوضح زافين: «عندما يُختار موضوع الحلقة يجري التصويت لاختيار المشتركين. وبعد تأمين الفريقين، يلتقي أفرادهما بضيفي البرنامج. ومهمتهما دعم الشباب والوقوف على آرائهم. ونحرص على أن يكونا منفتحين تجاه هذا الجيل. فأهمية البرنامج تتمثل في التوفيق بين المشتركين بمستوى واحد. ولذلك نرى الضيفين لا يتصدران المشهدية. وهي عادة متّبعة من قبل المبادرة للإشارة إلى أن الشباب هم نجوم الحلقة وليس العكس».

يمثّل المشاركون من الشباب في «شو قولك» عيّنة عن مجتمع لبناني ملوّن بجميع أطيافه. أما دور زافين فيكمن في حياديته خلال إدارة الحوار. ولذلك تختار المبادرة إعلاميين مخضرمين لإنجاز هذه المهمة.

طبيعة الموضوعات التي تُثيرها كلّ مناظرة حالياً ترتبط بالحرب الدائرة في لبنان.

ويستطرد زافين: «عادة ما تُناقش هذه المناظرات موضوعات كلاسيكية تهمّ الشباب، من بينها الانتحار والموت الرحيم، ولكن هذه الاهتمامات تقلّ عند بروز حدث معيّن. فنحاول مواكبته كما يحصل اليوم في الحرب الدائرة في لبنان».

ضرورة فتح مطار ثانٍ في لبنان شكّل عنوان الحلقة الأولى من البرنامج. وتناولت الحلقة الثانية خدمة العلم.

ينتقد قيومجيان أسلوب بعض المحاورين على الشاشات (زافين قيومجيان)

«شيخ الشباب» كما يحبّ البعض أن يناديه، يرى زافين أن مهمته ليست سهلةً كما يعتقد بعضهم. «قد يُخيّل لهم أن مهمتي سهلة ويمكن لأي إعلامي القيام بها. فالشكل العام للبرنامج بمثابة فورمات متبعة عالمياً. والمطلوب أن يتقيّد بها فريق العمل بأكمله». ويستطرد: «يمكن عنونة مهمتي بـ(ضابط إيقاع) أو (قائد أوركسترا)؛ فالمطلوب مني بصفتي مقدّماً، التّحكم بمجريات الحلقة ومدتها ساعة كاملة. فالتجرّد وعدم التأثير على المشاركين فيها ضرورة. أنا شخصياً ليس لدي هاجس إبراز قدراتي وذكائي الإعلامي، والمقدم بصورة عامة لا بدّ أن ينفصل عن آرائه. وأن يكون متصالحاً مع نفسه فلا يستعرض إمكانياته. وهو أمر بتنا لا نصادفه كثيراً».

يقول زافين إن غالبية إعلاميي اليوم يتّبعون أسلوب «التشاطر» على ضيفهم. وهو أمر يبيّن عدم تمتع الإعلامي بالحرفية. ولنتمكّن من الإبقاء على هذا الأسلوب المرن لا بدّ أن نتدرّب على الأمر. وأن نملك الثقة بالنفس وهو ما يخوّلنا خلق مساحة حوار سليمة، تكون بعيدة عن الاستفزاز والتوتر وتأخذ منحى الحوار المريح».

يستمتع زافين قيومجيان بتقديم برنامجه «شو قولك»، ويقول: «أحب اكتشاف تفكير الشباب كما أني على تماس مستمر معهم من خلال تدريسي لطلاب الجامعة، وأنا أب لشابين».

يحضّر زافين قيومجيان لبرنامج جديد ينوي تقديمه قريباً عبر المحطة نفسها. ولكنه يرفض الإفصاح عن طبيعته. ويختم: «سيشكّل مفاجأة للمشاهد وأتمنى أن تعجبه».